قلقٌ أمريكيٌّ صهيونيٌّ يخيّمُ على مباركات اغتيال سليماني والمهندس

ترامب يبدي قلقَه من الخيار العسكريّ الإيراني ويغازل طهران: إيران لا تخسر المفاوضات

بومبيو محاولاً تداركَ الأمر: سنلتزم بخفض التصعيد مع إيران

انقسامات داخل الكونجرس و “ديموقراطيون” يصفون قرارات ترامب بالكارثية

نتنياهو يلغي زيارةً لليونان عقب العملية واجتماعات طارئة لجيش الكيان الصهيوني تحسباً للرد الإيراني

 

المسيرة: نوح جلاس

بعد أن أقدمت واشنطن، على اغتيالِ الجنرال قاسم سليماني والقائد أبو مهدي المهندس، توالت المواقفُ الأمريكيةُ الإسرائيليةُ، لتعلن مباركتها وتأييدها المطلق لتلك العملية التي اعتبرها البنتاجون والبيت الأبيض حمايةً للمصالح والأرواح الأمريكية، وكذلك هو لسان حال الكيان الصهيوني، في حين لم تخلُ تلك المباركات والمواقف من التعبير عن القلق الكبير الذي ينتاب واشنطن وتل أبيب، من الردِّ الإيراني و”الانتقام المؤلم” الذي توعد به خامنئي المجرمين، وقد بدا ذلك واضحاً على تصريحات ترامب وبومبيو، وانقسامات أعضاء الكونجرس، وكذا ردود فعل نتنياهو وجيش العدوّ الإسرائيلي.

وأكّـدت وزارةُ الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، أن الرئيسَ الأمريكيَّ دونالد ترامب، أصدر الأمرَ بـ “قتل” الجنرال قاسم سليماني، مضيفةً في بيان لها “بناءً على أمر الرئيس اتّخذ الجيشُ الأمريكيُّ إجراءات دفاعية حاسمة لحماية الطواقم الأمريكية في الخارج من خلال قتل قاسم سليماني”.

وحسب ما جاء في بيان الدفاع الأمريكية، فإن “الجنرالَ سليماني كان يعملُ بكدٍّ على وضع خطط لمهاجمة دبلوماسيين أمريكيين وجنود في العراق، وفي جميع أنحاء المنطقة”، لافتاً إلى أن “الجنرال سليماني وفيلق القدس التابع له مسؤولان عن مقتلِ المئات من العسكريّين الأمريكيين وعسكريّي التحالف وجرح الآلاف غيرهم”، زاعمةً أن “هذه الضربةَ كان هدفها ردع خطط هجوم مستقبلية لإيران”.

بيانُ البنتاجون ذكر أن هذه الضربةَ هدفت لردع مخطّط إيراني مسبق ضد واشنطن، غير أن الخوفَ من ردة الفعل الإيرانية المقبلة إزاء هذه العملية، والتي توعد بها خامنئي وحرس الثورة والأمن القومي الإيراني، جعلت واشنطن تأخذها على محمل الجد، ليأتي ترامب بدعوةٍ ضمنية وجهها لطهران باتّخاذ خيار المفاوضات لا الخيار العسكريّ، في حين جاء بومبيو محاولاً تدارك الأمر وأسرع بالإعلان عن أن بلادَه ستنهج مسارَ خفض التصعيد مع إيران، كما حاول تبريرَ العملية.

 

ترامب يدعو إيران ضمنياً للمفاوضات خشيةَ الخيار العسكريّ:

ترامب قال في تغريدة له: إن ‘‘إيران لم تربح حرباً أبداً لكنها لا تخسر المفاوضات’’، وهو ما أكّـد مراقبون أن الرئيسَ الأمريكيَّ حاول من خلال هذه التصريحات مغازلةَ طهران، لتلجأ إلى الخيار الدبلوماسي بدلاً عن الخيارات ذات الطابع العسكريّ النوعي، الذي دخل بقوةٍ في الحسابات الأمريكية، في حين أشار مراقبون إلى أن الإدارةَ الأمريكيةَ باتت أكثرَ قلقاً بعد توالي التصريحات الإيرانية المتوعدة بعمليات موجعة لواشنطن.

بدوره، سارع وزيرُ الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، إلى الإعلانِ عن استمرار التزام بلاده بخفض التصعيد مع إيران رغم إقدام الأولى على اغتيال سليماني، وهو ما أثار استغرابَ الكثير من المراقبين، الذين اعتبروا هذا الإعلانَ محاولةً لتدارك الأمر.

