لماذا في كُـلّ عام نُحْيي الذكرى السنويةَ للشهيد؟!..بقلم/ عدنان علي الكبسي

 

مع تقادُمِ الأيّام ومرورِ الزمن قد يتناسى الكثيرُ أشياءَ مهمةً في الواقع كانت نقطة التحوُّل في تاريخ مجتمعه أَو أمته، وخَاصَّةً أن المجتمعَ مر بظروفٍ عصيبة احتاجت إلى تضحيات جسيمة من رجال حملوا هَــــمَّ الأُمَّــة وسعَوا لتغيير واقعها السيء، بذلوا أموالَهم لإزاحة الباطل من الواقع، وقدموا دماءَهم الطاهرة لإسقاط مشروع الاستكبار العالمي؛ ليعيشَ شعبهم وأمتهم في ظلال المشروع القرآني آمناً مستقراً سعيداً بعيدًا عن الجشع والطمع والمقاصد الشخصية.

تأتي الذكرى السنوية للشهيد في كُـلّ عام لتذكِّرَنا بعظمائنا وعظمة المشروع الذي حملوه، لتذكرنا العملَ الدؤوبَ حتى لا نتكاسل، فتزيدنا عزماً إلى عزمنا، إن حاول الوهنُ الاقترابَ منا تأتي هذه الذكرى لتذكرنا بأكرمنا نفساً وأعظمنا مقاماً وأسمانا روحية، لتذكرنا رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لم يتراجعوا أمامَ المخاطر ولم يتردّدوا أمام التحديات، خاضوا غِمارَ الموت ليحقوا الحَقَّ الذي أراده الله بأرواحهم الزكية، فلم يهن عزمُهم ولم تضعُفْ قواهم ولم تستكين نفسياتهم.

نستذكرُ الشهداءَ في بذلهم وعطائهم اللا محدود؛ حتى لا ننسى ونلهث وراء الرتب والمناصب.

نستذكرُ الشهداء في صبرهم ومصابرتهم في ميادين التضحيات فتهون علينا مسؤولياتُنا وإن واجهنا فيها المتاعب والصعوبات.

نستذكرُ روحيةَ الشهداء ونفسياتهم السامية ونشاطَهم المُستمرَّ قبل أن يستشهدوا؛ حتى لا ننسى فتبرد روحيتنا وتضعف نفسياتنا ويقل نشاطنا وحركتنا وعملنا.

نستذكرُ الشهداءَ في إيثارهم وإحسانهم العظيم حتى لا ننسى فنستأثر لأنفسنا، ونتمحور حول ذاتنا.

نستذكر الشهداء في إخلاصهم لله وصدقهم مع الله حتى لا ننسى فنتظاهر بالأعمال ونرائي بالنزاهة؛ بغية مناصب نرتقي فيها أَو أموال نحصل عليها أَو رتب تعلو أكتافنا.

نستذكرُ الشهداءَ وتضحياتِهم؛ مِن أجلِ أن يتجسدَ المشروع القرآني في واقع الحياة، حتى لا ننسى مشروعَنا القرآني العظيم ونذهب إلى مشاريعَ أُخرى.

نستذكرُ ثقافةَ الشهداء أنها كانت قرآنيةً؛ لنحملَ ثقافتهم القرآنية ونجسدها في الواقع العملي، لنحمل روحيتَهم العالية التي غيروا بها واقع الأُمَّــة، لنحمل أخلاقهم العالية والتي من خلالها جذبوا الأُمَّــة.

نستذكرُ الشهداءَ أنهم تحَرّكوا من أرضية وقواعد الإيمان؛ استجابةً لله وشوقاً إلى الله وإلى ما عنده، آثروا حياةَ الآخرة على حياة الدنيا، صدقوا مع الله عليه وقرنوا القولَ بالفعل، أثبتوا مصداقيتَهم مع الله أنَّهم له جنودٌ مخلصون، جنودٌ صابرون.

نستذكرُ الشهداءَ أنهم استشهدوا؛ مِن أجلِ إحقاقِ الحق وإقامة العدل وأن يحكُمَ الناسَ كتابُ الله، لندورَ حول القرآن ويتمحور عملنا حول تجسيد كتاب الله، لنتعلم القرآن ونعلم الآخرين كتاب الله، لنربي أبناءنا وأبناءهم التربية القرآنية، ولنتحَرّك جميعاً بحركة القرآن الكريم.

نستذكرُ الشهداءَ وحرصَهم وأهم أهدافهم في تضحيتهم في سبيل الله إقامة العدل، مواجهة الظلم، مواجهة الفساد، مواجهة الباطل، لتبقى هذه المسؤولية علينا جميعاً، لنواصل الخُطى، ونواصل المشوار؛ لكي تتحقّق هذه الأهداف السامية والعظيمة.

نستذكرُ الشهداءَ أنهم أودعوا إيانا أمانةً لنفيَ في أمانتهم كما كانوا أوفياءً معنا ومع أمتهم وهي براعم الإيمان، الأشبال الأعزاء أبناؤهم، تركوا أَيْـضاً أمانة في أعناقنا جميعاً نتحمل مسؤولية تجاهها هي أسرهم، ومسؤوليتنا كبيرة تجاه أسر الشهداء.

ولقد ترك الشهداء فينا روحاً وَثَّابةً في استشعار المسؤولية والمواصَلة في طريقهم السوي، نحمل رايتَهم ونتحَرّكُ ونحن نحمل نفس الروحية التي حملوها، روحية الإيمان والتقى، روحية البذل والعطاء والإحسان، روحية الإباء والعزة، وكما كانوا حملة المشروع القرآني النّهضوي، يجب أن نكون حملة هذا المشروع القرآني النهضوي العظيم.

الشهداءُ لنا قُدوةٌ وخيرُ مَن قدَّم النموذج القرآني العظيم، لنُقَدِّمَ النموذجَ القرآنيَّ العظيم من مواقع مسؤوليتنا جميعاً، من أبسط مواطن إلى أكبر مسؤول في الدولة.

وَإذَا لم نقتدِ ونتأسَّ بشهدائنا فلا خيرَ فينا، وَإذَا لم نكُنْ حَمَلَةَ المشروع القرآني فدماءُ الشهداء ستصرُخُ في وجيهنا: بئسَ ما خلفتمونا من بعدنا إنَّكم قومٌ ظالمون.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com