بين نهاية التهدئة وبداية التصعيد: مرحلةٌ جديدة تقتربُ والعدوّ أمام فرصة أخيرة

تأكيدات المجلس السياسي الأعلى تنهي مستقبل المراوغة الأمريكية وتعيد ضبط المشهد على “التوقيت المناسب” لاستئناف الردع

 

المسيرة | خاص

عزّز المجلسُ السياسي الأعلى رسائلَ الإنذار والتحذير التي وُجهت خلال الأيّام الماضية لتحالف العدوان، بتأكيدات جديدة على استحالة السماح باستمرار حالة اللا حرب واللا سلام، وهو ما يعني أن مراوغات تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي ورعاته وصلت إلى نهاية مسدودة، وأصبح عليهم الاختيارُ بسرعة بين تلبية مطالب الشعب اليمني، أَو التوجّـه لتصعيد جديد سيكون البحر أبرز ميادينه، وهو ما يعني أن التحولات التي سيصنعها هذا التصعيد ستكون واسعة النطاق وطويلة المدى وستكون العودة إلى ما قبلها مستحيلة أَيْـضاً.

تأكيداتُ المجلس السياسي الأعلى الجديدة نقلت المشهد إلى مساحة حساسة واقعة بين نهاية مسار التهدئة الهشة وبداية مسار التصعيد، وهي مساحة لا تسمح لتحالف العدوان ورعاته بالمزيد من المراوغات والحيل، فتوصيف حالة اللا حرب واللا سلام بـ”الفخ” وتأكيد جهوزية القوات المسلحة “لمنع الوقوع في هذا الفخ” هي رسالة صريحة وواضحة بأن كُـلّ الأوراق التي يستعملها أَو يعول عليها العدوّ ورعاته لإطالة أمد الوضع الراهن، ستكون بلا فاعلية، ولن تنجح في إقناع صنعاء بتأجيل “الوقت المناسب” لاستئناف مسار الرد والردع.

وبالحديث عن التوقيت، فَـإنَّ تأكيدات المجلس السياسي الأعلى جاءت بعد رسائل غير مسبوقة وجّهتها القوات المسلحة خلال اليومين الماضيين، على لسان وزير الدفاع وقائد قوات الدفاع الساحلي، وهذه الأُخرى جاءت مباشرة عقب إنذارات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير والتي أكّـد فيها أن تحالف العدوان ورعاته لا يملكون رغبة للتوجّـه نحو السلام، وأن التصعيد القادم سيكون أشد وأوسع.

وهذا الخطُّ الزمني المزدحِمُ بالرسائل التحذيرية يؤكّـدُ أن مرحلةَ الهدوء النسبي باتت على وشك الانتهاء، ولم يبقَ منها إلَّا ما يكفي لتحديد طبيعة المرحلة القادمة، وبالتالي فَـإنَّ على دول العدوان وفي مقدمتها النظام السعوديّ أن تبدأ بتقييم خيار التعويل على الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الأخيرة أن تبدأ بتذكر المحطات التي فشلت فيها في دفع صنعاء نحو خيارات لا تنسجم مع الموقف الوطني الثابت.

هذا أَيْـضاً ما يؤكّـده تشديد المجلس السياسي الأعلى على ضرورة “فصل الملف الإنساني عن السياسي والعسكري” وتحديده كمؤشر “للمصداقية في إنجاح أية وساطات أَو اتصالات أَو مباحثات”، حَيثُ حملت هذه الفقرة رسالة واضحة لتحالف العدوان ورعاته بأن محاولة “إحراج” صنعاء واستغلال انفتاحها على تحَرّكات وجهود الوسطاء، فقط؛ مِن أجل إضاعة الوقت، لم تعد خياراً مطروحاً؛ لأَنَّ الفترة الماضية كانت كافيةً لإنجاح تلك الجهود والتحَرّكات إذَا كانت هناك نوايا جادة وحقيقية لذلك، لكن عدمَ إحراز أي تقدم في هذا المسار كان دليلاً على أن المشكلةَ ليست في جهود الوسطاء أَو في تجاوب صنعاء معها، بل في عدم وجود أي استعداد لدى العدوّ للتوجّـه نحو أي حَـلّ حقيقي.

قائد الثورة كان قد أشار إلى هذه النقطة بوضوح في خطابه الأخير، عندما أكّـد أن الأعداءَ وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية ما زالوا يحاولون أن يدفعوا بصنعاءَ نحو “الاستسلام” ويتمسكون بنفس الموقف العدواني القديم الذي ينطلق من إصرارهم على إبقاء البلد تحت الوصاية والهيمنة سياسيًّا واقتصاديًّا، مع استمرار الاحتلال العسكري، وبالتالي فَـإنَّ الحديث عن “سلام” في ظل هذا الوضع يعتبر مبالغة.

