قانونيون: يجب إعداد مشروع قانون لحل إشكالات الإيجَارات وإقراره من قبل البرلمان

من جانب قضائي صحيفة المسيرة تستكمل التحقيقَ في قضية الإيجَارات:

تمرُّ البلدُ في وضع استثنائي وظروف صعبة، جعلت الكثيرَ من المواطنين في حالة معاناة دائمة مع مشاكل لا زالت إلى اليوم تسبب صداعاً كبيراً لشريحة واسعة من اليمنيين، منها مشكلة الإيجَارات وارتفاعها وعدم القدرة على دفع الإيجَار.

كيف يرى القانون اليمني هذه المشكلة وظروفها الاستثنائية وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر؟ والأهم من هذا كلِّه، ما هي الحلول الممكنة إن وجدت لمواجهة كُـلِّ حيلة يلجأ إليها مالكو الشقق السكانية؟.

صحيفة المسيرة وفي متابعة واستكمال التحقيق الاستقصائي الذي نشرته الصحيفةُ سابقاً، تضع بين يدي القارئ الكريم الرأي القانوني والقضائي على لسان عدد من القضاة والمحامين اليمنيين، نستعرضه تالياً:

 

المسيرة: محمد الكامل

 

التشريعات القانونية النافذة والظروف الطارئة:

في البداية، تحدّث إلينا نائب رئيس المكتب الفني بوزارة العدل الدكتور القاضي نجيب الهاملي قائلاً: في ظلِّ الظرف الاستثنائي والطارئ الذي نحن فيه، هناك ثلاث مشكلات نواجهُها في موضوع الإيجَارات، هي مشكلة عدم الإخلاء، وعدم القدرة على دفع الإيجَار إلى جانب الزيادة في الإيجَار، وكما هو معروف أن عقودَ الإيجَارات للعقارات هي من العقود الرضائية وعقود المعاوضات، وأن الحقوقَ والالتزامات المتبادلة بين كُـلٍّ من المؤجر والمستأجر، قد نظّمها قانونُ تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر النافذ منذُ عام 2006م، فيما لم يتم الاتّفاق عليه بين طرفي عقد الإيجَار مع وجود بعض النصوص القانونية الملزمة لكلا طرفي عقد الإيجَار التي لا يجوز مخالفتُها؛ لتعلق ذلك بالنظام العام.

وَأَضَــافَ في حديثه لصحيفة المسيرة: “قانوناً، إن تمكينَ المستأجر من حقِّ الانتفاع بالعين المؤجرة مرهون بدفعه لإيجَار العين المستأجرة المتفق عليه، وكما أنه لا أجرة إلّا مقابل منفعة محقّقة ومشروعة، ومع هذا فإن التشريعات والقوانين النافذة قد خوّلت للسلطة الإدارية والجهات القضائية صلاحيات وسلطة وتقرير ما يلزم بخصوص أي نزاع أَو خلاف بين المؤجر والمستأجر، في ضوء ما نص عليه عقد الإيجَار”، وتابع متحدّثاً: وطبقاً للقانون نجد أن التشريعات النافذة قد راعت ما يتعلّق بحالات الظروف الطارئة والظروف القاهرة والأعذار القانونية المؤثرة على الالتزامات التعاقدية، بما فيها ما يتعلّق بعقود إيجَارات العقارات، واجب القانون ضرورة مراعاة ذلك وفقاً للضوابط والإجراءات المحدّدة قانوناً، وخصوصاً في ظلِّ الحربِ العدوانية على بلادنا اليمن الغالي ومن تلك الصلاحيات الآتي:

1- جواز الحدِّ من ارتفاعِ إيجَارات المساكن والعقارات الأُخرى خصوصاً في حالةِ الظروف العامة والخَاصَّة والطارئة من كوارثَ وحروب وغيرها، بما في ذلك الأوضاع الصعبة؛ نتيجةَ انقطاع صرف المرتبات لموظفي الدولة؛ بسبَبِ الحربِ العدوانية على وطننا الغالي، ويكون ذلك بناءً على قرار يصدرُ من مجلسِ الوزراء وفق إجراءات وضوابط قانونية.

