صفقة القرن: ترامب.. البوق الأكثر ضجيجاً وفشلاً في تاريخ المشروع الصهيوني

صفقة القرن.. مآلات الخيانة ومدارات السقوط (2)

إبراهيم محمد الهمداني

إذا كان ترامب قد تبنّى دعمَ وتنفيذ المشروع الصهيوني علناً، وتصفية القضية الفلسطينية صراحةً، فما ذلك إلّا استكمالٌ لجهود سابقيه، من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، وتنفيذٌ للخطوة الأكثر جرأة، حسب تسلسلها الزمني في المشروع، ومن المؤكّـد أن الماسونيةَ قد اختارت لهذه الخطوة الجريئة والخطيرة، الرجلَ الأكثرَ جرأةً وقبحاً وصلفاً ووقاحةً ونذالةً، ولا شكَّ أنه قد تم إعدادُه للقيام بهذا الدور أخلاقياً وقيمياً ونفسياً و… إلخ، ولا أستبعد كونه من ضمن ما سمي “اتّحاد يتامى العالم”، الذين كانوا نتيجةَ الاغتصابات التي تعرّضت لها أمهاتهم في الحربِ العالمية الثانية، حيث بلغت أعدادُهم حوالي مئتين وخمسين ألفَ طفل، مجهول الأب، وقد تبنتهم الماسونية، عبر منظمات الأمم المتحدة، وأعدت لهم ملاجئ خَاصَّة، بعد فصلهم عن أمهاتهم، وقامت بتربيتهم وإعدادهم وفقاً لقواعد شيطانية، تقتل فيهم كُـلَّ ما هو إنساني وجميل، وتمحو عنهم كُـلَّ القيم والمبادئ والأخلاق، وتكرّس فيهم السلطة إلهاً، والشيطان قدوةً، واستعباد العالم مشروعاً، ونشر الفوضى والدمار والموت هوايةً، والغاية تبرر الوسيلة نهجاً، وُصولاً إلى إعلان سيادة الشيطان، كما يحلمون بذلك.

سبق أن أعلن ترامب عن صفقة القرن، وأصدر قراراً -يحاكي وعد بلفور- منحَ بموجبه القدسَ عاصمةً أبديةً لليهود، وفلسطين وطناً قومياً لهم، وكان من ضمن استراتيجيات التنفيذ المعتمدة سلفاً، نقلُ السفارة الأمريكية إلى القدس، يليها نقلُ سفارات غربية وأوربية وعربية، بعد حشد تأييد عالمي، وتنسيق مسبق عالي المستوى، لكن تلك الخطوات كانت أمريكيةً انفرادية محرجة للغاية، وكانت من ضمن مدارات الفشل، التي سقطت فيها صفقةُ القرن، بينما كانت الخطوة الثانية تقتضي تصفية القضية الفلسطينية من الداخل العربي، من خلال حركة التطبيع الشاملة التي نسق لها كوشنر على أعلى المستويات، وتبنتها السعودية والإمارات والبحرين، بمباركة ورعاية أمريكية صهيونية، وكانت ورشة/ قمة البحرين، هي الواجهة السياسية لانطلاق مشروع التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني، غير أن يقظةَ محور المقاومة من جانب، وما تبقّى من صحوة الشعوب العربية والإسلامية من جانب آخر، قد أفشلت ذلك المشروعَ، وبقيت مخرجاته لعنةً على وجوه متبنيه، وعاراً لاصقاً بهم، ودليلاً على سقوطهم، وإدانةً لهم، وفضحاً لحقيقتهم، وشاهداً على قبحهم وتآمرهم على الإسلام والمسلمين.