 

بومبيو محاولاً تداركَ الأمر: سنلتزمُ بعدم التصعيد مع إيران:

وقال بومبيو في تصريحاتٍ له: إن ‘‘أمريكا لا تزال ملتزمةً بعدم التصعيد مع إيران’’، مؤكّـداً أن الإدارةَ الأمريكيةَ لا تسعى للحرب مع إيران، مبدياً قلقَه الكبيرَ من ردود الفعل الإيرانية، بقوله: ‘‘نأخذ في الحسبان مخاطر شن هجمات إيرانية على أمريكا’’، فيما قالت وزارةُ الخارجية السويسرية، أمس الجمعة، إن أحدَ دبلوماسييها سلّم رسالةً من الولايات المتحدة إلى إيران، بشأن مقتل سليماني، وتحفظت على التفاصيل، فيما نوّه مراقبون بأنها تحمل مضامين تهدئة مع طهران، في محاولةٍ لامتصاص غضب الخيارات الإيرانية التي أكّـدت طهران أنها باتت وشيكة.

وفي سياق المخاوف الأمريكية، أكّـدت مصادرُ متطابقة أن السفارةَ الأمريكية في بغداد طلبت من رعاياها مغادرةَ العراق بسرعة عاجلة، فيما تحدثت عديدٌ من الوسائل الإعلامية الدولية عن توجّـه 5 طائرات عسكريّة أمريكية من نوع “لوكهيد سي 130” نحو الشرق الأوسط.

 

تحَرّكات أمريكية لحماية موظفيها في المنطقة:

وحسب خبراء عسكريّين، فإن الطائراتِ تستخدم عادةً في التسلل ونقل الشخصيات، كما أكّـد مراقبون أن الهدفَ من تحريك تلك الطائرات قد يكون هدفها سحب دبلوماسيين أَو شخصيات أمريكية رفيعة المستوى، تخشى واشنطن أن يكونوا داخلَ دائرة الاستهداف الإيراني التي تأتي ضمن عمليات الرد على اغتيال سليماني.

وتابعت المصادرُ أن سلاحَ الجو الأمريكي، لا يهدأ في نطاق عمل القيادة المركزية “سنتكوم” وفي نطاق عمل القيادة الأوروبية “يوكوم”، وأن عشراتِ الطائرات من طرازات مختلفة مخصصة بالدرجة الأولى للنقل والإخلاء تتجه نحوَ العراق وأماكن مختلفة في الشرق الأوسط.

كما كشفت المصادرُ تفاصيلَ مرتبطة بتحَرّكات القوات الأمريكية، حيث نقلت هبوط 4 طائرات KC-135 صباحَ الجمعة، في قاعدة “افيانو” الأمريكية في إيطاليا، هذا، بحسب المصادر، “مؤشر لافت؛ لأَنَّ القاعدةَ المذكورةَ هي قاعدةٌ عملياتيةٌ وتعتبر قاعدةَ تشغيل أمامية للعمليات في الشرق الأوسط”، مضيفةً: ‘‘انطلقت اثنتان من هذه الطائرات الأربعة نحو العراق، بالإضافة إلى أن هناك حركة أسطول كامل من طائرات نقل جوي استراتيجي سريع طراز “بوينغ سي-17″، تُستخدم عادةً في عمليات الجسر الجوي التكتيكي والإخلاء، تتحَرّك من عدة دول وقواعد أمريكية في أوروبا نحو المنطقة الآن’’.

 

انقسامات وتباين داخل الكونجرس:

وفي سياقِ الارتباكات الحاصلة داخل السياسة الأمريكية عقب هذه العملية، أشاد سياسيّون جمهوريون أمريكيون نافذون بالغارة التي أدّت إلى مقتل سليماني، بينما أدان خصوم ترامب الديموقراطيون بمن فيهم منافسه المحتمل في الانتخابات الرئاسية جو بايدن، هذه العمليةَ.

وحسب ما تناولته وسائلُ إعلام عربية ودولية، فإن السناتورَ الجمهوري النافذ ليندسي غراهام -أحد حلفاء ترامب المقربين-، قال: “أنظر بتقديرٍ إلى العمل الشجاع للرئيس دونالد ترامب ضد العدوان الإيراني”، وهو ما وافقه الرأي من قبل نظرائه في الكونجرس.

أما في المعسكر الديموقراطي، أدان خصومُ ترامب، القصفَ ومخاطرَ تصعيد مع إيران.

وقال جو بايدن -النائب السابق للرئيس والمرشح للانتخابات التمهيدية للديموقراطيين-: إن “ترامب ألقى للتو إصبَع ديناميت في برميل بارود، وعليه أن يقدّم توضيحاتٍ للشعب الأمريكي”، مؤكّـداً أنه “تصعيدٌ هائلٌ في منطقة خطيرة أَسَاساً”.

من جهته، أكّـد بيرني ساندرز -المرشح الآخر للانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي-، أن “التصعيدَ الخطيرَ لترامب يقربنا أكثر من حرب كارثية أُخرى في الشرق الأوسط”.

وأضاف السناتور المستقل، أن “ترامب وعد بإنهاء الحروب التي لا تنتهي، لكن عمله هذا يضعنا على طريق حرب أُخرى”.