2 – إن التشريعات والقوانين النافذة تخول للمحاكم صلاحيات واسعة لتقرير ما يلزم بشأن المنازعات المتعلقة بطلبات الإخلاء، وبشأن ارتفاع أسعار إيجَارات العقارات وطلبات إنهاء عقود الإيجَارات من عدمه وغير ذلك، وحدّد القانونُ ضوابطَ وإجراءات يستلزم على المحاكم مراعاتها وأخذها في الاعتبار في الأحكام التي تصدرها، ومن ذلك الظروفُ الطارئة والقوة القاهرة ومراعاة مبدأ موازنة مصالح طرفي عقد الإيجَار وغير ذلك.

 

الدستور:

وقال الدكتور الهاملي: دعنا نستعرضُ بعضَ القوانين والنصوص التشريعية بشيءٍ من التفصيل للإيضاح:

دستور الجمهورية ينصُّ في المادة (33) على أنه ‘‘تكفل الدولةُ بالتضامن مع المجتمع حمـل الأعباء الناجمة عن الكوارث الطبيعية والمحن العامة’’.

هذا النصُّ الدستوري مهم جِـدًّا، فهو يستوجب على هيئات القضاء الأخذُ في الاعتبار فيما تصدره من أحكام وقرارات قضائية، فإعمالُ هذا المبدأ الدستوري ونصوص القوانين ذات الصلة الكفيلة بتفعيل وتطبيق ذلك لكون جهات وهيئات السلطة القضائية طبقاً للدستور، هي من ضمنِ سلطات الدولة الثلاث المعنية بممارسة السلطة المملوكة للشعب التي يزاولها بطريقة غير مباشرة عبر تلك السلطات، ومنها هيئات القضاء، وهو ما أكّـد عليه نصُّ المادة (4) من دستور الجمهورية اليمنية التي تقول: ‘‘الشعبُ مالك السلطة ومصدرها، ويمارسها بشكلٍ مباشرٍ عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة، كما يزاولها بطريقة غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعن طريق المجالس المحلية المنتخبة’’، كذلك مادة (41) من نفس الدستور تقول: ‘‘المواطنون جميعُهم متســاوون في الحقوق والواجبــات العامة’’.

 

العلاقة بين المؤجر والمستأجر:

وتحدّث نائبُ رئيس المكتب الفني بوزارة العدل الدكتور نجيب الهاملي بالقول: نأتي إلى قانونِ تنظيم العلاقة بين المؤجر المستأجر رقم (22) لسنة 2006م النافذ على التالي: حيثُ ينصُّ القانون على العقوبات الجنائية المقرّرة على المؤجر في الحالات الآتية:

مادة (102) ‘‘يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر أَو بغرامة لا تتجاوز مِئة ألف ريال، كُـلُّ مؤجر قام بعمل يقصد به مضايقةَ المستأجر والضغط عليه لإخلاء العين خلال مدة الإيجَار أَو زيادة الإيجَار المحدّد في العقد’’.

مادة (101) ‘‘يعاقب كُـلُّ مؤجر خالف أحكام المادة (24) من هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر أَو بغرامة لا تزيد عن خمسين ألف ريال’’.

وَأَضَــافَ الدكتورُ نجيب قَائلاً: كما ينصُّ القانون على الآتي:

مادة (86) ‘‘إذا اشترط المؤجرُ على المستأجر أن يكون له الحقُّ في إنهاء العقد في أي وقت قبل انقضاء العقد، بطل الشرطُ ولا يؤثر هذا البطلان على صحة العقد، ويصح أن يشترط المستأجرُ أن يكون له الحقُّ في إنهاء العقد في أي وقت، ويجوز لأحد المتعاقدين أن يطلب إنهاءَ العقد قبل انقضاء مدته لعذر طارئ، ويخضع ذلك العذر لتقدير المحكمة مع الحكم بتعويض مناسب عن الضرر الذي لحق بالمتعاقد الآخر’’.

مادة (38) ‘‘يضمن المؤجرُ كُـلَّ الأضرار التي تلحق بحقوق المستأجر أَو أي تعرض لها إذَا ثبت أن ذلك حدث؛ بسبَبٍ يرجع إلى المؤجر’’.

