الحرب على اليمن: مرتزِقة في خدمة الأنظمة

المسيرة: ميرفت سليمان

شهدت عدن رُعْبَ تصفيات منظمة ومتتالية وقتل لعدد كبير من رجال الدين وشخصيات بارزة في المجتمع خلال السنتين الماضيتين راح ضحيتها 30 إمامَ مسجد على الأقل. عندما بدأت بكتابة مقالي هذا بغرض تكوين قائمة بأسماء الأئمة، في محاولة مني لجمع المعلومات على أمل اكتشاف أسباب هذه السلسلة من الجرائم. إلى أن كشف موقع أمريكي اسمه بوزفييد نيوز بسبق صحفي أدهش الجميع ساعدني على إكمال بحثي هذا.

فقد أشار موقع بوزفييد نيوز إلى أن جنودا أمريكيين سابقين من كتيبة جرين برت والقُــوَّات البحرية الخَاصَّـة سيال يعملون مع شركات أمريكية خَاصَّـة تقوم بالتعاقد مع الإمارات العربية المتحدة تهدف إلى شن عمليات تصفية منظمة. في تاريخ 29 كانون الأول/ ديسمبر 2015 الساعة 9. 59 مساء قامت هذه المجموعة بعملية إرْهَابية سجلت من الجو. وقد جرت الأحداث على هذا النحو: توقف موكب يتألف من عربات عسكريّة مصفحة قرب مكتب حزب الإصْلَاح في كريتر محافظة عدن ونزل منها مسلحون بزي عسكريّ وباشروا بإطلاق النار عشوائياً على من كان بالقُرب من الموقع. وقام أحدهم بوضع عبوة ناسفة على الباب وصعدوا في المصفحة الثالثة ولاذوا بالفرار بسُرعة وبعدَها بثوانٍ انفجرت العربة الوسطى مسبّبةً دماراً هائلاً.

الفيديو المنشور -حسب اعتراف زعيمهم- كان بداية العملية حسب وصفه، كما أوضح أن المستهدف كان إنصاف مايو رئيس حزب الإصْلَاح وكل من في المكتب.

وبحسب موقع الجيش الأمريكي أن الإمارات لها تاريخ في التعاقد مع المرتزِقة من مجموعة باسم اسبير اوبريشن، بلاك واتر لمؤسسها إريك برنس، أي. سي. تي. إس العالمية، إن. في، الفرقة الفرنسية للجرائم الخارجية، فرق إسرائيلية وكولومبية، تقوم هذه الكتائب بعمليات إرْهَابية وقتل بحسب الطلب.

حيّرت هذه الاغتيالات المواطنين المحليين الذين رأوا أن هذه العمليات تكون على مستوى عال من الدقة والإعداد، مما يدل على إمكانيات كبيرة مثل تعقب الضحية ورصد تحركاتها، كما تتطلب متفجرات كبيرة واجهزة تحكم عن بعد وطائرات بدون طيار وعربات وأجهزة تجسس وهي أسلحة حربية متطورة تشير إلى دور أميركي مباشر. من المعروف أن حوالي 5000 أمريكي عسكريّ سابق يعمل في الجيش الإماراتي حاليا.

الولايات المتحدة الأمريكية متورطةٌ في الحرب على اليمن أَكْثَــر مما تعلن، وتعد الإمارات العربية المتحدة أحد أَكْبَــر مستوردي السلاح الأمريكي. فيما قامت السعوديّة بشراء معدات عسكريّة من بريطانيا بأَكْثَــر من بليون جنيه استرليني في العام الماضي فقط، مما يجعل استمرار الحرب على اليمن مربحاً لكل من بريطانيا والولايات المتحدة.

من المرتزِقة الذين ساهموا في تصفية أئمة مساجد عدن وعلمائها، العسكريّ السابق في القُــوَّات البحرية الأمريكية واسمه ايزاك جيل مور يهودي أمريكي، والقناص في الوحدات الخَاصَّـة في طاقم سبعة دانيل كوبيت وقد شارك في الحرب على البلقان، وابراهيم جولان هنجاري- إسرائيلي- الذي خدم في البحرية الأمريكية الخَاصَّـة. جميعهم عملوا لحساب الإمارات كإرْهَابيين مستأجرين بدخل كبير. حسب تصريح جولان قالا: “أنا قمت بتسيير العمليات، ونحن انجزنا المهمة، كان حكما من الإمارات وهي ضمن قُــوَّات التحالف”.

