فرضياتٌ لمعارك البحار والمحيطات المقبلة (الحلقة الثانية)

الولايات المتحدة ليس لديها القدرة على إدارة أكثر من صراع ومواجهة مع أكثر من طرف حتى في عملية غزو العراق كانت بحاجة إلى تحالف دولي ولعل ما يحصل الآن من حرب في أوكرانيا وما تلعبه من دور خلف الستار دون الانخراط بالحرب بصورة مباشرة خير دليل على ذلك

ستستمر الحرب في أوكرانيا (حرب الاستنزاف) ومحاصرة الصين وإيران وكوريا الشمالية إلى أمد بعيد وُصُـولاً إلى الانهيار أَو حدوث طارئ أَو خطأ ينقل الصراع إلى مستوى الحرب المباشرة

 

مجالات التأثير في حسم الصراع للأطراف المتحاربة

 

المسيرة| عباس الزيدي*

هناك من يتحدث عن حجم القوة وتأثيراتها في حسم الصراع ونتيجة المعركة مثل ما تمتلكه أمريكا من قدرات عددية وتسليحية، بالإضافة إلى ما تمتلكه قوات الناتو قبالة المعسكر الروسي أَو الروسي الصيني المشترك.

ولا بُـدَّ هنا من التذكير بقضايا مؤثرة أُخرى لا تقل أهميّة عن العدة والعديد منها:-

1- يكون للتحالفات العسكرية الأثر البالغ في نتائج الحروب وفي بحثنا هذا سنلاحظ هناك معارك فردية وأُخرى جماعية بين معسكرين تفرضها الضرورات مثل مناطق النزاع ذات الاهتمام المشترك وأُخرى مصالح بعيدة عن ذلك.

وربما نجد هناك من يخوض معركة وهو خارج عن أي تحالف تبعا لتلك المصالح مثال ذلك الاتّفاق الدفاعي بين سنغافورة مع واشنطن خارج الناتو وكذلك مشاركة الناتو مع واشنطن في معارك بالضد روسيا في بحر البلطيق وعدم مشاركة الناتو مع أمريكا في معركة أحادية بالضد من روسيا في شمال المحيط الهادي.

2- تأثيرات أُسلُـوب الحروب ما بين الدفاع متعدد الأشكال أَو الهجوم وما تتركه من أثر، حَيثُ ملاحظة السمة الدفاعية لكل من الصين وروسيا خلاف أُسلُـوب الهجوم الذي تتبعه أمريكا.

3- عملية التركيز وتوزيع المهام للقوى المتحاربة وتأثير ذلك على حجم وفاعلية تلك القوات فمثلا رغم التفوق العددي للأساطيل الأمريكية والناتو بالأسلحة والأفراد نلاحظ هناك عدمَ تركيز للقوة بلحاظ المهام العالمية الموزعة على مستوى العالم بينما تنحصر مهام البحرية الصينية قرب البحار والوطن الام والمصالح الإقليمية.

4- عمليات التطوير المُستمرّة لكل من البحرية الروسية والصينية قللت الفارق بين القوات على مستوى القطع البحرية أَو على مستوى عدد المقاتلين، خُصُوصاً فيما يتعلق بالمنظومة الدفاعية الثلاثية للصين وتكريسها بحريا من حَيثُ التحسن النوعي والكمي في القدرات.

5- ما تمتلكه روسيا من أسلحة متطورة تفوق قدرتها الأسلحة الأمريكية تقلب معادلة الحسم مثل صاروخ كالبير المجنح عالي الدقة والأُخرى الفرط صوتية أَو الأخطر المعروف بالشيطان أَو حتى على مستوى الغواصات الصينية الحديثة بالغة التأثير.

6- كثرة القواعد البحرية الأمريكية المنتشرة في العالم ورغم فاعليتها في تقديم الدعم والتدخل السريع لا تخلو من السلبيات، حَيثُ سهولة استهدافها كأهداف ثابتة تجعلها عرضة للتدمير تؤثر على المعنويات ونتيجة النهائية للحرب، علماً أن غالبية تلك القواعد تم بنائها خارج إرادَة الدول التي فيها على العكس من روسيا والصين التي اتخذت من الغواصات قواعد متحَرّكة قادرة على العمل لفترة كبيرة تحت البحار سريعة مزودة بصواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية مثل الغواصات الصينية التي باستطاعتها تدمير البر الأمريكي بسهولة

7- بعد انسحاب أمريكا من معاهدات تخفيض الأسلحة سواء متوسطة المدى أَو ستارت شرعت كُـلٌّ من روسيا والصين بتطوير استراتيجية الردع خاصتهما، حَيثُ طورتا ونشرتا العديد من الصواريخ والأسلحة الاستراتيجية، وبذلك أصبحت قوة الردع لهما أعلى درجة من الردع الأمريكي مضافا له الناتو

8- استطاعت كُـلٌّ من الصين وروسيا إيجادَ طرق برية وبحرية بديلة لعموم توجّـهاتها ومشاريعها، مما زاد من مساحة مناوراتهما في السلم والحرب والنجاة من الإغلاق والحصار على العكس من الجانب الأمريكي الذي أصبح محدود الحركة في بعض العقد والممرات البحرية

9- عمليات السيطرة والغزو ومسك الأرض بحاجة إلى قدرة هائلة للنقل ووفرة لقوات قتالية كثيرة ومكلفة وهي من صلب توجّـهات أمريكا والناتو، وبالتالي حساب حجم الخسائر والكلف الباهظة المتوقعة (ولا توجد ضمن توجّـهات روسيا والصين بصورة عامة باستثناء توجّـه الصين نحو تايوان الذي حسبت له حسابات خَاصَّة بوسائط النقل البحري والقوة العسكرية الخَاصَّة لذلك الهدف)، هذا الأمر يجعل أمريكا أقربَ من غيرها للخسارة في نهاية الحرب.

