الكيانات الكولونيلية الدخيلة.. السعودية مثالاً مخطّطٌ استعماري طويل المدى

علي نعمان المقطري

السعوديةُ هي الكيانُ الوكيلُ الأَكْبَــر للغرب الصهيوني زرعت في البيئة العربية الإسلامية من زعيمة الاستعمار الغربي الانجلوساكسوني؛ لتؤدي دورَ الوكيل والراعي والحارس والمموّه للاستعمار الغربي الصهيوني المتغلغل في كُــلّ ثنية من ثنايا البلاد العربية الإسلامية وتمنحه القدرةَ على التخفي والاستتار خلفها نبتةٌ شيطانيةٌ صهيونية يهودية غرست منذُ عدة قرون وتواصلت رعايتها وإنمائها وتسليحها وتمويلها وكلَّما حطم العرب لها كياناً أقام الإنجليز مجدّداً لها كياناً يديلاً جديداً يواصلُ دورَها ومهمتَها التأريخية.

وحتى مطلع القرن العشرين حقّق الاستعمارُ من خلفها عدةَ أهداف كبرى ضد العرب والمسلمين ما زالت آثارها ونتائجها قائمةً إلى اليوم وما كان للاستعمار أن يحقّقها أبداً وأهمها احتلال العالم العربي والإسلامي كله وتقسيمه بين كيانات مستعمرة كثيرة متناحرة بينها البين وكانت موحدةً في دولة كبرى واحدة مشتركة وعبر هذا لكيان الدخيل في نجد ورديفة العميل في الحجاز تمت عملية الإجهاز على بقايا الدولة الموحَّدة وطعنها من خواصرها وإثارة ثورة معلبة ضدها بأموال بريطانية وأسلحة بريطانية وقيادات بريطانية أمثال المستر الكولنيل لورانس مستغلةً شكوى العرب من الاستبداد والفساد العثماني التركي ولم يستفد من تجربة محمد علي باشا في مصر والأستانة، فعندما حاول إصلاح الدولة العثمانية بغزوها إلى مركزها في العاصمة الأستانة بعد أن حطّم الجيوشَ العثمانية في مصر وَالشام وسار بهم نحوَ الداخل الأناضول محاصراً الحواضِرَ التركيةَ واحدةً بعد الأخرى بقيادة القائد إبراهيم بن محمد علي باشا وكانت خلفه فرنسا والغرب إلّا أنها سَرعانَ ما قلبت الموقف ضد محمد علي باشا وحطمت أسطوله في البحر الأبيض المتوسط ووضعت السلطان العثماني تحت حمايتها مقابل أن يقاسمها قسماً من الأراضي العربية التابعة لها في الوطن العربي، وهكذا حقّقت بريطانيا وفرنسا أَهَمّ أغراضهما الاستراتيجية.

في الشرق العربي وفي مواجهة خوفه من رعاياه العرب المطالبين بالإصلاحات المحدودة في إطار وحدة الدولة الإسلامية الواحدة ووحدة قيادتها وأراضيها وتوجهاتها في الدفاع ضد الأطماع الغربية في أراضي العرب والمسلمين كانت الثورة المعلبة بقيادة لورانس العرب ضابط المخابرات البريطاني الشهير وإلى جانب الشريف حسين أمير مكة ومن خلال مراسلاته مع المستر كوكس السفير البريطاني في القاهرة تتضح مدى المؤامرة التي حيكت بعناية من قبل الاثنين، كان الشريف حسين قد التحق في خدمة المخابرات البريطانية والحكومة البريطانية ضد الخلافة العثمانية؛ طمعاً في إقامة مملكة عربية قومية خالصة وكان الشريف حسين متأثرا بالحركة القومية العربية القديمة التي قامت أساساً في بلاد الشام بين الأقليات العربية وَخلال الصراع مع الأتراك الذين مارسوا البطش والعنف لفرض سياسة التتريك خاصةً خلال تنمر سيطرة حركة القومية الطورانية المتطرفة بقيادة حركة تركيا الفتاة والاتّحاد والترقي بزعامة جمال باشا وأنور باشا وكمال باشا أتاتورك، وكانوا قادةُ الجيش التركي الواقع تحت الإشراف الألماني حيث ألمانيا هي التي تولت إقامة الجيش الحديث لتركيا خدمةً لأغراضها هي في تطويق الامبراطورية الروسية العدوّ المشترك لهما ومنعها من الخروج من البحار الباردة إلى البحار الدافئة ومنعها من الحصول على منافذ نحو البحر الأبيض المتوسط.