كما صرّح جولان لموقع بوزفييد نيوز أن خلال أشهر تعاقدهم في اليمن كان فريقه مسؤولا عن تصفية لشخصيات رفيعة المستوى. كما أكّد أن الاعتداء يوم 29 ديسمبر 2015 على مكتب حزب الإصْلَاح في عدن كان بهدفِ قتل إنصاف علي مايو رئيس الفرع وكل من في المكتب.

تستقطب الشركات العسكريّة الأمريكية الخَاصَّـة العسكريّين ذوي الخبرة الواسعة من الوحدات العسكريّة بريت جرين سيل. الفريق السادس الذي اشتهر بأنه الاعلى تدريبا وخَاصَّـة بعد نجاحه بقتل أسامة بن لادن. مجموعة العمليات الخَاصَّـة توظف من القُــوَّات البحرية الخَاصَّـة من صفوف النخبة نافل الخَاصَّـة بتطوير الحروب توظف من المخابرات سي. أي. أيه الوحدات الخَاصَّـة. وقد أوضح جولان أنهم يستلمون مليوناً ونصف مليون شهرياً كراتب لكل شخص، فضلاً عن قبض علاوات لكل (تصفية) ونجاح العملية.

الأئمة الذين تمت تصفيتهم كان لديهم أبناء وزوجات وبعضهم أحفاداً وعشيرة، كما أنهم كانوا جزءا من المجتمع. الأئمة كانوا معروفين في المجتمع ولهم أدوار قيادية. في حين ترهلت الخدمات المدنية الحكومية والقضائية والخدمية في المدينة. المساجد لديها عدد من الأئمة لعدد من الاختصاصات. وهم من موظفي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. معظم الأئمة الذي تم استهدافهم كانوا من حزب الإصْلَاح. نتيجة هذه التصفيات يشاع أن أَكْثَــر من 120 إماماً قد هرب من اليمن أَوْ اختفى عن الأنظار؛ بسببِ التخوف من البطش والقتل المستمر.

يرتبط حزبُ الإصْلَاح بحركة الإخوان المسلمين ويعد حزباً سياسيًّا قانونيًّا في اليمن وهو الحزب الحاكم في حكومة هادي والذي يقوم التحالف بقيادة السعوديّة وبتأييد أمريكي بريطاني بشن الحرب على اليمن لإعادته إلى السلطة. الحزب ليست له شعبية في جنوب اليمن وعدن خَاصَّـة؛ بسببِ ارتباطه بالحكومة والفساد المتفشي. وتجدر الاشارة إلى أن الأئمة المعينين حديثا هم في أغلبهم من الاتّجاه السلفي، وأَكْثَــر تحفظا ويمينية في ممارساتهم. وذلك يعني توسع الاتّجاه السلفي اليميني للسيطرة على مساجد عدن، المدينة التي اشتهرت دائماً بالمدنية والاعتدال، علماً أنه على الأقل ثلاثة من الأئمة المغدور بهم كانوا من الاتّجاه السلفي.

في العموم، يؤيّدُ الاتّجاهُ السلفي الإماراتِ ويقوم بتحفيز الشباب للقتال على أسس طائفية ويدعو إلى الجهاد ضد الحوثيين. لم تشهد عدن خَاصَّـة والجنوب عامة ومنذ انتهاء الحرب قبل ثلاث سنوات أي تحسن بالحياة المعيشية بل على العكس، فقد ازدادت الأوضاع المعيشية صعوبة فارتفعت الاسعار وانهارت العُملة، وفشلت مؤسسات الدولة الخدمية في تأدية واجباتها مثل الكهرباء. وانتشرت المخدرات وطردت السعوديّة آلاف العمال اليمنيين الذين كانوا يساهمون بإعالة عائلاتهم من الخارج.

وبحسب الأمم المتحدة أَصْبَــحت المجاعة تهدّد الجميع ليس فقط النازحين أَوْ الطبقات المهمشة والعاطلين عن العمل بل أَصْبَــحت تهدّد المتقاعدين وحتى العمال؛ لذلك أَصْبَــح انخراط الشباب في التجنيد باب التوظيف الوحيد المفتوح بِألف ريال سعوديّ شهريا أَصْبَــح عرض المشاركة في الحرب مغرياً للشباب من أجل الحصول على لقمة العيش ولمساندة أسرهم الفقيرة. كذلك هذه الوسيلة تقع هي أَيْضاً في دائرة الفساد، حيث أن الجنود يعانون من اقتطاعات شهرية غير شرعية لصالح أصحاب الرتب العالية، وحتى الجرحى يعانون من الإهمال شديد في العلاجات.

