عشوائية القصف وتقنين عملية الرد!

 

الشيخ عبدالمنان السُّنبلي

لا شكَّ أن أكثرَ من أربع سنواتٍ ونصف سنة من العدوان، تعُتبر كافيةً لأيِّ باحثٍ أَو متابعٍ أن يرسم الملامح العامة والعريضة لما تمخضت عنه عاصفة بني سعود وضعف حزمهم حتى الآن، وما ستؤول إليه من نتائجَ في نهاية أمرها.

فمن خلال الاستراتيجية العامة وحُزم التكتيكات الآنية ألتي اتبعها طرفا المعادلة، يتضح أن هنالك مدرستين عسكريتين، الأولى (مُقلِّدة) أَو بالأحرى (متشبهة) بمدرسة عسكرية من نوعٍ ما، والثانية تكاد تكون فريدةً من نوعها ولا يوجد لها مثيلٌ في عالم الحروب.

في الحقيقةِ لقد اعتمد السعوديون في استراتيجيتهم لإدارة العاصفة على المدرسة الأمريكية أَو الغربية بشكل عام، محاولين استنساخَها وتقليدَها حتى على مستوى إطلاق الأسماء والصفات على المهام القتالية والعملياتية (عاصفة الحزم، السهم الذهبي، السيل الجرّار…) وَغيرها من المسميات المستوحاة من العقلية الأمريكية وطريقة تفكيرها.

كما أن من خصائص المدرسة الأمريكية هو عدم خوض الحروب مع أيِّ طرفٍ مهما كان حجمه أَو ضعفه بشكلٍ منفرد، وإنما في إطار تحالفاتٍ يضم عدة دول مشاركة ولو حتى بشكلٍ رمزي، وهذا بالطبع ما فعله السعوديون، حيث أنهم لم يذهبوا إلى عدوانهم منفردين، وإنما في إطار تحالفٍ ضم أكثر من عشر دولٍ مشاركةٍ بشكل مباشر، وأخرياتٍ بتقديم الدعم اللوجستي والمعنوي.

وَمن خصائصها أَيْـضاً الاعتماد على الضربة الأولى المباغتة والمفاجئة بشكل هائل وواسع لإرباك الخصم وشل قدراته، وهذا بالضبط ما قام به السعوديون في ليلة 26 مارس 2015م.

كما أن من خصائص هذه المدرسة كذلك، هو عدم التقيّد بضوابط أخلاقية أَو محدّدات قيَمية توجّـه خط سير الحرب، فترى المنتمين أَو المقلدين لها يعتمدون في حروبِهم على سياسة الأرض المحروقة، واستخدام الأسلحة الفتاكة والكثافة النارية العالية وأساليب الترهيب والترويع واستهداف المدنيين والأبرياء، وممارسة سياسة التعتيم الإعلامي على ما يرتكبونه من جرائمَ ضد الإنسانية، وكذلك التعتيم على ما يتكبّــدونه من خسائرَ، من خلال إخفاء معظمها والتقليل من شأنها، وكذلك الاستعانة بضعفاء النفوس من مواطني الدولة الخصم وتوظيفهم لصالح حربهم تحت عناوين ساحرة وجذابة، كالتحرّر والديمقراطية ونصرة المظلومين وإعادة الشرعية والكثير من العناوين الأخّاذة، بالإضافة إلى تقديم الرشا وشراء الذمم والمواقف الدولية والمنظمات المدنية والحقوقية.

في المقابل فقد اعتمد اليمنيون في استراتيجيتهم لمواجهة العدوان، رغم شحة الموارد والإمْكَانات لديهم، على مدرسةٍ يمنيةٍ فريدةٍ من نوعها، وذلك من خلال اتباع استراتيجية النَفَس الطويل والأناة وعدم الاستعجال في ردة الفعل المتشنجة والمتسرعة، بالإضافة إلى التسلح بالصبرِ والثبات والتحلي بالشجاعة والإرادة، وكذلك انتقاء الأهداف العسكرية بعناية فائقة وحسن اختيار السلاح المناسب في الزمان والمكان المناسبَين وترشيد استخدامه، وكذلك التركيز على الجوانب الإِيْمَانية والعقائدية، من خلال الاتكال والاعتماد على الله والتقيد بمنظومة قيم عسكرية وأخلاقية عالية، فتراهم يكرمون الأسيرَ ولا يتعرّضون لمن يفرُّ من جنود العدوّ، وحتى على مستوى علم وراية دولة الخصم، فلا يهينونه أَو يمزقونه أَو يلقونه جانباً عندما يستبدلونه بالعلم اليمني في المناطق التي يستولون عليها بعد فرار وانكسار جيش العدوّ، والشواهدُ من ذلك كثيرة وماثلة للعيان.

من هنا يتبين حجمُ الفرق بين مَنْ يمتلك من القدرات والإمْكَانات العسكرية واللوجستية ما لم يمتلكه أحد في المنطقة من قبل، إلّا أنه يفتقر إلى الرؤية الواضحة الوسيلة والمعالم والأهداف، وبين من يعاني نقصاً حاداً في الموارد والعتاد، إلّا أنه يمتلك مخزوناً من الإرادة والمبادئ والقيم والشجاعة والبطولة يفوق مخزونَ عدوِّه من النفط والغاز، نابعاً من عدالة قضيته وحقه في الدفاع عن أرضه وشعبه، فلا يستويان!!.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com