دخانُ النهايات يتصاعد

 

سند الصيادي

يُعمِّق المرشحُ الخاسر في الانتخابات الأمريكية دونالد ترامب الأزمةَ السياسية والاجتماعية في المجتمع الأمريكي، بعدم اعترافه بهزيمته وَتحشيد أنصاره للاحتجاج وَاستمرار الدعاوى القضائية التي يرفعها في السياق، وَهي حالة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الأمريكية، دفعت أشهر الكتاب والمحللين الأمريكيين “توماس فريدمان” إلى الكتابة لأول مرة من خشيته عن دخول بلاده في حربٍ أهلية.

ومع أنه من المبكر الحكم على ما يحدث وَما وراءه من كواليس، وما إذَا كان ترامب يمضي بهذا المسار وفق إملاءات وَمشاريع يقودها اللوبي الصهيوني الحاكم والمسيطر على القرار الأمريكي؛ بغرض اصطناع أزمة لها ما وراءها من أهداف يُراد أن تمرر من خلال هذا النزاع، أَو أن الأمر فعلاً قد بات خارج السيطرة، وَيأتي كنهاية طبيعية لواقع أمريكي مختلة أسسُه وَقواعدُه وَسياساتُه منذ البداية.

وفي كُـلّ الأحوال، ثمة خيط دخان بدا ينفذ من تحت رماد القوة الأمريكية الرأسمالية التي طرأت على التاريخ الحديث، بعد حروب عالمية دامية عصفت بالعالم وأعادت ترتيبَ قواه، وبموجبها تبوأ هذا الكيان سدة القرار الدولي على أنقاض المتحاربين، وعلى أشلاء المبادئ والقوانين الإنسانية تموضع برسم المصالح وَلغة المال وَنزوة التملك وَالسيطرة والاحتقار لكل قيم الإنسانية وَحقوق الشعوب.

وَفيما تقترب هذه القوة من عامها المِئة، وهو العمر الفعلي لمفهوم هيمنتها القوية على المشهد الدولي، ينبغي علينا بوعي وبدون تهويل مبالغ فيه أن نبدأ في تبيان ورصد ملامح العد التنازلي لها، وَلاندثارها، وفق إيماننا الكامل بالسنن الكونية للتداول وَالعقاب الإلهي، وَبالنظر إلى المؤشرات الراهنة وَالداعمة لهذه السنن، وَهي كثيرة وَمتشعبة وَعلى كافة الأبعاد.

وعلى صعيد الواقع الداخلي لهذا النظام، يزداد الشرخ في المجتمع الأمريكي تشقّقا، وَما الأزمة السياسية إلَّا تعبير عن حالة تراكمية من الضياع الذي بات يعيشه هذا المجتمع المتنوع والمتشعب الأهواء والأعراق والأجناس والمعتقدات، وَالذي لطالما كان محكوما بلغة العنف وَالاستفراد وَالازدراء المتبادل وَالاستعلاء من بعض الفئات والشعور بالدونية لدى الأُخرى، ناهيك عن كون هذا المجتمع الذي ظل أعمى عن واقع سياسات بلاده الداخلية والخارجية قد بدأ يفتح عيونه على الحقائق، وَهي بدايات إن صحت ستكون كفيلة بزيادة كثافة هذا الخيط من الدخان.

أما عن واقع السياسات الأمريكية في العالم فحدث ولا حرج، وَيحتاج إلى أكثر من مساحة مقال لتوصيفه من أطراف آسيا وَحتى سواحل البحر الكاريبي، شعوب وَأوطان ضحايا تلك السياسات، والارتداد واحد رغم تنوع اللغات، بالإمْكَان قراءتها لدى كُـلّ مستضعفي وأحرار هذا العالم، أمريكا تقتلنا، وَتدمّـرنا، وَتنهب مقدراتنا، وَتجرف هُوياتنا، وَتتدخل بكل شؤوننا وتفاصيل حياتنا.

ومن الطبيعي وفق الفطرة التي جبلها الله ببني البشر، وَبعد كُـلّ هذا الطغيان والتمادي الأمريكي الذي يتقنع به اللوبي الصهيوني، وَالذي يتلبسُه الشيطان وفق المفهوم القرآني النافذ والتوصيف الإلهي الشامل للصراع البشري، أن يحدث ثورة على هذا الواقع بعد انسداد كُـلّ أفق، سواء على مستوى الداخل الأمريكي أَو لدى بقية شعوب المعمورة التي نالت نصيبَها من هذا الأذى.

وما الحالة اليمنية الراهنة وَتنامي المحور المقاوم في المنطقة العربية والإسلامية، وَالتي أحدث وعيها المتصاعد تحولا نوعيا في توجيه أصابع الاتّهام باتّجاه القاتل مباشرةً، وَبعد عقود من الضبابية وَالغرق في التفاصيل، إلَّا شقٌّ لهذه الطريق الذي يتوقع أن يمضي عليها مستضعفو العالم أجمع.

ختامًا، ترامب ليس رقماً في آلة الشر الأمريكية حتى يخلق هذه الأزمة، كما أنه ليس من صنعها بقدر ما كشفت همجيته ونزعته للسلطة ما وراء الرماد، وَكُـلّ المعطيات تقود إلى سقوط هذا الثقل الجاثم على إرادَة الشعوب وحاضرها، الشيطان الذي آن له أن يترنح بمعاوِل الرافضين بقاء أنفسهم وَأوطانهم وشعوبهم تحت عبوديته، طال الزمن أَو قصر، فالأرضُ لله وَما على الله ذلك بعسير.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com