كانت الثورة المصدّرة تحت إشراف الكولونيل لورانس البريطاني وكانت الثورة جزءاً من الخطة البريطانية في حربها لاحتلال الشرق العربي والشام والجزيرة العربية من أيدي الأتراك وكانت حرباً بالوكالة في جوهرها نيابةً عن بريطانيا مقابل بعض المكاسب المشتركة.

وعندما لم يتجاوب الشريف حسين مع طلب بريطانيا منه بأن يحرّر تنازلاً مكتوباً عن فلسطين لإسكان اليهود فيها قرّرت بريطانيا نفيَه من الجزيرة وإعطاءها لعبدِالعزيز صاحب الالتزام الشهير بمنح بريطانيا فلسطين ليهود أَو من تريد.

إن تحريرَ فلسطين والشام والجزيرة كلها قد تم من قبل مرتزقة القبائل العربية بقيادة لورانس وأبناء الشريف حسين، وفُتحت الشام قبل وصول القوات البريطانية إلى دمشق والشام عامةً، ثم دخلت بريطانيا وقواتها واستلمت البلادَ من القبائل العربية، وكان الدور الرئيس للقبائل الفلسطينية الأردنية من قبائل الوحدات البدوية المستقرة قرب وادي الرمة.

القبائل البدوية فتحت الشام أسلمتها بعد فتحها للقوات البريطانية لتحل محلها وتمارس السيادة والسيطرة، أما القبائل فقد عادت إلى مناطقها في الصحراء بعد انتهاء مهماتها في الثورة المصنعة كان رؤساء القبائل مشغولين، لا في الحكم القادم وإنما في الحصول على المكافئات البريطانية الموعودين بها، وكان زعماء القبائل والأمراء يتبعون الجنرال البريطاني “السير النبي” قائد الحرب البريطانية.

الثورة العربية لم تكن سوى فصل عسكري سياسي في مخطّط الحملة الحربية البريطانية الكبرى وما إن أنجزت هدفها المباشر حتى انطفأت تلك الثورة وتم سحب الموجِّه الأول لها وهو لورانس وإعادته إلى الوطن في أول سفينة تبحر إلى بريطانيا، أما الشريف حسين فقد دخل في مفاوضات ومشاورات ومعاتبات طويلة مع السفير والقيادة البريطانية لتذكيرهم بالوعود والمراسلات بينهما التي قُطعت له بأن يُمنح دولة عربية واحدة للأراضي التي يتم انتزاعها من الأتراك، وكان الشريف لم يدرك حقيقة المكيدة البريطانية المخفية بعدُ حتى أعلنت قيادة ثورة البلاشفة وأذاعت ونشرت حكومتهم النسخة الروسية من اتّفاقية سايكس بيكو السرية بين بريطانيا وفرنسا، وتضمنت تقسيم البلاد العربية ووضعها تحت الاحتلال البريطاني والفرنسي، فعرب الشرق كانوا من حصة بريطانيا وعرب المغرب كانوا من نصيب فرنسا، وكانت تتجاهل كلياً أية إشارة إلى الوعود المقطوعة للعرب في دولة موحدة مستقلة.

بل إن وضعَ دولة الشريف حسين في الحجاز كانت بريطانيا قد قرّرت القضاء عليها نهائياً على مراحلَ.. أولاً أجبرت الشريف حسين على التنازل عن الحكم لابنه علي الذي جنّدته وإخوته ضد أبيهم وضد أفكاره الطموحة وبعد أن تنازل الشريف عن الحكم لابنه جرى إبعاده إلى المنفى في جزيرة قبرص حيث مات شريدا.