ووفقاً لذلك، يمكن القول إن تأكيداتِ المجلس السياسي الأعلى وما سبقها من رسائل وتحذيرات، ليست مُجَـرّد محاولة “للضغط” على العدوّ ودفعه نحو تعديل سلوكه المتعنت على الطاولة، ولكنها بمثابة إعلان عن إتمام الحجّـة وإخلاء المسؤولية؛ لأَنَّه بات واضحًا أن العدوَّ يصر على اعتماد قراءة خاطئة لموقف صنعاء وللهدوء النسبي الحالي، وهي قراءة أثبتت تجارب المراحل السابقة أن دول العدوان لا تدرك خطأها إلَّا بعد انفجار الوضع.

مع ذلك فَـإنَّ المجلس السياسي الأعلى يجدد تذكير تحالف العدوان بوسيلة تجنب الانفجار، وهي صرف مرتبات الموظفين من إيرادات البلد، ورفع الحصار عن جميع المطارات والموانئ، الأمر الذي من المتوقع أن يحاول تحالف العدوان ورعاته الالتفاف عليه من خلال مقترحات جديدة قديمة قد تتضمن “تخفيف” بعض القيود، بدلاً عن رفع الحصار، أَو فصل المرتبات عن ملف الإيرادات، لكن ليس من المتوقع أن تنجح هذه الحيل في كسب المزيد من الوقت؛ لأَنَّ مثل هذه المقترحات لا ترقى إلى مستوى حَـلّ حقيقي وثابت يمكن البناء عليه، بل إنها تشبه اتّفاق الهُدنة الذي رفضت صنعاء تجديدَه، وبالتالي فليس أمام تحالف العدوان ورعاته سوى الموافقة على مطالب الشعب اليمني كما هي، أَو الاستعداد لمرحلة التصعيد الجديدة.

حتى الآن لا زالت احتمالاتُ استجابة تحالف العدوان ورعاته للمطالب الوطنية شبهَ معدومة، خُصُوصاً في ظل إصرار الإدارة الأمريكية على موقفها المتعنت، وبالتالي فَـإنَّ السيناريو المرجَّحَ أن تقومَ واشنطن والرياض بإعلانِ مقترحات شكلية جديدة وإبرازها كحلول حقيقية، وحشد المواقف الدولية والأممية حولها، للضغط على صنعاء التي ستكون في ذلك التوقيت قد بدأت الرد على تعنت العدوّ بخطوات ميدانية مدروسة بعناية.

وفي هذا السياق فَـإنَّ تأكيد المجلس السياسي الأعلى على جهوزية القوات المسلحة “لمنع وردع الأطماع الأمريكية والصهيونية في الثروات والجزر والممرات المائية اليمنية” يعزز ما أكّـده وزير الدفاع قبل أَيَّـام حول أن “الأولوية في المرحلة القادمة ستكون للأمن البحري” وهو عنوانٌ مفتوحٌ ينطوي على الكثير من الاحتمالات والسيناريوهات، كلها ذات تأثير استراتيجي كبير، كما أنها ستحشرُ العدوّ في زاوية ضيقة؛ لأَنَّ أية محاولاتٍ من جانبه لوقف خطوات صنعاء في هذا المجال، سواء من خلال المواجهة في البحر، أَو من خلال اتِّخاذ إجراءات انتقامية كالعودة إلى القصف أَو تشديد إجراءات الحصار، لن تؤدي إلَّا إلى توسيع رقعة النيران، الأمر الذي تبدو صنعاء أكثرَ استعداداً له من دول العدوان التي بات واضحًا أنها لا تستطيع كسب المعركة عسكريًّا.

خلاصة القول: إن تأكيدات المجلس السياسي الأعلى الأخيرة والسياق الذي جاءت فيه تؤكّـد أن مسارَ مفاوضات تجديد الهُدنة لا يعول عليه، وفي ظل استبعاد خيار “اللا حرب واللا سلام” فَـإنَّ الخيارَ المتبقي هو التصعيد، وتأكيد الطبيعة الدفاعية لموقف صنعاء من خلال ربط هذا التصعيد بخطوات وتحَرُّكات العدوّ، هو بمثابة منح دول العدوان ورعاتها فرصةً أخيرةً لتجنب تداعيات الانفجار، بغض النظر عن احتمالات استجابتهم لهذه الفرصة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com