‏تغريدات سبتمبرية

 

عبدالملك العجري

1- مع اشتداد الحربِ العدوانية على اليمن، يتكاثر السبتمبريون البيضانيون (نسبةً لعبدالرحمن البيضاني) كالفِطر بخطاب يدّعي التملُّكَ الذاتي للثورة ويحرِفُ مضمونَها من ثورة شعبيّة إلى ثأرية عصبوية طائفية ومناطقية وعِرقية، وَيمثل أخطرَ عملية تزوير لهُوية وروح ثورة 26 سبتمبر وأكبرَ تشويه يمكنُ أن يلحقَ بها.

‏2- خطورةُ هذا الخطاب كونه لا ينظُرُ لثورة 26 سبتمبر مشروعاً وطنياً جامعاً بل سلاحٌ يُشهِرُه للثأر من الماضي وتشويه علاقتنا بالحاضر، كما لو أن ماضي الشعوب بيتٌ من قصيدة يمكنُ حذفُه أَو الاستغناء عنه أَو صفحةٌ قديمةٌ من كتاب أصفر يمكن تمزيقُها أَو تمزيقُ الكتاب الذي يضُمُّها على حَــدِّ الدكتور المقالح.

‏3- بعد ثورة يوليو 1952م التي أطاحت بالنظام الملكي في مصر، أصدر بعضُ الضباط تعميماً يمنعُ إذاعة أغاني أم كلثوم في الإذاعات المصرية؛ بحُجَّـةِ أنها تنتمي للعهد البائد وتغنَّت بالملك فاروق، فرد عبدالناصر: هل علينا هدم الأهرامات؛ لأَنَّها لا تنتمي لعهد الثورة!؟

‏4- كان من الجَيِّد أن الثوارَ الأوائل لسبتمبر تنبَّهوا لخطورة الخطاب البيضاني على الثورة والجمهورية، ولم تمنعْهم خلافاتُهم الكثيرةُ من اتِّخاذ القرار بالإجماع على سحبِ الجنسية اليمنية لعبدالرحمن البيضاني، إلَّا أن روحَه بقيت تتربَّصُ بالثورة وتتلبّس عقولَ الجيل الذي جاء محمولاً على رُزَمِ الأموال السعودية.

‏5- أنصارُ الله ليسوا المسئولين عن الأفكار القَهرية المزمنة التي تتلبّسُ البعضَ ممن لم يفلحوا في مغادرة فوبيا الماضي بل مؤسّسات التنشئة التي ظلت لعقودٍ من الزمن تغذيها في وجدان ووعي الإنسان اليمني، وأصبحت تشكل سياجاتٍ معرفيةً تعيقُ من قدرتنا على قراءة وتحليل الوقائع الاجتماعية بتقنيات موضوعية.

‏6- الإمَـامةُ السياسية كنظرية في الحكم انتهت لكنها كتاريخٍ يجبُ أن تُقرأ في سياقها التاريخي الاجتماعي، مثلُها مثلُ نظرية الخلافة كجزء من التاريخ السياسي الإسلامي الذي ينتصبُ على العصبوية أَو الرابطة القرائبية والتي يعتبرُها ابنُ خلدون أَسَاسَ المُلك.. ومن الإجحاف محاكمته لمعايير الفكر السياسي الحديث.

‏7- إنَّ ترسيمَ الهاشميين طبقةً متجانسةً تتمتعُ بامتيازات اجتماعية اقتصادية نظيرَ ما لطبقة النُّبلاء في أُورُوبا المسيحية لا يستندُ لأصل، فالكتلةُ الأكبرُ منهم كانوا موزعين على كُـلِّ الطبقات وعلى حَــدِّ الحكيم عبدالله البردوني “فقد كان أغلبُ السادة من طبقة الفلاحين والحِرَفيين والتجار اقتصادياً واجتماعياً”.

‏8- ومن الاشتغالات الغرائزية المدمّـرة تعمُّدُ رسمِ إحداثيات مشوّهة لخارطة الاجتماع اليمني لتكوين صورةٍ ممقوتة للهاشميين كطبقة اجتماعية متجانسة ومستغلِّة وتكريس ذاكرة جمعية عدائية ضدها وتذخير الوعي الوطني بأفكارِ الغِلِّ العصبوي، في حين أن غالبيتَهم كانوا إما محاربين أَو مزارعين وفلاحين عاديين.

‏٩- وأخيرًا قصةٌ طريفةٌ حصلت معي وأنا في سن الابتدائية، كان من ضمن المقرّر كتابٌ اسمُه تقريبًا “التنشئة الوطنية” وفيه صورةٌ للإمَـام أحمد، وكان زملائي يقولون “هذا جَدُّكم يا سادة”، وكنت أتألَّمُ كيف يتحدثون عن جدي هكذا، وفي المساء سألتُ جدتي: هل الإمَـامُ أحمد جدنا.. فردت بالنفي، فقلتُ في نفسي: الحمدُ الله طلعنا براءة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com