يمكن القولُ إن فلسطين لم تعد ذلك الإطار الجغرافي، ولم تكن يوماً مقيدة بحدود المكان أَو الزمان، ولا تقف عند اغتصاب المقدسات وتهويدها، وليست مجرّدَ عنصرية دينية أَو قومية، بل فلسطين أكبر من كُـلِّ ذلك؛ لأنها قضيةُ الإسلام في مفهومه الشامل: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)، وهُوية المسلمين كافة وعنوان وجودهم الأخير، في حربهم الكونية الشاملة ضد محور الكفر والشر بزعامة الشيطان، وبعبارة أدق: تُعد فلسطين/ القدس في أبعادها الأيديولوجية والميثولوجية والأبستمولوجية والتاريخية والعقائدية و… إلخ، عنوانَ المعركة الأخيرة الفاصلة بين أنصار الله وجنوده، وأنصار الشيطان وعبيده، والخط الفاصل بين الحق والباطل.

فشلت صفقةُ القرن الأولى، وسقط في مستنقع قبحها كُـلُّ الخونة والعملاء، وعلى رأسهم حكامُ السعودية والبحرين والإمارات، وباءت جهودُ كوشنر بالفشل الذريع، وحالت هزائم أمريكا وعملائها النكراء في اليمن وسوريا والعراق وإيران ولبنان، دون تحقيق أيِّ تقدّمٍ يُذكر في مسار تلك الصفقة، وحين عجز ترامب عن الوفاء بوعده لليهود، الذين طلبوا خطوات عملية، وليس فقط قرارات سياسية ومعارك دبلوماسية، فلجأ إلى تغطيةِ عجزه باغتيال الشهيد المجاهد قاسم سليماني -قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني-، ظناً منه أنه قد قضى على القضية في مهدها وقائدها، وحقّق مكاسبَ سياسية واقتصادية واستعمارية كبيرة، أولها: النيلُ من إيران كقوة مناوئة، وثانيها: فرضُ السيطرة الكاملة على العراق، ودول الخليج، والاستيلاء الكامل على الثروات والنفط، وثالثها: كسرُ محور المقاومة في تبنيه لقضية فلسطين وَالقدس خَاصَّة، ومشاريع التحرّر من الهيمنة عامة، ورابعها: كسبُ ود اللوبي الصهيوني، وضمان دعمه لتولي فترة رئاسية ثانية، مقابلَ تخليصه من أعظم كابوس، جثم فوق أحلامِه، وزعزع كيانه، وهدّد وجودَه واستقراره، وأفشل مخطّطاته في المنطقة، وأحرق ورقة رهانه الأخيرة، ممثلةً بالدواعش، في سوريا والعراق.

 

تساؤلات بين يدي صفقة القرن الثانية

– لماذا يعلن ترامب عن صفقة القرن مرة ثانية؟!

– هل يعني ذلك فشل صفقة القرن الأولى؟!

– رغم عدم وجود أيِّ تغيير في الصيغة أَو الاستراتيجية، بين الإعلانين -الصفقتين إن جاز التعبير- فما الذي راهن عليه ترامب في إعلانه الصفقة مرة أُخرى؟!

– مما لا شك فيه أن دولَ الخليج بما فيها السعودية، لا تعدو كونها محميات بريطانية وأمريكية، ذات بنية هشة، تعتمد على راعيها اعتماداً كلياً، غير أن ترامب أعطاها فوق حجمها، وأعلنها مارداً يخيف به المنطقةَ، وقبل أن يستوعب المارد -المزعوم- دورَه الجديدَ، سقط صانعُه تحت أقدام المستضعفين، وعجز عن الحفاظِ على مكانته وهيبته المصطنعة، فهل ينجح مارد القش الخليجي في انتشال سيده / فرعون القرن، بعد سقوطه المدوي غريقاً في وحلِ الهزائم العسكرية والسياسية؟

عجز قرارُ ترامب عن تحقيقِ حلم اليهود في فلسطين، كما عجز قبله وعدُ بلفور، وفشلت صفقةُ القرن في صيغتها العالمية/ العولمة، كما فشلت في صيغتها الإقليمية/ والعربية، رغم جهود كوشنر، ومجازفة حكام السعودية والإمارات والبحرين، في إعلانِ عمالتهم وتأييدهم للمشروع الصهيوني، ووقوفهم ضد فلسطين خَاصَّة، والإسلام والمسلمين عامة، ورغم ذلك فشلت ورشةُ البحرين، وسقط مشروعُ التطبيع، وأسفر صبحُ الشعوب على خيانة الحكام وعمالة الأنظمة، وسقوط أسطورة الهيمنة الأمريكية، وبروز قبح المشروع الصهيوني، وصمود وشجاعة وبسالة محور المقاومة، الذي حمل فلسطين قضيةً مبدأية، ووقف في وجه الطاغوت الأمريكي، والحقد اليهودي والتوحش الصهيوني، وتسونامي نفط العمالة الخليجي.

