سياسات التدمير وشعوب تكرر أخطاء التأريخ

 

أبو الحسين باعلوي

إذا ما فتَّشنا في صفحات التأريخِ سنرى أُمَـماً وشعوباً قد تعاقبت عليها السنون واندثرت ولم يبقَ إلا تأريخٌ يحكي أخبارَها ويبين لنا أهدافها وأحلامُها وكيف أنه في لحظات كانت لها سقطات وأخطاء دمّرت أحلامها ومشاريعها وحقوقها المشروعة والمستحقة التي ضحت من أجل تحقيقها، أشخاص قلائل يحرفون مساعي آلاف مؤلفة، وأشخاص قلائل أزالوا عروش الظالمين وبنوا أمجاداً وحقّـقوا إنجازاتٍ..

ذلك القليل كان له دورٌ كبيرٌ، إما في الصلاح وإما في الفساد في الخير أَوْ في الشر على مستوى فكره أَوْ قول أَوْ فعل (تذل الأمور للمقادير حتى يصبح التدمير في التدبير).

إنها الانحرافاتُ والأباطيل والأطماع والأهواء والمكر والدهاء.. إنها (رحى سوء النيات وخبث الضمائر والسرائر).. مبادرات وأصوات تزين سوء العمل فتصوره حسناً حتى تدور الأيام فإذا بأولئك الذين كانوا يطلبون الخير والصلاح قد أصبحوا جنداً للذين يسعون في الأرض فساداً، بل أصبحوا يخربون بيوتهم بأيديهم..

ألا يوجد في التأريخ من قصص وأخبار وعبر ترشدنا للصواب وتقينا من الوقوع في الهلكات؟

لماذا نكرر نفس غلطات السابقين عبر التأريخ؟

سنجد في التأريخ كيف أن أقواماً نظروا في أخبار من قبلهم فادركوا من هلك وبما هلك ومن نجا وبما نجا، فنطقت السنتهم بالتحذير من الوقوع في تلك الأخطاء ولم تصدق قلوبهم ما نطقت به السنتهم، حتى تزينت لهم الدنيا فظنوا أن الزمام بأيديهم سقطوا في ما سقط فيه السابقون وساروا في أثرهم مع بعض الفوارق البسيطة التي خادعوا بها أنفسهم وخادعوا بها غيرهم..

إن كانوا ضالين ظالمين ويشعرون بما يفعلون فتلك مصيبة، وإن كانوا مضللين ظالمين ولا يشعرون فالمصيبة أعظم..

لماذا سيطر على الناس خداع النفوس وآمال شخصية ونحن نعلم أننا إذا ما حقّـقناها ستفنى وتبقى تبعاتها؟

أين المصلحون؟

(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [سورة هود 117]

هذه آياتٌ تعالج أمراض القلوب التي لم نعد نهتم بعلاجها بينما نركز جُلَّ اهتمامنا على الأبدان والماديات؟..

لماذا ما زال البعض لا يخضع للحق؟ بل هم للحق كارهون تأخذهم العزة بالإثم؟..

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [سورة البقرة 204 – 206]

وفقَ تزيين الشيطان ومعاييره يرون أنهم مصلحون خداع في خداع ولكن على من؟

(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [سورة البقرة 9 – 12]

عندما أصبح الظاهر أهمّ من الباطن صار الحق باطلاً والباطل حقاً، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً، وهذا هو الزيغ بعينه، فقد عبدت الأهواء (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ).. [سورة يونس 39]

(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [سورة الشعراء 8]

أما آن لهذه الأُمَّـة أن يعي كُـلّ فرد فيها أن العدوّ هو العدوّ وأن الولي هو الولي وأن الحق هو الحق وأن القاتل هو القاتل والطاغوت هو الطاغوت وإن تلبس بثياب الواعظ..

لقد قال الشاعر

برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظين

مخطئاً من ظن يوماً أن للثعلب ديناً

لقد تركنا ماضينا فضاع حاضرنا فغارت الحكمة وصمت الأسماع هذا يقيس الأمور بالأوهام فيرى أن وهمه حقاً ويقيناً، وهذا يقيس بحقده وهذا بظنه وهذا بطمعه وكلٌّ يغني على ليلاه، والمحصلة الإجمالية أن أكثرهم للحق كارهون (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ).. [سورة الزخرف 78]

إذا ما تصفحنا صفحات التأريخ الحديث بداية منذ أن بداء الاحتلال البريطاني والفرنسي وجميع الدول التي دارت في فلك بريطانيا سنجد أن تلك الاحتلالات كانت بمثابة الممهد الذي بدأ في تدجين الشعوب العربية والإسلامية حتى تسمم أفكارها وتجريدها من القيم والمبادئ حتى يتم تهيئتها لتقبل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عندما أخمدت تلك الأنفة والعزة لدى الشعوب تدريجياً.

