انعدام المشروعية القانونية لقرارات حكومة الخونة

ورقة عمل مقدّمة في حلقة نقاشية بعنوان “منع تداول العملة غير القانونية.. قرار الضرورة لدرء مخاطر الانهيار الاقتصادي”

 

إعداد | الدكتور – عبد الرحمن المختار

لكي يمكننا تحديد طبيعة التصرفات الصادرة عن سلطة الرياض سواءً بخصوص قرار هذه السلطة بنقل وظائف البنك المركزي، وما تبع ذلك من حرمانٍ لموظفي الدولة من مرتباتهم رغم الإفراط من جانب هذه السلطة في الإصدار النقدي، أو قرارها قبل ذلك بنقل عاصمة الجمهورية اليمنية من مدينة صنعاء إلى محافظة عدن، أو غيرها من القرارات التي اتخذتها سلطةُ الرياض على مدار ما يقرب من خمس سنوات، مقدمة بذلك مساعدة سابقة ومعاصرة ولاحقة لتحالف العدوان الذي ارتكب وما يزال أبشعَ المذابح بحقِّ الشعب اليمني.

ويقتضي منا بحث هذا الموضوع مناقشة جوانبه المختلفة سواءً من حيث مدى صلاحية السلطة التنفيذية صاحبة الولاية الدستورية باتخاذ مثل هذه القرارات، أو من حيث مدى توفر الولاية الدستورية من عدمها لمصدر هذه القرارات، ولا يمكن تحديدُ طبيعة القرارات الصادرة عن سلطة الرياض إلا بتحديد مدى توفر الولاية الدستورية لتلك السلطة، إذ أنه سيترتب على توفر الولاية الدستورية لتلك السلطة تحديد طبيعة قراراتها، فتكون قراراتُها صحيحةً وصائبةً في حال أصدرتها، وهي في ولاية دستورية شريطة أن تكون مختصة بإصدارها وفقاً لأحكام الدستور وقواعد القانون، وتكون تلك القرارات منعدمةً في حال انتفت الولاية الدستورية لتلك السلطة.

وإذا ما كنا بصدد تنازع للاختصاص بين جهتين، فإنه يمكن بكلِّ سهولة تحديد أي من الجهتين هي صاحبة الاختصاص باتخاذ تلك القرارات إذا ما حدّدنا بشكل دقيق أيَّ الجهتين صاحبة الولاية الدستورية والقانونية، وبهذا التحديد وبالنتيجة تتحدّد بشكل تلقائي الجهةُ المختصة.

وتأسيساً على ما سبق، سنقسم دراستنا لهذه الورقة إلى محورين على النحو الآتي:

 

المحور الأول: انتفاء الولاية الدستورية لسلطة الرياض:

هناك من يروّج لشرعية هادي، وسندُ هذا الترويج هو الفقرة “ب” من الآلية التنفيذية (المزّمنة) للمبادرة الخليجية، هذه الفقرة حدّدت بشكل واضح أن المرحلةَ الانتقالية الثانية مدتها عامان، واستناداً لها تمت مسرحية انتخاب هادي وخلافاً لأحكام الدستور النافذ، وتُعدُّ تلك المسرحية الهزلية خرقاً فاضحاً لأحكام الدستور، ومع ذلك فقد انتهت مدة تلك المسرحة في 21 فبراير سنة 2014، وانتهت معها شرعية عبث القوى السياسية والتدخل الخارجي بدستور البلاد، ورغم ذلك ذهبت هذه القوى وتحت تأثير أجندات الخارج مذهباً متطرفاً في العبث بأحكام الدستور، فمددت لهادي ودون سند لمدة عام كامل استنفذ جله، وقدّم استقالته في نهايته، وبعد هروبِه إلى عدن واستجابة للقوى التي ارتهن لها، تراجع عن استقالته في 21 فبراير2015، وهو آخر يوم في عام التمديد، اعتقاداً منه أن تراجعه عن استقالته في آخر يوم يمكن أن يجدّد له العقد تلقائياً ولمدة عام جديد في منصب رئاسة الجمهورية، ويبدو أن من أشار على هادي بهذه الخطوة واقع تحت تأثير ما هو معمول به في عقود الإيجار في القانون المدني، وما يسمى بالامتداد القانوني لعقد الإيجار، بحيث أن انتهاءَ مدة العقد دون أن يبدي أحد طرفيه موقفاً محدداً، فإن العقد يمتدُّ في هذه الحالة بقوة القانون لمدة مماثلة لمدته الأصلية، لكن قياسَ هادي كان قياساً فاسداً، فالشعب اليمني أبدى مواقف قوية واضحة صريحة رفضت رفضاً مطلقاً أيَّ تمديد!

