التربيةُ القُـرْآنية أخرجت ذلك الرجل الذي قال: (واللهِ لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)

ملزمة معرفة الله ((وعده ووعيده)) الدرس ((الثاني عشر)) (3-5)

الموت ليس من وسائل التخويف في القُـرْآن الكريم لهذا تجد الحديث عن الموت خاطفاً ثم ينتقل إلى اليوم الآخر

 

المسيرة: علي حمود الأهنومي

في العدد السابق تحدّث السيدُ حسين بدر الدين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- عن جحود وكفر المشركين بقضية البعث والإحياء بعد الموت، وذكر الأدلة النقلية والعقلية على صحة البعث، وأرجع السبب في إنكارهم للبعث إلى أنهم لا يريدون أن يؤمنوا بها؛ لأَنَّها تمنعهم من أمور وأشياءَ لا يريدون أن يتركوا فعلها، فالأدلةُ والبراهين كافيةٌ وكثيرةٌ وقوية وجلية، وحذّر السيدُ حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- من الحالة التي يكون الإنسان فيها محدّداً موقفَه مسبقاً تجاه قضية معينة، فعند ذلك لا يقبلُ بـأي دليل مهما كان وضوحُه وقوتُه.

ثم استنتج -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- قاعدةً مهمةً من هذه الآيات ويجبُ على المسلمين أن يرسخوها في أعماق أنفسهم، وأن يعملوا بها، وهي “يجب أن يكونَ الإنسان في واقعه منفتحاً على هداية الله، ومسلّماً نفسَه لله، أن يتقبَلَ منه، وسترى كُـلَّ شيء أمامك سترى أدلتَه كافيةً وفوقَ الكافية، في كُـلّ شأن من شؤون الدين”.

 

الموتُ هو بدايةُ الرجوع إلى الله

انتقل السيدُ من الآية (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيد) إلى الآية التي تليها في سورة السجدة (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)، وأكّـد مرة أُخرى على أن الموتَ لا بد منه، وأنه الخطوةُ الأولى في الرجوع إلى الله في العالم الآخر، ثمَّ تطرق إلى موضوع الموت، حَيْثُ قال: [الموت نحن نجده في القُـرْآن الكريم ليس من وسائل التخويف إطلاقاً؛ لهذا لا تجد الحديثَ عن الموت إلا خاطفاً وبسرعة ينتقل إلى اليوم الآخر؛ لأَنَّه اليومُ الشديدُ الأهوال، هو مل يجب أن تخافه، هو الذي يملأ القلوبَ خوفاً ورعباً، أما الموتُ نفسُه قضيةٌ طبيعية، ليكن خوفك من الرجوع إلى الله إلى اليوم الآخر، ألم يأتِ الكلام عن اليوم الآخر في القُـرْآن الكريم مكرّراً جداً؟].

وأضاف: [ليعرف أولئك الذين يتحدثون مع الناس ويرشدون الناس أنهم كم يغلطون، عندما يتحدثون مع الناس عن تخويفهم بالموت نفسِه، ثم يذكرون أهوال القبر، هذا أسلوب يترك أثراً سلبياً جِـدًّا جداً يتخالف مع منهجية القُـرْآن الكريم، الذي يريد أن يربيك تربية جهادية هل ينطلق ليخوفك من الموت نفسه، وهو يريد منك أن تستبسل وأن تبذل نفسك في سبيل الله، القائد العسكري وهو يعمل رفع معنويات الجنود في ميدان المواجهة، هل يأتي ليتحدث معهم عن القبر والنعش والأهوال، أم أنه يحدثهم بحديث يجعلهم يستهينون بالموت].

 

واللهِ ما أبالي أوقعتُ على الموت أم وقع الموتُ عليَّ

السيدُ حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- بعد أن ذكر هذه الثقافة والرؤية المغلوطة، عمل على معالجتها من خلال القُـرْآن الكريم الذي يربِّي على الخوف من اليوم الآخر، مستشهِداً بقول الإمام علي: [التربية القُـرْآنية هي التربية التي أخرجت ذلك الرجل الذي كان يقول: (واللهِ لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)، لكنه كان وهو يتذكر اليوم الآخر كان يتخشب جسمه؛ خوفاً من الله وخوفاً من اليوم الآخر، وهكذا حكى عنهم في قضية إنفاقهم وإطعامهم اليتيم والمسكين والأسير: (إنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يوماً عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) ما قال موت، الموتُ لا وجودَ له في القُـرْآن الكريم إلّا كحديث عن قضية هي أول خطوة إلى العالم الآخر].

واستشهدَّ مرةً أُخرى بقضايا كثيراً ما تحدث في المجتمع اليمني، ويقدّمون أنفسهم رخيصة في سبيل ذلك، وتساءل: [أليس الناس هنا في الدنيا يستهينون بأنفسهم على قطعة أرض مزروعة “بُن” أَو “قات”؟ مستعد لأن يقاتلَ فيقتل، أليس هذا استبسالاً؟ استبسال؛ لأَنَّه يرى هذه القطعة جديرة بأن يبذلَ من أجلها نفسه، انظر إلى الجنة ستراها جديرة بأن تبذل من أجلها عدة مرات، وستجد جهنم بالشكل الذي ترى أنه يجب عليك أن تبذل نفسك ولو عدة مرات؛ من أجل أن تنجوَ من جهنمَ، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالقُـرْآن) ثم ينطلق رسول الله ليخوف الناس من الموت وهو أعظم مجاهد، هل هذا منسجم مع التوجيهات للتضحية في القُـرْآن الكريم؟ لا].

 

يجبُ أن نركزَ على ما ركّز عليه القُـرْآنُ الكريم

وجاء السيدُ حسينُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- مرةً أُخرى بمثالٍ رائعٍ جِـدًّا يدُلُّ على رؤية القُـرْآن الكريم الحكيمة التي تجعل من الإنسان يستهين بالموت إذَا كان في سبيل رضاه: [أنت تقول لأولادك إذَا ما كنت في خصومة مع آخرين: “أنتم رجال وما هي إلا موتة” تنطلق لتشجعهم على التضحية، أم تجمع أولادك في غرفة وتحدثهم عن القبر، وعن منكر ونكير، وعن النعش، من هو الأحمق الذي يجمع أولاده ويحدثهم عن القبر وضغطاته، هل سيواجهون؟ أم سياتي الصباح وكل واحد يبحث له عن مهرب ويقول: “يا أخي اللهُ غني، اتركوها، سيعوضنا الله”].

ختم السيدُ حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْـهِ- هذه الفكرة بقاعدة مهمة، حيثُ قال: [إذا كنت تريد أن تصنع خوفاً من في نوس الناس، وخشية من اللهن وخوفاً وخشيةً إيجابية لا سلبية معها إطلاقاً، فركّز على ما ركّز عليه القُـرْآنُ الكريمُ: على اليوم الآخر، على الحديث عن اليوم الآخر عن تفاصيله، عن أهواله، عن شدائده، عن النار، عن الجنة، وهذا ما ظهر جلياً في القُـرْآن الكريم أنه من أهم الوسائل؛ لإيصال الخوف من الله والخشية من الله في قلوب الناس].

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com