مجزرة “آل سبيعيان”.. نظامُ التوحش الذي يديرُه العدوان في المناطق المحتلّة

إعلامُ المرتزقة يتباهى بالجريمة وتفاصيلها.. وصمتٌ مخزٍ لأدعياء “الحقوق والحريات”:

 

المسيرة | خاص

تتصدَّرُ جريمةُ الإبادة الوحشية التي ارتكبتها مليشياتُ المرتزِقة في محافظة مأرب، بحق أسرة آل سبيعيان، المشهدَ العام للوضع الذي تعيشُه المحافظة تحت سيطرة العدوان وأتباعه؛ لما تمثّلُه هذه الجريمة من نموذج واضح للمشروع الإجرامي الذي يسعى العدوان ورُعاته إلى تعميمه على مختلف المناطق اليمنية وتمريره تحت عنوان “الشرعية”.

المشروع الذي اتضح من خلال هذه الجريمة والكثير من الجرائم التي سبقتها، أنه لا يحمل سوى العنصرية الدموية وشرعنة القمع الوحشي لكل من يعارض العدوان وأدواته، والاستهداف المباشر لهوية المجتمع اليمني وعاداته وأعرافه الأصيلة، كما كشفت هذه الجريمة أَيْـضاً “نفاق” الأصوات المدعية للدفاع عن “حقوق الإنسان” والتي صمتت بشكل مخز إزاء ما حدث.

لم يكتف مرتزِقة العدوان في مأرب بتحريك “جيشهم” المدجج بالعتاد السعودي والإماراتي الثقيل، لمهاجمة أفراد أسرة واحدة لا يملكون سوى أسلحتهم الشخصية، ثم قتلهم بخسة وجبن، إذ أقدمت عصابات المرتزِقة على حرق الجثث أَيْـضاً في تجسيد للعقيدة الإجرامية المتطرفة التي تحملها هذه العصابات، والتي ليس من قبيل الصدفة أن تكون هي السمة المشتركة بين جميع تشكيلات وتنظيمات المرتزِقة على اختلاف مسمياتهم.

وفي تأكيد فاضح على ذلك، حرصت سلطاتُ حزب الإصلاح الذي تنتمي إليه هذه العصابات ووسائل إعلامها، منذُ أمس الأول، على تبنّي هذه الجريمة بشكل صريح، بل والتفاخر بتفاصيلها الوحشية، على غرار ما تفعله التنظيمات التكفيرية الحليفة لها في خدمة العدوان كـ”داعش والقاعدة”، إذ قدمت العديد من المواقع الإخبارية “الإصلاحية” الجريمة؛ باعتبَارها “إنجازاً أمنياً وعسكرياً”، وحرصت على تأكيد مسألة “تفحم جثث الضحايا” في تشفٍّ واضح.

وللتأكيد أَيْـضاً على أن هذا التصرف لم يكن فردياً وإنما نابعٌ من “استراتيجيات” تحالف العدوان وأتباعه، ساقت سلطات المرتزِقة ووسائل إعلامهم مبرّراتٍ فاضحةً للجريمة، إذ اتهموا أسرة آل سبيعيان بأنها تنتمي إلى “أنصار الله”، مقدمين بذلك نموذجاً فاضحاً للعنصرية والتمييز الدموي على أَسَاس الانتماء والفكر والعرق، وهو الأمر الذي يعيدُ فتحَ ملفات القمع الوحشي الذي ترتكبه جماعات المرتزِقة في كُـلّ المناطق التي تسيطر عليها، إذ باتت الكثير من تلك المناطق “محرمة” على شرائحَ معينة من المجتمع؛ بسَببِ انتمائها السياسي أَو الديني أَو حتى المنطقة التي وُلدوا فيها.

وبالرغم من أن المرتزِقة حاولوا تغطية هذه النزعة التمييزية الممقوتة بتفاصيلَ أُخرى، إلا أن تلك التفاصيلَ نفسَها حملت من التناقضات والركاكة ما يكفي لإسقاط نفسها بنفسها، ففي الوقت الذي تم فيه اتّهامُ “أسرة آل سبيعيان” المغدورة بأنهم يعملون جميعاً كـ”خلية استخباراتية متخفية تابعة لأنصار الله”، قامت وسائل إعلام المرتزِقة بنشر صور لمنازل الأسرة التي تم اقتحامها وانتهاك حرماتها وعلى جدرانها شعارُ البراءة “الموت لأمريكا” وكأن ذلك مبرّرٌ مقبولٌ للجريمة، لكنه في الحقيقة لم يكن إلا تناقضاً فاضحاً ومحاولة دنيئة لشرعنة هذا السلوك الداعشي، إذ كيف تقوم “خلية متخفية” بطبع الشعارات على جدران البيوت أمام الناس؟ ثم كيف لأسرة واحدة أن تكون كلها خلية استخباراتية؟ وأخيرًا وأولاً: بأي حق تم اعتبار الانتماء لـ”أنصار الله” أَو رفع شعار “الموت لأمريكا” جريمة تستحق القتل والتمثيل بالجثث والاعتداء على النساء والأطفال؟!