وهنا يمكننا دحض حجج الذين ينادون ويروجون لشرعية هادي، سواءً من القوى الخارجية المستبدة فاقدة الشرعية التي عمل ويعمل هادي لحسابها، أو القوى الصنمية الداخلية المرتهنة للخارج والمراهنة على مواقفه المعادية لليمن، وسنسرد تباعا الأدلةَ المنطقية الداحضة لحجج دعاة الشرعية وعلى النحو الآتي:

أولاً: ورد في عنوان الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية ما يؤكد أنها محددة المدة، حيث وصفت بـ (المزمّنة) وهذا الوصف الذي حددته، أكده الزمن الوارد في الفقرة “ب” من البند السابع من الآلية هو عامان، ومن ثم فإن تجاوزَ هذه المدة يعدُّ تجاوزاً للزمن الذي حددته الآلية، وبالنتيجة يُعدُّ تجاوزاً للآلية ذاتها، وهو ما يعني أن التمديدَ لهادي لعام كامل يُعدُّ خارج الزمن الذي نصّت عليه وحددته المبادرة المزمنة، وهذا التمديد يعد انتهاكاً لها؛ كونها لم تنص على إمكانية التمديد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإجراءات التمديد تمّت خلافاً للإجراءات التي أُنجزت بها هذه المبادرة، والتي تعد وآليتها التنفيذية المزمّنة منتهكة من حيث الأصل للدستور، وكان الأصلُ أن يتمَّ العملُ على تحديد الزمن الذي ورد في صلبها، فيصبح بالنص الصريح ثلاث سنوات بدلاً عن سنتين، وبذلك يمكن قبولُ فكرة التمديد لهادي لسنة إضافية!

ثانياً: عندما تصاغ الاتفاقاتُ السياسية أو الوثائق الانتقالية تتضمن عادةً أحد ثلاثة فروض:

1- النص على مدة محددة كما هو حال الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي نصّت على تزمين الفترة الانتقالية بسنتين، ومقتضى ذلك أن يتمَّ خلال هذه الفترة وبناءً على تقديرات مسبقة، إنجاز المرحلة الانتقالية خلال السنتين ودونما تجاوز لهذه المدة، بغض النظر عن المهام المطلوب إنجازها فيها.

2- النص على مهام محددة دون تحديد زمن، كأن يتم النصُّ على أن مهام المرحلة الانتقالية هي إنجاز قانون الأحزاب، وإنجاز قانون الانتخابات العامة، وإنجاز السجل الانتخابي وقانون السلطة القضائية والإشراف على الانتخابات العامة، وانتخاب رئيس الجمهورية، وهذه المهام قد تتم في سنة أو سنتين أو أقل من ذلك أو أكثر، وبإنجاز هذه المهام تعد المرحلة الانتقالية منتهية، وتبدأ بعدها المرحلةُ الدائمة.

3- النص على مدة زمنية محددة، والنص على مهام محددة أيضاً، ومقتضى النص على هذه الصيغة أن المهامَّ المحددة يجب إنجازُها خلال الفترة الزمنية المحددة، ودون تجاوز لها، ومعنى ذلك أيضاً أن تحقق أحد القيدين المدة الزمنية أو المهام يعد منهياً للمرحلة الانتقالية ومنهياً لولاية السلطة الانتقالية.