وفي المرحلة التالية وخلال حكم الشريف علي بن الحسين تمت إثارة وإطلاق عَبدالعزيز ووهّابييه وجيوشه النجدية لغزو الحجاز بذريعة تحرير الأماكن المقدسة من أيدي الأشراف “المشركين”!.

وفي الحقيقة كان عبدُالعزيز أُلعوبةً طائعةً بأيدي البريطانيين، لا يناقش في أمر ولا يسأل عن مهمة، تأتي الأوامر والتوجيهات فينفذ على طول في أي اتجاه تراه بريطانيا ومندوبوها المشرفون عليه أي الكولنيلات جون فيلبيى وبيرسي كوكس.

وبعد أن تمت عملياتُ تصفية الحكومة الحسينية للأشراف في الحجاز في مطلع العشرينيات تفرغت بريطانيا لهندسة مشروعها الاستعماري الصهيوني الرئيسي المتمثل في تأسيس وبناء الكيان الإسرائيلي في فلسطين قبل إعلانه عبر خطة طويلة تغيير البنية السكانية في فلسطين بالقوة.

فلم يكن اليهود في فلسطين حينها إلّا بضعةُ آلاف لا يصلون إلى عشرة آلاف إنْسَان كأقلية تعيش في ظل العرب والمسلمين بعد أن تعرضوا للطرد من الغرب في نكبات سابقة حيث سيطرت تركيا على الأراضي العربية ومنحتها للإقطاع التركي في فلسطين وسمحت ببيع أرض لليهود والشركات اليهودية الكبرى التي كانت تأخذ أسماء إنجليزية مموهة.

وخلال ثلاثين عاماً من الاحتلال البريطاني لفلسطين ظلت بريطانيا تنقل لليهود من جميع أنحاء العالم للهجرة إلى فلسطين تحت حمايتها وفي ظل القمع القاسي للمقاومة العربية، ولعبت السعودية والمخابرات البريطانية والإخوان والوهّابية الدور الحاسم في تهيئة الشعب العربي المسلم في فلسطين الذي كان تحت قيادتها.

وأحاطت فلسطين بعروش عميلة من صناعتها في البلاد المحيطة بفلسطين لتكونَ قادرةً على إخماد ثورات العرب كلما تقدم الزمن واتسعت رقعة المؤامرة وتكشفت أسرارها للراي العام العربي.

بعد ثلاث مئة عام من البناء والتنظيم والتعزيز والحماية رغم سقوط هذا الكيان الغاصب الدخيل أَكْثَــرَ من مرة خلال القرون الثلاثة الماضية فلم يكن محصناً مطلقاً من الانهيار من قبل الشعب العربي وقبائله عبر العديد من الثورات.. فقد نجح الكيان الأول بفعل الاستعمار البريطاني بالبقاء خلال بضع عقود والتأسيس تحت الحماية البريطانية المباشرة ولم يكن ليقوم الكيان انطلاقاً من جذوره فهو بلا جذور حقيقية في الأرض العربية والإسلامية إطلاقاً؛ بفعل غربته القومية والدينية والعداءة للأُمَّــة العربية الإسلامية وولائه لمؤسّسيه ولخالقيه البريطانيين واليهود.

 

السعودية خلف كُــلّ مذبحة إنْسَانية

كانت السعودية الحاضر الأَكْبَــر خلف كُــلّ المؤامرات الكبرى التي أصابت المنطقة والعالم العربي والإسلامي، ولم تكن نكبة فلسطين لتحدث وتمر مرور الكرام على العرب والمسلمين لولا الدور السعودي المباشر التام مع الرئيس الأمريكي روزفلت فوق الطراد الأمريكي في قناة السويس، حيث تم اللقاءُ أَو المؤامرة الشهيرة في العام 45 م بين عَبدالعزيز والرئيس روزفلت، وجاء في مذكرات روزفلت ما يشير إلى أنه قد تفاهم مع عَبدالعزيز حول ضمانة عدم معارضة تسكين هؤلاء اليهود من أسماهم المساكين في فلسطين وإقامتهم دولتهم القومية أُسوة ببقية الأمم والشعوْب عملاً بروحية الكتاب الأمريكي الأبيض الشهير الصادر عن الحكومة الأمريكية نهاية الحرب العالمية الذي أكّــد على حق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية وكرامة.

