السيد عبدالملك الحوثي في خطابه تهيئةً لشهر رمضان المبارك:

بحضور جمع من العلماء وقيادات الدولة وشخصيات اجتماعية

 

لا بد من الاستعداد الذهني والنفسي لاستقبال شهر رمضان لنحظى بالقرب من الله

نحث على التكافل والإحسان وإخراج الزكاة ورفد الجبهات بالمال والرجال

ندعو لحملة نظافة رسمية وشعبية واسعة في العاصمة والمحافظات

شهر رمضان محطة للتزود بالصبر والتقوى والشعور بالمسؤولية

الأمة بحاجة للإقبال على القرآن للاهتداء به

حياكم الله جميعاً، أهلاً وسهلاً ومرحباً..

جمعة مباركة..

أُعُوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ.

وارضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المُنْتَجَبين، وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصَّالحِين.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الأعزاءُ الحَاضِرُونَ جميعاً:

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ.

أرحِّبُ بكم جميعاً، وفي المقدِّمةِ الآباء العُلماء الإجلَّاء، الذين شرَّفونا بحضورهم، ونَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” لنا ولكم جميعاً التوفيقَ لما يُرضِيه عنا، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاءِ.

بما أننا على مقرُبةٍ من قدوم الشهر المبارك: شهر رمضانَ، ونحن في الجمعة الأخيرة من شعبان، لم يتبقَ إلَّا الأيّامُ القليلةُ إلى حين دخول الشهر المبارك، رأينا أنه من المناسب أن نستفيد في هذه الجمعة، المباركة (الجمعة الأخيرة)؛ بغية الاستعداد الذهني والنفسي لاستقبال هذا الشهر المبارك، وأن نستفيد في هذه الجمعة، الأخيرة من خطاب رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في آخر جمعةٍ من شهر شعبان، ذات مرة مع قدوم موسم شهر رمضان المبارك، وفي آخر جمعةٍ من شهر شعبان، خطب رسول الله “صلى الله وسلم عليه وعلى آله” خطاباً مهماً، وهذا يأتي في سياق لفت الانتباه، والاستعداد الذهني والنفسي المسبق، ما قبل دخول شهر رمضان المبارك، وهذه مسألة مهمة من الناحية التربوية.

في العادة يركِّز الناس مع اقتراب دخول شهر رمضان على بعض الاستعدادات، البعض مثلاً: قد يركز على الاستعدادات فيما يتعلق بالجانب الغذائي، توفير بعض المتطلبات الأَسَاسية والاحتياجات الضرورية لشهر رمضان المبارك، أَو كذلك العناية بتوفير بعض أنواع المواد الغذائية، التي -عادةً- يتم التركيز عليها في شهر رمضان المبارك، وتختلف اهتمامات الناس وطبيعة استعدادهم لهذا الشهر المبارك، وللظروف الاقتصادية العامة، سواءً على بلدنا في اليمن، أَو حتى في خارج اليمن، لها تأثيرها السلبي الكبير في معاناة الناس، وأثَّرت إلى حَــدٍّ كبير على أشياء كثيرة في واقع حياتهم.

من الطبيعي على المستوى المعيشي أن يكون لدى الناس اهتمام بتوفير احتياجاتهم الضرورية، على مستوى المواد الغذائية، أَو غير ذلك، مع أنَّ للظروف الصعبة الأثر الكبير على الكثير من الناس في ذلك، ولكن يجب أن يكون في مقدِّمة اهتماماتنا، وفي مقدِّمة ما نركِّز عليه: هو الاستعداد الذهني والنفسي لاستقبال هذا الشهر المبارك، واغتنامه فيما يتعلق بالمسائل المهمة جِـدًّا، والفرص الكبيرة التي هيَّأها الله لنا في شهره المبارك، ودلَّنا عليها، وأخبرنا بها في كتابه الكريم، وعلى لسان نبيه “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فأن يستبق النبي “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــه وَسَلَّـمَ” دخول شهر رمضان، ويتحدث في خطبته في آخر جمعةٍ من شهر شعبان، قبل دخول شهر رمضان، فهو في هذا السياق: الذي يدل على أهميّة لفت الانتباه، والعناية بما هو مهمٌ ومفيد.

قد يدخل البعض إلى شهر رمضان المبارك دخولاً اعتيادياً روتينياً، والحالة الروتينية الاعتيادية أفقدت الكثير من الناس قيمة الكثير من الأمور المهمة في دينهم، لاحظوا مثلاً: الصلاة أصبحت حالة اعتيادية روتينية، هذا جيد من حَيثُ سهولتها على نفس الإنسان، ولكن أن يفقد الإنسان استشعار عظمتها، وقيمتها، وأهميتها، وإيجابياتها، وفوائدها، وعطائها التربوي والروحي، فهذه مشكلة، تجعل الإنسان يخسر الكثير من أثرها التربوي المهم.

كذلك الصيام، عندما يدخل الإنسان بشكلٍ اعتيادي روتيني إلى شهر رمضان المبارك، بدون أن يكون مستعداً، متهيئاً نفسياً، ومدركاً عظمة هذه الفرصة، أهميّة هذه النعمة، ما فيها من عطاء الله الواسع الفسيح الكبير، الذي يشمل أشياء كثيرة جِـدًّا، ذات أهميّة كبيرة لك أنت كإنسان، فهذا يجعل الإنسان يفوِّت الكثير من الأشياء، أَو حتى البعض يُضِيع هذه الفرصة، ويَضِيع أثناء شهر رمضان في اهتمامات ثانية، وشواغل ثانية لا قيمة لها، والبعض قد يكون منها معاصي، أَو قد يكون منها ذو تأثير سيء على الإنسان في نفسه، وفي أعماله، وما بينه وبين الله، وفي حياته.

سنقومُ بالتأمل في هذا الخطاب، الذي رواه الإمام عليٌّ “عليه السلام”، ونقفُ مع بعضٍ من فقراته؛ للحديثِ على ضوئها:

عن أميرِ المؤمنين عليٍّ “عليه السلام” قال: خطب رسولُ الله “صلى اللهُ عليه وآله وسلم” في آخر جُمُعةٍ من شهر شعبان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أيُّها الناس: إنَّه قد أظلَّكم شهرٌ، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر).