ثالثا: من حجج دُعاة الشرعية لهادي أن مدة ولايته لا تنتهي إلا بتنصيب رئيس جديد وفقاً للدستور الجديد وهذا القولُ غيرُ صحيح، وغيرُ دقيق، وغيرُ منطقي، إذ لو كان صحيحاً لما كانت هناك حاجةٌ للنص على مدة محددة (سنتين)، ولما كانت هناك حاجة للتمديد لهادي لمدة (سنة) من جانبِ القوى السياسية المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، ومن ثم فهذا تناقض كبير، فالتمديد لا يتم إلا بعد انتهاء المدة، والقول بأن مدةَ ولاية هادي لا تنتهي إلا بتنصيب رئيس جديد يناقض التمديدَ أساساً، إذ لو كانت مدة هادي مستمرّةً أو متصلة لحين تنصيب رئيس جديد، لما كانت هناك من ضرورة لأن تتوافق القوى السياسية على التمديد لهادي لمدة سنة.

 

المحور الثاني: التكييف القانوني لقرارات سلطة الرياض:

أولاً: قرار نقل عاصمة الجمهورية اليمنية:

تنصُّ المادةُ (157) من الدستور النافذ، على أن “مدينــة صنعــاء” هـي عاصمـة الجمهوريــة اليمنيــة.

وبهذا النص تتضح أهمية المكانة التي أولاها المشرعُ لعاصمة الجمهورية، فالنصُّ على العاصمة ضمن نصوص الدستور يعني توفيرَ حماية دستورية في مواجهة ما قد يطرأ في رؤوس الحكام من نزوات قد تستهدف نقلَ العاصمة بين الحين والآخر من مدينة إلى أخرى، وإذا كان الأمرُ كذلك فما المتطلبات والمقتضيات الدستورية لنقل العاصمة من مدينة صنعاء إلى أي مدينة أخرى ضمن النطاق الجغرافي للجمهورية اليمنية؟ وعلى فرض أن هادي لا يزال يملك ولايةً دستوريةً ويقيم ضمن النطاق الجغرافي للجمهورية اليمنية ويزاول سلطاته من عاصمتها، هل يملك صلاحيةَ اتخاذ قرار بنقل العاصمة المحدد نطاقُها الجغرافي في صلب الدستور؟

بالرجوع إلى الباب الخامس من الدستور المتعلق بأصول تعديله، يتضح أن نقلَ العاصمة من مدينة صنعاء إلى أي مدينة أخرى ضمن النطاق الجغرافي للجمهورية اليمنية، لا يتم بقرارٍ من رئيس الدولة، وإنما يقتضي ذلك وفقاً لنص المادة (158) من الدستور، تعديل دستوري للمادة (157) منه، وبأغلبية لا تقلُّ عن ثلاثة أرباع مجلس النواب؛ ولأن هادي لم يعد رئيسا للبلاد لانتفاء ولايته الدستورية، كما أوضحنا ذلك في المحور الأول، ولانتهاء ولايته غير الدستورية؛ ولأنه ليس من صلاحيات رئيس الدولة نقل عاصمة الجمهورية إلى أي مدينة أخرى، وإنما هي صلاحية للبرلمان كما أوضحنا آنفا، ومن ثم فإن قرارَ هادي بنقل العاصمة إلى مدينة عدن يعد منعدما قانونا، ولا قيمةَ لما بُني عليه من إجراءات لاحقة.