وأشَارَ متحدّثاً: “وتنصُّ المادة (2) من القانون على الوزارة والوزير المعني بإنقاذه أي (قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر المستأجر)، وذلك على النحو التالي: الـوزارةُ هي وزارةُ الأشغال العامة والطرق، بينما الوزير هو وزير الأشغال العامة والطرق”.

وَأَضَــافَ: وينصُّ القانونُ أَيْـضاً في مادته رقم (8) على أن ‘‘تقوم المحكمةُ بتكليف طرفي الإيجَار باختيار عدلين خبيرين لتقدير إيجَارات العقارات التي يطلب المؤجرون والمستأجرون معاً تقديرَ إيجَاراتها أَو التي يحدث بشأنها نزاع بينهم في عقد إيجَار غير معلوم الأجرة، وكان المستأجر قد مكن من الانتفاع بالعين المؤجرة’’.

بينما تؤكّـد مادة (14) ‘‘لا يجوز للمؤجر حرمانُ المستأجر من أي حق من حقوقه المتفق عليها في العقد، أَو منعه من أية ميزة كان ينتفع بها، ويجوز للمحكمة أن تأذن للمستأجر بإعادة الحق أَو الميزة على حساب المؤجر خصماً من الأجرة المستحقة بعد إنذاره بإعادة الحق أَو الميزة في وقت مناسب، ويلزم المؤجر بتعويض من أصابه الضرر’’.

أما المادة (24) تنصُّ على أنه ‘‘تعتبر الأجرة هي المتراضى عليها بين المؤجر والمستأجر عند العقد، وما يؤخذ باسم المفتاح باطل، وتحكم المحكمةُ بإرجاعه لمستحقه، فإن رفضَه صُودر إلى البنك لصالح الخزينة العامة’’.

وقال نائب رئيس المكتب الفني بوزارة العدل الدكتور نجيب الهاملي: نأتي إلى القانون المدني النافذ الذي نصَّ على التالي:

المادة(211) ‘‘العقد ملزم للمتعاقدين فلا يجوز نقضُه ولا تعديلُه إلّا باتّفاق الطرفين أَو للأسباب التي يقرّرها القانون الشرعي، ومع ذلك إذَا طرأت حوادثُ استثنائية كالحروب والكوارث لم تكن متوقعة وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وأن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين، بحيث يهدّده بخسارة فادحة لا يستطيع معها المضي في العقد، ولا يعني ذلك ارتفاع الأسعار وانخفاضها، جاز للقاضي تبعاً للظروف من فقر أَو غنى وغير ذلك، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول’’.

مختتماً كلامَه بقوله: هذا النصُّ القانونيُّ في الفقرة الثانية وما يليها في المادةِ المذكورة، يُعتبر نصاً قانونياً مهماً جِـدًّا وهو من ضرورات الحكم القضائي العادل، في ظلِّ وجود القوة القاهرة الاستثنائية العامة الطارئة، ويستلزم العملُ بموجبه وتطبيقه التطبيق السليم فيما يتعلق المنازعات الإيجَارات العقارية وغيرها من المنازعات القضائية الأُخرى.

 

الحلُّ من جانب تشريعي:

في ذاتِ السياق، القاضي عثمان الزبيدي يقول: علينا أن نفهمَ أولاً أن القواعدَ القانونية تخضع للتدرج التشريعي، بمعنى أن التشريعات الدولية والوطنية المختلفة ليست من درجة واحدة أَو مرتبة واحدة أَو نوع واحد، وإنما هي تتدرج من حيث قوتها وإلزاميتها، فيوجد في القمة التشريع الأَسَاسي وهو الدستور، ويليه في الدرجة التشريع العادي (القانون)، ثم يأتي بعد ذلك التشريع الفرعي (اللائحة) في الدرجة الدنيا.

