دورُ المبادراتِ المجتمعيةِ في الارتقاءِ والدفعِ بعجلةِ التنمية.. بقلم/ علي الموشكي

انطلاقاً من توجيهات الله بالتعاون قال تَعَالَى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة- آية (2)، واستجابة لتوجيهات القيادة القرآنية ممثلة بتوجيهات السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظُه الله-، الذي يحُثُنا من خلالِها على ضرورةِ تفعيلِ المبادرات المجتمعية وأهميتها في تعزيز عوامل الصمود والعمل بروح جهادية في كُـلّ المجالات واستشعار المسؤولية أمام الله الذي يحثنا على العمل لإظهار أننا أُمَّـة قادرة على مواجهة كُـلّ التحديات التي منها نصر دين الله وإعلاء كلمته في كافة المجالات في الزراعة والصناعة والتجارة للنهوض والارتقاء والاكتفاء.

ولدنيا الكثير من الأعمال التي يجب علينا التحَرّك في تنفيذها ولن نسارع في تنفيذها إلَّا إذَا عملنا بصورة جماعية، فمثلاً أثناء القيام بزيارة إلى مديرية معينة في ربوع اليمن الحبيب، وجميعنا من أبناء الريف نجد أن بعض العزل والقرى لا يوجد فيها حتى طريق ولا يوجد فيها حتى حاجز ماء وبعض مدرجاتها الزراعية تتهاوى وبعض أراضيها غير مستغلة للزراعة وتجد هنالك موارد بشرية كثيرة ولديهم الكثير من الأعمال إذَا تضافرت جهودهم استطاعوا تنفيذَها، ولا نعجب حول ذلك فقد عمدت السياسات والاستراتيجيات السابقة على تركيز المشاريع على المدن، وحرمان الأرياف من الخدمات حتى يهاجر أغلبية السكان إلى المدن.

تسعى سياسة الدولة من خلال تنفيذ توجيهات القيادة القرآنية والذي يحرص قائد الثورة -يحفظه الله- إلى إيصال الخدمات إلى الأرياف والاهتمام بالقرى والعزل في خطط وبرامج حكومة الإنقاذ الوطنية وما لمسناه من مشاريع نفذت في الأرياف وبعض المديريات ببركة توجّـه القيادة الحكيمة التي ستستمر في برامجها وأنشطتها إلى تنفيذ مشاريع خدمية في التجمعات السكانية الأكثر فقراً للخدمات ويعيشون تحت مستوى خط الفقر.

وأيضاً في المدن نرى بعض الأحياء والشوارع تتراكم فيها النفايات نتيجة قلة وعي المواطن بأهميّة النظافة والاهتمام بالتشجير وتزداد وتتفاقم المعيشة في ظل وجود نقص في خدمات المياه والكهرباء وخدمات الصرف الصحي وتراكم المخلفات في أماكنَ قريبةٍ من المكان المخصَّص لوضع المخلفات فيه ويساعد هذا على انتشار الكثير من الأوبئة، بسَببِ نقص الوعي في التنظيف ووضع القمامات في الأماكن المخصصة وَأَيْـضاً وجود مشكلة البناء العشوائي الذي يسبب عوائق أمام شبكة المياه والصرف الصحي ويزدادُ ضرراً عند حدوث الأمطار ونلحظ في بعض المدن انجراف المنازل وتسدد المجاري بسَببِ المخلفات وتسبب كوارث وموت الكثير من المواطنين بسَببِ السيول خلال موسم الأمطار وهذا كله بسَببِ قلة الوعي وعدم وجود التعاون من المواطن في عدم البناء العشوائي والحفاظ على نظافة الحي والقيام بالتشجير وتعزيز روحية المبادرة في الأعمال الخيرية التي تعتبر من واجبات الإنسان والتزاماته تجاه الحي والمدينة الذي يعيش فيها.

قديماً وعلى مدى التاريخ منذ القدم يعتبر الإنسان اليمني سواءً ذكراً أَو أنثى من السباقين للأعمال التي فيها روح التعاون وتخدم المصلحة العامة وخُصُوصاً في (بناء السدود والحواجز المائية -وبناء القلاع -والعمل الزراعي -والعمل الخيري… إلخ) من الأعمال التي اشتهر بها الإنسان اليمني وتميز بها كميزة أَسَاسية عرف بها، ونأتي إلى التوجيهات الإلهية التي تحثنا على التعاون في الأعمال الخيرية، ولنا موروث شعبي يزخر بالأمثلة الشعبيّة لحكماء وعقلاء اليمن، يقول الحكيم اليماني علي بن زايد: (ذي ما يغارم ويغرم له المنايا تشله) ويعبر هذا المثل عن ضرورة التعاون ويحث على الغرم القبلي ويقول: (لا رزق يأتي لجالس.. إلا لأهل المغارس.. ومن قرأ في المدارس) وهذا المثل يعبر عن ضرورة التحَرّك وبذل الجهد وعدم التكاسل والرزق لا يأتي إلَّا للزارعين ومن يتعلم، ويقول: (ما يجبر الفقر جابر، إلا البقر والزراعة) وهذا المثل يعبر عن ضرورة الزراعة وتربية الحيوانات وخَاصَّة الأبقار لتحقيق الاكتفاء الذاتي للتخلص من الفقر ويقول: (حسبت مالي رجالي وأن الرجال ذي هم المال) وهذا المثل يعبر عن أن الرجال ذي هم المال مش المال الرجال؛ لأَنَّ الأخوة والصداقة أفضل من المال فعلاً ويقول: (ما عود وحده يُلصِّي إلا بُعودين مع عود) مجمل ما تحتويه هذه الأمثال توضيح بأن نظام التعاون مفروض بفعل الحياة، وضرورة التشارك والعمل في الزراعة والتعاون للتخلص من آفة الفقر التي تجعل الإنسان ذليلاً أمام الأعداء وفي هذه الأمثال عزة وكرامة الإنسانِ اليمني الذي كان يصدر منتجاته الزراعية للعالم.