نجد أنَّ رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” افتتح خطابه في الحديث عن شهر رمضان المبارك بالحديث عن ليلة القدر، شهر رمضان بكله: من أول لحظةٍ فيه، إلى آخر لحظة، شهرٌ عظيم البركات، وفيه من الله تأتي الكثير من الخيرات، ولكن فيه أَيْـضاً ليلةٌ -في داخل شهر رمضان المبارك، من لياليه المباركة- ليلةٌ لها هذه الخصوصية، ولها هذه الأهميّة، ولها هذه البركة الكبيرة جِـدًّا، ليلة وصفها الله بأنها مباركة، ليلةٌ {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: من الآية3]، ليلةٌ عظيمة البركة، وكبيرة الأهميّة، إلى هذه الدرجة: فهي {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، هذا يفيد على مضاعفة الأجر الكبير فيها، يضاعف الأجر على الأعمال في تلك الليلة، إلى هذا المستوى من الأضعاف الكثيرة: إذَا قمت في تلك الليلة، فكأنك قمت ألف شهر، كأنك قمت ليالي ألف شهر.

أيضاً بركتها فيما يكتب الله فيها، وليلة القدر هي ليلة تقدير الأمور، ليلة يكتب الله فيها لعباده ويكتب عليهم ما يتعلق بتدبير شؤون حياتهم على مدى العام الكامل، ما بعد ذلك على مدى عام، سنة كاملة، فسميت بليلة القدر؛ لأَنَّها ليلة يقدِّر الله فيها الأمور لعباده، يدبِّر فيها شؤون عباده، على مستوى التفاصيل المتعلقة بشؤون حياتهم، على مستوى أرزاقهم، وآجالهم، ومختلف شؤون حياتهم وفق التدبير الإلهي.

فإذا كان الإنسان مقبلاً في هذا الشهر المبارك، وأتت تلك الليلة، والإنسان في حالة إقبالٍ إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، والتجَاء إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وفي حالة طاعةٍ واستقامة وتقوى، هذا يعطي الإنسان الفرصة أن يكتب الله له الخير العظيم في دينه ودنياه؛ لأَنَّ اللهَ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” فيما يكتبه لعباده، وفيما يكتبه عليهم، لأعمالهم، لتصرفاتهم دورٌ كبيرٌ في ذلك: في طبيعة ما يكتب إما لهم، وإما عليهم، فإذا كانوا في حالةٍ من الاستقامة، في حالةٍ من الصلاح، من الطاعة لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، من الاستجابة لله “جَـلَّ شَأْنُـهُ”، من التقوى، فالوعود في القرآن الكريم وعود واضحة لعباد الله المؤمنين، المتقين، المنيبين، التوَّابين، المستقيمين، وعود عظيمة، وعود بالبركة، وعود بالخير، في شؤون دينهم ودنياهم، في أنفسهم، وفي واقع حياتهم، وعود مفصَّلة في القرآن في آيات كثيرة.

عندما تأتي إلى الحديث عن المتقين، وعن ثمرة التقوى، الله “جَـلَّ شَأْنُـهُ” يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: 2-3]، يقول “جَـلَّ شَأْنُـهُ”: {مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[الطلاق: من الآية4]، ألا نريد من الله اليسر في حياتنا في مواجهة كُـلّ الصعوبات؟ كم يعاني الكثير منا من صعوبات كثيرة في حياته؟ كم يعاني الإنسان من تحديات، من ظروف، من مؤثرات… من أشياءَ كثيرة؟ كم نحن بحاجةٍ إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، فيما نحتاج إليه في واقع أنفسنا، في داخل أنفسنا: من هداية، من تزكية، من توفيق، من شرحٍ للصدر، من عونٍ حتى في الواقع المعنوي والنفسي، احتياجنا كبير إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” في الجوانب المعنوية، وفي الجوانب المادية، وفي طبيعة وظروف هذه الحياة فيما نواجهه فيها.

فالإقبال إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” في هذا الشهر القادم المبارك (في شهر رمضان المبارك)، يهيِّئ الإنسان عندما تأتي ليلة القدر أن يكون محط رعايةٍ من الله وقبول وتوفيق، وأن يحظى بأن يكتب الله له، فيما يكتبه، وفيما يقدِّره، وفيما يدبِّره، الخير الكثير من فضله الواسع، ومن كرمه العظيم، وهذه مسألة مهمة لكلٍّ منا، كُـلّ منا بحاجة إلى ذلك، كُـلّ منا بحاجة إلى ذلك.

هذا جانب من جوانب ليلة القدر: في مضاعفة الأجر، فيما يُكتَب ويُقدَّر ويُدبَّر، قال الله عنها: {فِيهَا يُفْرَقُ كُـلّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان: الآية4]، ضمن التدبير الإلهي، وهذا على المستوى الشخصي للإنسان كشخص، أنت فيما يتعلق بك شخصيًّا، أَو حتى على المستوى الجماعي: للأُمَّـة كأمة، لشعبٍ كشعب، لكل من يجمعهم توجّـه واحد، موقفٌ واحد، قضيةٌ واحدة، مسيرةٌ واحدة، يشملهم ذلك، عندما يكونوا أُمَّـة تتعاون على البر والتقوى، تجتمع كلمتها على الاعتصام بحبل الله جميعاً، تتحَرّك فيما يرضي الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، تسعى للاستقامة على منهج الله العظيم، تسعى للتقوى، ولتحقيق التقوى، ولترسيخ التقوى؛ فهي كأمة يكتب الله لها النصر، والظفر، والخير، والسعة في الأرزاق، واليسر في الأحوال، إلى غير ذلك مما يكتبه الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”.

ليلة القدر، من عظمة هذه الليلة، ومن أهم ما يتعلق بهذه الليلة المباركة: أنها ليلة نزول القرآن الكريم، هذه النعمة العظيمة جِـدًّا، التي لم يعرف الناس قدرها، نعمةٌ عظيمة، هي مفتاح كُـلّ النعم، نعمةٌ أنعم الله بها علينا، القرآن الكريم ذكر الله في عدة آيات: منها في سورة القدر، قال “جَـلَّ شَأْنُـهُ”: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر: الآية1]، {أَنْزَلْنَاهُ}، القرآن الكريم أنزله الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” من عنده، هو هديه، هو نوره، هو وحيه، هو كلماته، آياته، هديه لعباده، أنزله في ليلة القدر.

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}[القدر: الآية2]، هذا تعظيمٌ من شأنِها، أنها ليلةٌ عظيمةٌ جِـدًّا، لدرجة أنَّ عظمتها تفوق كُـلّ تقديرك، أنت لا تقدِّر، لا تستطيع أن يكون في حسبانك وفي تخيلك مستوى عظمة هذه الليلة، عظيمةٌ جِـدًّا فوق تخيلك، فوق تقديرك، فهي عظيمةٌ عظيمةٌ عظيمةٌ، وعظمتها تشمل أشياء كثيرة جِـدًّا، مثلما قلنا: فيما يكتب الله فيها، وفيما ينزِّله من البركات، وفي مضاعفة الأعمال… وفي أشياء كثيرة.