10- أثبت الواقع أن الولايات المتحدة ليست لديها القدرة على إدارة أكثر من صراع ومواجهة أكثر من طرف أَو حرب حتى في عملية غزو العراق كانت بحاجة إلى تحالف دولي، ولعل ما يحصل الآن من حرب في أوكرانيا وما تلعبه من دور خلف الستار دون الانخراط بالحرب بصورة مباشرة خير دليل على ذلك

11- القدرة العالية لكُلٍّ من روسيا والصين للعمليات الاعتراضية سواء البرية والبحرية والجوية التي تعتمد على المنظومة الفضائية وَإمْكَانية استهداف تلك الأقمار الاصطناعية للتي تمتلكها روسيا والصين دون غيرها، وَبالتالي الإعاقة في الاستمكان والرصد وتعطيل الاتصالات أَو إدامة زخم المعلومات مما يؤثر بشكل كبير على مسار ونتائج الحرب والمعارك لصالح روسيا والصين

12- مسار الأحداث وعمليات الحصار وحروب الاستنزاف أَو المحاور التشغيلية ومدى تأثيرها على نتائج الحروب حال اندلاع الشرارة الأولى للصدام المباشر سيكون تأثيرها واضحًا على نتيجة الحرب وحسم الصراع

13- نسبة الخطأ ومدى تأثيره على مرتكبيه، وبالتالي النتائج النهائية وأمريكا أقرب من غيرها إلى ارتكاب الأخطاء خُصُوصاً في القرارات الانفعالية أَو نزولها لرغبة اللوبيات.

14- الرأي العام والعقيدة القتالية والعسكرية والأجنحة الأُخرى الدبلوماسية والاقتصادية… إلخ.

ثانياً- الجميعُ يراهن على عامل الوقت والصبر الاستراتيجي هو الفاصل والحاسم في تحديد جهة المنتصر، من حَيثُ الخطأ المرتكب وردود الأفعال المحتملة.

بمعنى ستستمر الحرب في أوكرانيا (حرب الاستنزاف) ومحاصرة الصين وإيران وكوريا الشمالية إلى أمد بعيد، وُصُـولاً إلى الانهيار أَو حدوث طارئ أَو خطأ ينقل الصراع إلى مستوى الحرب المباشرة

ثالثاً- تراهن الأطراف المتصارعة على سوء التقدير في استخدام الأسلحة النووية ولا ضربة استباقية ولا ردعية، حَيثُ تتحطم مل الاستراتيجيات وأن من يبدأ باستخدام ذلك السلاح سوف يقابل بضربة انتقامية ساحقة ماحقة تنهي جميع الصراعات لذلك كُـلّ الأطراف تمسك بأعصابها من الوقوع في المحذور.

 

توزيع المهام على ضوء صفحات ومراحل الحرب المتوقعة

1- انقسمت مهام المواجهة إلى مرحلتين في العالم بين أمريكا والناتو ومن التحق معهما من دول أُورُوبا الشرقية وبقية دول العالم بالضد من روسيا والصين.

المرحلة الأولى- محاصرة روسيا بقيادة أمريكا ومشاركة الناتو

المرحلة الثانية- محاصرة الصين بقيادة بريطانيا والتحاق أمريكا والناتو فيما بعد مع بريطانيا، حَيثُ تقوم الأخيرة باستعدادات كبيرة منها تطوير ترسانتها البحرية والنووية على حَــدٍّ سواء وقد رصدت أموال ضخمة وكبيرة في الآونة الأخيرة ولمدة أربع سنوات لرفع قدراتها العسكرية وبالخصوص البحرية والردعية النووية.

وربما تكرّر بريطانيا تجربة أمريكا السابقة عندما تدخلت في اللحظة المناسبة في الحرب العالمية الثانية بعد أن انهكت جميع الأطراف المتحاربة لتقود فيما بعد حرب باردة مع الاتّحاد السوفيتي وتتربع على راس النظام العالمي

 

الأضحية أَو كبش الفداء

تحاول أمريكا في الوقت الراهن توجيه رسائل نارية تحذيرية لكُلٍّ من الصين وروسيا وكوريا الشمالية عن طريق عدوان مباشر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية تستطيع من خلاله تحقيق عدة أهداف منها:

1- رسائل نارية لخصومها.

2- طمأنة حلفائها في المنطقة وخارجها واشباع رغبة الكيان الصهيوني.

3- السيطرة على موارد الطاقة بالكامل من نفط وغاز وتوجيهها في خدمة مصالحها في الحرب واللا حرب.

4- القضاء على الممانعة ومحور المقاومة بالكامل.

5- نجاح مشروعها التطبيعي والثقافي الخاص بالديانة الإبراهيمية.

من هنا قفزت الأولوية في معارك البحار والمحيطات إلى الشرق الأوسط والخليج الفارسي وبحر العرب والبحر الأحمر على باقي البحار والمحيطات.

* كاتب عراقي.. رفيق الشهيد أبو مهدي المهندس

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com