“ويطعمون الطعام” (ح9-10).. إطعامُ على موائد القرآن

2- الشُّحُّ قرينُ الكفر.. والإطعامُ كمالُ الإيمان

إبراهيم محمد الهمداني

يعد الشح من أقبح الصفات، وأسوأ الأعمال وأرذل السلوكيات، نظرا لما فيه من مساوئ حب المال، والحرص على جمعه واكتنازه، وكراهة الإنفاق منه، وَإذَا كان البخيل يكره إنفاق ماله على غيره، فَـإنَّ الشحيح يظن بما معه حتى على نفسه، وذلك أعلى درجات الحرص والبخل، وله عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، وقد كان سبب هلاك الأمم السابقة، حَيثُ حملهم على سفك الدماء واستحلال المحارم، وهو يعبر عن حالة من النفاق، وعدم الإيمان بالله تعالى، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:- “لا بر مع الشح”؛ أي أن الشح ينفي عن حامله، أدنى خصلة من خصال البر والإحسان، ويخرجه من دائرة المشمولين بالاستجابة لقوله تعالى:- “وتعاونوا على البر والتقوى”، وبالتالي يدخله في دائرة المتعاونين على الإثم والعدوان، والجفاء وقسوة القلب، وَإذَا كان البخل أشنع الرذائل، فَـإنَّه يعكس الوجه الآخر للكفر، الذي يعد أقبح العقائد، لما يتركه الشح في نفس صاحبه، من عدم الثقة بالله، وما يتبع ذلك من فقدان الإيمان بالله تعالى تدريجيًّا، حتى يصبح مسمى “مؤمن”، مفرغ تماماً من دلالته ومعناه.

إن عدم الحض على طعام المسكين، يعد شاهدا واقعيا ملموسا، على قبح الشح وخطره؛ لأَنَّه يمتنع عن أداء حق/ طعام المسكين، الذي أوجبه الله تعالى، وأكّـد عليه ورغَّبَ فيه، فبشر فاعله بالخير في الدنيا والجنة في الآخرة، وأنذر تاركه بعذاب جهنم وبئس المصير، وقد ورد عدم الحض على الإطعام، في القرآن الكريم، معطوفا على الكفر بالله تعالى، في أكثر من موضع، منها على سبيل المثال:-

وقوله تعالى:- “بِسْمِ اْللَّهِ اْلرَّحْمَٰنِ اْلرَّحِيمِ

أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يُكَذِّبُ بِاْلدِّينِ (١) فَذَٰلِكَ اْلَّذِي يَدُعُّ اْلْيَتِيمَ (٢) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ اْلْمِسْكِينِ (٣)، سورة الماعون.

وقوله تعالى:-

“كَلَّا، بَل لَّا تُكْرِمُونَ اْلْيَتِيمَ (١٧) وَلَا تَحَٰٓضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ اْلْمِسْكِينِ (١٨)، سورة الفجر.

وقوله تعالى:- “مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ اْلْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ اْلْمِسْكِينَ (٤٤)، سورة المدثر.

وقوله تعالى:- “إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاْللَّهِ اْلْعَظِيمِ (٣٣) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ اْلْمِسْكِينِ (٣٤)”، سورة الحاقة.

