ثورةُ الدماء تنتصر

 

أمل المطهر

لم تكن كربلاء حادثةً عارضةً ورحلت مع مرور الزمان، ولم تكن فاجعة فجعت بها أُمَّـة ذلك الزمان وتلاشت، فكربلاء هي امتداد لأزمنة وعصور، فهي راسخة مستمرة في الحدوث جيلاً يتبعه آخر، كربلاءُ الإمام الحسين كانت كهالة نور أحاطت بالقيم والدين والمبادئ المحمدية السمحاء، احتضنتها من التشوية وحمتها من التغيير لتبثها سيلاً من الدروس، وترسمها لنا منهجيةً ثابتة صحيحة توصلنا إلى التحرّر والكرامة، دروس عظيمة وصلت إلينا عبر دوامات الزمن وبأحرف خُطّت بمداد أحمر قانٍ لعظماء وعظيمات تلك الملحمة الثورية الخالدة كربلاء الطف.

من هناك بدأ المَسِيْرُ نحو إصلاح الأُمَّــة وتقويم الاعوجاج، “واللهِ ما خرجت أشراً ولا بطراً وإنما خرجت للإصلاح في أُمَّـة جدي”، كانت النيةُ خيراً وصلاحاً للأُمَّـة على امتداد الأزمنة، وها هي كربلاء تبرز لنا في كُـلّ زاوية من زوايا هذا الكون مواقفَ وأفعالاً، ها هي تلك الثورة تتفجر ثورات دماء حرة تحصد النصر وتمحو هزائم شعوب طال عليها الأمد.

فالإنسان بطبيعته وفطرته يعشق كُـلَّ ما يمكنه من حريته، وينسجم مع كُـلِّ ما يسمو بروحه، وينجذب لكل ما يرتقي بتفكيره؛ لذلك لا يمكن لأي إنسان سوي الفطرة إلا أن يتأثر بأحداث تلك الثورة التي أسّست لبناء صرح الحرية والعدالة لكل البشرية، وقد قرأنا وسمعنا الكثير الكثير ممن تأثروا بالإمام الحسين وبثورته، بخطواته وحكمته وشجاعته، سواء أكانوا مسلمين أم لم يكونوا، فأصبحت كربلاءُ هي ملاذهم وأصبح الحسين رمزاً وقدوة لهم، ومن هنا يتوضح لنا أهميّة وعظمة تلك التضحيات التي بذلت في ساحة كربلاء منذ خروج الإمام وحتى ارتقائه شهيداً خالداً، تضحيات لم يستطع الدهر محوها، ولم يفلح التاريخُ في طمسها وتزويرها، كانت كُـلُّ تلك الدماء الطاهرة تتغلغلُ في أعماق الأرض لتنمو نحو السماء كرامة وعزة وإباء، فأصبحت شجرة مباركة أصلها في الأرض ثورة ونوراً ونجاة، وفرعها في السماء نصراً وفتحاً وآيات بينات.

وها هم أصحاب الحسين وعشاق الحسين يهتفون بها في كُـلِّ ساحات كربلاء هيهات من الذلة، ثبات وإقدام ومسارعة، ها هم يعتلون صهوة جيادهم سالكين طريق الإصلاح في أُمَّـة محمد، ها هم يزيلون غبارَ الأزمنة عن الإنسانية ويكملون طريق الحسين نحو الحرية المطلقة من عبودية العبيد إلى العبودية لرب العبيد.

فمن كربلاء الطف إلى كربلاء اليمن، الكثير من القصص والشواهد التي تحكي لنا عن استمرارية كربلاء بأحداثها وشخصياتها ودروسها وانتصاراتها.

فما زالت ثورةُ الحسين مستمرةً حتى يومنا هذا، وما زالت الدماءُ تنتصر على السيوف حتى اللحظة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com