{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُـلّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر: 4-5]، فهي ليلة تتصل بالتدبير الإلهي، بتدبير الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، فيما يدبِّره، فيما يقدِّره، فيما “جَـلَّ شَأْنُـهُ” يقرّره في شؤون عباده وفي تدبير أمورهم، {مِنْ كُـلّ أَمْرٍ}.

ونلحظ أَيْـضاً في آيةٍ أُخرى عندما قال “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {إِنَّا}، يعني: الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” ذو العظمة والجلال والإكرام، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُـلّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان: 3-4].

قال أَيْـضاً عن شهر رمضان؛ لأَنَّ ليلة القدر هي في شهر رمضان، كما سمعنا في الحديث، ونجد التأكيد على النزول في ليلة القدر، ثم نجد قول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” في كتابه الكريم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية185]، فإذاً شهر رمضان فيه هذه الليلة المباركة العظيمة، ولا يمكن للإنسان أن يبني على التحيل، ويقدِّر أنه شاطر وذكي، يقول: [أنا باأهمل كُـلّ شهر رمضان، وبا أحاول ارجع اصطاد تيه الليلة وبس]، إذَا أردت أن تظفر بليلة القدر، لا بدَّ لك من الاهتمام بهذا الشهر، هذه مسألة مهمة جِـدًّا، لا بدَّ لك من الاهتمام بهذا الشهر من بدايته إلى نهايته، لو اتَّجهتَ إلى أن تتحيل، وأن تهملَ، يدخل شهرُ رمضان وأنت ذلك المهمل، المقصِّر، المفرِّط، اللاهي، الساهي، الغافل، ثم يمُرُّ الكثيرُ منه، تأتي العشرُ الأواخرُ وتظُنُّ في نفسك أنك ستهتم فيها فحسب، أَو في بعض الليالي منها، التي عادةً ما يأتي التركيز عليها، فقد لا تتوفق، قد لا تهتم بالشكل المطلوب، قد لا تكون على المستوى الذهني والنفسي والإيماني قد ارتقيت وتهيأت، لأن تكونَ محطَّ هذه العناية الإلهية الكبيرة جِـدًّا.

فندركُ قيمةَ هذا الشهر المبارك؛ باعتبَاره بكله موسم خير وبركة، وفيه هذه الليلة، التي لها هذه الأهميّة وهذه العظمة، ولندرك أَيْـضاً أهميّة القرآن الكريم، أهميّة القرآن الكريم، الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عندما قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، يبين لنا أهميّة هذا الشهر من جانب، وأهميّة القرآن الكريم من جانبٍ آخر، والتلازم فيما بينهما، التلازم فيما بين هذا الشهر في محطته ودوره التربوي، دوره التربوي، وأثره الروحي، وفي العلاقة مع القرآن الكريم، الإنسان بالفعل يكون مهيأً في شهر رمضان المبارك -بأكثر من غيره- للاستفادة من القرآن الكريم، مع أنَّ علاقتنا بالقرآن الكريم، علاقتنا بالتقوى، علاقتنا بالدين الإلهي، هي علاقة حياة، علاقة حياة، لا تختص بشهرٍ، ولا بزمنٍ، ولا بمحطةٍ معينة، لكن هذا البرنامج الإلهي، هذه التدبيرات من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وهذه الفرائض، وهذه المواسم التي تأتينا، موسماً له بركة معينة، له أثر معين، هي محطات ذات أهميّة كبيرة، نتزود منها أكثر فأكثر، فيمكننا في شهر رمضان المبارك أن نعزز من صلتنا بالقرآن، والتي يجب أن تكون صلةً دائمة، لكن أن نعزز منها أكثر، أن نقوِّي هذا الارتباط بالقرآن الكريم ككتاب هداية، هنا الفجوة، هنا الفجوة، الغائب إلى حَــدٍّ كبير في واقع المسلمين هو العلاقة القوية بالقرآن الكريم ككتاب هداية، يعودون إليه للاهتداء به في كُـلّ شؤون حياتهم، في مسيرة حياتهم، في مواقفهم، يعطونه أولويةً مطلقةً، وهيمنةً ثقافيةً على ما سواه؛ لأَنَّ الله جعله مهيمناً حتى على كُـلّ كتبه السابقة، فيرجعون إليه، ويجعلون له هيمنته الثقافية على كلما بين أيديهم، من أفكار، من ثقافات، من مفاهيم، يعملون على إعادة تصويبها ومعايرتها، وِفْــقاً للقرآن الكريم، وبما يتفق مع القرآن الكريم؛ لأَنَّه نور الله، هديه لعباده، من خلاله يرشدنا الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” ويعلِّمنا ما نفرق به بين الحق والباطل، بين الخطأ والصواب، ما يُبنى عليه الفرقان في حياتنا.

لاحظوا، واقع المسلمين اليوم، يعيشون حالةً مأساويةً في شؤون حياتهم بشكلٍ كامل، الشتات، الفرقة، الاختلاف، التباينات: التباينات الثقافية والفكرية إلى حَــدٍّ كبير جِـدًّا، التباينات في الاهتمامات، في المشاريع، في الأعمال، في التوجّـهات، في المواقف، فُرقة وشتات إلى حَــدٍّ رهيب، وكلٌّ يأتي ولديه أولوياته واهتماماته وبرنامجه وعناوينه، ويحاول أن يفرضها في الساحة، وأن يقدِّمها في الساحة، الكل بحاجة إلى الاهتداء بالقرآن الكريم، وإعطائه أولوية، والإذعان لهديه، والتجرُّد أمام القرآن الكريم من كُـلّ تأثيرات ثقافية أُخرى؛ ليكون ما يأتينا من خلال القرآن الكريم هو الذي نتقبله، ونهتدي به، ونجعله الأَسَاس الذي نعتمد عليه، هذه مسألة مهمة.

