من القطيف.. بوادرُ “ثورة” مسلّحة (تقرير)

 – خلال شهرَين وفي ظل الحصار والقمع: تنفيذ أَكْثَـر من 11 عملية مسلحة ناجحة سقط فيها عدد من جنود النظام

– أَمريكا منحت الضوء الأخضر والآن تسوّق أعذاراً إعلاميةً لتصعيد القمع ضد أَبناء المنطقة الشرقية

صدى المسيرة| ضرار الطيب

نستطيعُ القولُ بأن قضية “القطيف” في السعوديّة باتت القضيةَ الشائكةَ الأولى في الداخل السعوديّ، بالنظر إلَى ما ترتب عليها من تطوّرات ميدانية استطاعت مؤخراً إسقاط صورة تماسك أجهزة القمع السعوديّة والتي حاول النظام السعوديّ إبرازها أمام العالم بكل جُهد؛ ليصل الأمر في النهاية إلَى ظهور بوادر حراك شعبي مسلح يواجه النظام بكل قوة ممكنة.

الجديرُ بالذكر هنا أن أي تحَـرّك شعبي مسلح ضد النظام السعوديّ، يختلف تماماً عن أي تحَـرّك مسلح ضد أي نظام في المنطقة، ففي السعوديّة نحن ننظر إلَى نظام قمعي غير عادي، يعتمدُ في سياساته كلها على عدم السماح بأي تهديد للنظام الواقع تحت حماية واشنطن وتعتبره أهمّ أدواتها في المنطقة، ولا شك أن الجميعَ يعرف مدى مستويات القمع التي يمارسها النظام السعوديّ في تقييد مواطني مملكته سياسياً وفكرياً واجتماعياً..

ومن هنا، عندما يستطيع أشخاص في مكان ما في السعوديّة أن يهاجموا جنودَ هذا النظام عسكرياً ويُسقطوا منهم قتلى وجرحى في عدة مرات وفي خضم مواجهات مع قوات النظام، فهذا يعتبر عملاً استثنائياً وغير اعتيادي حتى بالمقارنة مع أحداث قد تبدو مماثلةً له في بقية الدول، ويعتبر مؤشراً على تطور مستقبلي بدأ الإعداد له.

استمر النظامُ السعوديُّ في اضطهاد أَبْنَاء المناطق الشرقية ذات الأغلبية الشيعية في المملكة، لعدة سنوات، واعتقل وأعدم الكثير منهم، وفي البداية لم تكن هناك أية مقاومة، وكان ذلك صعباً في الواقع بالنظر إلَى مستوى القمع الذي يمارسه النظام الأَكْثَـر تطرفاً في المنطقة وربما في العالم كله، بحق مواطنين عُزّل، ولكن الأحداث الأخيرة أثبتت أن نوعاً من “الوعي الثوري” -إن جاز لنا استعمال التعبير- قد أنتجته سنوات القمع الفائتة في تلك المناطق، وهو الوعي الذي نقلها من حالة “مداراة” النظام إلَى مواجهته وبأسلوب منظم لا تبدو عليه العشوائية كما سنرى.

 

11 هجوماً مسلحاً خلال شهرين وعشرات الجنود السعوديّين قتلى وجرحى

الجمعة الفائتة، أعلنت وزارة الداخلية السعوديّة أن أحد جنودها قتل بنيران مجهولة في القطيف، بينما أصيب آخر إثر تعرض إحْـدَى الدوريات الأمنية لإطلاق نار في نفس المنطقة، وقد كان ذلك خامس هجوم مسلح تتعرض له القوات السعوديّة في ذلك الأسبوع فقط.

ففي يوم الاثنين 10 يوليو من ذلك الأسبوع، نقلت وكالة “واس” الرسمية أن جنديا سعوديّا أصيب أثناء مروره في إحْـدَى طرق محافظة القطيف، بعد يومين من استهداف تجمع للجنود السعوديّين في المحافظة نفسها بقذيفة آر بي جي، ما أسفر عن سقوط أَكْثَـر من 11 جندياً بين قتيل وجريح، اعترفت السعوديّة بمقتل واحد منهم وإصابة 6 آخرين، قبل أن يعترفَ الإعلام السعوديّ في وقت لاحق بحقيقة تلك الحصيلة الكبيرة.

