“الهيموفيليا” مرضٌ قاتلٌ لا يعرفُه الكثيرون..رحلة كفاح في زمن العدوان بحثاً عن حقنة دواء

المسيرة| عبدالرحمن مطهر

رحلةٌ من البحث والمُعاناة والألم، منذُ أن خرجوا إلى هذه الدنيا وهم يعانون مرضاً عضالاً لا يستطبُّ منه، وجرعاتُ العلاج الوحيدة باهظة الثمن؛ بسبب العدوان والحصار..

أسرة ريفية فقيرة استقر بها الحال في أروقة المستشفيات بأمانة العاصمة تبحث عن دواء يكاد يكون معدوماً؛ بسبب منع دخوله من قبل قوى العدوان السعودي الأمريكي واحتكار بعض الصيدليات لهذا العلاج..

أربعة من الأطفال هم قوام الأسرة، يعاني جميعُهم من مرض “الهيموفيليا” أَوْ “تجلط الدم” ويعاني بعضُهم من الاعاقة الكاملة، لا يستطيعون اللعب كبقية الأطفال فبمجرد أن يحصل أي جُرح صغير سيكلف والدَهم، محمد قاسم، مئات الآلاف لا يتملك شيئاً منها، الدموع لا تفارق عينَيه, لكن الحياةَ الصعبة والفقر الذي يعانيه لم يمنعْه من السعي والمُضي قدماً لعلاج أطفاله الأربعة برغم بذل الأسرة كُلّ غالٍ ورخيص لديها في سبيل توفير العلاج لأبنائها.

أسرة مزّقها وشتّتها الحصارُ بحثاً عن علاج أبنائها تروي لصحيفة المسيرة، قصةَ كفاح لا توجد حتى في الأساطير.. إنه الكفاح في زمن العدوان بحثاً عن حقنة دواء.

محمد قاسم صالح، أب لخمسة من الأطفال يعاني أربعة منهم مرضاً عضالاً، انهكته الحياة خلال رحلة بحثه عن علاج لأبنائه, لكنه لم يفقد الأمل في علاجهم ويصر بعزيمة الريفي أن يبحثَ عن شتى الطرق لعلاج أبنائه.

ويعاني محمد الأمرّين؛ بسبب آلا أطفاله الأربعة المصابين بمرض “الهيموفيليا”، وهذا المرض هو عدمُ تجلط الدم نهائياً؛ بسبب خلل في عمل كريات الدم البيضاء، الأمر الذي يسبّب للطفل المصاب نزيفاً من أبسط جرح، أَيْضاً حتى لو كان الشخص المصاب نائماً، وقد يتوفى المريض وهو نائم؛ بسبب نزيف الدم بكميات كبيرة.

 

أطفالي الأربعة مصابون

محمد قاسم يدخُلُ في ديمومة السهاد والدموع تنهمر من عينيه بينما كان يجلس وحيداً، وَالأحزان تعصر فؤادَهُ حُرقةً وألماً على أطفاله المرضى، بينما كان يبحث عن جرعات من الدم لاثنين من أولاده في المركز الوطني للدم بصنعاء.

وقال محمد قاسم، والأسى يملئ أجفانَه لصحيفة المسيرة: أولادي مرْضى، ومصابون بالهيموفيليا.. ويضيف قائلاً “مثلاً ولدي عبدالناصر البالغ من العمر خمسة عشر عَاماً حالياً معاق لا يستطيع الحركة نهائياً؛ وذلك بسبب كثرة نزيف الدم من ركبته أثناء سقوطه وهو يمشي، خَاصَّة أنه لا قدرة لي بشراء حقن “فاكنور” الخَاصَّة بوقف النزيف؛ وذلك لارتفاع أسعارها التي تبلغ حوالي خمسة وستين ألفَ ريال للحقنة الواحدة، ولا نجدها، فقط تحتكرُها بعضُ الصيدليات، فيما يلعب الحصار دوراً كبيراً في عدم توفره بأسعار أقل، وَيتم حقنُ المريض لمرة واحدة فقط بهذا العلاج.

