روحيةُ الجهاد والاستشهاد.. في فكر الشهيد القائد   ج2

 

المسيرة| عبد الرحمن حميد الدين:

 

الحديثُ عن الجهاد أصبح غريباً:

ونتيجةً للفهم المغلوط للدين، واعتبار الكثير من أَسَاسياته في [قائمة المستحيلات] ومن ضمنها [الجهاد في سبيل الله] أصبح الحديث عن هذا الجانب غريباً!! وأصبح منطقاً لا نكاد نسمعه في منابرنا أَو مدارسنا الدينية، ويستغرب السيد (رضوان الله عليه) غياب هذا المفهوم في أوساط الأُمَّــة، بالرغم من وجود الاحتلال الأمريكي والصهيوني لبعض الدول العربية والإسلامية، ووجود عشرات الفرقاطات الغربية والأمريكية التي تجوبُ سواحلَ البحر الأحمر والبحر العربي، ومما قاله في ذلك:

((هذه الأُمَّــة التي قال الله عنها مذكراً بالمسؤولية: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} للعالم كله {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: من الآية110) أصبح الآن الحديث عن الجهاد، الحديث عن المواقف القرآنية العملية في مواجهة أعداء الله، الحديث عن نصر دين الله، الحديث عن بذل المال عن بذل النفس عن العمل أصبح غريباً، أصبح منطقاً نادراً لا نسمعه من وسائل الإعلام في مختلف البلدان العربية إلا في النادر، ولا نسمعه من المرشدين، والعلماء، والمعلمين إلا في النادر، ولا ذكر له في مناهجنا الدراسية، ولا في ما يكتب في صحفنا، أصبح غريباً أن يتحدث الإنسان عن أنه يجب أن نتخذ موقفاً من أعداء الله.

ولو نظر كُـلّ واحد منا إلى شاشة التلفزيون، أَو استمع إلى الأخبار لسمع بأذنيه أن هناك فرقاَ من مختلف الدول الغربية، فرق من اليهود والنصارى مقاتلين، مجاهدين – على حسب ما يقولون هم عن أنفسهم – في البحر الأحمر، وفي البحر العربي، وفي الخليج، وفي البحر الأبيض المتوسط، وفي مختلف بقاع الدنيا في البر والبحر، هؤلاء هم من كانت مسؤوليتنا التي أراد الله لنا أن نقاتلهم حتى يكونوا أذلاء صاغرين، من نصل بهم إلى درجة أن لا يفكروا أن يعملوا شيئاً ضد الإسلام والمسلمين.

هذا خزيٌ للمسلمين في الحقيقة، خزي، وتقصير عظيم أمام الله سبحانه وتعالى، ونبذ لكتابه، نبذ للقرآن خلف ظهورنا. ثم إذَا ما جاء من يتحدث عن هذه الأشياء الغريبة لا نستغرب أن نسمع أن في أفغانستان يأتي كُـلّ فترة إنزال مجاميع من الجنود كنديين، أَو إسبانيين، أَو أمريكيين، أَو فرنسيين، أَو غيرهم، لا نستغرب أن نسمع أن هناك سفناً أمريكية وهناك فرقاً لسفن أمريكية، وفرنسية، وألمانية، وغيرها في البحر الأحمر، وأن هناك جنوداً يدخلون اليمن، وجنوداً يدخلون الجزيرة، وجنوداً في العراق، وجنوداً في مختلف بقاع الدنيا داخل بلاد المسلمين.

وعندما يأتي من يتحدث، نستغرب ما يقول، وَإذَا ما اتضح الأمر أكثر قد يتساءل الكثير: [لماذا الآخرون أَيْـضاً لم يتحدثوا، هناك علماء آخرون لم يتحدثوا!]. إذَا لم يتحدث أحد من العلماء قالوا: العلماء لم يتحدثوا. ومتى ما تحدث البعض قالوا: الباقون أَيْـضاً لازم أن يتحدثوا. فإذا لم يتحدث الكل قالوا إذَا فالقضية غير ضرورية)). (محاضرة لا عُذرَ للجميع أمام الله)

 

خطورةُ الإيمان ببعض الكتاب والكُفر ببعض:

ومن خلال تأمل القرآن نجد أن جميع أوامر الله، ونواهيه لم تقتصر على جانب العبادات، كالصلاة والصيام، والحج، وغيرها، فإضافة إلى ذلك: فقد وجَّه سبحانه وتعالى بالاعتصام بحبله، وبتوحيد الكلمة، وبالجهاد في سبيل الله، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من التوجيهات القرآنية الصريحة، لذلك انتقد القرآن بشدة بني إسرائيل عندما كانوا يأتمرون ببعض ما في التوراة، ويرفضون العمل ببعض ما فيها، وقد سمى اللهُ ذلك الرفضَ [كفراً]؛ لأَنَّهم تركوه، وليس لأنهم أنكروه، ومما قاله السيد (رضوان الله عليه):

((الإنسان المسلم ملزم بالقرآن الكريم، المسلمون ملزمون بالقرآن الكريم، بتوجيهاته بأوامره، تجد الأوامر بأن يكون الناس أنصار لدين الله، أن يكونوا أنصاراً لله، أن يكونوا قوامين بالقسط، أن يكونوا آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، أن يجاهدوا في سبيل الله، أن ينفقوا في سبيل الله، ما هي أوامر صريحة داخل القرآن الكريم؟ مثل الأوامر التي فيها: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (النور: 56) {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران: 97) {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ القرآن} (البقرة: 185).