ولو أن إجراءات نقل العاصمة من مدينة صنعاء إلى مدينة أخرى، قد تمّت وفقا للأصول التي نص عليها الدستور، فإن جميعَ أجهزة ومؤسسات الدولة، بما فيها البنكُ المركزي اليمني، قد انتقلت بشكل تلقائي إلى العاصمة الجديدة، ومعلوم للجميع أن مجلسَ النواب لم يتخذ أيَّ إجراء بشأن تعديل نص المادة (157) المحدد لمدينة صنعاء عاصمة للجمهورية اليمنية، وبالتالي تنتفي مزاعمُ حكومة الرياض بنقل العاصمة، ومن ثم فإن أيَّ إجراء من جانب حكومة هادي أو من جانب أي جهة كانت، مخالفٌ للمتطلبات الدستورية، ويعدُّ منعدما ولا أثرَ له.

 

ثانياً: تنظيم عملية الإصدار النقدي:

نصّت المادةُ (11) من الدستور النافذ، على أن “ينظم القانون العملة الرسميـة للدولة والنظام المالي والمصرفي”..

وبهذا النص، فقد أحال الدستور فيما يتعلق بتنظيم العملة النقدية الوطنية من حيث الإصدار والتداول وسعر الصرف مقابل العملات الأخرى، إلى القانون.

واستناداً للنص السابق، صدر قانون البنك المركزي اليمني رقم 14 لسنة 2000، الذي تضمن (63) مادةً نظمت البنك المركزي اليمني وأهدافه واختصاصاته، حيث نصت المادة (5/ 1) على أن “الهدفَ الرئيسي للبنك هو تحقيقُ استقرار الأسعار والمحافظة على ذلك الاستقرار وتوفير السيولة المناسبة والملائمة على نحو سليم، لإيجاد نظام مالي مستقر يقوم على آلية السوق”.

ونصت المادة (24) منه على أن “للبنك وحدّه حقَّ إصدار العملة النقدية في الجمهورية، كما يكون له وحده حقُّ سك العملة المعدنية، وتكون الأوراقُ النقدية والعملة المعدنية التي يصدرها البنك هي العملة القانونية في الجمهورية”.

ونصت المادة (25/ 1) على أن “تكون العملة التي يصدرها البنك ذات فئات بالريال أو جزء من الريال، وفقاً للمادة (22) من هذا القانون، ومصنوعة من المواد والأشكال والتصميمات والرسومات والمميزات التي يقرُّها المجلسُ ويوافق عليها مجلسُ الوزراء”.

والواضحُ من خلال هذه النصوص أن البنكَ المركزي هو المعني حصرا برسم وتبني السياسية النقدية وتحقيق الاستقرار السعري، وتحديد حاجة البلاد للإصدار النقدي ومواصفاته وكمية النقود التي يجب إصدارُها كلما تطلبت الحاجة ذلك، وليس لأيِّ جهة كانت، منازعةُ البنك المركزي في هذا الاختصاص.

وإذا كانت حكومةُ الرياض وعلى رأسها هادي، قد زعمت أنها نقلت وظائفَ البنك المركزي اليمني إلى محافظة عدن التي وصفتها بأنها العاصمة المؤقتة للجمهورية اليمنية، فما الأساسُ القانوني لهذا الزعم؟ وما قيمته من الناحية العملية؟ وما صلاحية حكومة الرياض الدستورية والقانونية لنقل وظائف البنك المركزي إلى عدن؟ وما القيمة القانونية المترتبة على هذا الإجراء؟

للإجابة على هذه التساؤلات، يتوجب علينا الرجوعُ إلى قانون البنك المركزي لمعرفة أحكامه فيما يتعلق بالمركز الرئيسي للبنك وغير ذلك من أحكام، وهو ما سنوضحه في البند التالي:

 

ثالثا: قرار نقل وظائف البنك المركزي:

أوضحنا آنفا وبشكل دقيق، أن ما تم من إجراءات بشأن مزاعم نقل العاصمة تعد منعدمة قانونا، ولا قيمةَ لها، وبالنتيجة فإن مدينةَ صنعاء لا تزال وفقا لنص الدستور هي عاصمة الجمهورية اليمنية، وفيما يتعلق بالإجراء الصادر عن سلطة الرياض، ذلك الإجراء الذي خصت به البنك المركزي دون غيره من أجهزة ومؤسسات الدولة، الذي تضمن نقل وظائف البنك إلى محافظة عدن، وعلى فرض أن مُصدر قرار نقل وظائف البنك المركزي لا يزال متمتعا بولاية دستورية وقانونية، فما المتطلباتُ القانونية لنقل البنك المركزي إلى محافظة أخرى ضمن النطاق الجغرافي للجمهورية اليمنية؟