أضاف محمد قاسم، “لديَّ أربعة أطفال مصابون بهذا المرض؛ لهذا أحاول تعويضَ النزيف بالحصول على قِرَب دم من المركَز الوطني للدم وأبحاثه”، مُضيفاً: لديّ حزام 11 سنة وحسن 9 سنوات وقاسم سنتان ونصف، جميعهم مصابون بالمرض عدا البنت وهي الكبيرة، الحمد لله هو مَن تساعد والدتها في العناية بإخوانها.

وأشار محمد، إلى أن الأطباء أكدوا له بأن زواج الأقارب من أبرز الأسباب لهذا المرض، وأنه يصاب به الذكور أكثر من الإناث وبنسبة كبيرة، لكنه لم يعلم بذلك إلا بعد أن خلّف أربعة أولاد.

 

قصتُه مع توفير العلاجات

يروي محمد قاسم رحلة معاناتِهِ في البحث عن علاج لأولاده وتنقله من محافظة إلى أخرى: “اضطر بين حين وآخر إلى ترك قريتي القريبة من مدينة قعطبة محافظة الضالع والسفر إلى صنعاء؛ للبحث عن العلاج أَوْ حتى عن قربة دم عندما يصاب أيٌّ من أولادي بأي جرح حتى لو كان بسيطاً”، مُضيفاً، بأنه باع كُلّ ما يملك من أرض وغيرها من أجل توفير العلاجات لأطفاله، وبعد أن أَصْبَــح فقيراً معدماً حتى من وظيفته التي اضطر إلى تركها؛ بسبب سفرها إلى صنعاء للبحث عن دواء أَوْ علاجات، ويضيف أنه تواصل مع صندوق المعاقين لتوفير العلاج لأولاده فتم توفيرُه لمرة واحدة فقط، ولم يتم التجاوُبُ معه ومع مشكلته مرة أخرى.

وَأَيْضاً لم تكن رحلة البحث عن الدواء والاستطباب من قبل محمد قاسم لوحده بل شاركته في ذلك زوجته، التي تملك قلباً قلما نجدُ نظيره، حنان الأم وإصرارها على مرافقة زوجها وأبنائها برغم التكاليف المالية الكبيرة، وتجلس بأروقة المركَز وبجوارها ولداها الاثنين حسن وحزام، فسّردت جزء من معاناتها.

تقول أُمُّ الأطفال بأن السهر يلازمها كُلّ ليلة؛ خوفاً من أن ينزف أحد أطفالها وهو نائم، وكذلك تخافُ على أطفالها أثناء اللعب؛ خوفاً من الإصابة بأي جرح حتى لو كان جرحاً بسيطاً؛ لأنه سوف يستمر في النزيف ولا يتوقف حتى بعد ضرب الإبرة التي تكلف حوالي 65 ألف ريال وهم حالتهم المادية متواضعة جداً أَيْضاً لا يوجد هذا العلاج سوى عند مجموعة بن حيان التي تحتكر هذا الدواء بأسعار باهظة جداً لا قدرة لمحدودي الدخل توفيرها، حسبما تقول.

 

تعريفُ المرض

الدكتورُ أيمن الشهاري -مدير المركز الوطني للدم وأبحاثه- يقول: إن مرض الهيموفيليا أحد أمراض الدم الوراثية المزمنة والناتجة عن نقص أحد عوامل التجلط في الدم، بحيث لا يتخثر دمُ الشخص المصاب بمرض الهيموفيليا بشكل طبيعي؛ مما يجعله ينزف لمدة أطول وكلمة (هيموفيليا) تعني سيولةَ الدم وعدم تجلطه أَوْ تخثره.