ونحن نعيش مرحلة صعبة عدوان وحصار جائر ويترتب علينا مسؤوليات وأعمال مهمة وعظيمة تتطلب منا التعاون والتكاتف وتوحيد الجهود في تنفيذ الكثير من الأعمال من خلال تكوين فرق عمل على مستوى كُـلّ قرية وكل حارة وكل قطاع وكل عزلة تتكون من مبادرين من أبنائها وتحديد برامج تشمل حملات إصلاح طريق أَو عمل حاجز مائي أَو تنظيف برك أَو تنظيف الحارات والأحياء أَو تنظيف جامع أَو استصلاح الأراضي الزراعية الصالبة أَو بناء المدرجات الزراعية المتهاوية كما في بعض الوديان التي تكون في المناطق الجبلية أَو غرس الأشجار (حملات التشجير)… إلخ، يقول الله جل وعلا: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْـمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِـمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة- آية (105)، عمل الخير في كُـلّ المجالات الله يجزي عليه الأجر الكثير؛ لأَنَّنا في إطار أُمَّـة قرآنية نتحَرّك على أَسَاس القرآن الكريم وبه نحفظ للأُمَّـة تماسها وتحَرّكها في إطار مشروع الله، ونتذكر قول الشهيد الرئيس/ صالح الصماد -رضوان الله تعالى عليه-، حَيثُ يقول: (يدٌ تبني ويدٌ تحمي)، ونحن عندما نتحَرّك في البناء والسعي دون تذمر في الأعمال التي تخدم الأُمَّــة، نحن نؤدي دورا جهاديا عظيما من خلال بذل الجهد في مجال يخدم الأُمَّــة ويحقّق للأُمَّـة الاكتفاء والارتقاء.

وعندما نبادر ونتحَرّك في هذه الأعمال سنجد جدولاً يشمل أعمالاً كثيرة جِـدًّا كنا غافلين عن السعي في تنفيذها، ونضيع وقتنا في أعمال في مقايل بدون فائدة ومنتظرين من الآخرين أَو الجهات المعنية حتى يعينونا في أدائها إما منظمات أَو غيره وهذه تعتبر اتكالية ولم نعمل بالأسباب ونبذل الجهد ولم نهيئ أنفسنا ونتحَرّك بدلاً من الخمول والكسل والتكاسل وانتظار الآخرين حتى يوفروا لنا، عندما يراك الآخرون بدأت في هذه الأعمال العظيمة أنت ستجعلهم يندفعوا في إعانتك في المهام الكبيرة التي لا تستطيع تنفيذها، وستحظى بتوفيق الله ورعاية الله وأنت قد تحَرّكت وغيرت نفسك وكونت معك من يتحَرّكون في طريق التعاون التي فيها خير يشمل الجميع، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الرعد- آية (11).

خلال السنوات السابقة سعى العدوّ من خلال سياسة التفريق والتمزيق والتشتيت على إظهار التباينات وافتعال المشاكل والصراعات وتفريق الأُمَّــة إلى أحزاب وإلى طوائف وسعى أَيْـضاً لتعزيز الفرقة والشتات بين الأُمَّــة وتغذية الصراعات القبلية حتى تعيش القبائل في حروب وفي تناحر وثأر وهذا بدوره صرف أنظار أبناء المجتمع عن توحيد كلمتهم وتوحيد صفهم للتحَرّك في الأعمال التي فيها لله رضا ويتحقّق لهم فيها الكثير من المصلحة، للارتقاء بجوانب المعيشة وخلق روحية عمل مشتركة في كُـلّ المجالات بدلاً من ذلك وجدت ظاهرة الثأر القبلي ووجدت الخلافات وتعززت الأطماع والأنانية وحب النفس والسعي للاستحواذ على أكثر من الأراضي والوديان ومع وجود الصراعات، هجرت الأراضي الزراعية في بعض المناطق وصلبت وبعض الوديان لسنوات طوال لم تزرع ولم تستغل؛ بسَببِ الخلافات بين أبناء المناطق والقبائل وهذا بسَببِ البعد عن توجيهات الله ووجود سابقًا وحَـاليًّا من يعملون مع الشيطان في زرع المزيد وتغذية الخلافات.

وعلينا أن نتصالح مع أنفسنا أولاً ونوحد الصفوف ونزرع المحبة والأُخوَّة الإيمَـانية ونكون من السباقين والمسارعين من خلال التحَرّك في المبادرات المجتمعية؛ لما لها من أهميّة كبيرة في حَـلّ الكثير من الإشكاليات وتذليل الكثير من الصعوبات وإنجاز الكثير من الأعمال التي يصعب على الإنسان إنجازها عندما يكون بجهد ذاتي ولكن عندما تتضافر الجهود يسهل على الإنسان إنجاز الكثير من الأعمال وتتهيأ أمامنا الكثير من الفرص التي تتوفر وتستغل عندما نجد أنفسنا مهيئين ولدينا قابلية للعمل في كُـلّ المجالات وسيفتح الله أمامنا أفقاً واسعاً للعمل والسعي للارتقاء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com