برنامج رجال الله: ملزمة (في ظلال مكارم الإيمـان الدرس الأول)

أكّـــد الشهيدُ القائدُ في محاضرته “في ظلال دُعاء مكارم الأخلاق الدرس الأول” وَالتي القاها بتأريخ 1/2/2002م على أهميّة أن يحمل المؤمنين الروحية الجهادية التي يريد القُــرْآن الكريم لهم أن يحملوها، مشيراً إلى أهميّة أن يحرص المؤمن على أن يثقف نفسه بثقافة القُــرْآن الكريم.

وقدّم الشهيدُ القائدُ -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- دليلاً قاطعاً يؤكّـــد لنا بأننا ما زلنا بعيدين عن “كمال الإيْمَــان”، حَيْــثُ قال: (إذا كنا لا نزال نحتاج إلى من يوجهنا، من يدفعنا إلى أن تكون نفوسنا فيها ذرة من روح الجهاد الذي هو من أعظم ما تناوله القُــرْآن الكريم من أعمال المؤمنين فنحتاج إلى من يدفعنا ويشجعنا ويوعينا ويفهمنا، ونحتاج إلى بعضنا البعض. أليس هذا يدل على أننا ما نزال هابطين كثيراً؟. أين نحن من درجة أن تكون هذه مسألة مفروغ منها عندنا؟ فنحن الذين ننطلق إلى الآخرين، ننطلق إليهم لنجعلهم هم من يحملون الروحية التي نحملها؟ ألسنا لا نزال بعيدين عن هذه؟. ما أَكْثَــر المتوجسين فينا ممن لم يصل إلى درجة أن يقطع على نفسه إلزاماً بأن يثقف نفسه بثقافة القُــرْآن بما فيها أن يحمل روحية الجهاد التي يريد القُــرْآن منه أن يحملها! ما أستطيع – أنا واحد منكم – أن نقطع بأننا وصلنا إلى هذه الحالة).

 

جهادُ الإمَـام (زين العابدين) عليه السلام

وأشار -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى مدى حرص واهتمام الإنسان المؤمن في تربية الناس وتثقيفهم وفقاً لمنهج القُــرْآن والثقافة القُــرْآنية، مهما كانت الحالة التي يعيش فيها شديدة، وضرب مثالاً على ذلك بالإمَام زين العابدين (ع) وكيف أنه تمكّن من أن يربي ويصنع رجالاً يحملون الروحية القُــرْآنية، روحية الجهاد، ولم يمنعه من ذلك الحالة الشديدة فعلاً التي كانت تعيشها الأُمَّــة آنذاك، حَيْــثُ قال: (إذا كان زين العابدين يمكن فعلاً أن تصدق عليه تلك الصفات التي ذكرها الله للمؤمنين بما فيها الجهاد في سبيل الله، وإن كان الواقع الذي عاش فيه واقعا مظلما، أُمَّــة هُزِمت وقُهِرت، وأُذلِّت تحت أقدام يزيد، وأشباه يزيد، لكنه هو من عمل الكثير الكثير وهو يوجه، وهو يعلِّم، وهو يربي، أليس الإمَـام زيد هو ابنه؟ من أين تخرج الإمَـام زيد؟ إلا من مدرسة أبيه زين العابدين)، مضيفاً (إن الحالة التي كان فيها حالة فعلاً شديدة، بالغة الشدة النفوس مقهورة ومهزومة والأفواه مكمَّمة، لكن زين العابدين من أولئك الذين يفهمون بأن المجالات دائماً لا تغلق أمام دين الله فانطلق هو ليعلم ويربي، ويصنع الرجال؛ لأنه يعلم أنه إن كان زمانه غير مهيأ لعمل ما فإن الزمان يتغير فسيصنع رجالاً للمستقبل. وصنع فعلاً وخرج الإمَـام زيد “ع” شاهراً سيفه في سبيل الله، وترك أُمَّــة ما تزال تسير على نهجه من ذلك اليوم إلى الآن).

وأشار -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- إلى مدى حرص الإمَـام زين العابدين على تربية الناس وتوجيههم بقوله: (الإمَام زين العابدين “عليه السلام” صاغ صحيفته بشكل دروس، في الوقت الذي هي دعاء، دروس وتوجيهات، دروس وتوجيهات وحقائق، صاغها بشكل دعاء).