{هُدًى لِلنَّاسِ} لكل الناس، الكل بحاجة إلى الاهتداء بالقرآن الكريم، لا يمكن لأحدٍ أن يستغني عنه، يقول: [أنا أكاديمي، أنا بروفيسور، أنا دكتور، أنا فيلسوف، أنا عالم، أنا معلم في الجامعة، أَو أنا كذا، أَو أنا، أَو أنا… أنا سياسي، أَو أنا قانوني، أَو أنا… كُـلّ صفة، كُـلّ مرتبة، كُـلّ اعتبار، كُـلّ مجال، لا يمكن من خلاله أن تستغني عن القرآن ككتاب هداية، لكي تهتدي إلى الحق، إلى الرشاد، إلى الصواب، إلى الحكمة، إلى ما فيه الخير، إلى ما فيه القسط والعدل، إلى ما هو الموقف الصحيح، تحتاج إلى القرآن.

 (ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله)، حتى لو أردت الهدى، لكن تركت القرآن هناك، وجعلت دوره دوراً ثانوياً، هامشياً، أَو اتخذته ظِهرياً، واتجهت إلى الأشياء الأُخرى لتعتمد عليها، لتستنتج من خلالها الرؤى والأفكار والأُطروحات باسم الدين، أَو بغير اسم الدين، ستضل، ستضل، طالما أعرضت عن القرآن ستضل، طالما لم تجعل للقرآن الأولوية، وتجعل منه الأَسَاس، الأَسَاس الذي تصوب من خلاله كُـلّ الأفكار، كُـلّ الآراء، كُـلّ التوجّـهات، فأنت ستضل حتماً، حتى لو كنت تريد الهدى، الذي قال: (ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله)، هو النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.

الأمة اليوم بحاجة إلى العودة إلى القرآن الكريم ككتاب هداية، لتهتدي به، وتعود من واقع حياتها، وفي كُـلّ شؤونها، تجاه المواقف، عندما نحدّد المواقف، يجب أن نعود إلى القرآن الكريم، ونبي على ما يهدينا إليه مواقفنا، عندما نتجه في مسيرة حياتنا في أي مجال من المجالات، لنعود إلى القرآن الكريم؛ لتكون ثقافتنا قرآنية، آراؤنا قرآنية، لنبني كُـلّ توجّـهاتنا على أَسَاسه، كُـلّ أفكارنا على هديه، وبنوره، هذا هو المقصود من أن ننظر إليه ككتاب هداية، من واقع حياتنا، والقرآن الكريم هديه عظيم، والله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” يتدخل، المسألة ليست تعاملاً مع القرآن منفصلاً عن الله، ليست هكذا، المسألة هي التجَاء إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، المسألة هي أَيْـضاً الاستفادة من سنته في هداية عباده “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، والمسألة هي أَيْـضاً فيها التجَاء إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، الله علمنا أن نقول في كُـلّ صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة: الآية6]، (اهْدِنَا) نلتجئ إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، نطلب منه الهداية، ثم يأتي هو ليتدخل، {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة: من الآية16]، الله يهدي، يهدي بكتابه، ليست هدايته بكتابه فقط أنه قد أنزله واكتفى بذلك، لا، له سُنته في هداية عباده من جهة، ويتدخل، يتدخل في ذلك “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، فنحن بحاجة إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”.

ولذلك من المهم جِـدًّا في شهر رمضان، الإقبال بشكلٍ كبير على القرآن الكريم؛ للاهتداء به، ونحن في مراحل فيها فتن كقطع الليل المظلم، فيها حملات تضليلية رهيبة جِـدًّا، سواءً ما يأتي من خارج الأُمَّــة، ما يأتي من الأعداء الكافرين، أَو من داخل الأُمَّــة، من كُـلّ فئات الضلال، من كُـلّ المنحرفين عن القرآن، من كُـلّ من لهم اتّجاهات تتباين مع منهج القرآن الكريم، بحاجة ماسة إلى أن نتحصن بالهدى، تجاه كُـلّ الضلالات وكل الظلمات، بحاجة ماسة، والقرآن الكريم ينير لنا الدروب.

من عظمة القرآن الكريم أنه يرسم ويحدّد التوجّـهات، والمواصفات العامة، وبطريقة تهيئ حتى للإنسان العامي أن يفرق، أن يفرق بين التوجّـه الصحيح والتوجّـه الخاطئ، بين الموقف الحق والموقف الباطل.

لاحظوا، على سبيل المثال في سورة المائدة، صفحة كاملة في سورة المائدة، صفحة كاملة في سورة المائدة، تحدث فيها القرآن الكريم حديثاً عجيباً، عندما تقرأ هذه الصفحة، وكأنها نزلت في هذا الزمن، مع أنها نزلت على نبي الله محمد “صلوات الله عليه وعلى آله” في ذلك الزمن، ولكن هكذا هو القرآن، عطاؤه مُستمرّ، لا ينضب معينه أبداً، (بحرٌ لا يدرك قعره)، كما قال الإمام عليٌ “عليه السلام”، في هذه الصفحة حذر الله من التولي لليهود والنصارى، وحذر من؟ حذر المؤمنين، الذين آمنوا، حذر الذين ينتسبون لهذا الإسلام، وأنهم قد يقعون في هذه المصيبة الكبيرة، في هذا الانحراف الخطير جِـدًّا، وأتى بمواصفات للمنحرفين، وعناوين تعبر عنهم، ثم أتى ليحدّد المسار الصحيح عندما تقع الأُمَّــة في مشكلةٍ كهذه، قال “جَـلَّ شَأْنُـهُ”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: الآية54]،.

في هذه الآية المباركة عندما يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}، هي في نفس السياق الذي تحدث فيه عن الولاء لليهود والنصارى؛ لأَنَّ حالة الولاء لليهود والنصارى هي على حساب الدين، على حساب مبادئ ذات أهميّة كبيرة من الدين، على حساب مواقف ذات أهميّة كبيرة في الدين، على حساب توجّـهات ذات أهميّة كبيرة في الدين، شرائع، فرائض، التزامات دينية، والسياق هنا ليس بالضرورة يتحدث عن الارتداد عن الملة، والخروج من الإسلام كليًّا، هي الحالة التي يتجه فيها من يتورطون في ذلك، من يتجهون -في مقابل ألَّا يكون لهم مشكلة أمام خطر اليهود والنصارى- يتجهون إلى المقايضة بالدين، يتركون أشياء، يسكتون عن أشياء، يجمدون أشياء، يشطبون أشياء، وهذا في سياق ماذا؟ في سياق الاسترضاء، لئلا يحسب لهم موقف مناوئ، مناوئ للخطر الذي يأتي من جانب اليهود والنصارى، يعني: يحاولون أن يوصلوا رسالة أن لهم توجّـهاً آخر، وأن اتّجاههم اتّجاه مختلف، ليسوا ممن يتبنون موقفاً آخر، والارتداد عن الدين هنا، هو ارتداد عن مبادئ من الدين، عن قيم من الدين، عن مسؤوليات في هذا الدين، عن التزامات عملية في هذا الدين، وهي تأتي في هذا السياق؛ لاسترضاء أعداء الأُمَّــة، أعداء الإسلام والمسلمين.