تتضح الإجابةُ على ذلك من خلال الرجوع إلى قانون البنك المركزي، الذي نصّت المادة (4) منه أن “يكون المركز الرئيسي للبنك، مدينة صنعاء، لتسيير أعماله داخل الجمهورية وخارجها، وله أن يفتح فروعاً ووكالات ومكاتب، ويتخذ لـه مراسلين بناءً على موافقة المجلس”.

يتضح من نص المادة السابقة، أن المركزَ الرئيسَ للبنك، مدينةُ صنعاء، وهذا التحديد تم بموجب نص قانوني، ولم يتم بموجب قرار صادر من السلطة التنفيذية، وطالما والأمر كذلك، فإنه يتوجب لنقل المركز الرئيسي للبنك إلى مدينة أو محافظة أخرى، تعديلُ القانون من جانب السلطة المختصة وهي السلطة التشريعية وفقاً لأحكام الدستور، ولم يرد في قانون البنك نصٌّ يخوّل السلطةَ التنفيذية صاحبة الولاية الدستورية صلاحيةَ نقل المركز الرئيسي للبنك المركزي بقرار يصدر عنها، ناهيك عن سلطة الرياض التي لا ولايةَ لها كما أوضحنا ذلك بشكل مفصل سابقا!!.

وطالما أن مجلسَ النواب لم يتخذ أيَّ إجراء بشأن تعديل نص المادة السابقة بما يسمح بنقل المركز الرئيسي للبنك من العاصمة صنعاء إلى محافظة أخرى، فإن مركزَ البنك القانوني لا يزال في العاصمة صنعاء وفقاً لنص المادة السابقة، ولا عبرةَ بأي إجراءات صدرت بنقل المركز الرئيس للبنك؛ باعتبار أن هذه الإجراءات تُعدُّ باطلةً وقابلةً للإلغاء في حال صدروها من سلطة تمتلك ولايةً دستورية، وتعد منعدمة قانوناً بصدورها من سلطة الرياض التي لا تملك أية ولاية دستورية، ومن ثم فلا تأثيرَ على وضع البنك المركزي بالإجراءات المنعدمة الصادرة من جانب سلطة الرياض.

 

رابعاً: تقييم إجراءات البنك المركزي:

حدّدنا في النقاط السابقة مقر المركز الرئيسي للبنك، وأن هذا المقرَّ وفقاً للقانون لا يزال في عاصمة الجمهورية اليمنية، التي حددنا أيضاً وبشكل دقيق وضعَها الدستوري، وأن مدينةَ صنعاء لا تزال وفقا لأحكام الدستور عاصمة الجمهورية اليمنية، وذكرنا أنه لا تأثيرَ لتلك الإجراءات التي اتخذتها سلطةُ الرياض بشأن نقل عاصمة الجمهورية والمركز الرئيسي للبنك المركزي، وأن تلك الإجراءات تُعدُّ منعدمة قانوناً؛ باعتبار أنها صادرة عن سلطة لا تملك ولايةً دستورية، ولا تملك من حيث الأصل إصدارَ مثل تلك الإجراءات، حتى وإن كانت تملك ولاية دستورية؛ كون الاختصاص باتخاذ مثل تلك الإجراءات ينعقدُ لمجلس النواب بوصفه صاحب الاختصاص بسن القوانين وتعديلها، وصاحب الاختصاص بتعديل الدستور في المواد التي يجوز له تعديلها وبأغلبية خاصة.

