“واشنطن بوست”: سياسات “التحالف” المدعوم من واشنطن صنعت المجاعة في اليمن

المسيرة | ترجمة خاصة

أكّــدت صحيفةُ “واشنطن بوست” الأمريكية، أن الأزمةَ الإنْسْانية التي تعاني منها اليمنُ، والتي تُعتبَرُ اليومَ أسوأَ كارثة إنْسْانية في العالم، هي نتيجةُ سياسات متعمدة من قبل تحالف العدوان الذي تقودُه السعوديّة وتدعمُه الولايات المتحدة، ومن بين تلك السياسات: الحصار الجائر المفروض على اليمن، وتدهور العُملة المحلية؛ بسببِ نقل البنك المركزي وسوء إدارته من قبل حكومة المرتزِقة، إلى جانب القصف المدمّر الذي يشنه تحالف العدوان على مصادر إنتاج الغذاء وتوزيعه، وتضمن تقرير الصحيفة تفاصيل شديدة المأساوية عن المجاعة التي تعاني منها منطقة أسلم في محافظة حجة، حيث يقاسي الأطفال وآباؤهم خطرَ الموت جوعاً، بدون أية وسيلة للنجاة، وهم في ذلك شهود عيان على مدى سوء المأساة التي أنتجتها سياسات تحالف العدوان الذي ترعاه الولايات المتحدة.

 

“التحالُفُ” يجوّع اليمن

في التقرير الذي جاء تحت عنوان “كارثة غير طبيعية” قالت الصحيفة: إن “الإجراءات الاقتصادية التي فرضها التحالُفُ العسكري بقيادة السعوديّة ودعم الولايات المتحدة، ساعدت بشكل رئيسي على إنتاج ما تعتبره الأمم المتحدة أشدَّ كارثة إنْسْانية في العالم”، مشيرة إلى أنه بعد قرابة 4 أعوام من العدوان، أصبح أكثر من 20 مليون يمني، لا يملكون ما يكفي من الطعام؛ بسببِ تلك “الإجراءات الاقتصادية”، وهو ما ينسف مزاعم تحالف العدوان حول أسباب الأزمة الإنْسْانية في اليمن، وادعاءات حرصه على إنقاذ اليمنيين.

وأضافت الصحيفة أن الأزمة تعكسُ بشكل جذري “الطريقة الطائشة التي يدير بها وليُّ العهد السعوديّ الحربَ في اليمن”.

وقالت “واشنطن بوست”: إن من أبرز الأسباب التي صنعت المجاعة في اليمن أن “التحالف الذي تقوده السعوديّة فرض قيوداً على الاستيراد، بما في ذلك استيراد الغذاء والدواء والوقود، وأدى الارتفاع الحاد في أسعار الوقود إلى ارتفاع تكاليف النقل، الأمر الذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية”.

وأوضحت الصحيفة أن تحالُفَ العدوان “يسيطرُ بشدة على حركة البضائع والأشخاص جواً وبحراً وبراً إلى شمال اليمن، حيث يعيش 80 في المائة من السكان، وقد أدت هذه الضوابط إلى تعطّل الإمدادات وزيادة أسعار المواد الغذائية والوقود والسلع الأُخْرَى بدرجة أكبر”.

وقال التقرير: إن هجماتِ القصف الجوي من قبل السعوديّة كان لها أَيْضاً دورٌ كبيرٌ في صنع المجاعة، إذ أن القصف استهدف “المصانع والمزارع والأسواق ومحطات توليد الطاقة ومستودعات الأغذية”، “وقد حطّمت تلك الهجمات الإنتاجَ والتوزيع المحلي للغذاء وأدّت إلى قطع سُبُلِ الحياة، مما جعل اليمنيين أقلَّ إنفاقًا”.

وأكّــدت الصحيفة أن الخطوة “الأكثر كارثية” على حياة اليمنيين، كانت خطوة نقل البنك المركزي من صنعاء، والذي أفضى إلى تدهور القيمة الشرائية للعُملة المحلية؛ وذلك بسبب “سوء إدارة الحكومة (حكومة المرتزِقة) ورعاتها السعوديّين للبنك المركزي من خلال طبع الأموال بشكل عشوائي، مع جفاف الاحتياطي النقدي من العُملة الأجنبية؛ بسببِ منع صادرات الوقود، ما أدى إلى انخفاض قيمة الريال”.

وأوضحت الصحيفة أن تحالف العدوان رفض التعليق على أسباب أزمة الجوع في اليمن.

