صنعاء ثبَّتت معادلتَها البحرية.. وواشنطن استنفدت أوراقها
خليل نصر الله*
خلال ثلاثة أَيَّـام، سلسلة ضربات يمنية طالت سفنًا بريطانية وأمريكية وإسرائيلية شملت خليج عدن والبحر الأحمر والمحيط الهندي، وكذلك استهداف مدمّـرة أمريكية، وضرب أهداف في “إيلات” جنوبيَّ فلسطين المحتلّة بواسطة صواريخ باليستية ومجنحة، وَأَيْـضاً إسقاط طائرة استطلاع أمريكية من طراز MQ9 في أجواء محافظة صعدة شمالي اليمن.
لم يسجل رد فعل أمريكي أَو بريطاني، ولوحظ خلال الآونة الأخيرة اكتفاء دول العدوان بالتصدي للمسيّرات والصواريخ، وليس بالضرورة إسقاطها، فكثير من الضربات البحرية أصابت أهدافها، وتم الإقرار بذلك.
بالتوازي، كانت واشنطن تسحب حاملة طائرات ومدمّـرة وتعيدهما إلى شرق المتوسط.
أمام المشهد أعلاه، يمكن الاستنتاج بأن الأمريكيين استنفدوا أوراقهم، إنْ بالترغيب أَو بالترهيب، وعليه سلموا بواقع فرضته صنعاء وقواعد اشتباك تحكمت بها، ولم تتمكّن الغارات المعادية من منعها، بل شهدت المرحلة الماضية تطوُّرًا في العمليات اليمنية، كمًّا ونوعًا وفي المديات.
قبل مدة، أجمع المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيموثي ليندرغينغ، وقائد القيادة الوسطى الجنرال، كوريلا، بأن لا حلول عسكرية للعمليات البحرية اليمنية، وهو ما يعد إقرارا بالفشل والإخفاق في فرض انكفاء يمني عن مناصرة الشعب الفلسطيني، وهو أَيْـضاً تسليم بما فرضته جبهات الإسناد من لبنان إلى العراق واليمن بأن لا وقف للعمليات قبل وقف العدوان على قطاع غزّة.
ما حاول الأمريكيون منعه على مدى أشهر، مع تجاهل مفتاح الحل الرئيس، بات مسلَّمًا به اليوم، وهو ضرورة تحقيق شروط المقاومة الفلسطينية وأولها وقف العدوان. ويبدو أن ثمة قناعةً أمريكيةً بذلك؛ وهو ما فهم من المبعوث الأمريكي إلى لبنان عاموس هوكشتاين في زيارته الأخيرة إلى بيروت قبلَ شهر رمضانَ المبارك.
في اليمن، وبعد قرابة السبعة أشهر من الحرب، يلاحظ بسهولة أن صنعاء فرضت معادلتها البحرية، وهي ماضية في تطوّرها، وكذلك تموضعها ضمن وحدة الجبهات أَو الساحات في المنطقة، وهو ما يعد مؤشرًا خطيرًا بالنسبة للأمريكيين الذين باتت حساباتهم تتّجه نحو التفكير بالمستقبل ومدى انعكاس وحدة الساحات والجبهات على الردع لديهم، حَيثُ انكشفت هشاشته مع عجز أمريكي عن القدرة على إغلاق أية جبهة إسناد لغزّة.
وعليه، إن انكفاء واشنطن في اليمن إلى حدود معينة يعد ضربة ومراكمة للفشل؛ وهو ما أضرَّ بصورة الأمريكيين خُصُوصاً أن ثمة اعترافا ضمنيًّا بخطأ في التقدير قد ارتكب هناك، وأن التدخل دعمًا لــ “تل أبيب” أتى بنتائجَ عكسية، أقلُّه تعريضُ السفن الأمريكية والبريطانية للاستهداف، وهو ثمنٌ مباشرٌ للعدوان.
إن صنعاء ماضية، كما يعبر قادتها، في دعم الشعب الفلسطيني وإسناد مقاومته مهما كان الثمن، وهي لن تتراجع عن تموضعها ضمن قوى ودول محور المقاومة وللأمر حساباته حال تعرض أي طرف لعدوان أمريكي أَو إسرائيلي.
* كاتب لبناني