ولذلك كيف قابل حالة الارتداد؟ لو كان السياق في سياق الحديث عن الخروج من الملة، مع أن البعض يصلون إلى الخروج من الملة، لكن هذا السياق واضح ماذا يقصد، أتى ليقابل ما بين حالة الارتداد وما بين اتّجاه رسمه وحدّده، هو الاتّجاه الذي يقي، يقي من الارتداد، قال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}، {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}.

لاحظوا، عندما يقول: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ}، ثم يأتي لهم بهذه المواصفات، لو كانت المسألة فقط في إطار الحديث عن الخروج من الملة، وارتداد من يرتدون عن ملة الإسلام كليًّا، لقال “جَـلَّ شَأْنُـهُ”: [فسوف يأتي الله بقومٍ يسلمون، من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يسلمون]، واحتلت المسألة، ليقابل حالة الخروج من الملة بناس مسلمين، يسلمون، لكنه أتى بمواصفات؛ ليحدّد منهجاً ثابتاً، وطريقاً واضحًا بيناً، وبمواصفات واضحة، يمكن للكل أن يتبين له الناس، وأن يقيم من خلالها.

نحن في هذا الزمن تعاني أمتنا من الوقوع في حالة الولاء لأعدائها من اليهود والنصارى، مشكلة حقيقية، مشكلة كبيرة في هذا العصر، في هذا الزمن، بشكل واضح، وأوضح من أي زمنٍ مضى، يستطيع حتى العامي أن ينظر في الساحة من الذين يتجهون هذا الاتّجاه، اتّجاه: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، سيجد البعض ممن أصواتهم مرتفعة، ممن مواقفهم مشدودة وقوية وقاسية، فقط تجاه المؤمنين؛ أما تجاه الكافرين لا صوت لهم، لا موقف لهم، لا تحَرّك لهم، بل يعتبرون ذلك ليس ضرورياً نهائياً، يشطبون ذلك من اهتماماتهم: التثقيفية، والتعليمية، والخطابية، والـ… كُـلّ أنشطتهم، يشطبون منها موضوع العزة على الكافرين، لا تتجسد عزتهم على الكافرين، لا في مواقف، لا في عبارات، لا في تحَرّك عملي جاد، ولا في أي شيء، وفقط تتجه مواقفهم السلبية، السيئة، القاسية، إساءَاتهم، نبرات أصواتهم المرتفعة، على المؤمنين، على الساحة الداخلية، على من يتحَرّك -بالتحديد- ليتجه هذا الاتّجاه القرآني، وضمن هذا الموقف القرآني، وفي هذا الطريق الذي رسمه القرآن الكريم.

هنا تتحدّد المعالم الواضحة في القرآن، عندما يقول: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}، وهذا الزمن من أكثر ما فيه اللوم، بمُجَـرّد أن تتجه هذا الاتّجاه القرآني، كم سيتوجّـه إليك من اللوم، من مختلف اللائمين:

من يلومك ويقدم نفسه متديناً، قد يلومك من على منبر المسجد، قد يلومك بمحاضرات تحت عناوين دينية، بكلمات ذات عناوين دينية، بنشاط تعليمي وتثقيفي باسم الدين، وهو يلومك، يلومك، ومشكلتك معه هي هذا: أنك تتجه هذا الاتّجاه، لو لم تتجه هذا الاتّجاه، لربما سكت عنك، وما كان له مشكلة معك، هو لا يلوم الساكتين، لا يلوم القاعدين، لا يلوم المتخاذلين، لا يلوم الموالين لليهود والنصارى، لأمريكا وإسرائيل، لا يلوم أي أحد له موقف متخاذل، متنصل عن المسؤولية، يلوم من يتجه هذا الاتّجاه.

البعض قد يلومك في الإطار السياسي، والعناوين السياسية، والعناوين المختلفة.

أسليب كثيرة للوم، عناوين كثيرة للوم، جهات كثيرة للوم، أصوات كثيرة للوم، عناوين وخلفيات متنوعة للوم، إذَن من يتجهون هذا الاتّجاه القرآني، يجب أن يكونوا على هذا المستوى: {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}.

هنا تجد عندما يقول الله عن القرآن: {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية185]، أنه نور، يستطيع الإنسان أن يفرق، يفرق، على مستوى التوجّـهات، على مستوى المواقف، على مستوى الأعمال، بين الاتّجاه الصحيح المنسجم مع القرآن، والاتّجاه الآخر المنحرف عن القرآن.

لذلك يجب أن نركز في شهر رمضان على الإقبال بشكلٍ كبير على القرآن الكريم، وأن يكون هناك نشاط واسع في الساحة، كُـلّ الذين يمتلكون القدرة التعليمية والتثقيفية، من مثقفين، من علماء، من خطباء، يجب أن يكثّـفوا جهودهم في هذا الشهر المبارك، وعلى أَسَاس القرآن الكريم، وربط الأُمَّــة بالقرآن الكريم، والسعي لهداية الأُمَّــة بالقرآن الكريم، وأن يتناولوا واقعَ حياة هذه الأُمَّــة، ما تواجهه من تحديات وأخطار ومشاكل، فينيروا لها الدربَ من خلال القرآن الكريم.

هذه ليلة القدر، (فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، وهو شهر رمضان)، نعود طبعاً إلى الحديث النبوي، (وهو شهر رمضان، فرض الله “عزَّ وجلَّ” صيامه)؛ لأَنَّ الله جعل صيام شهر رمضان فرضاً لازماً، هذه من حكمة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، لو لم يكن فرضاً -مهما كان مستوى الترغيب فيه- لربما الكثير من الناس لا يصومون، لو لم يكن فرضاً، لكنه عندما كان فرضاً إلزامياً، كان لا بدَّ من صيامه.