ولذلك تظلُّ اختصاصاتُ البنك المركزي الواردة في قانون البنك، منعقدة لمركزه الرئيسي في العاصمة صنعاء، وله دون غيره كاملُ الحقِّ في اتخاذ كافة الإجراءات المنصوص عليها في القانون، والتي من شأنها توفير الحماية للعملة الوطنية والحد من الآثار السلبية عليها، فالعبرةُ في هذا الشأن باستمرار نفاذ وسريان الأحكام الدستورية والقواعد القانونية التي حدّدنا سابقا وبشكل واضح، أنه لم يجرِ أيُّ تعديل من جانب السلطة المختصة على النصوص الدستورية المتعلقة بعاصمة الجمهورية اليمنية، ولا النصوص القانونية المتعلقة بالمركز الرئيسي للبنك المركزي اليمني، ومن ثم فإن ممثلي السلطة العامة في مختلف مستوياتها المتواجدين في عاصمة الجمهورية المحددة في الدستور بمدينة صنعاء، وفي مختلف مؤسسات الدولة، ومنها البنكُ المركزي، هم أصحابُ الحق الدستوري والقانوني بممارسة الاختصاصات المنصوص عليها في الدستور والقانون، واتخاذ كافة الإجراءات المترتبة على تلك الاختصاصات في مختلفِ الشؤون العامة، ولا عبرةَ مطلقاً بصدور إجراءات موازية لا من سلطة الرياض ولا من غيرها تتواجد خارج النطاق الجغرافي للجمهورية اليمنية، وخارج النطاق الجغرافي لعاصمتها.

 

خامساً: جزاء مخالفة سلطة الرياض للدستور والقوانين النافذة:

إذا كانت سلطةُ الرياض تزعم أنها قد استندت -فيما اتخذت من إجراءات بشأن نقل العاصمة إلى مدينة عدن، وكذلك المركز الرئيسي للبنك المركزي- إلى الدستور وقانون البنك، فإن تذرعها بالاستناد إلى الدستور والقانون يؤكد مسؤوليتها عن انتهاكِ أحكام الدستور وقواعد القانون، والإضرار بمصالح الشعب اليمني، والتسبّب في ما تعرّض له الشعبُ وما يتعرض له حتى اليوم من مآسٍ؛ باعتبار أن كافةَ التصرفات الصادرة عن سلطة الرياض تُمثّل جرائمَ جنائية بحقِّ الشعب اليمني تستوجب العقابَ وفقاً لأحكام الدستور وقواعد القانون، وتتمثّل هذه الجرائم وعقوباتها في:

1- المساس باستقلال الجمهورية، وهذا الفعلُ معاقب عليه بالإعدام وفقاً للمادة (125) من قانون الجرائم والعقوبات، فقد استدعى هادي قوى أجنبيةً للتدخل في الشأن الداخلي بالأموال والتحريض ودعوة مجلس الأمن للتدخل، والتهديد بالتدخل المسلح، والعدوان المباشر.

2- المساس بوحدة الجمهورية وسلامة أراضيها، وهذا الفعلُ معاقب عليه بالإعدام وفقاً للمادة (125) من قانون الجرائم والعقوبات، وبالفعل فهادي سعى ويسعى للمساسِ بوحدة الوطن وسلامة أراضيه من خلال محاولاته المستمرّة لفرض الأقاليم، وإصراره على فرضِ التقسيم في مسودة الدستور، خدمةً للمملكة السعودية التي ظهرت أهدافُها الحقيقة، ولم تعد قادرةً على إخفائها بعد إخفاقها في تركيع الشعب اليمني وتمرير هذه الأهداف عبر عملائها.