وقبل ذلك بأيام قُتل جندي سعوديّ وأصيب ثلاثة آخرون بعد استهدافهم بقذيفة مماثلة بمنطقة “المسورة” بمحافظة القطيف أَيْضاً التي تشهد منذ أسابيع عدة عمليات أمنية متواصلة شارك فيها الطيران وحصار خانق لفرض إرَادَة النظام بهدم أحد الأحياء التأريخية.

وفي منتصف يونيو الفائت أصيب جندي سعوديّ في هجوم مسلح، بعد أيام قليلة من مقتل جندي آخر في هجوم مماثل بالمنطقة نفسها، بحسب اعتراف وسائل الإعلام التابعة للنظام والمقربة منه.

وكان مايو الفائت شهد عمليات مماثلة منها انفجار عبوة ناسفة أثناء مرور دورية لقوات الأمن السعوديّة بالمنطقة، مَا أَدَّى إلَى إصابة طاقم الدورية، كما قتل جندي سعوديّ وأصيب خمسة آخرين في إطلاق نار على دورية سعوديّة في منتصف الشهر نفسه.

هذه بعض العمليات التي اعترفت بها وزارة الداخلية السعوديّة ووسائل الإعلام التابعة للنظام السعوديّ فقط، وهي تقول بأن 11 هجوماً مسلحاً تعرضت له القوات السعوديّة في القطيف خلال الشهرين الفائتين فقط، أما “مقاومة” المنطقة أَوْ المواطنون الذين يهاجمون القوات السعوديّة فيقولون إن 50 جندياً سعوديّاً قد سقطوا بين قتيل وجريح خلال المواجهات المسلحة في الشهرين الفائتين فقط.

وعلى أية حال، لن تكون الإحصائيات واضحة أبداً بالنظر إلَى مدى التكتيم الإعلامي الذي يمارسه النظام السعوديّ على أَبْنَاء المنطقة، ولكن الثابتَ هو أن عشرات العمليات المسلحة نفذت خلال الفترة الماضية ضد قوات النظام السعوديّ وسقط العديد من الجنود قتلى وجرحى بسببها في القطيف، ومازال الأمر مستمراً.

 

حراكٌ مسلحٌ منظمٌ وغيرُ عشوائي

الآن، وبالنظر إلَى العمليات السابقة، يتضح جيداً أنها ليست مجرد ردة فعل عشوائية من مواطني القطيف، أولاً لعدم وفرة السلاح لدى المواطنين الأَكْثَـر اضطهاداً في السعوديّة، وفي ظل الحصار الذي تمارسه قوات النظام على أَبْنَاء المنطقة حالياً، خَاصَّـة وأن من بين أَنْوَاع هذا السلاح “قذائف” و”عبوات ناسفة”، وثانياً لأن العمليات توضح وجود نشاط “رصد” واضح لتحَـرّكات القوات السعوديّة واستهدافها بشكل مباغت في كُلّ مرة.

هناك تنظيمٌ واضحٌ وراء العمليات المسلحة لاستهداف القوات السعوديّة في القطيف، وهذا ليس عادياً بالنسبة للقبضة الأمنية التي يمتلكها النظام السعوديّ، خَاصَّـة في هذه الفترة التي بات يمثل فيها راعي الأزمات في المنطقة، وقطب رحى التحالفات العربية مع أَمريكا، الأمر الذي يجعل من استمرار ووجود مثل هذه التحَـرّكات المسلحة “الناجحة” في استهداف القوات السعوديّة داخل المملكة، علامة واضحة على بدء تشكل معارضة مسلحة قوية ليس بالضرورة أن تقلب الموازين الآن أَوْ حتى في المستقبل القريب، ولكنها دليلٌ على انفراط الزمن الذي كان فيه النظام السعوديّ يضطهد شعبه بدون رد، وهذا بحد ذاته يعتبر انكساراً مفصلياً في بُنية هذا النظام.