تحوّلت انتصارات ترامب الدنكشوتي -التي ظنها كذلك- إلى هزائمَ نكراء مخزية، وتحوّلت حسابات أرباحه إلى خسائرَ مهينة، ودفع وما يزال لقاء عنجهيته وتكبره ثمناً باهضاً، فاتورة مستحقة السداد، حتى أوشكت بنوكُ الهيمنة وأرصدة الاستعلاء على إعلان إفلاسها، أَو كادت، وعادت رسائلُه من عملية اغتيال سليماني والمهندس، بردود صاعقة وإجابات شعبيّة ورسمية وعسكرية مزلزلة، ألقت صفقته المزعومة، صفعة على وجهه، اقتلعت أحلامَه الاستعمارية المستقبلية، ووجودَه المهيمن الراهن، ليس من العراق فحسب، بل من المنطقة العربية بأكملها.

إن الإعلانَ لصفقة القرن مرةً تلو أُخرى، يدلُّ على الفشل الذريع، والعجز الكامل، عن تحقيقها أَو إمْكَانية تحقّقها، كما يدلُّ على الإخفاقات المتلاحقة والهزائم المتوالية للإدارة الأمريكية والرئيس ترامب خَاصَّة، الذي اعتمد استراتيجية صناعة الانتصارات الإعلامية، متحاشياً الوقوعَ في مواجهة عسكرية مباشرة، ليقينه بالهزيمةِ المسبقة، ومثلما سقطت فخرُ الصناعات العسكرية الأمريكية تحت أقدام المجاهدين من أبناء الجيش واللجان الشعبيّة، سقط الجيشُ الذي لا يُقهر، وسقط ترامب، في مستنقعات عجزه وتناقضاته السياسية، وتخليه عن حمايةِ عملائه آل سعود، وعجزه عن حماية نفسه، وحماية منابع النفط التي تتكئ عليها الخزينةُ الأمريكية، بعد إعلانه أن عملاءَه ومصالحَه في السعودية والخليج خطٌّ أحمرُ.

يمكن القول إن مشروعَ الحرب على اليمن، هو مشروع أمريكي صهيوني، تنفذه أدوات خليجية عربية، وإن فشل أمريكا في إخضاع الشعب اليمني، وانتصارات أبناء الجيش واللجان الشعبيّة اليمنية، من ضربات أرامكو إلى عملية نصر من الله، ووُصولاً إلى عملية البيان المرصوص، كانت فاتحةَ الهزائم والانكسارات، التي صُبّت على رأس الأمريكي وحلفائه وعملائه وأدواته، يُضاف إلى ذلك هزيمة وانحسار المشروع الصهيوأمريكي في العراق وسوريا، على يد أبطال الحشد الشعبي المغاوير، وأبطال الجيش العربي السوري الشرفاء، وكذلك إسقاط الجمهورية الإسلامية الإيرانية مشروع الهيمنة الإمبريالية الغربية في المنطقة عامة والعراق خَاصَّة، على المستوى الدبلوماسي والعسكري واللوجستي.

عمد ترامب إلى صنعِ مارد القش الخليجي (سعودي الرأس، بحريني الجذع، إماراتي القدمين)، محاولاً صناعة بعبع على غراره، يخيف به الجوار، ويسلطه لنشر الفوضى والخراب والدمار والموت، على كُـلِّ شعوب المنطقة، وخَاصَّة شعوب محور المقاومة، حيث أصبح مارد القش هذا يتبنى سياسةَ الموت ومشاريع الدمار علناً، من خلال تسخير أموال النفط وثروات شعوب الخليج، في خدمة المشروع الصهيوني أولاً، والمشاريع الاستعمارية الغربية ثانياً.