هي مثلها، لا يمكن تقل: إن هذه زيادة؛ لأَنَّه لا يتحقّق لنا اسم الإيمان نفسه، اسم الإيمان إلا عندما يكون هناك توجّـه وعمل يتحَرّك في ماذا؟ لتنفيذ ما أمر الله سبحانه وتعالى به، وما وجه الناس إليه في القرآن الكريم.

إذا ما هناك تنفيذ، إذَا ما هناك التزام، معنى هذا أننا نؤمن ببعض ونكفر ببعض. عندما يقول الله في القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأموالهِمْ وَأنفسهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئك هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات: 15) أُولئك هم الصادقون)). (محاضرة الشعار سلاح وموقف)

 

المجاهدون هم من يَسْلَمون وهم الأبعد عن الأخطار:

ومن خلال القرآن الكريم، يؤكّـد الشهيد القائد على أنّ المجاهدين هم من يكونون أقرب إلى الأمن والسلام في الدنيا، والآخرة، ويكونون هم الأبعد عن أية مخاطر قد تنالهم في الدنيا، وإن نالهم شيء في إطار الجهاد نفسه، فهم من تكون نفوسهم راضية؛ لأَنَّهم يعرفون أنها بعين الله، وأنها في سبيل الله، ومما قاله (رضوان الله عليه) في ذلك:

((إن من يَسْلَم حقيقة، ومن هو أبعد عن الخطر حقيقة، ومن ترضى نفسه حتى ولو أصابه شيء هم المجاهدون {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} (الأعراف: من الآية165) وقال سبحانه وتعالى في آية أُخرى: {كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} (يونس: من الآية103).

المؤمنون هم من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، هم من يجاهدون في سبيل الله بكل ما يستطيعون، هؤلاء هم من يصح أن يقال لهم – بمعنى الكلمة مسلمون – والإسلام هو دين السلام لمن؟ لمن هم مسلمون حقيقة؛ لأَنَّهم من يبنون أنفسهم ليكونوا أعزاءً أقوياءً، هم من يبنون أنفسهم ليستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم الشر، ليدفعوا عن أنفسهم الظلم، ليدفعوا عن بلدهم الفساد، ليدفعوا عن دينهم الحرب، فهم أقرب إلى الأمن والسلام في الدنيا وفي الآخرة)). (محاضرة وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن).

 

كيف يمكن أن يكون الموت عبادة عظيمة لله:

ويتساءل السيد (رضوان الله عليه): هل هناك من يستشعر أن بالإمْكَان أن يكون موته عبادة عظيمة لله؟ فالثقافة السائدة في واقع الأُمَّــة أن: [الموت هو النهاية الطبيعية للإنسان وليس عبادة في حَــدّ ذاته]. لذلك انطلق (رضوان الله عليه) ليحيي في نفوس المؤمنين [روحية الجهاد في سبيل الله] إحياءً عمليًّا، ويجعل من حياته، ومواقفه معراجاً للشهادة بعد أن خَبَتْ هذه الروحية من وجدان الأُمَّــة، وغابت عن واقعها.

وبالفعل كانت حياة (السيد الشهيد القائد) ومماته لله، لم يتراجع عن ذلك حتى نال الحياة الأبدية {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}. ومما قاله في ذلك (رضوان الله عليه):

((من الذي يستشعر أن بالإمْكَان أن يكون الموت عبادةً؟ وأن يكون الموت عبادة عظيمة لله سبحانه وتعالى يجب أن تكون أَيْـضاً خالصة كما قال: {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} (الأنعام: من الآية163).

كنا ننظر للموت كنهاية بينما هنا الله سبحانه وتعالى الله سبحانه وتعالى يقول لرسوله: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سأنذر موتي لله، فحياتي كلها لله، فسأحيى لله، وسأموت لله {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} لاحظوا هذه: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أول الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: من الآية163) فكل المسلمين الذين يقتدون برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لا بد أن يحملوا هذا الشعور، لا بد أن تكونَ عبادتُهم لله على هذا النحو: فتكون حياتهم لله، ويكون موتهم أَيْـضاً لله)). (محاضرة محياي ومماتي لله).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com