فاستخفوا أبناءَ الجنوب المحتلّ فأطاعوهم

 

د. يوسف الحاضري*

طالما يتحَرّكُ أهلُ الباطل بشعاراتٍ لفظية إعلامية منمقة جميلة في ظاهرها شيطانية جهنمية في جوهرها وحقيقتها، فإبليس عندما سعى لإغواء آدم وحواء لم يقل لهما إنني جئت لأغويكما وأنزع عنكما لباسكما وأجعل الله يسخط ويغضب عليكما، لأَنَّه يعلم أنه لو قال ذلك سيجدُ ممانعةً ومقاومة عنيفةً ورفضاً من آدم وحواء وسيبوء بالفشل، بل جاء لهما في ثياب الناصح المحب لهما، وهذا ما سار على نهجه المحتلّ الإماراتي والسعودي ومن خلفهما أمريكا والصهيوني (إبليس هذا الزمن) في عملية احتلاله لجنوب اليمن وتعميق احتلاله وتسخير أبناء الجنوب للقتال كمرتزِقة له بديلاً عن جيشه الهش الضعيف التافه، لذا من الطبيعي أن نجد هذا المحتلّ (يقول بلسانه) إنه جاء لمصلحة الذين احتلهم ويقول إنه يحبهم ويعشقهم ولا ينام الليل مما يحمله في قلبه من هموم حاجياتهم، طبيعي جِـداً جداً جِـداً، فقد قال أَيْـضاً فرعون لقومه في طريق استخفافه بهم ليطيعوه (ولا أهديكم إلَّا سبيلَ الرشاد) غير أن الذي ليس طبيعياً الغفلةُ والسذاجة والبلاهة التي يعيشها كثيرٌ -ولا أقول الكل- من أبناء الجنوب في مقابل هذا المحتلّ ومشاريعه وتحَرّكه واستثماره لهم ثرواتٍ وبشراً وجغرافياً وسياسياً وغيرها.

فجّر المحتلّ مطار عدن وكل أبناء عدن يدركون أنهم الإماراتيون والسعوديون المحتلّون ومع ذلك يعيشون أكاذيب المحتلّ وينصهرون فيها وجدانيًّا وفكريًّا ونفسيًّا حتى يصبحَ الكذبُ صدقاً لدرجة أن قوم فرعون هبوا بعده إلى داخل البحر عند لحاقه موسى وهم يدركون أن فرعون كاذبٌ وموسى على حق، يقتل المحتلُّ أبناءَ عدن والجنوب ويقولون إنهم جاءوا للحفاظ على حياتهم وأمنهم واستقرارهم، يستخدمون أبناء عدن والجنوب كمرتزِقة يقاتلون بالنيابة عن جنودهم في الحدود ويقولون: جئنا بجيشنا لحماية أرواح أبناء عدن والجنوب من أن يقتلوا، ينهبون ثروات عدن والجنوب ويقولون: سنساعد أبناء الجنوب اقتصادياً ومعيشياً.. رامين لهم بقليلٍ من الدقيق والزيت وعشرات القنوات لتوثيق ذلك والترويج لطيبتهم وإنسانيتهم.

تجدون القولَ جميلاً ولكنَّ الفعلَ قبيحٌ وشيطانيٌّ وترى الشعبَ يعاني الأمرَّين منهم، ولكنه يستمرُّ في اتِّباعهم وتصديقهم بل والإيمان بهم لدرجة أنهم مستعدون للتضحية بأرواحهم لأجل مشاريع المحتلّ.

لا تجد مثلَ هذه الحالة في عالم البشر ذي الفطرة السوية ولكنك تجدها بشكل بسيط في عالم الحيوان في حال أن هناك مصالح مشتركة فالكلب يجد أكلاً من سيده ليحمي سيده والبقر والحمير تجد أكلاً وأمناً من سيدِها لتخدمَه وتنفعَه في ما يحتاج، أما أنك تجد من يهينك ويكسر شرفك عيانًا بيانًا ويذلك وينتهك كرامتك ويحتل أرضك ويغتصب محارمك وينهب ثرواتك (كفعل واقعي عملي) ثم يزين ما يعمله بـ (أقوال منمقة) فتصدقه رغم أن خَدَّك ما زال يؤلمُك من صفعته وبطنك تؤلمُك من تجويعه لك وثرواتك تنقل إلى بنوكه أمام عينيك فهنا جاء لهم توصيفاً أشدَّ قسوة من توصيفهم بالحيوانات (كالأنعام) إلى توصيف (بل هم أضل) من الحمير والبغال والكلاب والخنازير.

من المعيب جِـدًّا أن عمليات الإهانة والسخرية والاستغلال والنهب التي تمارسُها الإدارة الأمريكية والصهيونية على آل سعود وآل زايد يمارسها الأخيرون على أبناءِ الجنوب كردة فعل لتعويضِ النقص الذي وجدوه من أسيادهم في البيت الأبيض، من المعيب أن نرى من لا أصلَ له ولا تاريخَ ولا جغرافيا بل هو خطيئة التاريخ والجغرافيا (الإماراتي والسعودي) يهيمن ويوجه ويتحكم في مصير أصل التاريخ والجغرافيا من أبناء الجنوب.

صحيحٌ أنهم استخدموا شراذم القوم كبن بريك والدنبوع وأمثالهما كما استخدموا أبناءَ عفاش في الشمال، غير أن ذلك يجب أن يعطيَ أبناءَ الجنوب إصراراً وعزماً أكثرَ ليتصدوا لهؤلاء الشراذم كما تصدَّى إخوانُهم أبناء الشمال لشراذمهم وطردوهم شرَّ طردة.

لا يجبُ أن يستخفوكم يا أبناءَ الجنوب كما استخف فرعون قومه فما يحصل في الأرض عكس ما يقدمونه لكم في قنواتهم الفرعونية، لأَنَّ ما يحصدونه منكم أكثر بكثير بل لا مقارنة بما يقدمونه لكم، بل إن ما يقدمونه لكم هو جزءٌ من ثرواتكم بعد أن يستأثروا بثرواتكم، لا يستخفوا بكم لتطيعوهم فتقاتلوا في كُـلّ جبهات القتال بديلاً عن جنودهم وجيوشهم الهشة، فيظهروا أقوياءً بعد أن سفكت دماء آلاف منكم في قضية ليست لكم بل ناتجُها التقربُ أكثرَ من الأمريكي الصهيوني؛ حفاظاً على عروشهم، ولا تكونوا قوماً ضالين ومغضوباً عليهم والله المستعان.

* كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com