تجنيدٌ أمريكي ناعمٌ لتبني أصواتِ واشنطن في الشارع اليمني

استمرار لقاءات سفراء وممثلي أمريكا بالشباب اليمنيين في الخارج:

المسيرة: نوح جلاس

بعد أن أغلقتها ثورةُ الحادي والعشرين من سبتمبر، انتقلت السفارةُ الأمريكية وملحقياتُها إلى الرياض والقاهرة وأبو ظبي لتواصِلَ برامجَها القائمةَ على استقطاب الشباب والنشطاء والإعلاميين، والهادفة لكَيِّ الوعي لدى الشباب اليمني وتجنيدهم لصالح مشاريعها الهدامة، وليكونوا هم صوتَ واشنطن السياسيّ في الشارع اليمني، كما هو الحالُ لدى سائر البلدان العربية -والعراق على وجه التحديد-، التي عمَّتها أعمالُ الفوضى “الخلّاقة”، انطلاقاً من بوابة السفارة الأمريكية نحو المؤسّسات والهيئات ومختلف مفاصل الدولة؛ لعرقلة كُـلّ ما يسير في الاتّجاه المعاكِس للولايات المتحدة الأمريكية.

السفارةُ الأمريكية لدى اليمن “في الرياض وأبو ظبي والقاهرة” تواصل الأنشطة والفعاليات واللقاءات المتصلة بالشباب اليمني والجوانب الثقافية والإعلامية (وفقاً لما تنشره في حسابها الرسمي على تويتر)، حيث بات من الواضح أنها تعملُ على توسيع نطاق التأثير المباشر سواءً المرتبط بشريحة الشباب أَو التأثير المباشر على اتّجاهات التفكير؛ بهَدفِ (كَي الوعي) واستهداف الشباب والمجتمع عبر الكثير من الوسائل التقليدية وغير التقليدية، ومنها العمل على صناعة واحتواء وترميز مجاميع من شباب مواقع التواصل الناشطين ثقافياً وإعلامياً.

وفي الشهرين الأخيرين، زادت نسبةُ اللقاءات والأنشطة والفعاليات بين العشرات من الشباب اليمنيين، وممثلي سفارة الولايات المتحدة الأمريكية وملحقياتها، برعاية واشنطن الساعية لتجنيدهم وتوجيههم وفق مسارها المرسوم والذي لا يقبل مناهضةَ سياساتها ومشاريعها الهدّامة في أي بلد، لا سيما اليمن الذي تمكّن بثورته من إفشال ما خططت له تلك الأنشطة الاستخباراتية طيلة السنوات الماضية.

حسابُ السفارة الأمريكية الرسمي في تويتر أعلن، أمس الأول، أن واشنطن عبر أنشطتها غير الدبلوماسية ‘‘رعت 25 صحفياً في تعز وتلقوا تدريباً مكثّـفاً في مجال الأمن الرقمي’’، في حين كشف في الـ15 من يناير الجاري عن ‘‘استضافة السفير كريستوفر هنزل في مقر إقامته عدد من المسؤولين “الحكوميين اليمنيين والسياسيّين ورجال الأعمال وشخصيات من المجتمع المدني’’، منوّهاً بأن ذلك اللقاء كان بهَدفِ ما أسماه ‘‘مناقشة القضايا المتعلقة بمواجهة أنشطة إيران’’، في حين يعتبر هذا التركيز “غيرُ الدبلوماسي” الذي تمارسه السفارة الأمريكية ضمن روزنامة أعمال متعددة تخضعُ للتحديث المستمرّ تبعاً لمؤشرات الداخل اليمني ومتغيرات المشهد المحلي والدولي وأوليات واحتياجات الحكومة الأمريكية وحلفائها الصهاينة بطبيعة الحال، كما تأتي للقاءات بالشباب بالتوازي مع لقاءات تجمع السفير الأمريكي ونائبه بعدد من المحافظين والوزراء والمسؤولين المرتزِقة في حكومة الفارّ هادي، الذين ليس من اختصاصهم الرسمي عقدُ اللقاءات الدبلوماسية مع سفراء واشنطن، الأمر الذِي يؤكّـد تواطؤَ مسؤولي الفنادق في تعزيز وتوسيع شبكة التواصل الأمريكي مع الشباب اليمني.

الأنشطة والفعاليات -التي تتبناها واشنطن تجاه الشباب اليمني- تضعُنا في الصورةِ عند النسخة العراقية المتضمنة للعشرات بل المئات من الأنشطة الاستقطابية التي تبنتها واشنطن عبر سفاراتها في بغداد، والتي كانت إفرازاتها الأَسَاسية ما نشاهده اليومَ من للشوارع العراقية بالشباب المناهضين لخروج القوات الأمريكية من البلاد رغم الإجماع السياسيّ عبر البرلمان والحكومة العراقية على إخراج القوات العسكريّة الأمريكية ووضع حَــدٍّ للتدخلات واشنطن، وهو الأمر الذي يؤكّـدُ أن الفعاليات والأنشطة التي رعتها أمريكا في العراق تجاوزت الاستقطاب للشباب ووصلت حَــدَّ التجنيد، وقد اتضح ذلك جلياً في ما تحمله تظاهرات الشباب العراقيين المطالبين ببقاء الاحتلال الأمريكي.

