ترامب يعلن “صفقته”: القدس كلّها لإسرائيل وللفلسطينيين “فرص عمل”

“عبد السلام” يدين الصفقة و”الحوثي” يدعو لتظاهرات يمنية غاضبة

في خطاب غلب عليه طابع “الدعاية الانتخابية” بحضور سفراء عمان والإمارات والبحرين

المسيرة | تغطية خاصة

وسط استنفار فلسطيني غير مسبوق لمواجهتها وإسقاطها، أعلن الرئيسُ الأمريكي دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، عن بنودِ صفقته لتصفية القضية الفلسطينية، أو ما بات يعرف بـ”صفقة القرن” والتي هندسها صهره، جاريد كوشنر، بتعاون وتواطؤ من وليِّ العهد السعودي محمد بن سلمان وأمراء الخليج، الصفقةُ التي أكدت جميعُ القوى الفلسطينية رفضَها، واصفة كلَّ من يقبل بها عربيا أو فلسطينا بأنه “خائن” لقضية الأمة و”عدو” للشعب الفلسطيني، وهي أوصاف يمكن تطبيقُها على معظم أنظمة المنطقة، التي آثرت الصمتَ، قبيل إعلان الصفقة، باستثناء الجمهورية اليمنية التي دعت المنطقةَ بأكملِها إلى رفض الصفقة قبل وبعد إعلانها، ودعت أبناءَ الشعب اليمني إلى الخروجِ الحاشد يوم الجمعة القادم؛ تأكيداً على ذلك الموقف المبدأي.

ما أعلنه ترامب، خلال خطابه، أمس، لم يختلف في مجمله عن البنود المسربة خلال الفترة الماضية، برغم من أنه ادّعى أن هذه “الخطة” تختلف تماما عن المقترحات السابقة، لكن لم يكن هناك أيُّ اختلاف، سوى كمية التصفيق المبالغ فيه الذي كان يناله بين كلِّ فقرة وأخرى.

أعلن ترامب أن صفقتَه تنصُّ على أن تكون القدسُ عاصمةً “غير مجزأة” للكيان الصهيوني، وأنها ستضع حدًّا لأنشطة حماس والجهاد الإسلامي، مؤكدا أن الولاياتِ المتحدة لن تطالب “إسرائيل” بالتنازل عن أمنها، مشيرا أيضا إلى “فرص عمل” واستثمار تنتظر الفلسطينيين في “الجزء المخصص لهم”، وهو ما يتفق مع التسريبات التي تحدّثت عن 50 مليار دولار سيتكفل بها بن سلمان وأمراء الخليج.

وبخصوص الأماكن المقدسة في فلسطين، أشار ترامب إلى أنها ستكون تحت رعاية الملك الأردني، وأنها ستكون مفتوحةً للصلاة للمسلمين لكن تحت السيادة الإسرائيلية.

بقية الكلام كان عبارةً عن رسائل إنشائية أثبتت أن ترامب ونتنياهو أقدما على هذه الخطوة؛ بهدَفِ “الدعاية” لنفسيهما في الانتخابات.

لم ينسَ ترامب، ولا نتنياهو أيضا، أن يشكرا “عمان والإمارات والبحرين” على مشاركتها في هذه الصفقة، وإرسال سفرائها إلى ذلك “الاحتفال”، وهو ما يؤكد مجددا الدورَ الخليجي البارز في الصفقة، والمتمثّل بالتمويل.

في المحصلة، كان الإعلانُ متسقا مع ما تم تسريبه على مدى الفترة الماضية، على أنه بدا وبوضوح أن جانبَ “الدعاية الانتخابية” هو الغالبُ على الصفقة.

 

موقف فلسطيني موحد: صفقة ترامب لن تمر:

على الصعيدِ الفلسطيني، تصاعد الاستنفارُ الشعبيُّ بشكل كبير بالتزامن مع إعلان صفقة ترامب، حيث انطلقت تظاهراتٌ حاشدةٌ وغاضبة في العديد من مناطق قطاع غزة، فيما توعدت قوى المقاومة بتفعيل أدوات الرد وتوحيد الجهود والمواقف لمواجهة وإسقاط الصفقة، كما اندلعت مواجهاتٌ متفرقة بين الفلسطينيين الغاضبين وقوات الاحتلال الصهيوني في عدة مناطق، في إطار ذلك الاستنفارِ الذي يتوقع أن يستمرَّ بالتزايد، مع استمرار الدعوات للتظاهر والتصعيد ضد الاحتلال في مختلف المناطق.

مصادرُ فلسطينية أفادت بأن تظاهراتٍ حاشدة انطلقت، منذُ صباح أمس، في عددٍ من مناطق ومدن قطاع غزة، حيث خرج الآلافُ من الفلسطينيين الغاضبين للتعبير عن رفضهم لصفقة ترامب، وإسقاطها.