 

أعذار واهية

وَ رَدَّ -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- على بعض العلماء ممن يلقون بـ “اللوم” على الناس، بأنهم غير مستعدين للهدى، وأن الناس مقصِّرون ولا يسمعون هدى الله ولا ينصرون دين الله!، وحاججهم بالإمَام زين العابدين “ع”، وطالبهم بأن يسلكوا مسلكه وقال (الإمَام زين العابدين عبرة للعلماء، قدوة للمعلمين الذين يرون بأن الأوضاع قد أطبقت، والناس لم يعودوا بالشكل الذي يمكن أن يؤثر فيهم كلام، أو يحركهم كلام، لينطلقوا في نصر الحق، ومقاومة الباطل وإزهاقه، فليسلكوا طريقة زين العابدين، الإمَـام علي بن الحسين، اجمع ولو خمسة من الطلاب تختارهم ثم علمهم، قدم لهم الدين كاملا، ابعث في نفوسهم الأمل، علمهم الأمل الذي يبعثه القُــرْآن الكريم، لا تسمح بأن يكونوا عبارةً عن نسخ للواقع الذي أنت فيه، لا تسمح أن تمتد هزيمتك النفسية إليهم، إلى أنفسهم، حاول دائما أن تعلمهم كيف يكونون رجالا، كيف يكونون جنداً لله، كيف يكونون من أنصار الله، كيف يعملون في سبيل الله لإعلاء كلمته ورفع رايته. الكثير ممن يعلّمون لا ينطلقون هذا المنطلق، إما لأنه قد يرى أن بعض تلاميذه ليسوا ممن يثق بأن يكلمهم بكل شيء، إذاً فاختر لك تلاميذ خاصين، تلاميذ تختارهم ممن نفسياتهم قوية، ممن هم مؤهلون لحمل العلم، ممن هم مؤهلون لأن ينطلقوا للعمل في سبيل الله، فعلّمهم، وإن لم يكونوا إلا ثلاثة أشخاص، وإن لم يكن إلا شخصاً واحداً) مضيفاً (لا يجوز أن نمشي في حياتنا هكذا جيلاً بعد جيل، ومساجدنا تكتظ بحلقات العلم، وكثير من منازل علمائنا أيضا تقام فيها حلقات العلم لكنها في معظمها حلقات باردة، لا تصنع أَكْثَــر من امتداد للواقع المظلم، وامتداد للهزيمة النفسية، نتوارثها جيلاً بعد جيل، يتلقاها التلميذ من أستاذه، وعندما يصبح هذا التلميذ أستاذاً أيضا يحملها للآخرين ويلقنها للآخرين، ندرس فنوناً معينة، لا نتحدث بجدية عن مختلف المواضيع المهمة، حتى أصبح الواقع هو نسيان، هو نسيان ما يجب أن يتحرك الناس فيه. وكلنا نعرف ذلك الظرف القاهر الذي كان يعيشه زين العابدين صلوات الله عليه، لكن ننظر ماذا عمل زين العابدين، بنى زيداً، وبنى الكثير من الرجال، الذين انطلقوا فيما بعد حركة زيدية جهادية جيلاً بعد جيل على امتداد مئات السنين).

 

التخاذُلُ عن نصرة الإمَـام علي (ع).. سببُه قلَّة الوعي الإيْمَــاني عند أصحابه

وعزا -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- التخاذُلَ الذي حصل مع الأئمة العظام من آل البيت عليهم السلام كالحسن والحسين ووالديهما، إلى قلة الوعي الإيْمَــاني لدى الأُمَّــة، حَيْــثُ قال: (وهذه أحياناً تحصل، تحدث وضعيات كهذه، لكنها وضعيات هي نتيجة تقصير من قبل الناس أنفسهم يوم تخاذلوا مع علي “عليه السلام” كانت نتيجة تخاذلهم قوة للباطل في جانب بني أمية، جعلت مواجهتهم لذلك الباطل في أيام الإمَـام الحسن صعبة جداً، تخاذلوا معه أيضاً، جعلت المواجهة في أيام الإمَـام الحسين أَكْثَــر صعوبة أيضا، وصل الحال إلى أن يصبح واقع الأُمَّــة في عصر زين العابدين هو الانكسار، الهزيمة المطلقة، هي الظروف الصعبة، هي الحالات السيئة التي يصنعها تخاذل الناس. هي حالات يخلقها – أحياناً – ضعف وعي ممن ينطلقون للعمل، وإن كانوا تحت راية علي “عليه السلام” ويحملون اسم جند الله، وأنصار الله لكن وعيهم، لكن إيْمَــانهم القاصر، إيْمَــانهم الناقص أدّى إلى أن يرتكبوا جناية على الأُمَّــة فضيعة.

مضيفاً (أولئك “الخوارج”، الخوارج هم مجموعة من جند الإمَـام علي “عليه السلام” انشقوا عنه في أيام “صفين” بعد أن رفع معاوية وأصحابه المصاحف عندما أحسوا بالهزيمة وقالوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فأولئك المتعبدون على جهل، الجنود الذين هم غير واعين تأثروا بتلك الدعاية! وهكذا سيحصل في كُــلّ عصر لأي فئة وإن انطلقوا تحت اسم أنهم جنود لله، وأنصار لله، إذا ما كان إيْمَــانهم ناقصاً، سيجنون على العمل الذي انطلقوا فيه، سيجنون على الأُمَّــة التي يتحركون في أوساطها، سيجنون على الأجيال من بعدهم، وهم من انطلقوا باسم أنهم يريدون أن ينصروا الله، وأن يكونوا من جنده لكن إيْمَــانهم ناقص، ووعيهم ناقص).