وصيامه مفيدٌ لنا، ليست المسألة أن الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” يريد أن نعانيَ من الجوع والعطش، وأن نعانيَ من الظمأ، أن نتعب، لا، أن يكلفنا المشاق، الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” أراد أن يقدم لنا وسيلةً تربويةً نروض بها أنفسنا على الصبر والتحمل، واكتساب العزم، واكتساب قوة الإرادَة، هذا واحدٌ من فوائد هذا الشهر المبارك: في صيامه نتعود على الصبر، عندما نمتنع عن الطعام والشراب، عندما نمتنع عن الشهوات والرغبات، نكتسب في هذا قوة الإرادَة، نكتسب من هذا التحمل والصبر، نتروض على الصبر، محطة تربوية، وسيلة تربوية تساعدنا على اكتساب العزم، والتجلد، والقوة، وهذا يساعدنا على الاستقامة على منهج الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ويساعدنا على التنفيذ لتوجيهات الله وأوامره “جَـلَّ شَأْنُـهُ”.

ولذلك ارتبطت غاية التقوى كغاية عملية في شهر رمضان، عندما قال الله “جَـلَّ شَأْنُـهُ”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: الآية183]، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ لأَنَّك تكسب وتكتسب هذا الترويض للنفس على الصبر والتحمل، فتكون لديك قوة إرادَة، قوة عزم، قدرة على الالتزام، قدرة على مواجهة هوى النفس، قدرة على النهوض بالمسؤوليات والأعمال العظيمة، والأعمال المهمة، التي تحتاج إلى الصبر، إلى التحمل، وهي أعمال ذات أهميّة كبيرة، قيمة كبيرة، لها نتائج مهمة في واقع الحياة، فهي وسيلة عظيمة، وسيلة تربوية مهمة، لكن الإنسان بحاجة إلى أن يستشعر ذلك، بحاجة إلى أن يستشعر ذلك.

 (وجعل قيام ليلةٍ منه بتطوع صلاةٍ، كمن تطوع سبيعين ليلةً فيما سواه من الشهور)، لاحظوا، هنا يقدم لنا هذا الشهر المبارك، الذي هو شهر رمضان طبعاً، كموسم خيرٍ -بهذا التقديم- كموسم خيرٍ عظيم، يضاعف فيه الأجر، فيكون التطوع فيه بصلاة، كمن تطوع سبعين ليلةً فيما سواه من الشهور، المضاعفة فيه، وهذا في غير ليلة القدر، {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: الآية3]، لكن في بقية الأيّام، في بقية الليالي، المضاعفة إلى سبعين ضعف، سبعين ضعفاً، يعني: المضاعفة كبيرة جِـدًّا للأجر والثواب.

 (وجعل لمن تطوع فيه بخصلةٍ من خصال الخير والبر، كأجر من أَدَّى فريضةً من فرائض الله “عزَّ جلَّ” فيما سواه)، مع أن الفرائض لها مرتبة عظيمة في الفضل، والأهميّة، والأجر، والثواب، لكن ترتقي في شهر رمضان حتى الأعمال التطوعية في أجرها وفضلها إلى مستوى الفرائض في غير شهر رمضان، والفرائض في شهر رمضان ترتقي في فضلها وأهميتها على مستوى أكبر وأعظم.

 (ومن أَدَّى فريضةً من فرائض الله “عزَّ وجلَّ” فيه، كمن أَدَّى سبعين فريضةً من فرائص الله عزَّ وجلَّ” فيما سواه من الشهور)، يعني: موسم يمكن أن تكسب رصيداً كَبيراً منه، موسم تجارة مع الله، تجارة مع الله، تحصل على أجر كبير، أجر عظيم، فضل كبير جِـدًّا، يمكن للإنسان في هذا الموسم أن يرتقي درجات عالية، في إيمانه، في منزلته عند الله، فيما يكتب له من الأجر والثواب والفضل، فرصة، فرصة عظيمة جِـدًّا، موسم خير ورحمة وبركة.

 (وهو شهر الصبر، وإن الصبر ثوابه الجنة)، من أهم ما نتعلمه في شهر رمضان هو الصبر، ونتروض على الصبر، نحن في شهر رمضان نتروض على الصبر، نتعود على الصبر، فنكتسب المزيد من القدرة على التحمل، والصبر فضيلة عظيمة، والصبر مسألة أَسَاسية جِـدًّا لكل مجالات العمل الإيماني، لكل الجانب الإيماني، في الالتزام بطاعة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، في أن تنتهي عمَّا نهاك الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، في النهوض بالمسؤوليات والأعمال العظيمة، تحتاج إلى الصبر.

 (وهو شهر المواساة)، فشهر رمضان من أهم ما فيه أنه شهر المواساة، من أعظم أعمال البر والخير، ومن أفضلها أجراً وبركةً وفضلاً عند الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى، هو المواساة في هذا الشهر، في شهر رمضان المبارك، المواساة للفقراء، والمستضعفين، والمحتاجين، والمكروبين، والملهوفين، بكل أنواع المواساة: المواساة المادية، المواساة المعنوية، الإحسان إلى الناس، إعانتهم، إعانة المحتاجين، إعانة الفقراء والمساكين، هذه مسألة مهمة جِـدًّا، وينبغي أن تكون من أكثر ما نركز عليه في شهر رمضان، عندما نركز مثلاً على القرآن ككتاب هداية، عندما نركز مثلاً على استشعار التقوى في شهر رمضان، وأن نلتزم، أن نتقي الله حتى في شهر رمضان نفسه، نحذر من المعاصي فيه، نحذر من الإهمال فيه، نحذر من التفريط في طاعة الله فيه… إلخ. أَيْـضاً نركز مع عنايتنا بالتطوع في لياليه، نركز أَيْـضاً على المواساة، على الإحسان، على الإحسان.

 (وهو شهرٌ يزيد الله تعالى فيه في رزق المؤمن)، هذا من بركات شهر رمضان، (ومن فطَّر فيه مؤمناً صائماً، كان له عند الله “عزَّ وجلَّ” بذلك عتق رقبة)، لاحظوا، هذا أجر كبير جِـدًّا، أجر كبير جِـدًّا، عندما تساعد صائماً مؤمناً وتوفر له الإفطار، فأنت تحظى بهذا الأجر الكبير، بمنزلة عتق رقبة، هذا أجر عظيم جِـدًّا، أجر عظيم، الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عندما قال في القرآن الكريم: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَو إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}[البلد: 11-14]، {فَكُّ رَقَبَةٍ} من أعظم الأجر الذي تؤجر عليه عتق الرقاب؛ أما هنا فعندما تقدم هذه المساهمة، عندما تقدم هذه المساهمة؛ لأَنَّها من المواساة، فتسعى إلى توفير احتياجات الآخرين، تطعم الطعام، تقدم من المواد الغذائية.