وَأَضَــافَ: كما أن التشريعَ بمدلوله العام في المجتمع هو مجموعة نصوص وقواعد عامة ولكنها ليست ذات قوة قانونية واحدة، فقوة القواعد القانونية تُستمدًّ من قيمة الموضوع الذي تتناوله القواعد القانونية، فالقواعد الدستورية أعلى شأناً ودرجة من قواعد القانون، وقواعد القانون بدورها أعلى درجة من قواعد اللائحة، كما يرجع الاختلافُ في قوة وقيمة القواعد القانونية إلى معيار شكلي، فقواعدُ النظام القانوني تُشكّل بمجموعها هرماً قاعدته اللائحة الإدارية ووسطه القانون الذي يصدر عن البرلمان وقمة الهرم الدستور.

وأتبع حديثه لصحيفة المسيرة: ‘‘كما يرجع الاختلافُ في درجات التشريعات المختلفة إلى طبيعةِ الجهة التي تصدر التشريعَ، فالدستورُ يصدرُ عن الشعب مباشرةً بعد الاستفتاء عليه، في حين تصدر القوانينُ عن السلطة التشريعية المختصة التي تضم نواب الشعب الذين أنابهم الشعبُ للقيام بوظيفة التشريع، أما التشريع الفرعي (اللائحة) فالجهة التي تصدره هي السلطة التنفيذية’’، مضيفاً: ويشمل التشريعُ الفرعي القرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية؛ بغرَضِ تنفيذ وتطبيق التشريعات الأصلية (القوانين)، كما يكون الغرض من إصدار التشريعات الفرعية تنظيم وترتيب المصالح العامة.

وأشَارَ قَائلاً: وقد نظّم المشرعُ اليمنيُّ العلاقةَ بين المؤجر والمستأجر بالقانون رقم ٢٢ لسنة ٢٠٠٦، وبيّن حقوق وواجبات الطرفين.

وأوضح متحدّثاً: ‘‘وبالنسبةِ للقواعد القانونية، فمن صفاتها أن تكون عامةً ومجردةً، فيوجه الخطابُ للأشخاص بصفاتهم لا بأعينهم، فلا توضع لواقعة بعينها، وإنما على كُـلِّ واقعةٍ تتكرّر إذَا توافرت شروطُ تطبيقها’’.

وأكّـد القاضي الزبيدي بقوله: ومما لا يخفى أن الأوضاعَ المجتمعية تغيّرت؛ نتيجةً للعدوانِ وما ترتب عليه من انقطاع للمرتبات وحركات النزوح وما نتج عنه من أزمات للسكن ومحاولة بعض المؤجرين استغلالَ حاجة الناس للسكن والمأوى، وغياب الوازع الديني والأخلاقي عند بعض المؤجرين والملاك، إلى جانبِ عدمِ مراعاة الوضع الاستثنائي الذي يعيشه المواطنُ؛ نتيجةً للعدوان على الوطن، فكان القرارُ أَو التعميم إجراءً تتخذه السلطة التنفيذية مراعاةً لمصالح الناس ومنعاً لاستغلال من يحاول استغلال ظرف أَو وضع معين لكنه ليس بدرجة القانون.

واختتم حديثه: “وَإذَا ما أردنا أن نسنَّ قانوناً أَو إضافةَ مادة للقانون تحتوي على أحكام انتقالية مؤقتة، وبالعودة إلى مبدأ تدرج التشريعات لا يجوز تعديلُ أيِّ تشريع إلّا من الجهة التي أصدرته وبالطريقة ذاتها التي صدر بها التشريع، بمعنى أن يعدل القانون أَو يسن قانون من قبل البرلمان يعمل على تنظيمِ وترتيبِ الحالات والوقائع التي أسلفت بعد عرض من السلطة التنفيذية، وهذا هو الحلُّ من الجانب التشريعي”.

 

مشروع قانون يعالج المشكلة بشكل جذري:

من جانبه، المحامي والمستشار القانوني محمد الهناهي تحدّث قَائلاً: لقد حدّد دستورُ الجمهورية اليمنية الآليةَ التي يتم من خلالها سنُّ القوانين، حيثُ يتم اقتراحُ مشاريع القوانين، إما من قبل الحكومة بأن تتقدّمَ بمشروع قانون معين ومن ثم يعرض على البرلمان (برلمان الجمهورية اليمنية)، أَو بأن يتقدم أحدُ أعضاء البرلمان بمقترح لسن قانون معين أَو تعديله، وذلك وفقاً للآلية التي فصلتها المادة (85) من دستور الجمهورية اليمنية’’.