 

 أنواع الهيموفيليا

ويقول الشهاري: إن الهيموفيليا يصنّف إلى ثلاثة أصناف تبعًا لعامل التجلط الناقص في كُلّ حالة، هي هيموفيليا الناشئة عن نقص عامل التجلط رقم 8، وهي الأكثر شيوعًا، والهيموفيليا الناشئة عن نقص عامل التجلط رقم 9، ويعد الأكثر انتشارًا في الوطن العربي، والهيموفيليا الناشئة عن نقص عامل التجلط رقم 11، وهي أقل أنواع الهيموفيليا شيوعًا.

 

أسبابُ المرض

ويوضح الدكتورُ الشهاري سببَ الإصابة بالهيموفيليا بأنها ناتجة عن حدوث اضطرابات في الجينات المسؤولة عن تصنيع معاملات التجلط في الدم، سواءٌ أكان الاضطرابُ في الجينات المورثة من أحد الوالدين، والتي تنتقل فتظهر عليه أعراض الهيموفيليا، أَوْ بسبب حدوث طفرات جينية أثناء تكوين معاملات التجلط لدى الطفل، على الرغم من عدم وجود إصابات لأحد الوالدين أَوْ العائلة.

 

أعراضه

ويمكن التعرف على أعراضه من خلال حدوث نزيف في أي جزء من أجزاء الجسم وقد يحدث تلقائيًا أَوْ بعد الإصابات الطفيفة، أَوْ بعد إجراء بعض العمليات الصغرى مثل الختان وخلع أحد الأسنان، أَوْ عند إعطائه حقنة أثناء العلاج أَوْ عند سحب عينة من الدم منه.

ومن أخطر أنواع النزيف الداخلي نزيف الدماغ الذي قد يصاحبه إغماء وتشنجات، وتتفاوت نسبة النزيف لأسباب عدة منها درجة نقص عامل التخثر، وعمر الشخص المصاب، ومعدل النشاط الحركي للمريض.

عندما يبدأ الطفل في الحبو أَوْ المشي، حيث يتكرر سقوطه، وبالتالي إصابته بكدمات زرقاء ونزف في المفاصل خَاصَّة الركبتين.

تليف وتيبس في المفاصل؛ بسبب تكرار نزيف المفاصل، ما يؤدي إلى حدوث التهاب في مرحلة ما بعد النزف.

ضعف في العضلات؛ نتيجة حدوث التهاب في مرحلة ما بعد النزف، وبعد سنوات قليلة يصبح الطفل معاقًا حركيًّا، وعند سن البلوغ قد يحتاج عملية لتغيير المفاصل ما لم يتلقَ العلاج المناسب منذ بدء تشخيص المرض في مرحلته المبكرة.

في بعض الأحيان يكونُ المرضُ من الدرجة الخفيفة أَوْ المتوسطة، بحيث لا تظهر أعراضه إلا عند تدخل جراحي مثل خلع الأسنان أَوْ استئصال اللوزتين.

 

المعرضون للإصابة بالهيموفيليا

ويصيفُ الدكتور أيمن الشهاري: إن مرض الهيموفيليا يصيب الناس من كُلّ الجنسيات والألوان والأصول العرقية حول العالم، ومعظم أشكال الهيموفيليا الشديدة تصيب الذكور فقط. أما إصابة الإناث بالنوع الشديد من المرض فإنها نادرةٌ وتحدث فقط إذا كان الأب مصابًا بهذا المرض والأم حاملة له، وهو أمر نادر الحدوث ما في هذه الحالات التي تحدثنا عنها لهذه الأسرة.

ومع ذلك فإن العديد من النساء الحاملات لهذا المرض تظهر عليهن أعراضٌ طفيفة لمرض الهيموفيليا، وبما أن الهيموفيليا مرضٌ وراثي، فالأطفال يصابون به منذ لحظة الولادة.

 

الأعراض ووسائل العلاج

يختلفُ علاجُ الهيموفيليا تبعًا لشدة الحالة: فالهيموفيليا الطفيفة علاجها يشمل الحقن البطيء لهرمون الديزموبريسين (DDAVP) في الوريد لتحفيز إفراز المزيد من عوامل التخثر لوقف النزيف، أحيانًا يعطى دواء ديزموبريسين عن طريق الأنف.