وأكّــد تشرشل نفسه والزعيم الصهيوني بن جوريون في مذكراتهما والكولونيل جون فليلبي في مذكراته أن تعاونا وثيقا كان قائما بين عَبدالعزيز والحركة الصهيونية في الفترات التي سبقت النكبة وبعدها، وتضمنت المساعدات المالية المتبادلة بين عَبدالعزيز وبن جوريون حسب ما ذكرته أقلامهم، ويتصور البعض أن تلك كانت سياسة اختصت بعبدالعزيز وحدَه وميّزت عصراً واحداً، وهذا خطأ كبير، فالسياسة نفسها سياسةٌ ثابتة للكيان وستظل هي نفسها تشملُ الكيانَ كله.

 

سعود بن عَبدالعزيز واغتيال عَبدالناصر والوحدة والجمهوريات العربية المتحدة:

سعود بن عَبدالعزيز والمؤامرات ضد الوحد ة ومخطّط اغتيال عَبدالناصر قصة مشهورة معترف بها من قبل جميع الباحثين والمؤرخين من الجانبين بما فيهم أمراء أَحْرَار من آل سعود.

 

الجريمةُ والشهود

أَهَمّ الشهود على الجريمة كان المجني عليه نفسه أي المستهدف الأول بالاغتيال وكذلك الوسيط لتنفيذ الجريمة لقاء أموال سعودية طائلة سُلّمت على شكل شيكات على بنوك سعودية، ولكن تمكّن أنصار الوحدة في سوريا من إحباط المخطّط في حلقاته الأخيرة قبل التنفيذ بعد استلام الأموال والشيكات وتسليمها لعبدِالناصر نفسه وإحالتها إلى صندوق المصادرات القومية العامة.

كان المناضل السوري الفريق عَبدالحميد السراج نائب الرئيس العربي في سوريا ومسؤول الأجهزة الأمنية يقظاً ومناوراً بارعاً، فقد تظاهر بالإيجابية المتفاعلة مع المخابرات السعودية المعادية التي أقدمت على الاتصال به لإغرائه بالأموال وتظاهر بالاستجابة للمخطّط والمؤامرة، وكان عبدُالناصر قد أبلغ من قبل السراج بالمؤامرة واتفقا على مسايرتها صورياً إلى أن تتكشّف كُــلّ محتوياتها وأسرارها.

وكانت مخابرات سعود قد اتصلت به لتجنيده للقيام بقيادة انقلاب عسكري ضد الوحدة مع مصر ويصير رئيساً لسوريا المنفصلة بدعم مالي سياسي سعودي أمريكي وإسرائيلي وأردني مشترك مقابل إسقاط طائرة عَبدالناصر في الجو فوق مطار دمشق حين قدومه إلى سوريا عشيةَ الاحتفال السنوي بالذكرى الأولى للوحدَة والإعلان عن أن إسرائيل هي التي اعترضت طائراته وأسقطتها وسيتولى الإعلام الغربي والأمريكي تغطية العملية ونسبها إلى العدوّ الصهيوني وبذلك تغطي السعودية جريمتها البشعة متخفية خلف الرديف الصهيوني الحاضر لتغطية الجريمة وحملها نيابةً عن السعودية ما دامت تحقّق أهدافها في الأول والأخير.

ولكن جمال عَبدالناصر ومن ميدان دمشق الكبير بعد وصوله الآمن إليها ألقى خطاباً نارياً أمام ملايين العرب السوريين والمصريين واللبنانيين وسائر العرب الذين يتابعونه عبر الإذاعة العربية فضح فيه كُــلّ خيوط المؤامرة البشعة وتفاصيلها وأورد أرقام الشيكات والمبالغ التي تضمنتها علناً وارتجت العواصم العربية لهول ما تسمعه من فم عبدالناصر.