أما الرئيس الديموقراطي للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب اليوت انجل، فقد عبّر عن أسفه؛ لأَنَّ ترامب لم يبلغ الكونغرس بالغارة الأمريكية في العراق.

وكتب انجيل في بيان، أن “القيامَ بعمل على هذه الدرجة من الخطورة بدون إشراك الكونغرس يثير مشاكلَ قانونية خطيرة ويشكل ازدراءً بصلاحيات الكونغرس”.

وقال بن رودس الذي كان من مستشاري الرئيس السابق باراك أوباما المقربين: “لا شك أن يدي سليماني ملطختان بالدماء، لكنها لحظةٌ مخيفةٌ فعلاً”، معتبراً أن “إيران ستردُّ على الأرجح في أماكنَ عديدة.. أفكر في كُـلِّ الطاقم الأمريكي في المنطقة في هذه اللحظة”.

وأخيراً، علّق رئيسُ منظمة “مجموعة الأزمات الدولية” روبرت مالي بالقول: إن “رئيساً أقسم على جعل الولايات المتحدة في منأىً عن حربٍ أُخرى في الشرق الأوسط، أصدر في الواقع للتو إعلان حرب”.

 

ترحيب صهيوني بالعملية وحالةُ الارتباك تسيطرُ على ردود الفعل الإسرائيلية:

كيان العدوّ الصهيوني هو الآخر، بارك العمليةَ معتبراً إياها إزاحةً لبعضٍ من التهديدات المحدقة ضد مصالحه ومخطّطاته في المنطقة، في حين لم تتجرأ تل أبيب على تصدّر المشهد وتعلن مشاركتها التخطيط مع واشنطن لهذه العملية، كما بدت حالةُ الارتباك والخوف واضحةً على نتنياهو حينما ألغى زيارةً رسمية إلى أثينا، ووزير حربه الذي دعا لاجتماع طارئ بصورة مفاجئة.

وليس غريباً على العدوِّ الصهيوني، أن يرحّب بمثل هكذا جريمة أودت بحياة الرجل الأكثر عداوة لهذا الكيان الغاصب، حيث أشاد رئيسُ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس الجمعة، بقتل قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني في غارة أمريكية بالعراق.

ورحب نتنياهو بتصفية القائد سليماني قائلاً: إن الرئيسَ الأمريكيَّ دونالد ترامب تصرّف بسرعة وبقوة وبحزم بإصداره أمراً بتنفيذ العملية.

وقال نتنياهو: إن سليماني يتحمّل مسؤولية مقتل أمريكيين وأبرياء كثيرين، وإنه قام بالتخطيط لتنفيذ أعمال هجومية أُخرى، مضيفاً: ‘‘مثلما يحقُّ لإسرائيل الدفاع عن نفسها يحقُّ للولايات المتحدة أَيْـضاً الدفاع عن نفسها’’.

وفي السياق، أعلنت وسائلُ الإعلام العبرية، أن نتنياهو ألغى زيارةً رسميةً إلى اليونان، عقب ارتكاب عملية اغتيال سليماني والمهندس، في حين أشارت رويترز نقلاً عن مكتب رئيس وزراء الكيان الصهيوني، إلى أن قطعَ الزيارة إلى اليونان جاءت؛ بهدَفِ دراسة التداعيات المحتملة لهذه العملية.

القلق الصهيوني تواصل ليدعو وزير الحرب الصهيوني نفتالي بينيت لعقد اجتماع طارئ، صباحَ أمس الجمعة، في مقر وزارة الحرب في تل أبيب، لتدارس تداعيات اغتيال قائد فيلق القدس ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي.

وحسب ما نشره الإعلامُ العربي، فإن الاجتماعَ الذي حضره قائد الأركان أفيف كوخافي وكبار قادة الجيش والأذرع الأمنية، لتدارس احتمال نشوب من ردٍّ على عملية الاغتيال في الجبهة الشمالية، في إشارة إلى حزب الله، أَو فصائل المقاومة المتواجدة في الأراضي السورية.

وكان جيشُ الاحتلال الإسرائيلي قد أصدر تعليماتٍ بإغلاق منطقة جبل الشيخ المحتلّ، في وجه الزوار، في أعقاب جريمة اغتيال سليماني، حيثُ جاء في بيان جيش الاحتلال: “بناءً على تقييم الوضع تقرّر ألّا يفتح منتزه جبل الشيخ أمام المنتزهين.. لا توجد أيةُ تعليمات إضافية لسكان مرتفعات الجولان والمنطقة وحالة الروتين تبقى كالمعتاد”.

وطلبت الجهاتُ المختصة الإسرائيلية، من المستوطنين عدمَ التوجّـه إلى منطقة جبل الشيخ، في خطوة احترازية لأي ردٍّ قد يتعرّض له الاحتلالُ الإسرائيليُّ بعد عملية الاغتيال.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com