نعم.. نشكُرُ أنصار الله وحزب الله وإيران.. أين المشكلة؟!

 

د. فايز أبو شمالة*

جاءتني مراسلاتٌ كثيرةٌ من أشقاء عرب في العراق وسوريا واليمن، وكلهم عاتبٌ على حركة حماس، ويلوم ممثلها في اليمن معاذ أبو شمالة على تصريحاته، وللشكر الذي قدمه للحوثيين لمساندتهم المقاومة الفلسطينية.

منطلقُ العِتاب “العربي” على حركة حماس ينصب بمجمله على موقف الحركة من إيران وحزب الله والحوثيين، فكيف لحركة إسلامية سُنية أن تشكر منظمات الشيعة، وتمتدح مواقفهم؟ كما يقولون ـ وهل يصح من حركة حماس التي تلقت الدعم والمال والإسناد من الشعوب العربية، هل يصح أن تدير ظهرها اليوم للحاضنة الشعبيّة العربية، التي اقتطعت لها لقمة الخبز من قوتها اليومي، لتشكر إيران وحزب الله؟ وَإذَا كانت الأنظمة العربية قد خذلت المقاومة، فَـإنَّنا كشعوب عربية إسلامية سنية قد ذبحنا مرتين، مرة من الأنظمة نفسها، ومرة من إيران وحلفائها، وما كان يجب على حركة حماس ـ التي نحبها، ونثق فيها، ونتمنى لها الانتصار على العدوّ الإسرائيلي ـ ما كان لها أن تطعننا في قناعاتنا ومحبتنا لها، وتشكر أعداءنا.

في البداية لا بد من التأكيد لكل مهتم بهذا الأمر أنني لست عضواً في حركة حماس، ولا أوظفُ نفسي مدافعاً عنها، أنا عربي فلسطيني مؤمن بحقي الكامل بأرض فلسطين، وواثق من قدرة الشعوب العربية على تحرير نفسها من نير الطغاة، ومن بطش الأعداء، ولا أرى بملامة البعض لحركة حماس إلا مؤشر ثقة، يدلل على قيمة حركة حماس المعنوي، ومكانتها الروحية في قلوب الأُمَّــة، وتأثيرها الإيجابي على الأجيال، وهذا هو منطلق الإجَابَة على السؤال: هل أخطأت حركة حماس حين شكرت كُـلّ من قدم لها يد المساعدة والعون؟

حركة حماس لا تقاتلُ على أرض فلسطين عدواً إسرائيلياً واضحَ المعالم، حركة حماس تقاتل عملاء العدوّ الإسرائيلي في المنطقة، وتتصدى لحلفاء العدوّ الإسرائيلي في الغرب، وتهاجمها الأنظمة التي تدور في فلك أمريكا وإسرائيل، وهذا يعني أن المقاومة الفلسطينية بحاجة إلى حلف عربي إسلامي دولي، يصطف إلى جانبها، لتقاتل حلف أمريكا وإسرائيل، ومن دار في فلكهم من أقزام وعملاء وخونة للأمتين العربية والإسلامية.

ولما كان رجالُ المقاومة الفلسطينية في غزة تحت الحصار الإسرائيلي، والإجراءات العقابية المشدّدة، فَـإنَّ الوقوف في وجه حلف إسرائيل وأمريكا وعملائهم يستوجب البحث عن كُـلّ الطرق الكفيلة بتأمين السلاح، والإمدَاد، والتمويل المالي، والإسناد من كُـلّ جهة عربية أَو إسلامية، أَو حتى أجنبية، كي تواجهَ حلفَ الأعداء، ولولا هذا الحلف العربي الإسلامي المناهض لحلف أمريكا وإسرائيل، لما استطاعت حركة حماس ورجال المقاومة في غزة أن يشهروا سلاحهم، وأن يقصفوا تل ابيب بصواريخهم، فالمؤامرةُ على القضية الفلسطينية أكبرُ من مساحة فلسطين، وتخترق كُـلّ منطقة الشرق التي يمثل نهوضها اندحاراً للمشروع الصهيوني.

المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بحاجة إلى السلاح، وبحاجة إلى المال، ولا ينكر مقاومٌ أَو وطني في غزة أهميّة الشعوب العربية في مد يد العون، ولكن لا ينكر أحد الدور الذي قامت به إيران في تزويد المقاومة الفلسطينية باحتياجاتها العسكرية والمادية، بما في ذلك تأمين طرق الإمدَاد، والدعم اللوجستي، وأزعم أن حزب الله في لبنان قد مثل قاعدة انطلاق لكثير من الأسلحة التي يتزود بها رجال المقاومة في غزة، وكذلك كانت اليمن، التي فتحت موانئها على البحر الأحمر لتخزين سلاح المقاومة، وتأمين عبوره إلى غزة، وأزعم أن هذا ما تعرفه أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، ولكنها تقف إزاءه عاجزة، وهذا ما يعرفه ممثل حركة حماس في اليمن معاذ أبو شمالة، وهو يتابع تفاصيل المساعدات التي يقدمها الحوثيون للمقاومة في هذا المجال العسكري.

إننا نشكر العرب “أنصار الله” لما قدموه من خدماتٍ عسكريةٍ للمقاومين في غزة، وهذا الشكر لا يعني أن المقاومة الفلسطينية ستشهر سلاحَها ضد خصوم [الحوثيين] العرب على أرض اليمن، فالحكمةُ تقضي بأن تترفعَ المقاومة عن النزاعات الداخلية، والتي ستنتهي في لحظة صفاء وطني، تعود فيه الشعوب العربية في العراق واليمن وسوريا إلى رشدها، وتدرك أن الفتنة بين مسلم سني ومسلم شيعي صناعة إسرائيلية مئة بالمئة، ولا تخدم إلا أعداء هذه الأُمَّــة، وهذا ما أدركه الشعب الفلسطيني، وهو يقاتل في معركة سيف القدس صفاً واحداً، لاعناً الانقسام الجغرافي والسياسي الذي زرعه العدوّ الإسرائيلي بين الفلسطينيين.

الشعب الفلسطيني الذي يشكر “أنصار الله”، ويشكر حزب الله، ويشكر الإيرانيين على استعداد لأن يقبَلَ أقدام المملكة العربية السعوديّة، وأن يبوس التراب تحت أقدام الأمراء لو وفروا لمقاومته رصاصةً واحدة، يدحر بها المحتلّين الصهاينة، وشعبنا الفلسطيني يتمنى أن يصيرَ ميناءُ جدة على البحر الأحمر هو الممرَّ الآمنَ لسلاح المقاومة إلى غزةَ، بدلاً عن ميناء الحديدة اليمني، فلو تحقّق ذلك، سنخرج كلنا لنلوِّحَ بيدين عربيتين عرفانًا للسعوديّة، وسنقدم للإمارات درعَ غزة والقدس تفضُّلاً على الدعم العسكري، ولكن السعوديّة والإمارات اللتين تحاربان الحوثيين في اليمن باسم السنة، تحاربان المقاومة الفلسطينية المسلمة السنية باسم الإسلام، وتتآمران عليها، وقد تم ضبطُ مجموعات تجسُّس تابعة للإمارات في غزة، مهمتها جمع المعلومات لصالح العدوّ الإسرائيلي، لذلك لم يكن غريباً على وزير خارجية الإمارات أن يستغربَ من دول الغرب عدمَ تصنيفهم لحركة حماس ضمن المنظمات الإرهابية! وقد سبق وأن صنفت السعوديّة حركة حماس بالإرهاب، ولما يزل ممثل الحركة يتعرض للتعذيب والإهانة في السجون السعوديّة.

لقد تلاقت حركة حماس الإرهابية من وجهة نظر السعوديّة والإمارات، مع حركة أنصار الله الإرهابية من وجهة نظر السعوديّة والإمارات أَيْـضاً، ليمثل هذا التلاقي قمة التعاون الميداني في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، الذي ارتجفت مفاصله ومفاصل حلفائه جراء هذا التلاقي.