وأضحت مملكة الشر مكشوفة أمام هياج الشعوب العربية الغاصبة وأصبح صوت العرب الإذاعي وقد وجّه بوصلته نحو الجزيرة العربية وحكامها العملاء للاستعمار فقد انعكست آثار الحملة القومية على مختلف الأجهزة والكيانات العميلة، وقد شهد الكيانان العميلان الأساسيان في الرياض وعمّان -أي الأردن والسعودية- بداية لزلازل سياسية تهدد بانهيارهما من الداخل فقد شهدت عمان حراكا شعبيا قوميا ووطنيا كَبيراً لم تعرفه من قبلُ، مظاهرات وَمسيرات وتعبيرات غضب وشعارات تهتف للوحدة العربية وترفع شعارات عَبدالناصر وصوره وتندّد بالنظام الملكي العميل وتطالب بالانضمام إلى الوحدة العربية وتحرير فلسطين وطرد الاستعمار وكياناته ووكلائه وقاداته في البلاد، وكان المقصود المباشر هو الجنرال البريطاني جلوب باشا الإنجليزي المعين قائداً للجيش العربي الأردني والمسؤول عن كُــلّ السياسات الاستعمارية والمؤامرات المعادية والحاكم الفعلي للأردن ممثلاً للاستعمار البريطاني القديم.

ولذلك سارعت المخابرات الأمريكية إلى الضغط على الملك الأردني للإسراع في امتصاص النقمة الشعبيّة والإعلان عن إصلاحات وتغيير الحكومة المكروهة والإتيان بحكومة جديدة ذات نفَس قومي وإبعاد الجنرال البريطاني عن قيادة الجيش العربي الأردني بهدف امتصاص النقمة الشعبيّة المتصاعدة، وكان عدد من الضباط والطيارين قد انشقوا وانتقلوا إلى القاهرة.

ولم تسلم لبنان من تداعيات الأحداث المتصاعدة التي فجّرتها المؤامرة السعودية البشعة، فقد انعكست على توازنات الوضع اللبناني وعلى الشعب العربي القومي المعادي للاستعمار بين أوساط مناطق الفئات اللبنانية المهمشة المظلومة التي وجدت في الثورة العربية الوحدوية الناصرية أملها في الانعتاق من قيودها ومعاناتها، خاصة وأن الحكم اليميني الماروني اللبناني الانعزالي الموالي للغرب الأمريكي كان مشاركاً في المؤامرات المضادة للوحدة العربية والتحرّر الوطني، وكان قد استلم السيطرةَ عن الاستعمار الفرنسي الذي مزّق سوريا والشام إلى كياناتٍ تابعة أَو ملحقة في بلدان أجنبية قبل خروجه، كان لبنان قاعدته الرئيسية وحكومته علناً تباهي بتبعيتها للغرب الاستعماري وَطليعة حربٍ ضد العروبة والوحدة العربية وأدت الحملات القومية والإعلامية والسياسية الثورية التحريضية التي واصلت صوتُ العرب شنها من القاهرة ودمشق أن التحقت في صف الثورة العربية قطاعات واسعة من جماهير الشعب اللبناني بقيادة كمال جنبلاط والحركة الوطنية اللبنانية واشتعلت ثورة شعيبية في جبال لبنان أَدَّت إلى إسقاط الحكومة المارونية الرجعية الموالية للغرب ومجيء حكومة جديدة أقرب إلى المزاج العروبي القومي وتراجع الموجة الفاشية الحاكمة السابقة ممثلة بتيارات حزب الكتائب الفاشي الماروني المتطرف حليف الصهيونية والسعودية والغرب وأَدَوَاتها.

وقد أَدَّت الأحداثُ التي فجّرتها المؤامرةُ الفاشلة إلى مقدمات لانقلابات قادمة تهدد النفوذ الاستعماري في المنطقة فبادرت الأجهزةُ الأمريكيةُ المسيطرة على المنطقة وكياناها الدخيلة بمضاعَفة آليات سيطرتها وهيمنتها وتعزيزها.