يقول السيد المولى العلامة، العالم الرباني السيد المجاهد، بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه، “﴿إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾ فاستحق العذاب بترك الإيمان وبما اكتسبه من السيئات التي اقترفها؛ لأَنَّه لم يكن له إيمان يردعه، ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾؛ لأَنَّه لا خير فيه ولا ميل إلى الخير؛ لأَنَّه لا يرجو ثواباً لعدم الإيمان في قلبه، ولا يخشى عقاباً بترك الإطعام، حَيثُ يجب الإطعام للضرورة أَو للرحامة أَو من الزكاة أَو إذَا سأل المسكين؛ لقوله تعالى: ﴿وَالسَّائِلِينَ﴾ [البقرة:177] أَو هي عامة للمسكين السائل والمسكين المحروم فتدل على وجوب إطعامه مطلقاً سأل أَو لم يسأل وهذا هو الراجح، وقد دخل في قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ.. ﴾ إلى قوله: ﴿… وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ﴾ [البقرة:177]، ويقول السيد القائد يحفظه الله:- “فيما يتعلق بالأسباب الرئيسية لدخول النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}[المدثر: الآية42]، سؤال لأهل جهنم، يسألهم أهل الجنة: [ما الذي ورَّطكم هذه الورطة الرهيبة، المخيفة، التي تمثل خسراناً أبدياً؟!]، {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}[المدثر: 43-44]، أَيْـضاً من أهم ما في الزكاة، هو: العناية بالفقراء والمساكين، حصةٌ رئيسيةٌ لهم في الزكاة، عندما يبخل بها الناس، هم يبخلون بهذا الحق الذي يتضرر أهله، فمن مثل هذه النتيجة: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}”.

إن الشح أَو عدم الحض على طعام المسكين، يدل في محمولاته المسكوت عنها، ترك الفعل/ الإطعام ذاته، ليس عجزا أَو فاقةً، وإنما كفرا وجحودا وعنادا ورفضا لأمر الله تعالى، ولهذا قالوا بكل صلف وقبح، “أنطعم من لو يشاء الله أطعمه”، وهو ما يدل على أن الشح قرين الكفر، وأن المؤمن لا يجوز له بأي حال من الأحوال، أن يكون بخيلا شحيحا، وهو ما يؤكّـده التعاضد الدلالي التراكمي، عند تحليل المبنى التركيبي للآيات الكريمة السابقة، حَيثُ اقترن فساد الجانب العقائدي (الكفر بالله)، بسادس الجانب الأخلاقي والسلوكي (دفع اليتيم عن حقه، والمسكين عن الواجب من طعامه)؛ بسَببِ قسوة القلوب، وفساد الضمائر وخبث النفوس، وهو؛ ما أَدَّى إلى انتشار الشح والتوحش، وسيادة قانون الغاب بين أبناء المجتمع، حَيثُ يمنع الأغنياء ما أوجب الله تعالى، في أموالهم من الحقوق المعلومة، للفقراء والمساكين والمحتاجين والأيتام، ومن في حكمهم، ولذلك كان فعل الشح/ عدم الحض على الإطعام، جريمة موازية لجريمة الانحراف العقائدي/ الكفر بالله، ولذلك عُطِفَ جرم حرمان المسكين حقه، على جرم الكفر بالله، وأصبح الشح قرين الكفر، ودالاً عليه، ويحمل ذلك الارتباط التلازمي بينهما، دلالات متعددة، منها:-

١- إن الإطعام واجب ديني بحت، يشمل جميع أبناء المجتمع، إلا من كان فقيرا معدما، فيجب عليه حض غيره.

٢- إن الإطعام جزء لا يتجزأ من الإيمان بالله تعالى، ولا يتحقّق كمال الإيمان إلا به.

٣- إن حرمان المساكين حقهم، جرم عظيم، قرنه الله تعالى بالكفر، وجعله دليلا عليه.

٤- إن عدم الحض على الإطعام والإنفاق، جرم كبير، وشاهد على الجرم المسكوت عنه، في ترك الفعل ذاته.

٥- إن كفر الكافر لم يسقط عنه واجب الإنفاق والإطعام – مادام قادرا – والحض عليه، وبذلك فهو على المؤمن أوجب وأكّـد.

٦- إن عطف رذيلة السلوك (الشح)، على قبح العقيدة (الكفر)، يؤكّـد طبيعة العلاقة التلازمية بينهما، وأنهما لا يصدران إلا عن نفوس منحطة بالحرص، وقلوب مريضة بالنفاق.

٧- إن المؤمن وإن ترك الإنفاق والإطعام لعجز أَو فاقة، فَـإنَّه لا يترك الحض عليه، والحرص والإصرار على الغير؛ مِن أجل القيام به، تحقيقا لكمال الإيمان بالله.