وشارك في تلك التظاهرات قياداتٌ في قوى المقاومة، حيث قال عضوُ المكتب السياسية لحركة المقاومة الإسلامية حماس، خليل الحية خلال كلمة ألقاها أمام المتظاهرين: إن “صفقةَ القرن لن تمرَّ ما دام فينا عرق ينبض، ومجاهد يقاتل، وثائر يدافع عن فلسطين والقدس واللاجئين”، مشيرا إلى أن ترامب “يظن أنه يستطيعُ في غفلة من التاريخ أن يمرّرَ صفقةً تنهي القضية الفلسطينية، وأن يمرّر إجراءات يمكن من خلالها شطب حق العودة أو التهام الأرض”.

وأكد الحية ضرورةَ أن يجتمع قادةُ الفصائل للاتفاق على استراتيجية واحدة، عنوانُها إسقاطُ صفقة القرن، وأن الوحدةَ الفلسطينية هي أول مسمار في نعش إسقاط الصفقة.

وأضاف: “الاحتلالُ يلعب بالنار، وكلما اقترب من القدس وحق العودة وأرضنا، اقتربت نهايته”، مشددًا على أن حماسَ ستبقى على طريق مقاومة الاحتلال بكلِّ الأشكال.

وطالب الحية جميعَ الدول العربية بإعلان واضح لرفض صفقة القرن، مبيّنًا أنه لا يوجد في فلسطين من يوافق على الصفقة.

من جهته، أكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بدران، في بيان، رفضَ الحركة لصفقة ترامب، مشيرا إلى أن الفلسطينيين اليوم يمرون بلحظة تاريخية في محاولة تقودها الإدارةُ الأمريكيةُ لتصفية قضيتهم وشطب حقوقهم على أرضِهم، داعيا الشعبَ الفلسطينيَّ إلى المشاركة الفعالة في كافة المسيرات والفعاليات الغاضبة لمواجهة الصفقة، وترك الخلافات الداخلية جانبا.

كما دعا بدران الدولَ العربية والإسلامية لإعلان موقف واضح وصريح برفض الصفقة والبدء بحراك دبلوماسي عالمي، عنوانُه “الدولة الفلسطينية” كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

إلى ذلك، قالت القيادةُ العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: إن “كلَّ من يوافق على الصفقة هو خائن سواءٌ أكان فلسطينيا أم عربيا”، فيما نقلت قناة الميادين عن القيادي في “فتح” أبو جود النحال قوله: إن “الوحدة الفلسطينية يمكنها إسقاطُ الصفقة”، مضيفا أنه “لا يمكن لأي زعيم عربي أن يبارك صفقة يرفضها الفلسطينيون”.

وفي بيان لها، أكدت هيئةُ علماء فلسطين، أن صفقةَ ترامب تهدفُ إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأن “واجب العلماء والدعاة التحرك لفضح إجرام الاحتلال وتحريك الأمة الإسلامية”.

ونقلت قناة الميادين عن القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش قوله: “سنخرجُ بمئات الآلاف في الشوارع رفضاً لصفقة ترامب”، داعيا إلى “تظاهرات حاشدة تحاصر السفارات الأميركية وإلى سحب الاعتراف بإسرائيل”.

كما أكد البطش أن “من يقبل بصفقة القرن ومن يريد أن يكون في خندق أميركا فهو عدو للشعب الفلسطيني وقضيته”.

وبالتوازي مع ذلك، عقدت القيادةُ الفلسطينيةُ الرسميةُ، اجتماعا موسعا ضم مختلف فصائل وقوى المقاومة، لمناقشة صفقة ترامب.

وحول ذلك، نقلت قناةُ الميادين عن مصادر مطلعة، أن من بين القرارات التي نوقشت خلال الاجتماع، تصعيد المقاومة الشعبية وَ”تحصيل رفض عربي للصفقة وتعزيز الصمود في مواجهتها”.

وأضافت المصادرُ أن من بين تلك القرارات أيضا، “مقاطعة الإدارة الأمريكية”، مشيرة إلى أن “السقفَ مفتوحٌ وعالٍ في مواجهة صفقة ترامب”، وهو ما يحمل تلميحا إلى الجانب العسكري أيضا.

ولاحقا، أجرى رئيسُ المكتب السياسي لحركة حماس، أسماعيل هنية، اتصالا هاتفيا بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، حيث أكد هنية أن الجميعَ اليوم “في خندق مشترك للحفاظ على القضية الفلسطينية والحقوق الكاملة”، مشددا على “أهمية الوحدة الوطنية وجاهزية الحركة للعمل المشترك سياسياً وميدانياً”.

وأضاف هنية، أن أيَّ مشروع يتجاوز حقوقَ الشعب الفلسطيني الثابتة والواضحة لا مستقبلَ له على الاطلاق.