وفي السعودية انشقت مجموعة من الأمراء الشباب الأَحْرَار وانضمّوا إلى القاهرة مع عدد من الضباط والمثقفين الرافضين لسياسة الكيان السعودي، وشعرت السعوديةُ بالرعب من نتائج المؤامرة الفاشلة لسعود وقرّرت المخابراتُ الأمريكية إزاحتَه لفشله في تأمين العملية، فقد فضحها وعرض الكيان كلَّه للخطر.

وأدّى إلى انقلاب داخل البيت السعودي الأجير شجّعه وأداره الأمريكيون لإزاحة سعود لصالح اخية فيصل الأَكْثَــر حنكة في إدَارَة المؤامرات.

 

 فيصل يخلف سعوداً

كان فيصل لديه قدرةٌ على التخفي خلف أردية مموهة من التدين الصوري والادّعاء بالحرص على العروبة والإسلام والنشاط الاستخباري المكثّف تحت إدَارَة المخابرات الأمريكية مباشرة وينضبط لتوجهاتها وتعاليمها.

فيصل هذا كان فارس المخابرات الأمريكية في العالم العربي والإسلامي الذي لا يبارى، فقد وضع أجهزة مخابراته تحت إشراف وإدَارَة المخابرات الأمريكية في المنطقة مباشرة عبر صهيره الهمام التركي الأصل المسمى كمال أدهم رئيس المخابرات الأمريكية في المنطقة ورئيس المخابرات السعودية في وقت واحد، هكذا وضعت أمريكا ومخابراتها آليات للهيمنة والسيطرة والإدَارَة المباشرة للكيان السعودي بدءاً من ملك الكيان إلى أصغر مؤسّسة.

 

 فيصل – ايزنهاور وأمركة الإسلام لمواجهة الحركة القومية التحرّرية العربية والإسلامية

بعد نكسة سعود ونكسة الوحدة مطلع الستينيات تمكّنت القوى العربية القومية التحرّرية أن ترد بقوة شديدة على المؤامرة الانفصالية التي فتحت الأعين وأزاحت الغشاوة عن حقيقة دور الكيان السعودي وملحقاته وأخواته في خدمة الإمبريالية الغربية والصهيونية.

إذ حقّقت القوى القومية العربية التحرّرية وثباتٍ كبرى تجاوزت البحرَ الأحمر وصولاً إلى حدود الكيان السعودية وأطلت القوات العربية على القواعد الأمريكية في نجران وعسير وجيزان وعدن وباب المندب وأمكن حصارَ إسرائيل من جنوب البحر الأحمر ومن الشمال.

وانطلقت الثورةُ اليمنية في الشمال وفي الجنوب وأدت مفاعيلُهما إلى طرد بريطانيا من اليمن ومن الخليج العربي، وكانت الثورةُ العراقية القومية قد حطمت النفوذَ الاستعماري البريطاني في شمال الخليج ومشرقة بقضائها على الحكم السعيدي العميل هناك ومعها حطّمت حلف السنتو المركزي في أضعف حلقاته.

 

تنظيمُ واحتواءُ وتوظيفُ الحركات الإسلامية الوهّابية الإخوانية السلفية تحت الرعاية والخدمة الأمريكية البريطانية الصهيونية

أعادت المخابراتُ الأمريكية تنظيمَ السيطرة والإدَارَة والأداء السياسي السعودي والإشراف المباشر على أجهزته ومضاعفة أعداد الخبراء والضباط الأمريكيين المسيّرين للأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية في الكيان السعودي بقيادة فيصل الذي أعاد تعيينَ المقربين له وأهله وإخوته وأبنائهم من المهيئين وَالمعدين والمجندين من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية وتعيينهم في المواقع الحساسة.