عندما تقهر وتقمع شعباً تجد منهم مقاومة حادة ترتقي فيها نفوس من يأبى الخنوع والذل فيشربون من كأس الشهادة..

ثم يبدأ بعض ضعاف النفوس بتقدم التنازلات رويداً رويداً فيصبح الذل أمرا طبيعيا ومألوفا لدى الشعوب الضعيفة من قبل بعض أفرادها؛ ولذا فإن بريطانيا كانت تهدف للسيطرة على العقول، محورية سياستهم تقوم وترتكز على استهداف العقول من خلال غزوها الفكري أولاً..

ولذا تم احتلال فلسطين وأصبحت إسرائيل أمراً مألوفاً (تندد به أفواههم فقط، رفض باللسان دون العمل بالجوارح والأركان)، لماذا لا نعي أن الغزو الفكري للفرد هو الداء الأكبر الذي كان المسبب للأدواء الأخرى التي دمرت جسد هذه الأُمَّـة وأنهكته وأثارت بين أبنائه الصراعات..

فإذا أردنا أن يصلح حال الأُمَّـة بصدق فعلينا أن (نعيد تصحيح مفاهيمنا) فندع الاختلاف الذي نتج عن اختلاف الأهواء والآمال، فيصح تقييمنا لأنفسنا فنعرف ما لنا وما علينا وأين يجب أن نكون فنجتمع في مسلك واحد وهو سبيل المؤمنين وصراطه الأوحد..

لقد سعى طواغيتُ العصر لبناء نفسيات لا تميز بين الناقة والجمل، فساقوا أَبْنَـاء الأُمَّـة لهدم أمتهم وقتل أحرارها ورموز عزتها.

إن الطواغيت يشنون حرباً على من لم ينطوِ تحت عباءتهم تحت لواء الذل والمهانة والخضوع وما حربهم على الشعب اليمني وتجنيدهم لشذاذ الآفاق إلا خير شاهد.. إن الله قد أراد أن يميز بها الخبيث من الطيب فقال الأحرار (واللهِ لا نرى الموت إلا سعادةً والحياة مع الظالمين إلا برماً).

ولسان حالهم يقول (واللهِ لا نكون ممن باعوا نصيبَهم من العز والأنوار بحقير الفلس والدولار)، ونقول لمن لم يزل شاكًّا أَوْ مرتاباً من أَبْنَـاء الجنوب والشمال: إن السعودي والإماراتي مجرد أدوات ينفذون أجندات أمريكا وإسرائيل وبريطانيا قاموا بخداع فصوروا لهم الحمقى بأن الصراع ما هو إلّا عربي يريد القضاء على عملاء الإيرانيين من العرب!، فالحجة عليهم أكبر فيما قالوا فالأولى قطع الأيادي الإسرائيلية والامريكية؛ لأنَّها العدوّ الحقيقي بمنطق القرآن الكريم فالحجة عليهم وليست لهم..

ولكن الحقيقة أن أولئك الأعراب هم أدوات تنفذ مشاريع مكر ودهاء تنطلي على أصحاب النفوس المريضة فهي حرب (فرق تسد) لقتل أَبْنَـاء الشعب اليمني وأحراره، ليس إلا لأنهم قد رفضوا الوصاية والإذلال واردوا أن ينعم شعبنا بحقه في سيادة أراضيه ورفضوا أن يكون للمستكبرين نصيباً من ثرواته.. إن دول الاستكبار تعلم أنها لن تستطيع أن تسود إلا بنوعين من العملاء اختاروهم بعناية..

الأولُ هم الحكام الظالمون من أَبْنَـاء جلدتنا كعلي محسن وأمثاله ممن يتقاسمون الكعكة معهم أَوْ كعبدربه منصور دمية متحَـرّكة بأيديهم لا رأي له ولا قرار، وثانياً بمن تم استحمارهم وقبلوا أن يكونوا لهم تابعين فمن رضي على نفسه أن يكون ذليلاً فلا نرجو منه خير..

هل بهذه الأشكال سينال أَبْنَـاء الجنوب حريتهم ولا أَبْنَـاء الشمال وحدةً ورخاءً، فعلينا جميعاً أن نقول للظالمين كفى.. علينا مقارعتهم بما آتانا الله من قُـوَّة وأن نستعينَ بالله عليهم فإن لله رجال إذا أرادوا أراد، فهذا هو طريق العزة وبهذا الطريق ينقشع الظلم وتتقدم الأُمَـم إن اليسر مقرون بالعسر..

ونقول لأَبْنَـاء شعبنا أنهم حزب الظلم والجور والفساد إنهم عماد دولة الظلم كله، ولن يغلبهم إلا العدل كله والدين كله..

علينا جميعاً أن نقاتل قتلت النساء والأطفال فالبادئ أظلم وسيزول الكرب عما قريب، ومن وقف في صف العدوان أَوْ تخاذل فلن ينال إلا الحسرة والندم حين لا ينفعه ذلك، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرار في دنياكم).

(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com