 

مواجهات مع قوات الاحتلال:

الاستنفارُ الفلسطينيُّ انعكس أيضا على الشارع بشكلٍ آخرَ، حيث أفادت مصادر فلسطينية، بأن قواتِ الاحتلال نشرت كتبتين من قواتها الخاصة والمظلية في الضفة الغربية، وذلك فيما اندلعت مواجهاتٌ بين الفلسطينيين الغاضبين وقوات الاحتلال في بلدة الرام شرق القدس، كما قام الاحتلالُ بإغلاق حاجز “جت” الذي يفصل شمالَ الضفة عن وسطها.

وأوضحت المصادرُ أن قواتِ الاحتلال اقتحمت أيضا، قرية مادما جنوب نابلس، وخاضت مواجهات مع الفلسطينيين في كفر قدوم.

وفي غزة، اندلعت مواجهاتٌ بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال على الحدود الشرقية للقطاع، وأبلغت المصادرُ عن إصابة شابين فلسطينيين في منطقتي البريج وبيت حانون.

 

اليمن يرفض الصفقةَ ويدعو لتظاهرات غضب:

أما على المستوى الإقليمي، وبالرغمِ من مطالبات القوى الفلسطينية للدول العربية والإسلامية بإعلان موقف واضح من صفقة ترامب، إلا أن تلك المطالبات قُوبلت بصمتٍ كسرته الجمهوريةُ اليمنيةُ، حيث كانت سلطةُ المجلس السياسي الأعلى هي الوحيدة التي دعت إلى رفضِ الصفقة من قبل إعلانها.

وقال عضوُ المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي: “ندعو الأنظمةَ العربية والإسلامية إلى إعلان رفض خطة ترامب قبل إعلانها وبعده”، داعيا الشعبَ اليمنيَّ إلى جعل يوم الجمعة القادم، يوم رفض لصفقة ترامب بالمسيرات والوقفات.

كما دعا الحوثي جماهيرَ الشعوب العربية والإسلامية، إلى “الخروج الجماهيري لرفض خطة ترامب التآمرية والمرفوضة شكلا ومضمونا”.

وإلى جانبِ الحوثي، أكد مسؤولُ الملف الفلسطيني في أنصار الله حسن الحمران، خلال حديث لقناة الميادين، أن صفقةَ ترامب “مؤامرة كبيرة جداً تستهدف كلَّ مقدساتنا”.

بخلاف ذلك، لم تصدر أيُّ دعوات أو تصريحات رسمية عن أية دولة أخرى في المنطقة بخصوص الصفقة قبل إعلانها، الأمر الذي يأتي في الحقيقة؛ نتيجةَ اشتراك وتواطؤ معظم دول المنطقة وخاصةً دولَ الخليج في الصفقة.

وكان عضوُ المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كايد الغول، قد تحدّث عن ذلك، في حديث له مع قناة الميادين، أمس، جاء فيه “لا نثق بأن موقفا عربيا جديا سيصدر في وجه صفقة القرن”.

 

عبد السلام: صفقة ترامب عدوان على فلسطين والأمة:

من جهته، قال الناطقُ الرسميُّ لأنصار الله، ورئيس الوفد الوطني المفاوض، تعليقا على إعلان ترامب: إن “صفقةَ ترمب عدوانٌ أمريكي سافر على فلسطين والأمة، وهي صفقة ممولة سعوديا وإماراتيا لتكريس الاحتلال الإسرائيلي واجتثاث القضية الفلسطينية”.

ودعا عبد السلام “شعوبَ المنطقة إلى أن تتحمّلَ مسؤولية التصدي لهذا الخطر ومواجهته بكلِّ الوسائل الممكنة والمتاحة والمشروعة”.

 

نشطاء التواصل يستنكرون التواطؤ العربي ويدعون لتظاهرات كبرى:

في الوقت الذي كان الصمتُ الرسميُّ يسود أجواءَ المنطقة بانتظار إعلان الصفقة، كانت الجماهيرُ العربية الحرة تعبّر عن موقفها الرافض للصفقة على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن موجة مكثفة من المنشورات والتغريدات الغاضبة والمتضامنة مع الشعب الفلسطيني، والمؤكدة على بطلان صفقة ترامب.

وحضر ذكرُ الأنظمة العربية، وعلى رأسها أنظمةُ الخليج، ضمن ذلك التفاعل الجماهيري، ولكن في معرض الاستنكار للصمت المخزي الذي يعبر عن تواطؤ واضح مع كيان العدو، حيث ذكّر نشطاءُ مواقع التواصل، بالخطوات التطبيعية التي تمارسها الدولُ الخليجية مع “تل أبيب” وتصريحات ولي العهد السعودي حول “حق اليهود في أرض فلسطين”.

كما استنكروا بشدة، مشاركةَ عمان والبحرين والإمارات في الصفقة وإرسال سفرائها إلى واشنطن للمشاركة في “حفل” إعلانها.

ودعا النشطاء ضمن حملتهم، لخروجٍ شعبي عارم في مختلف بلدان المنطقة للتصدي لمخططات اليهود وآل سعود ضد مقدسات المسلمين بفلسطين والديار المقدسة في شبه الجزيرة العربية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com