يمكن القول إن الإنفاق عامة، والإطعام على وجه الخصوص، لم يعد أمرا اختياريا بين أبناء المجتمع المسلم، أَو مندوبا ومستحبا يخص الأغنياء فقط، وإنما هو واجب ديني مؤكّـد، وفرض إنساني محقّق، يشمل كُـلّ فئات المجتمع الإنساني، ويوجب عليهم المسارعة وبذل الممكن والمتاح والمتوفر، في إطار تنفيذ الأمر الإلهي، وتعزيز التكافل الاجتماعي، وذلك ما نحن معنيون به جميعاً، في هذا الشهر الفضيل، الذي يضاعف فيه الأجر والثواب، وفي غيره من الشهور، ليكون ذلك مصداقا وتحقيقا لإيماننا بالله تعالى، على الوجه الذي يرضيه عنا.

 

3- الإطعام تكفيرٌ للذنوب وتهذيب للنفس

الكفارة فريضة ربانية، جعلها الله تعالى وسيلة لستر الذنوب ومحوها، بوصفها قربة إلى الله، مساعدة لقبول توبة العبد، في فريضة تركها، أَو ذنب ارتكبه، كأن يترك فريضة الصيام، لعذر عدم الاستطاعة، أَو يذنب بحنث يمين، أَو نحوها، وأداء الكفارة فيه تهذيب للنفس، وكسر شهواتها ونزواتها وتكبرها على الله تعالى، حين تجرأت على انتهاك حدوده، فجعلت الكفارة؛ لأَنَّ التوبة القلبية لم تعد كافية، ويجب أن تصاحبها عقوبة تأديبية، يؤديها الإنسان خاضعا منكسرا، ليستشعر عِظم ذنبه، ويحرص على التكفير – بإطعام المساكين مثلا – متوسلا إلى الله بالامتثال لأمره، وبمقام هؤلاء المساكين عنده.

تعد الكفارة بمثابة الفدية من عقوبة الذنب، حَيثُ تُعزز التوبة القلبية (الندم والاستغفار)، بالتوبة الفعلية العملية، ومنها كفارات الإطعام للمساكين، التي تقدم صورة نموذجية، من صور التكافل الاجتماعي العملي، تتجلى فيه الرغبة الصادقة في التوبة، المصحوبة بروحية العطاء، بما من شأنه تأديب وتهذيب النفس البشرية، وكسر جموحها وطموحها، وإسعاد الفقراء والمساكين والمحتاجين، بذلك العطاء، الذي يفتدي به المذنب نفسه، من غضب الله وسخطه وعقابه.

جعل الله تعالى معظم الكفارات، تدور في الأموال (كالإطعام والإكساء والعتق)، ولم يقدم البديل البدني (الصيام)، إلا في حال العجز عن الأداء المالي، ما يعني أن المال يصلح لافتداء الأبدان في الحياة الدنيا، وإنقاذ الأرواح من سخط الله وعذابه، بينما هو في الآخرة غير مقبول مطلقا، ولن يقبل مهما كان حجمه ومقداره، يقول تعالى:- “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرض ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ”. آل عمران- آية (91).

ولهذا جعل الله تعالى الإنفاق سبيلا لتفادي موجبات عذابه، وبابا إلى نيل مرضاته وغفرانه، والفوز بالمقام الأعلى في جناته، وجعل الإطعام طريقا إلى عفوه ومفغرته، وكفارة لما عَظُمَ وجلَّ من الذنوب، التي لا تكفي التوبة القلبية، للتخلص من تبعاتها، فوجب على المذنب تقديم قربة لله تعالى، تكون جبرا لتوبته القلبية، ومصداقا لندمه وعزمه عدم العودة لما كان منه، وقد وردت كفارة الإطعام، في عدة مواضع من القرآن الكريم، منها:-

١- كفارة اليمين، في قوله تعالى:- “لَا يُؤَاخِذُكُمُ اْللَّهُ بِاْللَّغْوِ فِيٓ أَيْمَٰنِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ اْلْأَيْمَٰنَۖ فَكَفَّٰرَتُهُۥٓ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٖۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖۚ ذَٰلِكَ كَفَّٰرَةُ أَيْمَٰنِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْۚ وَاْحْفَظُوٓاْ أَيْمَٰنَكُمْۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اْللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”. (المائدة:٨٩)، حَيثُ تصدر الإطعام قائمة خيارات التكفير.