أما الهيموفيليا المتوسطة إلى الحادة قد يتوقف النزيف فقط بعد ضخ عامل التخثر المستمد من دم الإنْسَان المتبرع، أَوْ من المنتجات المعدلة وراثيًا، إذا كان هناك نزيف داخلي يمكن تكرار الحقن. كما يجب أن يدرب الطبيب المصاب ومن حوله على طريقة أخذ حقن هرمون ديزموبريسين أَوْ عامل تخثر الدم في المنزل أَوْ العمل أَوْ المدرسة.

 

معالجة النزيف إذا حدث؛ بسبب جرح أَوْ خلع الأسنان

بالنسبة لنزيف الفم يستعمل دواء سايكلوكابرن لمنع النزيف الحاد في الفم (وهو دواء يستخدم لفترة محدودة فقط 2-8 أيام). وإذا كان النزف؛ بسبب جرح أَوْ نزف داخلي أَوْ نزف المفصل، فالخطوة الأولى هي وقفُ النزيف بتطبيق العلاج الأولي مثل وضع الرباط والضغط وأكياس الثلج، وبعدها حقن عامل التخثر، حيث يجب وقف النزيف بالسرعة الممكنة عن طريق الحقن بعامل التخثر.

 

 التعايش مع المرض

يقول الأطباء: إن أفضلَ طريقة لمنع حدوث النزيف في المفصل هي أن يعرفَ مريضُ الهيموفيليا متى يحدث النزيف في مرحلة مبكرة، ويباشر بأخذ عنصر التخثر قبل أن يتأثر المفصل. كما أن علاجَ نزيف المفصل يجب أن يكون تحت إشراف الفريق الطبي، وذلك بأن يزود المصاب بعامل التخثر بأسرع وقت. أَيْضاً يسبب النزف الدموي تلفًا للمفاصل يحتاج المريض على آثره متابعة دورية مع أخصائي العلاج الطبيعي لتحسين صحة المفصل. كذلك ينصح الأطباء بمزاولة الرياضة بانتظام، وذلك بعد استشارة الطبيب لتحديد نوع الرياضة المناسبة للمريض.

أيضاً من المهم الحفاظ على سلامة وصحة الفم والأسنان وذلك لمنع حدوث نزيف أَوْ فقدانها. وأن يلبس الطفل المصاب بالهيموفيليا الخوذة وحزام الأمان ورباطًا واقيًا على منطقة الركبة والمرفق لحمايتها من الإصابة.

 

الراحة التامة

وينصحُ الأطباء مرضى الهيموفيليا بالراحة وعدم استخدام القدم المصابة أَوْ تثبيت الذراع المصاب يساعد على الشفاء، وبالثلج والذي يُستخدم لزيادة انقباض الأوعية الدموية والتخفيف من نزيف الدم من المنطقة المصابة وهذا الإجراء يسمى (انقباض العروق). وَأَيْضاً بالضغط، وهو رباط ضاغط حول المفصل المجروح لدعم المفصل والتقليل من سرعة النزيف. وأخيراً برفع الذراع المصاب أعلى من مستوى قلب المصاب لتقليل تدفق الدم للجانب الذي ينزف.

ويقول الأطباء بأنه عندما يتوقف النزيف، ويقل الانتفاخ والألم وسخونة المفصل يجب على المريض أن يحرصَ على استعادة المدى الحركي في المفصل المصاب، من خلال اتّباع برنامج التمارين الرياضية المحددة من قبل أخصائي العلاج الطبيعي، واتباع برامج التمارين الرياضية يساعد على تقوية العضلات المحيطة بالمفصل، ويقلل ضمورها وتيبس المفاصل، وكل هذا سيقلل من تكرار النزيف التلقائي.

 

مناشدة:

للتواصل مع الأخ محمد قاسم للاستفسار عن موضوعه ومساعدته، نرجو الاتصالَ بالرقم الخاص به وهو (712904890).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com