الهجرةُ النبويةُ مواقفُ خالدةٌ تكفي الأُمَّــة لتغيير واقعها

 

منير الشامي

تطل علينا ذكرى الهجرة النبوية الشريفة هذا العام، معلنة بداية عام هجري جديد ومتزامنة مع انتصار عظيم لقوات الجيش واللجان الشعبيّة تمثل بتطهير أقدم معقل للإرهاب وقواه في اليمن في منطقة قيفة بمحافظة البيضاء.

هذا الحدث العظيم هو المحطة التاريخية الأهم في تاريخ الرسالة المحمدية على صاحبها أزكى صلوات الله وتسليمه وعلى آله الطاهرين، والتي تمثل أخطر منعطف مرَّ به سيدنا محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، وأُجبر عليه بعد أن قضى ثلاثة عشر عاماً يخوض أعظم جهاد وصبر وتحمل فيها ما لا يطيق له بشر في التاريخ.

ثلاثةَ عشَرَ عاماً ظل ساعياً فيها بلا كَلَلٍ ولا مَلَلٍ ولا نَصَبٍ ولا تعب، حريصاً على هداية قومه وإنقاذهم وإخراجهم من ظلامهم الدامس إلى نور مبين، ومتمنياً أن يتحقّق حلمه فيهم وينال قومه الشرف العظيم بحمل أشرف وأسمى رسالة سماوية، ويحظوا بالمقام الرفيع الذي خصهم الله تبارك وتعالى به دون سائر قبائل العرب، وبالنعمة الكبرى الذي تفضل بها عليهم أن بعث فيهم نبياً من أنفسهم، حريص عليهم بالمؤمنين رؤوف رحيم، واصطفى لهم سيد الأنبياء والمرسلين وخاتمهم فأبوا تلك النعمة وجحدوا بذلك المقام استكباراً منهم وجهلاً وعتوًّا منهم ونفيراً.

ولم يرفضوا ذلك ويعرضوا عن دعوة السماء ونداء المحب لهم والرحيم بحالهم وحسب، بل إنهم من فرط جهلهم وضلالهم وفساد نفوسهم وقلوبهم عزموا على قتل النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- والتخلص منه ومن دعوته، بمؤامرة حاكها لهم شيطانهم وزينها لهم ومناهم وغرهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.

حينها أذن له ربُّه بالهجرة وأمره بها وأبدله عنهم بقوم خير منهم وأزكى نفوساً، وأطهر أفئدة، فمضى -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- في تنفيذ أمر ربه تبارك وتعالى في أخطر رحلة تشوبها المخاطر وتتكالب فيها الأعداء وتترصده، فخرج من مكة وأمر عليًّا أن ينام في فراشة ليلة هجرته ليكون أعظم فدائي لرسالة السماء.

إن المواقف الخالدة والدروس والعِبَرَ العظيمة من الهجرة النبوية الشريفة التي يجب علينا جميعاً أن نجسدها ونتعلم منها ونقتدي برسول الله وبالإمام علي منها كثيرة جِـدًّا ولا يمكن حصرها، وهذا الأمر للأسف أصبح مهملاً في واقع الأُمَّــة وأصبحت نظرتها إلى حدث الهجرة نظرة عادية مُجَـرّدة من كُـلّ الأمور الجوهرية التي من المفترض أن تكون ملهمة لها ومرشدة لحركتها وخط سيرها، ودافعة لها لتحمّل مسؤوليتها تجاه دينها الحنيف، وهو الأمر الذي يجب أن تعود إليه في بناء نفوس أبنائها وتجسيد مواقف النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- ومواقف أمير المؤمنين علي -عليه السلام- في كُـلّ مراحل الدعوة الإسلامية، تجسيداً عمليًّا في واقعها المعاش بحمل الرسالة وتبليغها والدفاع عنها والتضحية؛ مِن أجلِها بالنفس والمال والولد وركوب المخاطر الشديدة ومواجهتها بصبر وثبات وإصرار وإخلاص؛ تأسياً بأعلام هذه الرسالة الخالدة وسيراً على النهج الذي ساروا عليه امتثالاً لأمر الله ورسوله وأداء لأمانة هذا الدين؛ كون ذلك هو الغاية التي خلقنا الله؛ مِن أجلِها واستخلفنا في الأرض لأدائها، وعلينا جميعاً نحن أبناء أُمَّـة محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- أن نعلم علم اليقين أن الوضع المخزي الذي تعيشه أمتنا والواقع المهين الذي هي عليه وحالة الانهزامية والضعف والاختلاف والفرقة ما كان ليحدث لولا الابتعاد عن التأسِّي والاقتداء برسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- وعترته المباركة أعلام الدين ونجوم الهدى وأئمة التقى، والتفريط في المسؤولية التي حملوها وتخلينا عن حملها، وكانت عاقبة ذلك أن صرنا كغثاء سيل لا وزن لنا ولا قيمة رغم كثرة العدد ووفرة الثروة وكل أسباب القوة والتمكين، فالحقُّ قائم لن يزول والصراع مع الباطل لن يتوقف حتى يكون الدينُ كلُّه لله، وتكون كلمة الله هي العليا في مشارق الأرض ومغاربها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com