٢- كفارة إفطار المريض والمسن، في شهر رمضان، رغم الاستطاعة، في قوله تعالى:- “أَيَّامٗا مَّعْدُودَٰتٖۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنْ أَيَّـام أُخَرَۚ وَعَلَى اْلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدْيَةٞ طَعَامُ مِسْكِينٖ، فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرٗا فَهُوَ خَيْرٞ لَّهُ، وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٞ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ”. (البقرة:١٨٤)

يقول المولى العلامة، العالم الرباني السيد بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه:- “﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ مع المرض والسفر إذَا أفطروا ﴿فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ وفي قراءة نافع: ﴿طَعَامُ مَسَاكِينٍ﴾ وطعام المسكين لليوم الواحد، فوجبت عليهم الفدية؛ لأَنَّهم أفطروا وهم يطيقون الصيام لعدم شدة المرض أَو صعوبة السفر”.

٣- كفارة قتل المحرم للصيد، في قوله تعالى:- “يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ اْلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٞۚ وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآءٞ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ اْلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِۦ ذَوَا عَدْلٖ مِّنكُمْ هَدْيَۢا بَٰلِغَ اْلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّٰرَةٞ طَعَامُ مَسَٰكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامٗا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِۦۗ عَفَا اْللَّهُ عَمَّا سَلَفَۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اْللَّهُ مِنْهُۚ وَاْللَّهُ عَزِيزٞ ذُو اْنتِقَامٍ”. (المائدة:٩٥)

وهنا جاءت كفارة الإطعام، في المقام الثاني، على سبيل التخيير، بين كفارة تقديم هدي بالغ الكعبة، يماثل ويساوي ما قتل من النعم، وكفارة الصيام الذي يعدل ذلك.

٤- كفارة الظهار، في قوله تعالى:- “وَاْلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَاْللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٞ (٣) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا، فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِاْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اْللَّهِۗ وَلِلْكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ”. (٤) سورة المجادلة.

وفي هذا المقام وردت كفارة الإطعام، بوصفها الخيار الأخير في قائمة الكفارات، وسواء تقدمت أَو تأخرت، فكل ذلك يدل على أهميتها، ومكانتها في الشريعة الإسلامية، فإن تقدمت فذلك دلالة على أولويتها، وضرورة المبادرة بها أولا، ولا يحق للمكلف الانتقال إلى الخيار الثاني أَو الثالث، إلا إذَا ثبت عجزه عن الإطعام، وكذلك الحال إن تأخرت، فذلك دلالة على وجوبها المطلق؛ كونها آخر الخيارات والحلول، التي ينقذ بها الإنسان نفسه، ويفتدي بها جرمه، ويؤكّـد بها توبته وندمه.

وقد نسب الطعام للمساكين، تأكيدا لدلالة الاختصاص، وعلاوة على ما في الإطعام، من مكارم الأخلاق وحميد الصفات، وتعزيز قيم الإخاء والتكافل الاجتماعي، فهو أَيْـضاً يبين حاجة المجتمع لهؤلاء المساكين، كونهم طريق خلاصه، وباب قبول توبته ونجاته، وهذا ما يوجب على جميع أبناء المجتمع، المسارعة في إطعامهم وقضاء حوائجهم، بنفوس ممتنة راضية، في كُـلّ وقت، وخَاصَّة في أوقات الشدة والحاجة؛ فبهم دون غيرهم، تُقْتَحَمَ العقبة، وما أدراك ما العقبة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com