لاحظوا، البعض من الناس -وبالذات ميسوري الحال- قد يتبذر في شهر رمضان، يوفر له متطلبات كثيرة من أنواع الطعام، ويذهب بالكثير مما بقي إلى القمامة، إلى القمامة، فيقع في وزر التبذير، في وزر التبذير، ذنب كبير التبذير، لو كان عنده اهتمام، بدلاً من أن يبذر، أن يقتصر على المحتاج إليه، وأن يستفيد مما يسره الله له، وأفاض الله به عليه من الرزق، فيواسي الآخرين؛ لينال هذا الأجر العظيم.

كم هناك من طبقة الفقراء؟ الفقراء شريحة واسعة في المجتمع، الكثير من الناس فقراء، والبعض منهم قد يصل إلى درجة المعاناة في الحصول على القوت الضروري، قد يأتي وقت الإفطار وهو لا يمتلك عشاءً ولا فطراً، فأنت عندما تقدم له ما يساعده على أن يتوفر له فطره وطعامه واحتياجاته الضرورية، أنت بذلك تحصل على أجر عظيم، وفضل كبير جِـدًّا.

من المهم بالدافع الإيماني، والذي ينمي فيك حتى الإحساس الإنساني بأوجاع الآخرين وظروفهم، أن تحسب حساب ذلك في اهتماماتك في شهر رمضان، البعض بينسى ذا الموضوع، ما بيحسبه من اهتماماته، ما بيحسبه من اهتماماته، وأن تحرص على أن تبذل جهداً في هذا الاتّجاه بأقصى ما تستطيع، إذَا تمكّنت أن تساهم في كُـلّ ليلة من ليالي شهر رمضان، أن توفر لأسرة ما يكون بمنزلة وجبة كاملة، هذا أجر عظيم جِـدًّا، أَو أن تساهم في دعم الأفران الخيرية، التي تطعم الطعام، أَو أن تواسي جيرانك إذَا عرفت فيهم فقراء، أَو معارفك من ذوي الأرحام والأقارب، هذه مسألة مهمة، ليكن هذا من اهتماماتنا؛ لأَنَّ أجر هذا كبير وعظيم جِـدًّا.

وهنا نجد عتق رقبة، الأجر، الفضل الكبير جِـدًّا، ومغفرة لذنوبه فيما مضى، مغفرة؛ لأَنَّنا حتى نكسب المغفرة، مع الاستغفار، مع الإقلاع عن الذنب، مع الندم على المعصية والتقصير، يجب أن نحسن، أن نقدم ما يكفر الله به عنا السيئات، ويغفر لنا به الذنوب، وهذا من الأسباب لذلك.

 (فقيل له: يا رسول الله، ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائماً)، البعض من الناس ظروفهم صعبة، بالكاد يوفر قوت أسرته، يقول لك: [جودة إني أقوم بالحاصل، بأسرتي، أوفر لهم الطعام]، كيف عاد يوفر للآخرين يعني.

ليس كلنا يقدر على أن يفطر صائماً. فقال: (إن الله تعالى كريمٌ، يعطي هذا الثواب من لا يقدر إلا على مذقةٍ من لبنٍ، يفطر بها صائماً)، الله تعالى كريم، وهذا الأجر العظيم مهيأ حتى لمن لا يقدر إلا على الشيء البسيط، إذَا كانت ظروفه صعبة، وقدم المستطاع، عندك قدرة إنك تقدم شوية من اللبن، (المذقة من اللبن) كانوا يخلطون اللبن بالماء، هذا مذقة من لبن، يخلطون اللبن بالماء ويقدمونه، ولو بهذا المقدار، أن تقدم قليلًا من اللبن. نعم.

 (أو بشربةٍ من ماءٍ عذبٍ)، ما استطعت حتى أن توفر هذا المستوى: شوية لبن، هل تقدر على أن تقدم شربة ماءٍ عذب، إذَا كان هذا مقدورك، استطاعتك، فابشر بهذا الأجر، أن يكون بمنزلة عتق رقبة، الأجر العظيم.

 (أو تميراتٍ)، ولو قليل من التمر، ولو قليل.

 (لا يقدر على أكثر من ذلك)، إذَا كانت هذه ظروفه واستطاعته.

 (ومن خفف فيه عن مملوكه، خفف الله “عزَّ وجلَّ” حسابه، فهو شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخر إجَابَة وعتقٌ من النار)، هذا هو شهر رمضان، شهر رمضان المبارك:

 (أوله رحمة)، ولكن خذ بأسباب الرحمة، خذ بأسباب الرحمة، الله قد هيَّأ لك الرحمة، يأتي بهذه الرحمة إلى عندك، يأتي شهر رمضان إلينا، ندخل في هذه المحطة الزمنية، ويُعرَض لنا كُـلّ هذا الفضل وكل هذا الأجر، فلنأخذ بأسباب الرحمة.

 (وأوسطه مغفرة)، فلتأخذ بأسباب المغفرة.

 (وآخره إجَابَة)، فليكن من ضمن اهتماماتك الرئيسية في شهر رمضان المبارك: الاهتمام بالدعاء، ولهذا أتى في القرآن الكريم في سياق الحديث عن شهر رمضان، وعن فريضة الصيام فيه، قول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: الآية186].

فإذاً ليكن من اهتماماتنا الرئيسية في شهر رمضان: الدعاء، نطلب من الله المغفرة، ندعوه ونسأله النصر، نسأله التوفيق، نسأله الهداية، نسأله “جَـلَّ شَأْنُـهُ” أن يعتق رقابنا من النار، أن يمنَّ علينا بالفوز برضوانه وجنته، نسألُه “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” أن يهديَنا، أن يعينَنا، أن ينصُرَنا، أن يؤيِّدنا، أن يصلح شأننا، نطلب منه حاجاتنا، وهكذا يكون من ضمن اهتماماتنا الرئيسية في شهر رمضان: الاهتمام بالدعاء بالتجَاء إلى الله، ويترافق معه الاستجابةُ العمليةُ لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، الاستجابة لله، وبالذات في المسائل التي عادةً ما يتهرَّبُ الناس عن الاستجابة فيها.

كثيرٌ من المسلمين يكتفون بالاستجابة الجزئية، مثلاً: الكثير من المسلمين يشطبون شطباً، ويلغون بشكلٍ نهائي، جانب المسؤولية: المسؤولية في الموقف من أعداء الله، المسؤولية في السعي لإقامة الحق، في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله بمفهومه الصحيح، لا يكون ذلك ضمن اهتماماتهم، مع أنك تجد في شهر رمضان المبارك كانت أبرز العمليات العسكرية للنبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”:

غزوة بدرٍ الكبرى التي سمَّاها الله في القرآن الكريم بيوم الفرقان، اليوم التاريخي الفارق في تاريخ البشرية، اليوم الذي ارتفعت فيه راية الإسلام، اليوم الذي أحقَّ الله فيه الحق، وأزهق فيه الباطل، وأبطل فيه الباطل، ذلك اليوم العظيم كان في شهر رمضان.