3- إضعاف المؤسسة العسكرية والأمنية ومحاولات تدميرها، حيث ارتكب هادي عدداً من الأفعال أدّت إلى تعطيل دور المؤسسة الأمنية والعسكرية، بل والذهاب إلى تفكيكها وتدميرها من خلال ما سمي بالهيكلة، حيث سلّم هذه المؤسسة إلى خبراء أمريكيين وأردنيين وإسرائيليين، إضافةً إلى ذلك عمل هادي على تفتيتِ الوحدات العسكرية، وإنشاء وحدات جديدة تحت مسمى الحماية الرئاسية، وكذلك تسهيل سيطرة القوى التكفيرية على بعض الوحدات العسكرية، وإضعاف معنويات منتسبي المؤسسة العسكرية من خلال التساهل مع الجرائم الإرهابية التي ارتكبتها القوى التكفيرية، بحقِّ منتسبي المؤسسة العسكرية والأمنية، وعدم مواجهة القوى التكفيرية بحزم، وهو ما أدّى إلى تدمير معنويات منتسبي هذه المؤسسة.

4- الاتصال غير المشروع بدول أجنبية، فقد سعى هادي ولا يزال يسعى لدى دول الخليج وغيرها، ويلح عليها ويطالبها بضرورةِ استمرار العدوان والتدخل في شؤون الوطن الداخلية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً؛ بهدَفِ عزل اليمن، ومحاصرته، وهذه الأفعالُ يعاقب عليها القانون بالإعدام وفقاً لنص المادة (128) من قانون الجرائم والعقوبات.

5- التحريض، حرص هادي على تحريضِ دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الدول، لجرِّها للعدوان على اليمن، ومعلوم أن هذا الفعلَ معاقب عليه وفقاً للمادة (129) من قانون الجرائم والعقوبات.

6- إيقاف العمل ببعض نصوص الدستور، فالنصوص المنظمة لاختصاصات مجلس النواب تمَّ إيقافُ العمل بها، وكذلك النصوص المنظمة لمنصب رئاسة الجمهورية وانتخابه تم إيقافُ العمل به،ا واستبدال الاختصاصات المنصوص عليها في الدستور باختصاصات أوسع منها، استناداً إلى المبادرة الخليجية المنتهكة للدستور.

7- الإضرار بمصلحة الوطن، فقد استهدف هادي من خلال تقديم استقالته وحكومته وإصرارهم جميعاً على عدم الالتزام بأحكام الدستور المنظمة لاستقالة الرئيس والحكومة، وهو ما يؤكد أن الهدفَ من الاستقالة لم يكن مجرّد استعمال لحق، بقدر ما كان الهدف هو جر الوطن إلى الصراع والاقتتال، وهذا الفعل معاقب عليه بموجب المادة (163) من قانون الجرائم والعقوبات.

8- الامتناع عن أداء مهام منصبه؛ بهدَفِ عرقلة سير الشؤون العامة للدولة خُصوصاً مع الاستقالة المتزامنة المقدّمة من الحكومة لإصابة الحياة العامة بالشلل التام، الذي يترتب عليه تعطيل كافة مؤسسات الدولة، ومن ثم عدم أداء وظائفها، وخلق حالة من الفوضى الشاملة، والوصول لحالةِ الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة، وما يؤكد ذلك أنه بمجرد فشله في تحقيق هذا الهدف من خلال إصراره وتمسكه باستقالته، وبعد هروبه من العاصمة وإصراره على العودة عن استقالته، ليعملَ مجدّداً على خلق حالة الفوضى من النطاق الجغرافي الذي يتواجد فيه وبدعم من قوى معادية، وهذه الأفعال تعاقب عليها المادة (165) من قانون الجرائم والعقوبات.

9- انتحال صفة موظف عام: لا شكَّ أن الجميعَ يُدرك تماماً أن هادي ليس له أيةُ صفة في شغل منصب رئاسة الجمهورية، أو سند دستوري أو فعلي في هذه المرحلة، وما كان له من صفة فعلية فقد انتهت في 21/ فبراير 2015، وبعد هذا التاريخ يعد منتحلاً لصفة رئيس الجمهورية، وهذا الفعل يعد جريمةً وردت عقوبتُها في المادة (273) من قانون الجرائم والعقوبات.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com