وفي اليمن يختلف الوضع عن العراق، حيث بات تحَرُّكُ أمريكا داخل بلادنا بصورة مباشرة أمراً مستحيلاً؛ نظراً للوعي الكبير لدى الشباب اليمني في الداخل بالدسائس التي تحيكها السفارة الأمريكية وملحقياتها والأهداف المرجو تمريرها من خلف أنشطتها الاستقطابية، علاوةً على فقدان الامتيازات التي كانت الولايات المتحدة تحظى بها داخل اليمن قبل ثورة الـ21 من سبتمبر؛ ولهذا انتقلت واشنطن لتشكيل مجموعات عمل إعلامي وثقافي تقوم على العناصر الشبابية اليمنية المغمورة نسبياً، والتي يتم اختيارها بدقة وِفْـقاً لمعايير محدّدة ومن ثَمَّ دعمها وتوظيف إمْكَاناتها في خدمة المصالح الأمريكية.

ويرى مراقبون أن تعيين السفير، كريستوفر هنزل، في مايو الماضي ولاحقاً الملحق الثقافي، زينيا باغانيني، مثّل ترجمةً للتوجّـه الأمريكي الساعي للإمساك بخيوط التأثير على التوجّـهات المجتمعية في بلد يشكلُ الشبابُ قاعدتَه السكانية العريضة.

وللعودة إلى الأهداف التي تسعى واشنطن من خلال أنشطتها الاستقطابية لتحقيقها في تحويل الشباب المغمورين إلى قادة رأي للأصوات الأمريكية، والذي لا يمكن عزلُهُ عن توجّـهاتها لإثارة الفوضى في مختلف البلدان، تأتي الصراحةُ التامةُ من مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة بقولها: (إن الاضطراباتِ في اليمن ولبنان والعراق ستستمر) وربطت انتهاءَ تلك الاضطرابات بشكل وقح وسافر بتحقيق الأهداف الأمريكية المتعلق بالصراع مع محور المقاومة، وهو الأمر الذي يكشف وبكل وضوح ما وراء المساعي الأمريكية في استقطاب الشباب.

وفي السياق، تعيد صحيفة المسيرة استعراضاً سريعاً لمحتويات المواد الخبرية التي تنشُرُها السفارة تتكرّر العديدُ من المفردات التي تشي لكل متأمل بنوايا “اليانكيز” الخبيثة رغم عمومية واعتيادية الكلمات المنشورة على غرار: (حث السفير هنزل ضيوفَه من الشباب على زيادة التواصل مع بعضهم البعض لدعم يمن موحدٍ لجميع اليمنيين/ مناقشة زيادة عدد الفرص الممنوحة للشباب اليمني؛ لمناقشة كيفية تنفيذ برامج تعليمية افتراضية (التعلم عن بُعد) لطلاب المرحلة الجامعية من مختلف المحافظات/ دورة جديدة مجانية (إعلامية) عبر الانترنت: المعاني الخفية: الخلق الروائي، الواقعي، والحقائق/ حلقة نقاشية مع مجموعة من الشباب اليمني المنتمي لـ٤ محافظات، حول الأدوار التي يمكن أن يلعبها الشباب في تحسين الوضع في اليمن، تدعم الولايات المتحدة الشباب من كُـلّ المحافظات في سعيهم لمستقبل أفضل / تدعم الولايات المتحدة منحَ الفرص الأكاديمية للنساء والرجال في اليمن على حَـدٍّ سواء، وعلى كُـلّ المستويات / زارت الملحقة الإعلامية والثقافية المدرسة اليمنية الحديثة في القاهرة؛ للتعرف على “المناهج” واحتياجات الطلاب/ محمد هو أحد الشباب الذين تم تدريبُهم بواسطة مشروع مستقبل يسودُه السلامُ الشبابي والذي موّلته وَأشرفت على تنفيذه الوكالةُ الأمريكية للتنمية في اليمن. لقد قام هذا المشروعُ بتدريب ما لا يقل عن ٨٠ شاباً يمنياً ليمارسوا دورَ الوسيط عند نشوء أية خلافات أَو مشاكل في مجتمعاتهم/ التقى نائب السفير…. والملحق الثقافي والإعلامي… مع سمير السروري وعمر المرشد؛ لمناقشة دعم السفارة للشباب اليمني والصحفيين والطلاب والأكاديميين. يستمر التعاون الثقافي بين الولايات المتحدة وَاليمن عبر العديد من المبادرات وفرص التمويل).

وتتوالى التفاصيلُ المرتبطةُ بتوفير الفرص التعليمية وَبناء السلام جنباً إلى جنب مع تساقط القنابل والصواريخ الأمريكية على رؤوس أطفال وشباب اليمن “من الجنسين على حَـدٍّ سواء”، وعندها يغدو التعاون الثقافي عملية تحويل جذرية وَ”أمركة” للنفوس التائهة ومسخٍ للفطرة والهُـوِيَّة، وليس مفاجئاً أن تجدَ أن صفحات كُـلّ أُولئك الناشطين في مواقع التواصل خالية تماماً من أية إشارة لفلسطين أَو القدس، أَو المسؤوليات الدينية والوطنية وفارغة كلياً من أي تلميح إلى الانتماء الإسلامي والعروبي ومروءة وإباء اليماني الأصيل، وكُلُّ هذا سببُه الانخداعُ بالديمقراطية الأمريكية الزائفة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com