 

انتصارُ (الدولة الأموية) ليس بسبب قوتها

وفي ذات السياق، تحدث -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- عن الأسباب التي أدت إلى انتصار الدولة الأموية، حَيْــثُ قال: (أتظنون أن انتصار الدولة الأموية، وتمكّنها لتقهر الآخرين، ثم تمكّنها لأن تصنع أُمَّــة أخرى غير الأُمَّــة التي أراد محمد “صلوات الله عليه وعلى آله” أن يبنيها من ذلك الزمان إلى الآن؟. أنه فقط قوتهم، بل تخاذل من هم يحملون اسم جند الحق، قلة إيْمَــانهم، ضعف إيْمَــانهم، ضعف وعيهم. لماذا انتهت معركة صفين دون هزيمة لمعاوية، وقد كانت مؤشرات الهزيمة بدأت؟ عندما تخاذل أولئك الجنود من صف الإمَـام علي وتحت رايته. لماذا وقد تحرك الإمَـام الحسن ليواصل المسيرة، مسيرة والده الإمَـام علي فآل الحال إلى أن يقف مقهوراً ويأخذ ما يمكن من الشروط لتأمين مجتمع أهل العراق، عندما تخاذل أصحابه. الإمَـام الحسين آلت قضيته إلى أن يقتل في كربلاء، بسبب ماذا؟. تخاذل أصحابه، التخاذل الذي يصنعه ضعف الإيْمَــان، قلة اليقين، انعدام الوعي. وكان الإمَـام علي “عليه السلام” يحذِّر، وعندما كان يحذر كان يوجه تحذيره إلى جيشه، إلى أصحابه، وليس إلى أولئك إلى جيش معاوية، يقول لأهل العراق: “والله إني لأخشى أن يدال هؤلاء القوم منكم لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم”.

كان جيش معاوية يجتمعون تحت رايته لكن أصحاب الإمَـام علي كانوا يتخاذلون ويتثاقلون، والتفرق قائم بينهم، لا يتحركون إلا بعد عناء وتعب شديد وتحريض مستمر. ما الذي جعلهم على هذا النحو؟ هو قلة إيْمَــانهم فلهذا كان زين العابدين “عليه السلام” يوم صاغ هذا الدعاء “دعاء مكارم الأخلاق” صدّره بهذه الفقرة المهمة “اللهم بلغ بإيْمَــاني أكمل الإيْمَــان”).

 

بعضٌ من مواصفات (المؤمنين) حقاًّ

وتساءل -سَلَامُ اللهِ عَلَيْهِ- عن المدى الذي وصل إليه إيْمَــاننا مقارنة بأولياء الله المذكورين في القُــرْآن الكريم، حَيْــثُ قال: (حتى وإن وصلت إلى درجة أولئك: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (الأنفال: من الآية2)، وهل نحن وصلنا هذه؟ لا نزال بعيدين، {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ} يذكره أحد عندهم {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} تضطرب، ترتجف خشية من الله وخوفا منه، هل قد وصلنا إلى جزء من هذه الدرجة؟ لا.. إذاً ما يزال الطريق طويلا داخل أنفسنا لنصل بها إلى هذه الدرجة – إن شاء الله – في قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال: من الآية2) ثلاث صفات مهمة جداً: خوف من الله، خشية من الله، اشتياق إلى الله توجل له القلوب، حرص على الهداية، معرفة لعظمة وقيمة الهداية فيزدادون إيْمَــاناً كلما تتلى عليهم آيات الله، وكلهم ثقة بالله، ثقة قوية بالله، يتوكلون على الله {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}. لا نزال دون هذا المستوى في المجالات الثلاثة كلها، أليس كذلك؟. قد يقول البعض: “الحمدُ لله واللهِ إن كُــلّاً منا يعرفُ ما له وما عليه، وقد سمعنا الذي فيه الكفاية ويكفي، وسنمشي على الذي قد فهمناه وانتهى الموضوع”! حاول دائماً، دائماً هكذا، ومتى رأيت نفسك أنك ترى أنه ليس هناك شيء من مصادر الهداية إلا وأنت قد استكملته فاعرف بأن معرفتك قاصرة، فارجع إلى الله هو من لا يزال يعلم بأن هناك الكثير، الكثير مما أنت بحاجة إليه في ميدان الهداية).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com