بعد ذلك، ومن داخل منطقة الجرب في أسلم بمحافظة حجة، نقل تقرير “واشنطن بوست” تفاصيلَ مأساة أطفال على وشك الموت جوعاً تحت أنظار آبائهم الذين فقدوا الحيلة؛ نتيجة الحرب الاقتصادية التي يشنها العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن، وفيما يلي تنشُرُ صحيفة المسيرة ترجمةَ نص التفاصيل التي جاءت في التقرير:

 

الطفل عبده: على بُعد أسبوع من الموت جوعاً

كان عبده صالح، البالغ من العمر ثلاث سنوات، يستلقي على سرير أطفال، غير قادر على المشي أَوْ التحدث، وجسده الصغير مكسورٌ بالجوع. كان وجهُه عظميًا، وكانت ذراعاه وساقاه رقيقتين كأغصان. وزنُه 10 باوندات.

على بُعد بضعة أميال، كانت الأسواق مليئةً بجميع أنواع الطعام. لكن الأسعار ارتفعت بشكل حاد، بحيث أن والديه لا يستطيعان شراءَ الحليب والفاكهة والخضروات التي هي في وفرة. قال والده صالح عبده أحمد وهو يضغطُ بأسف على أصابع قدم ولده: في بعض الأحيان، نقضي يومين دون طعام!

كان عبده سيموتُ إذا لم تكن هناك فرصة للزيارة من قبل عامل طبي واستعداد ممرضة في عيادة الأطفال الوحيدة بالمنطقة للسفر إلى هذه القرية واسترداد الصبي، وبانتظار ذلك الوقت، لم يكن والد عبده يملك أية وسيلة لإنقاذ طفله، قال أحمد: “كنتُ أنتظرُ قدَرَ الله”.

تقعُ قريةُ الجرب في منطقة جبلية معزولة في شمال اليمن. ومعظم سكانها أُمّيون ويعيشون في منازل من الطين، لقد كانوا دائماً فقراء، ولكن حياتهم الآن قد تدهورت إلى مستويات كبيرة.

كان بعض القرويين قد عملوا في المملكة العربية السعوديّة مرة واحدة وأرسلوا الأموال إلى بلادهم. ولكن مع إغلاق الحدود وتقاطُع المنطقة مع الخطوط الأمامية، تبخرت الوظائفُ والأموال. والآن، يعيش معظم القرويين عن طريق قطف القات.

لا يزالُ أحمد يحصل على نفس المال من قطف القات، والذي يعادل تقريباً دولارين في اليوم، وهو ما كان يحصل عليه قبل الحرب. لكن أسعار السكر والأغذية الأساسية الأُخْرَى ارتفعت الآن.

قال أحمد، المعيلُ الوحيدُ لزوجته وأطفاله الأربعة: “يمكنني شراءُ كمية أقل من الطعام الآن”.

اليوم يواجه 40 في المائة من حوالي 90 ألف شخص في منطقة أسلم، التي تضم منطقة الجرب، ظروف “شبيهة بالمجاعة”، وهي خطوة أقلّ من المجاعة، وفقاً لتحليل مجموعات الإغاثة.

وفي منتصف نوفمبر، جاء عاملٌ طبي يُدْعَى حازم محسن إلى القرية لإجراء مسح غذائي، عندما وصل إلى مخيم عبده، صُعِقَ من حالة الصبي.

في ذلك الوقت، كان والدا عبده قد أخذاه إلى عدة مستشفيات وعيادات، وقاموا ببيع مجوهرات الزفاف وغيرها من ممتلكاتهم لدفع تكاليف النقل والرعاية الطبية، تحسّن عبده في البداية لكن حالته تدهورت في دورات القيء والإسهال، أخذه والداه أيضًا إلى معالج تقليدي قام بأداء طقوس شعبية تُعرف باسم “ميسم”، لكن حالة عبده استمرت في التدهور.

بعدَ رؤية حالة عبده، ناشد محسن والده لإرساله إلى عيادة حكومية، لكن الأبَ كان قد وصل إلى مرحلة استسلم فيها،؛ لأَنَّه رأى أن الصبي لم يتحسن.

وبعد أسبوعين من محاولته إقناع أحمد، اتصل محسن بـ “مكية أحمد مهدي”، الممرضة المديرة في عيادة الأطفال، بعث لها بصور وفيديوهات لحالة عبده.

كان لدى الممرضة كُـلّ الأسباب لعدم المتابعة، فقد كانت عيادتها مكتظةً. لم تستلم راتبها من الحكومة اليمنية (حكومة المرتزِقة) التي احتجزت رواتبُ أكثرَ من مليون موظف حكومي في المناطق “المتمردة” لمدة خمسة أشهر. ومع ذلك، باستخدام الأموال التي تبرعت بها مؤسسة خيرية، استأجرت مهدي شاحنة صغيرة مقابل 10 دولارات وذهبت إلى الجرب، على بعد 40 دقيقة بالسيارة.

قالت مهدي لأحمد بعد فحص أعراض ابنه: “إذا لم تحضره إلى العيادة فسيموتُ خلال أسبوع. ” السُّعال الخشن يشير إلى التهاب في الصدر أَوْ ربما التهاب رئوي.

