مــع الـسـيد الـقـائـد فـي اليوم العالمي للمرأة المسلمة (1)

عبد الرحمن محمد حميد الدين

كانت المرأةُ على مرّ التأريخ تعاني من حالة الاضطهاد والاستغلال؛ وذلك نتيجة لحالة الانحراف والتحريف التي سادت مراحل زمنية سابقة ولاحقة، وقد أصبح التعاطي مع المرأة خاضعًا لتلك الثقافات المحرّفة والسياسات الطائشة التي جعلت من المرأة سلعة دون اكتراث لدورها الريادي في كونها حاضنةً للعباقرة ومربيةً لمنقذي البشرية من أنبياء وأعلام وعظماء.

فالثقافةُ المحرّفةُ التي نتجت عن أعمال اليهود الدؤوبة في تحريف التوراة والإنجيل هي ما صَنَعَ “أيدولوجيةً منحرفة المسلك” في أوساط المجتمعات الغربية، وبالتأكيد فإنّ ما يتشدق به الغربُ وأمريكا اليوم من “حقوق المرأة” ما هو إلا ردة فعل منحرفة؛ نتيجة لما عانت منه في الأحقاب الماضية في ظلّ هذه المجتمعات التي حرَّفت دينها وانحرفت بأجيالها.

وبالرغم من اختباء الغرب خلف حقوق المرأة ومظلوميتها، إلا أنّ المرأةَ في هذه المجتمعات انتقلت من وضعية “اضطهاد الكنيسة والتلمود” إلى وضعية “الاستغلال الصهيوأمريكي والغربي” تحت عنوان الحرية والمساواة، والحضارة والتحضر، والتي أدتْ إلى نتائجَ كارثية وتدميرية للأسرة والمجتمع الغربي.

ومع أنّ هذه العناوين الجذابة التي يصرّ الأمريكيون على أنهم مَن يرعونها ويدافعون عنها، والتي ملأوا الدنيا ضجيجًا وصراخًا من أجلها، إلا أنّ المرأة عندهم لا تزال هي الأكثر احتقارًا من خلال تقديمها كسلعة دعائية جعلها عرضةً للاستغلال والظلم.. وليس ذلك نتيجة لخلل في التشريعات القانونية الأمريكية أو الغربية، وإنما لوجود حالة “الانحراف والتحريف” الديني والثقافي التي كان لليهود الدور الأبرز في تعزيزها في أوروبا وأمريكا قديمًا وحديثًا، تارة تحت عناوين دينية، وتارة أخرى تحت عناوين علمانية، أبرزها: ما يسمى بالحرية والديمقراطية، وحقوق المرأة، والمساواة بين الرجل والمرأة، والتي انخدعت بها معظم حكومات ومجتمعات العالم الإسْلَامي التي تنادي بمتابعة التجربة الغربية!!

وبالرغم من أن معالم دين الله في كتبه مع سائر أنبيائه ورسله واحدة، باستثناء بعض الأحكام الخاصة المرتبطة بظروف زمنية معينة، إلا أن مكانة المرأة وتكريمها، وأهميّة دورها الثنائي مع الرجل هو مما أجمعت وأكَّدت عليه كتبُ الله، وقد جاء الإسْلَام ليؤكد هذه المكانة وهذا الدور؛ حيث يقول السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) في إحدى رسائله بمناسبة يوم المرأة المسلمة:

“إن الإسْلَام تضمن في تعليماته ونظامه وبرنامجه للحياة ما يكفل للمرأة دورها الإيجابي العظيم في الحياة، وفي نفس الوقت ما يصونها ويحفظ كرامتها ويحوطها بسياجٍ متين من الأخلاق والقيم، ويحفظها من عبث وفساد المفسدين في الأرض الذين يبذلون كُــلّ جهدهم للانحراف بالمرأة المسلمة تحت عناوين زائفة بهدف إرخاصها والحطّ من كرامتها، وإفسادها بما يُعتبر إهانةً لها وتحويلها الى سلعة للفساد”. ([1])

وها هو الإسْلَام قد قدم النموذج الأرقى للمرأة المسلمة المتمثل في ابنة سيد الخلق ومعلّم البشرية فاطمة بنت محمد رسول الله، إلا أننا نجد أنّ هذا الأنموذج قد تم تغييبه في المناهج الإسْلَامية والعربية بشكل متعمّد ومقصود!! وتم تقديم نماذج ما أنزل اللهُ بها من سلطان، وقد انعكس ذلك التغييب سلبًا على واقع المرأة في العالم الإسْلَامي بشكل عام، ولكن {يَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.

فاليوم فرضت الأحداث نفسها على المرأة أن تقتدي بفاطمة الزهراء في إيْمَـانها، وعفتها، وكمالها الإنْسَاني، وتضحياتها، فالمواجهة مع أمريكا وإسرائيل ومن حالفهم من منافقي الإمارات والسعودية والمرتزقة يحتّم على المرأة المضي في خطّ الزهراء منهجًا وسلوكًا، ولا خيار عن ذلك إلا الذلّ والعار.