أَصْبَــح المقاتلون الجنوبيون وقوداً لمحرقة الحرب الذي ليس لهم فيها ناقة ولا جمل! في حرب طال أمدها إلى 3 سنوات، ولا يوجد أي أمل لنهاية سريعة أَوْ حَــلّ في اليمن طالما هناك من يهدف إلى إطالة عمرها لجني الملايين. في معركة الساحل الغربي لليمن في المخاء والحديدة قتل 20 ألف مقاتل جنوبي وسقط 10 آلاف جريح على الأقل، حسب مصادر التحالف نفسه.

في نفس الوقت تشهد عدن تصفيات لأية شخصية مؤثرة وشخصيات متعلمة من قضاة ومدراء وأطباء الذين يمكن أن يلعبوا دورا في مقاومة الهيمنة الإماراتية على الجنوب أَوْ حتى الاسهام في إعَادَة اعمار البلد.

تتحكم السعوديّة والإمارات بالسياسة الداخلية خَاصَّـة في المناطق المحررة كما تلقى تأييدا ومساندة بريطانية وأمريكية. تتحد كُـلّ من القوتين مع التحالف ولكنهما في صراع على تقاسم كعكة اليمن بينهما. ترى السعوديّة أن الإصْلَاح طرف يمكن الاستفادة منه وتراه الإمارات عدوًّا وتعمل على تقليص نفوذه.

 

  • الأهدافُ الجيوسياسيّة للحرب على اليمن

تزعُمُ السعوديّةُ والإماراتُ أن حربَها على اليمن تهدفُ إلى تقليص تأثير إيران في اليمن وتقويض إمكانية تحكم إيران بمدخل البحر الأحمر والمحيط الهندي. كما يدعيان أنهما تدخلا لمناصرة حكومة هادي واعادته للحكومة تحت مسمى الشرعية. ولكن لا شرعية لهادي؛ لاَنَّ هذه القوى اختارته ليكون رئيساً صورياً في انتخابات بمرشح واحد. كما أنه لا يتمتع بأية شعبية لا في الشمال أَوْ في الجنوب. وفي الواقع، للسعوديّة والإمارات عدة أهداف جيوسياسيّة أهمها تقاسم اليمن والسيطرة المباشرة عليه تحت اشراف القوى الامبريالية متمثلة ببريطانيا والولايات المتحدة اللتين تحقّقان أرباحاً من تجارة الأسلحة والمعدات الحربية والبترول وغيرها. تأمل السعوديّة أن تسيطر على البترول والذهب والمعادن في حضرموت والمهرة وشبوة، وأن تبني خط أنابيب من السعوديّة إلى ميناء المكلا للتصدير عبر اليمن إلى المحيط الهندي.

في حين، تهدف الإمارات إلى السيطرة على الموانئ، حيث من المتوقع أن يفقد ميناء جبل علي الإماراتي أهميته العالمية عند اكتمال خطة الصين لإعَادَة إحياء طريق السلك التاريخي ببناء طريق سُمي حزام واحد طريق واحد – طريق السلك للقرن المعاصر. حيث بدأت الصين بشق سكك حديدية تربط آسيا بأوروبا برًّا. وسيظل يستخدم طريق البحر ولكن لن يمر بميناء دبي – جبل علي. لذا قامت الإمارات بالتوسع وبناء قاعدة عسكريّة كبيرة جدا في اريتريا تقود الحرب على اليمن منها. كما أنها تسيطر على ميناء اريتريا تحت اسم شركة دي. بي ورلد الإماراتية لإدارة الموانئ. كما تسيطر على ميناء جيبوتي وأرض الصومال المستقلة كما تتدخل الإمارات عسكريّا وتخوض حرباً في الصومال للسيطرة عليها بحجة محاربة حركة الشباب هناك. كما سيطرت بشكل كامل على جزر ارخبيل سقطرى اليمنية الجنوبية. وتقوم بإنشاء قاعدة عسكريّة كبرى هناك، فضلاً عن بناء مدرج للطائرات الحربية في جزيرة ميون اليمنية الجنوبية الشديدة الاهمية على مدخل باب المندب. وهي في حرب مستمرة للسيطرة على كُـلّ الساحل الغربي لليمن من عدن وباب المندب وميناء المخاء والحديدة، وكل هذه الموانىء على خط السلك الصيني التجاري.

أمام كُـلّ هذا الإجرام والقتل وإغراق الشعب اليمني بالمجاعة. لا حَــلّ من دون وقف الدعم العسكريّ الأميركي والبريطاني عن كُـلّ من السعوديّة والإمارات، فوراً؛ بسببِ جرائمهما بالحرب على اليمن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com