فأين هي الشعوب العربية المسلمة (سُنة وشبعة) من هذه الصراعات التي تدور بين تكتلين لا بين مذهبين، تكتل سياسي تقوده أمريكا وإسرائيل، وبعض الأنظمة العربية، التي تطلب المباركة من حاخامات إسرائيل، وتكتل سياسي يرفع السلاح في وجه أمريكا وإسرائيل وحلفائهم، ولا علاقة للمذاهب والأديان في الوقوف مع هذا الحلف أَو ذاك، فالحربُ ليست بين السُّنة والشيعة، الحرب بين عدو يغزو المنطقة، وأهل الشرق الذين يتصدون لهذا العدوّ، وبغض النظر عن أديانهم وطوائفهم، فقد يقف بعض المسيحيين والدروز والمسلمين والشيعة إلى جانب الحلف الأمريكي الإسرائيلي، وقد يصطف بعض المسلمين والمسيحيين والشيعة والدروز إلى جانب الحلف المعادي لحلف أمريكا، ولنا في المطران كبوشي أسوة حسنة، حين التحق المطران بالثورة الفلسطينية، وإليكم المطران عمنويل مسلم، الذي يقف إلى جانب حركة حماس الإسلامية السنية ضد العدوّ الإسرائيلي.

إن أخلاق المسلم لتفرض على حركة حماس، وعلى فصائل المقاومة أن تقدم الشكر لكل عربي ومسلم ومسيحي أَو حتى يهودي يمد لها يد العون والمساعدة في حربها ضد محور أمريكا وإسرائيل، وهذا لا يعني أن المقاومة تقف مع حاكم ضد الشعب، ولا يعني أن أهل فلسطين يقبلون أن تكون قضيتهم معروضة في المزاد السياسي، فالشعوب العربية تدرك أن كُـلّ بوصلة لا تشير إلى القدس مضللة، وأن كُـلّ بندقية تصوب باتّجاه العدوّ الإسرائيلي قد أدركت الحقيقة، وتسير على هدي الإسلام، وأن كُـلّ من يطعن المقاومة، ويضع يده في يد الصهاينة حليفاً أَو مطبعاً أَو صديقاً أَو جاراً خانعاً، فَـإنَّه حربٌ على الإسلام والمسلمين.

فهل أخطأ معاذ أبو شمالة ممثل حركة حماس في اليمن، حين قدم درع الحركة للحوثيين شاكراً مساندتهم للمقاومة؟

أنا لا أعرف معاذ أبو شمالة، ولم أرَ وجهه منذ أكثر من ستين عاماً، رغم أنه من مواليد خان يونس، فقد فرض علينا العدوّ الإسرائيلي ألا نلتقي كُـلّ هذه السنين، ولكنني أعرف أباه مصطفى أحمد عقيل أبو شمالة، فقد كان أُستاذنا، وكان مرشدنا إلى طريق الإسلام القويم، كان ذلك قبل سفره إلى الكويت مدرساً، وأعرف جده أحمد عقيل أبو شمالة، وكان من حفظه القرآن، وأحد أئمة مسجد المخيم، وأعرف جد أبيه عقيل أبو شمالة، الذي حفر أول بئر في قرية بيت دراس الفلسطينية سنة 1929، ولما أينعت ثمار بيارة الحمضيات، اغتصبها الصهاينة سنة 1948، وطردوا كُـلّ أبنائه وأحفاده من وطنهم، فصرنا لاجئين نقيم في مخيمات قطاع غزة، وفي بلاد اليمن والكويت والأردن وتركيا والسعوديّة ولندن والإمارات وكل أصقاع الأرض.

فهل يلام معاذ أبو شمالة لو قال شكراً لأي عربي أَو هندي أَو إفريقي أَو مسلم أَو مسيحي أَو صيني أَو حوثي أَو مغربي أَو ماليزي، شكراً لمن يقدم للمقاومة الفلسطينية الدعم، أَو يؤمن لها طريق السلاح، لتغدو قادرة على محاربة العدوّ الإسرائيلي ومن والاه من حلفاء وعملاء؟

* كاتب وسياسي فلسطيني

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com