عدن ومصير الاستعمار البريطاني الذي ينتظر الاحتلال السعودي الاماراتي

صدى المسيرة:إبراهيم السراجي

 

تأتي الذكرى الـ52 لثورة 14 أكتوبر التي قامت ضد الاحتلال البريطاني للجنوب بالتزامن مع احتلال سعودي إماراتي لعدن، والمفارقة أن التاريخ يعيد نفسه فالاحتلاليين واجه الأول مقاومة كما كان له مرتزقة وسلاطين واليوم هناك من يقاوم الاحتلال السعودي الاماراتي وله أيضاً مرتزقة ومحافظين ومسؤولين.

بقي جنوب الوطن تحت الاحتلال البريطاني 139 عاماً ولكن اليوم وبعد 52 عاماً على اندحاره وطرده فإن التاريخ لم يخلد إلا من قاد الثورة ضده أمثال الراحل فيصل الشعبي أو راجح بالبوزة بينما طوى التاريخ سيرة المرتزقة والعملاء الذين خدموا سلطات الاحتلال وعملوا تحت إمرتها.

 

سميت المبادئ كذلك ووضعت الثوابت الوطنية لأن الخروج عن ثباتها لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال إذ لا يمكن التبرير للتعاون مع أي سلطة أجنبية في بلاد أخرى حتى لو كان الاحتلال يحمل معه المال ذلك أن الثوابت تفرض التضحية من أجلها أما التضحية بها فذلك يعد خصماً من قيمة الانسان ووطنيته ومعها لا يمكن أن يحظى باحترام المحتل ولا باحترام الشعب فالسلاطين الذين عينهم الاحتلال البريطاني في ذلك الحين منحهم الأموال ولكنه لم يمنحهم الشرف.

فماذا تغير اليوم في منطق من يبررون الترحيب بالاحتلال السعودي الإماراتي لعدن؟ وهل تبدي دول الاحتلال الاحترام لهؤلاء المتعاونين والمتواطئين معه؟ أم أنها توزع الاتهامات عليهم بين الحين والأخر بالسرقة والخيانة؟ وكذلك هل إذا كانت تعتبرهم وطنيين وهم يرحبون بجنود أجانب على أرضهم؟ أم أنها سبق وقصفت مجاميعهم أكثر من مرة في عدن ولحج وقتلت العشرات منهم؟ فهل سيخلد التاريخ من قتلهم الاحتلال وهم يعملون معه أم من استشهدوا في مواجهته؟

 

 

  • الثورة بين الاندفاع والتشكيك

كانت المملكة البريطانية تسمى بالمملكة التي لا تغيب عنها الشمس لاحتلالها عدة بلدان في مشرق الأرض إلى مغربها وكان جبروتها في الدول التي تستعمرها يحظى بصيت كبير يجعل من التفكير في مقاومتها مهمة شاقة ناهيك عن المقاومة ذاتها، وكان هناك من يساهم في تصوير صعوبة المقاومة وتعقيدها، إلا أنه كان هناك من ضرب بتلك التعقيدات بعرض الحائط وقرر الانتماء للأرض في مواجهة الاستعمار.

المناضل الراحل فيصل عبداللطيف الشعبي كان أحد هؤلاء الاستثنائيين الذين آمنوا بقضيتهم وقرروا الانتصار لها في وجه أعتى مستعمر على الأرض وكان لهم الانتصار وتتويج نضالهم بالاستقلال.

يقول الكاتب عبدالقوي الشعبي أن المناضل عبداللطيف الشعبي و بعد التحاقه بحركة القوميين العرب حضر عدة دورات في دمشق ثم كلف بمهمة تأسيس فرع الحركة في اليمن, مما تتطلب منه الاستفادة من الإجازات السنوية التي يعود فيه إلى الوطن وكذلك قطع الدراسة أحيانا للعودة لقيادة العمل التنظيمي وترسيخ عملية التأسيس والإنشاء.

ويضيف أنه و منذُ بداية العام 1959م استطاع فيصل بما كان يتمتع به من ذكاء وخبرة تنظيمية وثقافية واسعة وقدرة قيادية من تشكيل أولى الخلايا التنظيمية للحركة في اليمن, وساعده في ذلك كل من الأخوة المناضلين المرحوم سلطان أحمد عمر، وعبد الحافظ قائد، وسيف الضالعي، وطه أحمد مقبل وعلي أحمد ناصر السلامي وأصبح فيصل المسئول الأول عن قيادة فرع الحركة في إقليم اليمن منذُ العام 1959م.