إن قراءة مستجدات الأوضاع ومتغيراتها في مستوياتها الثلاثة (محلياً وإقليمياً ودولياً)، يرسم بكلِّ وضوح صورة سقوط الإمبريالية، وتهاوي مشاريع الهيمنة والاستبداد في المنطقة العربية، ويرسم في الجانب المقابل صورةَ الحرية ومسيرة النور الإلهي، الذي يزداد توهجاً وتألقاً يوماً بعد يوم، بانتصارات رجال محور المقاومة، واتّحادهم على الوقوف في وجه العدوّ المشترك -أمريكا وإسرائيل- وتبنيهم قضية القدس، قضية مركزية ومبدأً أَسَاساً في معادلة الحرب المصيرية الكبرى والمواجهة الحاسمة.

لا يعدو الإعلانُ عن صفقة القرن للمرة الثالثة، كونه محاولةً للخروج بماء الوجه، من هزيمة ساحقة، أصبحت قدراً لغطرسة الإمبريالية، والتعالي الترامبي، وضجيجاً إعلامياً يوهم بانتصار ترامب، واحتفاظ أمريكا بقوتها وقدرتها على القول والفعل، ومناسبة إعلامية في مهرجان السقوط الإمبريالي الكبير، يطل ترامب في مشهده الأخير، مستعطفاً اللوبي الصهيوني، ومتمنناً على اليهود الصهاينة، ما قدّم لهم، واحتراقه في مذبح مصالحهم؛ من أجل الفوز بفترة رئاسية ثانية، ربما تكون بمثابة الفرصة الأخيرة لترامب، في حال تم منحُه إياها، وهو احتمال ضعيف جداً؛ لأن ترامب وصلَ إلى مرحلة الإفلاس، ولم يعد لديه ما يقدّمه للمشروع الصهيوني، علاوةً على كونه لم يجن من موقعه السيادي في المنطقة غيرَ الخسائر، كما أنه قد احترق سياسياً وعسكرياً وخسر كُـلَّ بيادقه، بعد أن أحرق عملاءَه بيديه، ولم يتبق في جعبته غير مارد القش الخليجي، الذي يجلبه ترامب كدمية الأراجوز، في كُـلِّ مرة يعلن فيها عن صفقة القرن، الأمر الذي يجعلنا نتساءل:

إذا كانت أمريكا هي الدولة العظمى -كما يُقال- ولها الحقُّ المطلق في قول وفعل ما تشاء، فماذا يعني حرصُها على إظهار مارد القش الخليجي في كُـلّ مناسبة خيانية، وماذا يُمثّل حضورُ العاجز عن حماية نفسه، إلى جوار القوة العظمى، التي تزعم حماية العالم؟!

هل الإعلانُ عن صفقة القرن، بحضور ثلاثي العجز والانبطاح الخليجي، سيضفي مشروعية لتلك الصفقة؟!

ماذا يعني خروج أمريكا من معادلة الصراع مع القوى الكبرى، وانغماسها في محاربة الشعوب المستضعفة وجهاً لوجه؟!

من المؤكّـد أن الهيمنةَ الأمريكيةَ تعيش لحظات احتضارها الأخيرة، بعد غرق ترامب في مستنقعاتِ الإجرام، وطوفان البحر المسجور في اليمن، وإعصار سليماني والمهندس في العراق وإيران وسوريا ولبنان، ولا تعدو المسألة كونها مسألةَ وقتٍ لا غير، ليبقى دبُّ القش الخليجي في واجهة المشهد السياسي والعسكري، ولن يتحرّج من إعلان نفسة خليفة القاتل الأمريكي، والراعي للصهيونية من بعده، تُرى هل سيقف الأمرُ عند هذا الحد، أم أن مارد القش سيصدق نكتة قوته وعظمته وجبروته، ويسعى لخوض معركة المصير الأخيرة ضد محور المقاومة بمفرده؟!.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com