أجاب أحمد، الذي كان نحيفًا ومُصابًا بحروق الشمس: “لا أستطيع أن آخذَه إلى هناك”. “ليس لديَّ مالٌ من أجل النقل”.

كان أحمد يعمل أقلَّ وأقل. وقد قام مالكو الأراضي بتقليص عدد العمال في حقول القات، حيث أدّى ارتفاع سعر الوقود المستخدَم في تشغيل مضخات المياه إلى زيادة تكاليف الإنتاج. في الوقت نفسه، كان سيل من العمال العاطلين عن العمل على استعداد للعمل مقابل أموال أقل بكثير من أحمد.

قال أحمد: “في كُـلّ يوم، تنتظر عائلتي أن أُحضِرَ الطعام”. “إذا لم أقم بجني المال، يجوعون”.

عرضت “مهدي” أن تقدمَ له أجرة العشرة دولار في العيادة، لكن أحمد قال إن السائقين يطلبون الدفعَ مسبقاً. وحتى لو كان لديه المال، فإنه لا يستطيع أن يتحملَ الغيابَ عن العمل.

لم تستطع زوجته اصطحابَ عبده إلى العيادة أَيْضاً. كانت قد غادرت أحمد قبل يوم بعد أن تجادلوا حول ما إذا كانوا يريدون شراءَ الطعام، أَوْ إنقاذ ابنهم.

لهث عبده فجأةً لأجل الهواء، وهزت مهدي رأسَها، تساءلت كيف ستقوم بإنقاذه.

 

الطفلة ميساء: آخر من يتناول الطعام

بعد أن فحصت “مهدي” عبده واستمعت إلى رفض والده، وصل العديدُ من القرويين وقادوها إلى مخيم آخر، أمام منزل من غرفة واحدة، كان منزلاً طينياً تقطُنُ فيه ميساء محمد علي البالغة من العمر 12 عاماً.

لم تستطعِ المشيَ أَوْ التحدُّثَ وتعرضت للنوبات، ضَغطَت أضلاعها على جلدِها، وجهها هزيل، ذراعيها وساقيها خليط من العظام، كانت مستلقية على قطعة من الورق المقوى فوق سرير.

قالت والدتها: “ليس لدينا شيء لإطعامها الآن”.

لدى ميساء 12 إخوة آخرون، ويعيش جميعُ أفراد الأسرة على دولار واحد إلى دولارين في اليوم يكسبُهما والدُهم من قطف القات، وقالت والدتها إن الأهل الأصحاء يتغذون أولاً، لأسباب ليس أقلها إنهم يستطيعون التعبير عن شكواهم، المعاقين، مثل ميساء، الذين لا يستطيعون نطق كلمة ما، هم دائماً آخر من يأكلون.

قالت والدتها: “فقط إذا كان هناك طعام إضافي، نعطيه لها، في بعض الأحيان تقضي يومين أَوْ ثلاثة أيام دون تناول الطعام”.

 

أمهاتٌ وأطفالٌ بين فكي المجاعة

بعدَ بضع دقائق، وصل قروي آخر وأخبر “مكية مهدي” بقضية أُخْرَى، لكن السماء كانت مظلمةً بالفعل، ولم يكن لدى مهدي وقتٌ لرؤية الصبي.

قالت مهدي: “ثلاث حالات في قرية واحدة!” “هذه ليست سوى تلك التي نعرفها. هناك 20 قرية أُخْرَى في هذه المنطقة لا نعرف عنها”.

في عيادتها، كانت الأمهاتُ يتزاحمن في الأسرّة مع بعضهن البعض، وينمن مع أطفالهن، يجبُ تركُ ميساء؛ لأَنَّها لم تكن على وشك الموت، لكن عبده هو من كان كذلك؛ لذلك أخبرت مهدي والدَه وجدتَه بأن يلتقطَ الصبي وأن يأتيَ معها إلى العيادة، وعندما بدأت الشاحنة في الدوران، وصلت امرأة عجوز وقبّلت يد “مكية مهدي”.

في العيادة، تم وزن عبده في دلو مرتبط بمقياس، قاس طاقمُ مهدي طولَه ومحيطَ أطرافه الهشة. لفوّه في حفاضات، وهي أول حفاظات ارتداها في السنة، وهي المرةُ الأخيرة التي يمكن للوالدين تحمّل واحدة.

في غرفة أُخْرَى كانت هناك سبعُ أُمَّهات بوزن خفيف. كانت الأمهات أَيْضاً ضعيفاتٍ ويعانين من سوء التغذية.

في اليوم التالي، وصلت والدةُ عبده إلى العيادة، ابتسم الطفل ابتسامةً واسعةً عندما رآها. للحظة، مهما كانت قصيرة، أبرزت فرحتُه الصبيَّ الذي كان يجب أن يكون عليه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com