من المفيد الإشارة إلى أن فيصل وزملاءه المناضلين كانوا في رؤيتهم وتفكيرهم النضالي أكثر تقدماً ونضوجاً من فكر ورؤية قيادة الحركة في بيروت التي استبعدت إمكانية قيام ونجاح أي ثورة مسلحة في عدن ضد الاستعمار البريطاني حيث قرروا بإرادة وعزيمة قيام هذه الثورة, وذلك بعد حوارات طويلة مع فصائل حزبية ووطنية وقيام الجبهة القومية.

 

 

  • السلاطين ما بين بطل قاوم ومرتزق خدم الاحتلال

في عام 1837 م كانت السفينة البريطانية “دريادولت” تمر في سواحل عدن وأصيبت بخلل ما متعمد من قبل البريطانيين أنفسهم مما جعلها تجنح فأدعت السلطات البريطانية أن سكان عدن هاجموا السفينة واتخذوا ذلك ذريعة لاحتلال المدينة.

كانت بريطانيا في ذلك الوقت أكبر مستعمر في العالم وكان طبيعياً أن ينتج احتلالها لعدن الكثير من المقاومين والقليل من المرتزقة وبهم احتلت مناطق جنوبية أخرى لتحصين عدن تحت قبضتها وعينت سلاطين موالين للمستعمر وحاربت آخرين قرروا مواجهة الاحتلال.

وعلى غرار ما يحدث اليوم عندما تعين الامارات محافظاً لعدن من الموالين لها ورئيسا للحكومة فعل الاحتلال البريطاني نفس الأمر وعلى سبيل المثال كانت السلطنة الواحدية في منطقة حبان التاريخية بشبوة جنوب اليمن وكان سلطانها يدعى هادي بن صالح الواحدي والذي قبل بالاحتلال البريطاني ووقع اتفاقية حماية مع المستعمر في عام 1888م ليأتي بعد عبدربه منصور هادي بـ127 عاماً يوقع للسعودية بتدمير واحتلال اليمن.

طوى التاريخ السلطان هادي بن صالح الواحدي في صفحاته السوداء رغم أنه في ذلك الحين كان يلعب نفس الدور الذي يلعب نظراءه مع الاحتلال السعودي الاماراتي وكان يعتقد أن التاريخ سيخلده بمقتضيات ذلك الوقت الذي كان التاريخ يكتبه المستعمر بأموال مستعمراته وجبروته.

والمفارقة أن السلطان هادي الواحدي العميل للاحتلال كان قد انقلب عليه أخوه السلطان محسن بن صالح الواحدي معترضاً على توقيع الحماية مع البريطانيين وقام بإنزال الأعلام البريطانية التي كان يفرضها الاستعمار على السلاطين وتجبرهم على رفعها ومن ثم قاد هجمات ضد الجنود البريطانيين.

انقلاب السلطان محسن الواحدي قوبل برفض من رعيته في السلطنة الذين عملوا مرتزقة مع الاحتلال كما يفعل مرتزقة اليوم وقاموا بطرده ما دفعه للاستنجاد بقبائل العوالق الذين وقفوا معه ومع مشروعه المقاوم للاحتلال واعادوه للسلطنة ثم اغتاله عملاء الاحتلال في أحد الجبال وهو يقود معارك ضد الاحتلال.

 

إن حكاية الاستعمار والثورة هي حكاية تمتد لقرابة قرن ونصف لا تتسعها الكتب بل إن تناول جانباً واحداً منها يحتاج لمساحة أكبر غير أن من المفيد أن نقرأ نماذج من تلك الجوانب لنخلص إلى القول بأن لكل احتلال مرتزقة يستولون على الأضواء ويكتبون التاريخ المؤقت غير أنه لا احتلال يبقى ولا تاريخ للمرتزقة فالحديث اليوم عن الاحتلال البريطاني لليمن يقود للحديث عن ثورة 14 أكتوبر والحديث عن الثورة ليقود لرموزها ونضالهم الذين كتبوا أسماءهم بماء الذهب ولا عزاء للعملاء حين يأخذون أماكنهم في هامش التاريخ بلون أسود.

 

صحيفة صدى المسيرة العدد65 الخميس 15اكتوبر2015

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com