فتح مكة، وهو من أبرز المحطات الجهادية، وأعظم الانتصارات الكبيرة في سيرة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، كان في شهر رمضان المبارك، فمن أهم ما في شهر رمضان المبارك: الاهتمام بأمر المسلمين، الاهتمام بالتصدي لأعداء الله، القيام بالواجب في الجهاد في سبيل الله بكل مستطاع، بالنفس والمال والموقف، وكل تحَرّك فيه إغاظةٌ للأعداء، كُـلّ موطئ يغيظ الأعداء، كُـلّ عمل يثمر مساندةً للحق وفق الوسائل المشروعة، مهمٌ جِـدًّا.

 (وآخره إجَابَة وعتقٌ من النار)، نكتفي بهذا المقدار من هذا الحديث النبوي الشريف، وفيه ما ينبِّهنا إلى أهميّة شهر رمضان المبارك، ونخلص إلى: أهميّة التركيز على التقوى، العناية بالقرآن والاهتداء فيه، الاهتمام بالدعاء، الاهتمام بالمواساة، الاهتمام بمسؤولياتنا التي هي من صميم التقوى في الجهاد في سبيل الله، والعمل في سبيل الله، وإقامة الحق، ثم الاستفادة من التزود بالتقوى والعمل الصالح في هذا الشهر المبارك الذي يتضاعف فيه الأجر، على مستوى القيام، على مستوى صلاة التطوع، على مستوى أعمال البر والخير والمواساة.

نحن في ختام هذه الكلمة، وكنا ركزنا على هذا الموضوع قبل سنوات، قبل العدوان بسنوات تقريبًا، كنا نرغب أَيْـضاً أن يكونَ مما نستقبلُ فيه شهر رمضان، وضمن الأنشطة التي تسبق دخول شهر رمضان: هو القيام بحملات نظافة واسعة، (تنظيف)، شهر رمضان موسم عظيم ينظِّف النفوس من الدرن، من درن المعاصي والأوزار، ينظِّف القلوب، يهذب المشاعر، وعادةً والواقع العام وبالذات في المدن هناك تراكم كبير للقمامات، فيا حبذا لو يكون هناك حملة واسعة، رسمية وشعبيّة، يتعاون الجميع، يتعاون الجميع لتنظيف المدن، ويكون هذا مما نستقبل به شهر رمضان؛ حتى يدخل شهر رمضان نسعى لتنظيف أنفسنا، وتنظيف ساحتنا، وتنظيف بلداننا من كُـلّ الأوساخ: الأوساخ المادية (القمامات)، ومن الضالين والمفسدين والمجرمين، وتنظيف الأنفس والمشاعر بالتزكية الإيمانية.

أنا أدعو إلى القيام -في هذه الأيّام المتبقية من شعبان- بحملات نظافة في المدن، حملات واسعة، وممكن حتى في الأرياف، لكن عادةً المدن أكثر اتِّساخاً، وأكثر تراكماً للقمامات، حملات تنظيف واسعة رسمية وشعبيّة، يسعى الكل في المساهمة فيها، ولعلمكم، لعلمكم من شُعَب الإيمان -كما هو في الحديث المعروف- إماطة الأذى عن الطريق، تنظيف الساحات، تنظيف الأفنية، تنظيف الطرق، شُعبَة من شُعَب الإيمان، شُعبَة من شُعَب الإيمان، وكان رسول الله “صلى الله وسلم عليه وعلى آله” يأمر المسلمين بتنظيف الأفنية والساحات، هذا مرويّ الحديث عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” من مصادرَ موثوقة، يأمر المسلمين بتنظيف الأفنية والساحات، ويحذِّرُ من أن يكونوا مهملين لهذا كاليهود، كانت في ذلك الزمان أسوأ الأماكن قذارةً، وازدحاماً بالقمامة، ونتناً في الرائحة، أحياء يهود، فكان يأمُرُ بتنظيفِ الأفنية والساحات، ويقول: (لا تكونوا كيهود).

اليوم ما يجوز يكونوا اليهود منظَّفين أكثر منا، النبي أراد للمسلمين ذاك اليوم يكونوا نظيفين أكثر من اليهود، فمهم جِـدًّا القيام بحملة، مثلاً: من الغد، ابتداءً من الغد، وصنعاء زيادة فيها قمامات كثيرة جِـدًّا، يجي حملة رسمية وشعبيّة، ويكون عند الإنسان إنه احنا بدنا نستقبل شهر رمضان، وهذه شُعبَة من شُعَب الإيمان، ورسول الله كان يأمر بتنظيف الأفنية والساحات، ونريد أن يكون الإيمان يمان، وهذا شُعبَة من شُعَب الإيمان، شُعبَة من شُعَب الإيمان، إن شاء الله يكون هناك حملة قوية في هذا الاتّجاه، هذا مهم على كُـلّ المستويات: صحياً، حضارياً… من كُـلّ الجوانب.

طبعاً -ننبه على نقطة- كان لنا بالأمس لقاءٌ مع كبار المكلَّفين والتجار بشأن الزكاة، وجدنا هنا أنَّ شهر رمضان هو شهرُ المواساة حتى على مستوى التطوع، كيف إذَا كان الإنسان سيبخل عن إخراج زكاته؟! جريمة كبيرة جِـدًّا، يفترض بالإنسان أن يكون عنده حرص وسعي للتطوع حتى، الإنفاق تطوعاً، وللمواساة، فما بالك بإخراج الزكاة، يجب أن يكون عند الناس اهتمام كبير بإخراج الزكاة، أن يكون الاهتمامُ مُستمرًّا برفد الجبهات بالمال والرجال.

نكتفي بهذا المقدار..

نَسْأَلُ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يبلِّغنا وإيَّاكم شهرَه الكريم، بالهداية، والتوفيق، والصحة، والعافية، وأن يوفِّقَنا لصيامِه، وقيامِه، وصالح الأعمال فيه، وأن يجعلَنا فيه من عتقائِه من النار، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاءِ، وَنَسْأَلُه “جَلَّ شَأنُهُ” أَنْ يرحَمَ شهداءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفيَ جرحانا، وَأَنْ يفرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ ينصُرَنا بنصره، إِنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاءِ.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com