وقد وضعت المخابرات الأمريكية أمام فيصل استراتيجيةً تآمرية هجومية واسعة شاملة ضد الاتجاهات العربية القومية التحرّرية العربية والإسلامية، وتمخضت مخطّطاتهم أن أقاموا منظمةً باسم منظمة العالم الإسلامي والمؤتمر الإسلامي العالمي كانت مهمتها قيادةَ التحريض والتعبئة ضد الأنظمة القومية العربية التحرّرية وتكفيرها بين الجماهير العامية المسلمة في بلدانهم وخارجها، ونشر المواقف والأفكار الرجعية الموالية للغرب الصهيوني مموهةً تحت شعارات إسلامية المظهر ونُصِّبَ فيصل من قبل المخابرات الأمريكية لأمير المسلمين وخادماً للحرمين وَقائداً للمجاهدين في سبيل الدين ضد الكفار الوطنيين الأَحْرَار والقوميين والجمهوريين وتم رسم صورة جديدة للإسلام تخدم المؤامرات الاستعمارية الصهيونية والرجعية وتحارب الثورات التحرّرية والقومية والوطنية المجاهدة للاستعمار والصهيونية.

وتمت إعادَة إعداد المناهج التعليمية والدينية والفكرية في الكيانات السعودية وملحقاتها على أساس ما تحدّده السياسات الأمريكية والمصالح والأهداف الإمبريالية، وهذا ما أكّــده الرئيس ايزنهاور في مذكراته بوضوح، كما أكّــده مجدّداً وزير الخارجية الأمريكي الأخير نيلسون تيلرسون خلال استجوابه في الكونجرس الأمريكي قبل أشهر فقط، فقد أوضح قائلاً: إننا نحن في الخارجية والأجهزة الأمريكية المعنية من يضع للسعوديين مناهجهم التعليمية والعقيدية والفكرية والمقرّرات الأيديولوجية ونوجه حملات التكفير والتفكير والإفتاء والتقرير.

ويقر بالواقع نفسه بن سلمان اليوم بالقول: إن الأمريكيين هم من أمرهم بأن تفرخَ السعوديةُ المزيدَ من قوى الإرْهَـاب والتطرف الوهّابي باسم الإسلام وإطلاق وَحش التكفير والحروب بالوكالة عن الغرب خدمة لأهداف الغرب ومصالحه في حربه ضد الشعوب والأمم التي تحاول التحرّر والاستقلال والخروج من تحت تبعيته ووصايته وسيطرته، وخلال الحرب الباردة ضد الاتّحاد السوفييتي وكل عدو لأمريكا وإسرائيل هو عدو بالضرورة للسعودية وللوهّابية وللإخوانية وكل صديق لأمريكا وإسرائيل هو صديق للسعودية للوهّابية والإخوان.

 

كيانٌ ناتوي بثوب عربي

وفي سياق أهداف ومطالب صراع إمبريالي عالمي تقودُه الولاياتُ المتحدة وأجهزتها وتموّلُه السعوديةُ بأموالها ضد الحركات الوطنية التحرّرية في العالم الإسلامي العربي وهي النسخةُ المعدَّلة عن المناهج الإمبريالية العالمية المطبَّقة في شرق أوروبا وجنوب القارة الأمريكية وآسيا وإفريقيا وبلاد العالم الثالث وكوبا وغيرها.

فقد كانت أمريكا في عهود ايزنهاور والأخوين دالاس بعد الحرب العالمية الثانية تستعدُّ لوراثة الامبراطورية البريطانية العالمية وتتسلم مقاليد وأزمّة الكيانات المستعمرة وشبه المستعمرة من الأيدي التقليدية وأجهزة الإشراف البريطانية القديمة إلى الأيدي والأجهزة الأمريكية الحديثة الأَكْثَــر راديكالية وحركيةً وفهماً ومرونةً بفنون إدَارَة الاستعمار الجديد ومعاركه الفكرية والأيديولوجية السياسية ذات الأسبقية وتوظيف العقائد الدينية والمذهبية في خدمتها في تأجيج نيران المعركة الاستعمارية ضد الشرق التحرّري والقومي الاستقلالي.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com