ويقول السيد القائد في هذا السياق:

“لقد قدّم الإسْلَام نموذجه الأرقى والمتميّز والقدوة في الواقع الإنْسَاني للمرأة المسلمة، وأثبت أنّه رسم لها الطريق للارتقاء في سُلَّم الكمال الإيْمَـاني والارتقاء الإنْسَاني على نحوٍ حقيقي وسليم وصحيح وعظيم ومقدس، وليس كما يفعل أعداء الإنْسَانية اليوم وعلى رأسهم أرباب الفساد والرذائل بقيادة أمريكا وإسرائيل الذين يسعون إلى الانحطاط بالمرأة والإفساد لها وتحويلها إلى سلعة رخيصة للاستغلال السياسي، ووسيلة لهدم الأخلاق والقيم، وعنواناً لتفكيك المجتمع وبعثرته والتمزيق لنسيجه الاجتماعي”.([2])

وقد أبرزَ خطابُ السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) ورسائلُه بمناسبة ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء بنت محمد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الخطوطَ العريضة لمنهجية القُـرْآن الكريم في تقديمه للمرأة كمخلوقٍ مساوٍ للرجل في المسؤوليات، والتأكيد في مضامينه الكريمة على أنّ الرجل والمرأة هما عالم واحد ضمن مسؤولية واحدة وتكاملية؛ فقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(النحل:97). كما تضمنت هذه الرسائل تقديم النماذج المؤمنة التي ينبغي للمرأة المسلمة أن تحتذي بها في سلّم الكمال الإنْسَاني والإيْمَـاني؛ وعلى رأس هذه النماذج يقدم الإسْلَام السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله؛ النموذج الأرقى والأسمى.

***

السيدة الزهراء تجلى بقيمها عظيمُ أثر الإسْلَام:

في كلمةٍ بمناسبة ذكرى مولد السيدة الزهراء، أشار السيد القائد (يحفظه الله) إلى عظيم أثر الإسْلَام في واقع الإنْسَان فيما لو سار على منهجه وتربّى بقيمه؛ وبذلك يكون هذا الإنْسَان – ذكرًا كان أم أنثى – شاهدًا على عظمة الإسْلَام وعلى عظيم أثره في واقع الناس.

وقد أبرز السيد هذه النقطة الهامة من خلال تقديمه للسيدة الزهراء؛ باعتبارها أحدَ الشواهد البارزة على عظيم أثر الإسْلَام، وعلى عظمة المربي الأول محمد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي كانت ابنته الزهراء فاطمة النموذج الراقي في مدرسته؛ فلم تكن عظمة السيدة الزهراء إلا انعكاسًا لعظمة الإسْلَام في قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتجسيدًا لكمال أبيها الرسول الأعظم.

كما أن الزهراء كانت من أعظم الشواهد على أن الله برحمته وحكمته وعظمته قد فتح للمرأة آفاق معراج الكمال الإنْسَاني والإيْمَـاني، ولم تكن صفرًا على الشمال، أو مجرد مخلوق لخدمة الرجل كما قدمها اليهودُ في تلمودهم، والنصارى في كتابهم المحرَّف، فأولئك الموتورون قد حرّفوا كلامَ الله عن موضعه بغرض الفساد في الأرض، وهم يعلمون أنّ فساد المرأة يؤدي إلى فساد الأسرة، وفساد الأسرة يعني فساد المجتمع!! وهذا هو واقع الأسرة والمجتمعات الغربية التي كان تعاطيها مع المرأة بين تفريط وبطش التلمود والكنسية، وإفراط واستغلال الفلك الصهيوأمريكي.

أما الإسْلَام فقد قدّم تلك النماذج العظيمة للمرأة، والتي عرضها القُـرْآنُ الكريم؛ حتى تكون بوصلة لكلّ امرأة تصبو إلى معارج الكمال الإنْسَاني والإيْمَـاني. ومما قاله السيد القائد في ذلك:

“تلك الزكية المرضِيّة التي بلغت ذروة الكمال الإنْسَاني والإيْمَـاني للمرأة، وجسّدت في حياتها قِيم وأخلاق الإسْلَام على أرقى مستوى، فكانت نعم القدوة ونعم الأسوة للمرأة المؤمنة، وتجلّى بأخلاقها وقِيَمها وكمالها الإنْسَاني عظيمُ أثر الإسْلَام، وتربية أبيها المصطفى محمد (صلى الله وسلم عليه وعلى آله)، وكانت نعم الشاهدة على أنَّ الله سبحانه وتعالى قد فتح للمرأة آفاق ومعارج الكمال الإنْسَاني والإيْمَـاني، وشرّفها وأعلى من شأنها بالقيم والأخلاق والمبادئ العظيمة“.([3])

وكما يُقال: أنّ “الضدّ بالضدّ يُعرف”؛ فإنّه بالبعد عن قيم وأخلاق الإسْلَام سيتجلّى فداحة واقع الإنْسَان النفسي والمادي، وهذا ما يظهر جليًا في واقع المجتمعات الغربية التي جانبت القيم الإسْلَامية؛ خاصة فيما يتعلق بقيم المرأة، وبالتالي كانت شاهدًا أيضًا على أهميّة هذه القيم الربّانية، وشاهدًا على أن انسلاخ أيّ مجتمع عنها يعني التفكك والانهيار.

([1]) رسالة السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي بمناسبة مولد فاطمة الزهراء عليها السلام (اليوم العالمي للمرأة المسلمة) لعام 1437هـ.

([2]) رسالة السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي بمناسبة مولد فاطمة الزهراء عليها السلام (اليوم العالمي للمرأة المسلمة) لعام 1439هـ.

 

([3]) كلمة السَّيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ـ يحفظه الله – في ذكرى مولد الزهراء عليها السلام

(اليوم العالمي للمرأة المسلمة) 1435هـ /2014م.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com