رحلةُ شهيـد..بقلم/ كـوثر العزي

 

صُوُرت بُـطولاتهـم بكــاميرات الفخـر وحُفِـظت في ذواكـر الإبـاء، سجُـلت اقتحاماتهـم بـأقـلام التضحيات، فـحفظت في دفاتر الصمـود، عـزفوا ألَــحـان الجـهاد فكـانت آلاء مـعزوفاتهـم العـروج للسماء.

كـانوا في الجبهـات أسوداً ليوثاً، وكـانوا قادةً أخيـاراً، كـانـوا هـم العظمـاء الأحرار، رفضوا الخضوع لـمن سموا أنفسهم، بـأبناء الله، وخدامـهم مـن العرب الأنذال، فـكـلّ منـهم سطـر مـلاحم جـعلت جند الشيطان يولون الأدبار.

هـم مـن سـاروا بـطريق الحق والجـهاد، حمـلـوا سلاح الإيمَـان قبل سـلاحهـم الشخصي، يبدؤون يومـهم بالتسبيح والتـهليل، ويبدأ الاقتحام، بـيارب سَدِّدْ مـرامينـا.

وحين يدنـو الليل تـجد كـلاً مـنهم في مـحراب الرجـاء، والدمـوع تطهـر الذنوب، اليدان ممدودتـان لـمن خـلقهمـا طالبة الرضا والتوفيق، أعينـهم آمـلة بالنظر للـنبي والوصي والعظمـاء، شفاه تدعو الله بكـل لهف أن ألحقني بعدهم مـن الصالحين يا الله.

وكـأن باب السمـاء في تـــلك اللحظات مفتوح، أَو أن دُعاء مـحراب الجبهـات يستجـاب، فيقول الله لمالك المـوت خذ روحه شهيداً، واجـعل له مقاماً عظيمـاً.

فـتبدأ الشمس بالظهـور وما زال ذلك يدعـو الله، فبعد هذا يحمـل سلاحـه مـتوجّـها للقاء العدوّ، توضأ وضوء الشهادة، وودع رفاقه وكـأنـهـا آخر اللـحظات، وبعدهـا يتوجّـه للـقاء ويبـدأ بقول يا رب توكـلت عليك.

بعد هذا تقرع طبول المعركة، وينهمـر الرصاص كـالأمطار غزيرة تـلك مضت مـن جنبه وتـلك لـم يكـن له الحظ في رفع روحـه للسمـاء، فـتأتي تـلك مـخالفة لـجميع الرصاص، وكـأنهـا تخبر أخواتهـا مـن الرصاص وتقول لـهن اعذروني فـلـم أُقـاوم لهفته للشهادة، ولـم أقدر عـلى مقاومـة رائحِـة الريحـان والأريـج.

فينـزل عزرائيل مبشراً لـه، ويريه مقامـه في الجـنان، فيلتقط أنفاسه الأخيرة، وكـانت البسمة بصمـة للجـهـاد.

ترتفع الـروح للمـلـكوت ويدفــن الجسد بجـوار الشُـهداء، تـرحب مـلائكة السمـاء، ويبكي سكـان الأرض، تفـرح وتستبشر، ونـحن هنـا نتوق ونتشوق.

فنرسل سفـن الشوق عـلى بحـار الاشتيـاق فـلا نجـد ذلك المـرفأ الذي يشفينـا مـن لهيب الفقدان، ويروي العطش مـن لقاء العظمـاء، فنبحـر بعيدًا لا توجد لدينا خـارطة ولا دليل، تهب ريــاح عاتية وتحَرّك سفننا التواقة للقاء، حَيثُ تشاء، فلا يكـون لنـا حظ في اللقاء، إلَّا لحظة الوداع

نعود بسفننـا إلى مرافئ واقعنـا، ونذهب لـرؤيـة الضريح المخضر، فنمعن النظر لصورة ذلك الضريـح ونهمس قائلين هـل تدلني أين ألقى مـرفأك يـا شهيد.

لقد أتعبتنـا الأشواق، وغدر بنـا الكتمـان، فلوعة الفراق تفوق الخيال، لـم نبك عـلى فراقكـم أي والله إنمـا نبكي حسرة عـلى أنفسنـا هـل سيكمـل عدد المسافرين في قطار الشُهداء، ويغـلق بـاب الاستقبال لنبقى هـا هنـا نندب حظنـا.

اللقاء عـند مـن خلقنـا إن كـان لنـا الحظ في اللقاء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com