إضَافَةً إلَى ذلك، يعتبر الضوء الأخضر الذي منحته أَمريكا للنظام السعوديّ في اقتحام المناطق الشرقية، دليلاً آخرَ على خطورة المستوى الذي وصل إليه أَبْنَاء تلك المناطق في مواجهة النظام، وذلك يؤكّد أَكْثَـرَ عدمَ عشوائية التحَـرّكات المسلحة لأَبْنَاء تلك المناطق، وقد زاد النظام السعوديّ من نشاطاته في استهداف أَبْنَاء القطيف بالتزامن مع زيارة ترامب وعقبها، حيث وسّع النظام عملياته العسكرية في أحياء المنطقة ونفذ مؤخراً حكم الإعدام بحق أربعة من ناشطي القطيف؛ بسبب اشتراكهم في مظاهرات، فهل بات النظام السعوديّ أَيْضاً يدرك بدء خروج الأمر عن سيطرته إلَى هذا الحد!!

معهدُ واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، نشر في مطلع يوليو الجاري تحليلاً لـ “سايمون هندرسون” مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، والمتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج، ذُكرت فيه بعضُ العمليات المسلحة التي استهدفت القوات السعوديّة في القطيف وَرجّح فيه الكاتب أن تكون هناك حملة قمع سعوديّة “أَكْثَـر صرامة” في مقابل تصعيدات من قبل ناشطي المناطق الشيعية في المملكة وفي البحرين أيضاً، مشيراً إلَى أن الأسلحة التي يستخدمُها شيعة السعوديّة قد جاءت من إيران، ومنوهاً إلَى أن جنودَ القوات الأَمريكية في البحرين سيكونون معرضين للمشاكل إذا ما استهدفوا!

ليس من الخفي ارتباطُ أمثال هذه المعاهد بالمخابرات الأَمريكية، وبالتالي فإن ما كتبه “هندرسون” بتَذَاكٍ حول احتمال زيادة القمع السعوديّ في مقابل التصعيد “الشيعي” وحشر القوات الأَمريكية في الأمر، هو تمهيدٌ إعلامي لتبرير أية أَعْمَال ستقوم بها السعوديّة ضد أَبْنَاء المناطق الشرقية، خَاصَّـةً بعد ذكر ازدياد العمليات المسلحة ضد قوات النظام السعوديّ وإدخال عُذر “السلاح الإيراني”، وبالتالي فإن واشنطن تؤكد هنا سماحها للنظام السعوديّ بزيادة القمع، وربما تلوّح –كما ورد في تحليل هندرسون- بتدخل عسكري لقواتها!

لقد أدرك أَبْنَاء المناطق الشرقية في السعوديّة أن كُلّ الخيارات التي لا تتضمن مواجهة النظام لن تصُبَّ في مصلحتهم، في ظل هذا التحريض الأَمريكي الواضح والتواطؤ العالمي مع نظام آل سعود والذي بات أَكْثَـرَ وضوحاً في السنوات الأخيرة، وبالتالي فإن من المنطقي أن تكون “المواجهة” هي الحل الأوحد، ومن المنطقي ألا تكون مواجهةً عشوائية.

وذلك يفسّر بوضوح السببَ الذي جعل من العمليات العسكرية السعوديّة في القطيف تدخل شهرَها الثالث حتى الآن بدون أيَّة نتائج، برغم حجم القدرات العسكرية لقوات النظام السعوديّ، فوجودُ عمليات هجومية منظّمة لاستهداف جنود النظام السعوديّ بشكل مرتّب وسريٍّ ومستمر، يعتبر عائقاً صعباً أمام أية قوات نظامية، فما بالك بقوات النظام السعوديّ المشهورة برداءة مستواها القتالي؟!.

هذا الواقع يضمَنُ لأي مراقب أن يجزِمَ بصعود معارضة قوية وغاضبة في السعوديّة طال الزمن أَوْ قصر.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com