وَأَضَــافَ في حديثه لصحيفة المسيرة: ومن خلالِ ما سبق يتضح أن التعميمات أَو المنشورات التي تصدرُ عن رئاسة الجمهورية أَو عن محافظي المحافظات أَو غيرهم، ليست ملزمةً ولا يمكن الاحتجاجُ بها أمام القضاء، إذ أن القاضي مقيّدٌ بأحكام القانون، وبالتالي فإن تلك التعاميم والمنشورات غيرُ ملزمة من الناحية القانونية’’.

وبيّن قَائلاً: ويمكن أن تقوم رئاسة الجمهورية أَو رئاسة الحكومة بإعداد مشروع قانون لمعالجة تلك الإشكالات وعرضه على البرلمان لإقراره، هذا إذَا كانت هناك رغبة حقيقية للتخفيف عن المواطنين وبما يضمن حقوق جميع الأطراف في العلاقة الإيجَارية’’.

ووضّح بقوله: قد يفهم البعضُ قولنا “مشروع قانون” بأنه لا بُدَّ من صدور قانون جديد يعدّل قانون العلاقة بين المؤجر والمستأجر، بينما القانوني يمكن أن يكون عبارة عن تعديل مادة في قانون، أَو إضافة مادة تحتوي على أحكامٍ انتقالية مؤقتة، وبهذا فإنه يمكن حَــلًّ إشكالية المعاناة التي تعاني منها شريحة كبيرة من المواطنين المستأجرين، ونقصد بهم هنا موظفي القطاع العام في الجهات التي تم إيقافُ مرتباتها، لما يزيد عن ثلاث سنوات حتى الآن.

 

إحلال المشروعية الاستثنائية:

وأشَارَ المحامي المستشار القانوني الأُستاذ محمد الهناهي متحدّثاً: يقول الحقُّ تبارك وتعالى في محكم كتابه من سورة الأنعام: (… إلّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ، وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ).

موضحاً بقوله: ومن هذه الآيةِ الكريمة استنبط علماءُ الشريعة القاعدةَ الفقهيةَ الشهيرة (الضرورات تبيح المحظورات)، مضيفاً: ولعلَّ هذا خيرُ قياس يُستند عليه للتأصيل الفقهي لنظرية الظروف الاستثنائية أَو ما يطلق عليها عند البعض (الظروف الطارئة)، والتي نعني بها أن بعضَ الأعمال أَو التصرفات الإدارية والمعتبرة غيرُ مشروعة في الظروف العادية، وتكون مشروعةً في ظل الظروف الاستثنائية، إذَا ما ثبت لزومُها لمواجهة هذه الظروف للمحافظة بالتالي على النظام العام، أَو سلامة الدولة والمجتمع، أَو سير المرافق العامة بانتظام واطّراد.

واتبع حديثه: ‘‘وتتلخص هذه النظريةُ في إحلالِ المشروعية الاستثنائية مكانَ المشروعية العادية، إذ تقوم هذه النظريةُ على السماحِ للإدارة بالتدخل في ميادين مختلفة، وذلك بإضفاء صفة المشروعية على بعض القرارات الإدارية غير المشروعة، وهي مشروعيةٌ خَاصَّةٌ استثنائية تحلُّ مكانَ المشروعية العادية’’.

وأكمل قَائلاً: وتبيان هذا أنه قد يحدث أحياناً ظروف استثنائية طارئة، من كوارث أَو أزمات لا يُسمح في ظلِّها باحترام القواعد العادية المقرّرة في ظل السير الطبيعي للأمور، أَو أن تكون هذه القواعدُ عاجزةً عن مواجهة هذه الظروف مما يتطلب ومن قبيل الواجب؛ مِن أجلِ حمايةِ الدولة ومصالحها ومقدراتها أن تتحرّر الإدارة من القواعد العادية لتأمين سير المرافق العامة والمحافظة على النظام العام، وتحل محلها مشروعية استثنائية خَاصَّة بحيث تتسع سلطاتُ وصلاحياتُ الإدارة -استثناء- بصورة غير منصوص عليها في القانون، مما يؤدي إلى تعطيلِ وإيقاف سلطة القواعد القانونية العادية في مواجهة الإدارة.