كُلُّ تلك المبرّرات نسفت نفسَها بنفسها، وبقيت وحشيةُ الجريمة بارزةً وعصية على التضليل، وصارخةً بالحقيقة التي أكّـدها العديد من أبناء المحافظة بمن فيهم الموالون للعدوان، والذين أوضحوا أن إبادة أسرة “آل سبيعيان” جاءت فقط بدافع استهداف المخالفين للإصلاح والمرتزِقة في المنطقة، كتصفية عدائية وقمعية بلا أي مبرّر، كما حدث سابقًا في محافظة تعز بحق أسرتَي آل الجنيد وآل الرميمة، وأن مرتزِقة العدوان سعوا من خلال هذه الجريمة إلى خلق حالة “رعب” لدى كُـلّ من يخالفهم داخل المحافظة، لإخضاعهم، وهو ما يؤكّـده التباهي الواضحُ لوسائل إعلام حزب الإصلاح بتفاصيل الجريمة، والتشفي بإحراق الجثث، على أن هذا السلوك لا يعكس إلا مدى الرعب الذي يعيُشه المرتزِقة أنفسهم داخل مأرب مع اقتراب قوات الجيش واللجان منها من عدة جهات.

هكذا بدت الجريمةُ مستوفيةً لجميع أركان الوحشية والغدر والجُبن، وليس فيها أيُّ ثغرة قابلة للتبرير، الأمر الذي يقود بدوره إلى طبيعة مرتكبيها ودوافعهم، لتنفتح بذلك مِلفات ثقيلة توضح أن مليشيات وعصابات المرتزِقة لم تكن يوماً بغير هذا القبح، ومناطق سيطرتها على امتداد جغرافيا الجمهورية تحوي الكثير من الشواهد على أن الفوضى والإجرام والاستهداف العنصري والتمييزي للأبرياء، هي العناصر الرئيسية لطبيعة المنهج الذي يحكم به العدوان وأتباعه كُـلَّ منطقة يسيطرون عليها، وقد طبق هذا المنهج المنحرف والتدميري بكل تدرجات خلال السنوات الماضية من عمر العدوان، فقد قام المرتزِقة بتهجير العديد من الأسر قسرياً من محافظتي تعز وعدن، وقتل أفرادها والتمثيل بهم، فقط؛ بسَببِ انتمائهم السياسي أَو “اللقب”، وحصل ذلك أكثر من مرة وبشكل رسمي وواضح ومعلن وموثق، كما قام المرتزِقة بارتكاب عدة جرائم اغتصاب بحق نساء يمنيات في أكثر من منطقة وساعدوا أَيْـضاً قوات الاحتلال على ارتكاب جرائم مماثلة، ووصل الأمر إلى اغتصاب “الأطفال”، إلى جانب استهداف النساء بالسجن والقتل والاختطاف، وجرائم أُخرى لا يتسع المقام لذكرها، لكنها تؤكّـد في المجمل أنها كانت جزءا من استراتيجية واضحة يتبعها العدوان ومرتزِقته في “إدارة” المناطق التي يتواجدون بها وبشكل رسمي.

وتحمل جريمةُ استهداف أسرة “آل سبيعيان” وغيرها من جرائم المرتزِقة المماثلة سمةً أُخرى، بالنظر إلى طبيعة البيئة التي ارتكبت فيها، وهي البيئة اليمنية القبلية المحافظة على عادات وأعراف الشرف والمروءة الأصيلة، الأمر الذي يكشف مدى الفجوة بين العدوان ومرتزِقته وبين الهُوية اليمنية التي يحاولون التنكر بها لتبرير جرائمهم، فالقبائل اليمنية التي يتلكم المرتزِقة باسمها اليوم في مأرب، لم تكن في أي وقت لتجيزَ مثلَ هذا السلوك الإجرامي بحق أي شخص، والأعراف القبلية اليمنية لا تمُتُّ بصلة إلى استهداف الناس؛ بسَببِ الانتماء أَو العِرق، وقد عبّر الغضب الواسع الذي أثارته هذه الجريمة في أوساط اليمنيين بمختلف أطيافهم عن هذا بشكل واضح.

أخيراً، وإلى جانب ما شكّلته هذه الجريمة من فضيحة للعدوان ومرتزِقته، فقد أدانت أَيْـضاً وبشكل واضح العديدَ من الأصوات التي تقدم نفسَها كمدافعة عن “الحقوق والحريات”، سواءٌ أكانت منظمات أم أفراداً، وهي أصوات لطالما ضجت بالإدانات والتنديد إزاء “شائعات” أطلقها إعلامُ العدوان ومرتزِقته، أَو تصرفات أمنية قانونية لسلطات صنعاء في ضبط المجرمين، إذ خرست هذه الأصواتُ بشكل فاضح عن جريمة التصفية الواضحة بحق أسرة “آل سبيعيان”، كما خرست من قبلُ عن الكثير من الجرائم المماثلة التي طالت اليمنيين رجالا ونساءً وأطفالاً في مختلف المحافظات.

أصواتٌ بات واضحًا أنها لا تُرفَعُ إلا حين يلائم الأمرُ توجّـهات العدوان ومرتزِقته، الأمر الذي يؤكّـد أَيْـضاً انسلاخ أصحابها عن الشعارات “الحقوقية” التي يرفعونها، كما هو الحال مع العدوان وأتباعه بالنسبة لدعايات “الشرعية” التي انكشفت حقيقتها كمُجَـرّد غطاء للجريمة والوحشية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com