واستطرد متحدّثاً: وفي القانونِ اليمنيِّ نجدُ أن المشرعَ اليمني قد عالج الظروفَ الاستثنائية في نص المادة (211) من القانون المدني النافذ والتي نصّت على: (العقد ملزم للمتعاقدين فلا يجوز نقضُه ولا تعديلُه إلّا باتّفاق الطرفين، أَو للأسباب التي يقرّرها القانونُ الشرعي، ومع ذلك إذَا طرأت حوادثُ استثنائية عامة كالحروب والكوارث لم تكن متوقعة، وترتب على حدوثها أن تنفيذَ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة لا يستطيع معها المضي في العقد، ولا يعني ذلك ارتفاع الأسعار وانخفاضها، جاز للقاضي تبعاً للظروف من فقر أَو غنى وغير ذلك، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول).

وبيّن حديثه: ‘‘ومن خلالِ استقراء المادة القانونية آنفة الذكر، يتضح جلياً أن القانونَ قد عالج بعضَ الإشكالات التي تحدث في حال وجود ظروف استثنائية، وبالتالي فإنه يمكن إعمالُ أحكام المادة القانونية آنفة الذكر فيما يتعلق بالعلاقة بين المؤجر والمستأجر في المناطق التي تضرّرت من الحرب، وتقديرُ مثل هذه الأمر متروك للقضاء’’، مضيفاً: ‘‘إلّا أن صدورَ تشريع قانوني يعالج الإشكالات المستفحلة وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بموضوع الإيجَارات؛ كونه يمسُّ شريحةً كبيرةً من الناس، سوف يكون له أثرٌ كبيرٌ وملموس في أوساط مختلف فئات الشعب اليمني’’.

واختتم المحامي محمد الهناهي كلامَه قَائلاً: نحنُ في الحقيقة لا نعلم لماذا لم يتم إصدار أَو تعديل قانون إلى الآن!، لكن اعتقد أن هناك قصوراً في الفهم القانوني لدى الدوائر المحيطة بمركز القرار في الدولة (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء)، وهذا القصورُ انعكس على أدائها في هذا الجانب.

وَأَضَــافَ متحدّثاً: والمشكلةُ أن الوضعَ الاقتصادي في الجمهورية اليمنية معقد إلى حدٍّ كبير، خصوصاً وأن 80% من اقتصاد الجمهورية اليمنية كان قائماً على العائدات من تصدير النفط والغاز، وهذه المصادرُ توقفت؛ بسبَبِ العدوان على الجمهورية اليمنية.

مبيناً في كلامه: ‘‘إذَا نحن أمام مشاكل اقتصادية مركبة هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنه بالقدر الذي نسعى إلى حماية المستأجر، يجب أن نسعى بذات المقدار لحماية حقوق المؤجر، خَاصَّةً في الحالةِ التي يكون عائدُ الإيجَار هو المصدر الوحيد للدخل لمالك العقار’’.

وأكّـد قَائلاً: الأمرُ بحاجةٍ إلى دارسة اقتصادية واجتماعية وقانونية متعمقة تكفل حَــلَّ الإشكال بشكل جذري، دون أن يكون الحلُّ لمصلحة فئة على حساب فئة أُخرى.

هذا وكانت صحيفةُ المسيرة قد أجرت تتبعاً استقصائياً منتصفَ الشهر الماضي، التقت خلاله بالعديد من المستأجرين وأصحاب القضايا.

وتحدّث للصحيفة مسؤولون بأمانة العاصمة، أوضحوا الإجراءات المتخذة ضد المخالفين للتعميمات، في حين عبّر عددٌ من المستأجرين عن أمانيهم بتنفيذ جدي للتعميمات الموجهة بعدم رفع الإيجَارات، كما دعوا الجهاتِ المختصة إلى متابعة تنفيذ التعميم واتّخاذ الإجراءات اللازمة وتحمل المسؤولية في حماية المستأجر من التعسف الكبير الذي أبداه المؤجرون.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com