أكاديميون لـ “المسيرة”: الشهادة سرُّ انتصار المحقين ومعادلةٌ لا يستطيع العدوُّ حلها أو تفكيك رموزها

استطلاع | أمين النهمي       

تأتي ذكرى الشَّهِيْـد السنوية هذا العام بالتزامن مع الاستبسال والانتصارات التي يسطّرها اليمنيون بالفداء والتضحية والشهادة في سبيل الله لمواجهة عدوان همجي شارف على إنهاء عامه الرابع، قدّمت خلاله الآلاف من الشُّهَـدَاء الأَبْـــرَار الذين صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه، وسط اعتزازٍ وافتخارٍ من أهليهم وشعبهم، قلَّ له نظيرٌ في هذا العالم.

وحول هذه المناسبة التقت “المسيرة” عدداً من الأكاديميين، وطرحت عليهم بعضَ التساؤلات حول الدلالات التي نستلهمُها من إحْيَـاء مناسبة الذكرى السنوية للشهيد، وأهمِّ المنطلقات التي انطلق منها الشُّهَـدَاء، وما هو الواجبُ على المجتمع تجاه أولئك الشُّهَـدَاء العظماء وأسرهم ؟، وكانت الحصيلة الآتي:

 

دلالاتُ الوفاء

البدايةُ كانت الأستاذ الدكتور/ نعمان الأسودي -أستاذ علم النفس التربوي وَمستشار جامعة ذمار-، الذي تحدث قائلاً: ذكرى الشَّهِيْـد السنوية مناسبة جداً عظيمة كعظمة الشُّهَـدَاء أنفسهم وما يفعله الشعب اليمني والقيادة السياسية من برامجَ ولو رمزيةً رغم ظروف الحرب الظالمة التي تشن على الشعب اليمني، فهذا الاهتمام من قبل الشعب والدولة لإحْيَـاء ذكرى الشَّهِيْـد تحملُ الكثيرَ من الدلالات التي تعبّر عن وفاء هذا الشعب وهذه القيادة، لما قدمه الشَّهِيْـد من تضحية تمثلت بالجود بروحه رخيصة ليعيش هذا الشعب حراً لا يعبد إلّا الله ولا يخضع إلّا لله، ولولا تلك التضحيات لأصبح الجميع مستذلين وخاضعين لهيمنة الطغيان والاستعمار البغيض، وفي مقدمتهم الصهيونية، فكان من الطبيعي إحْيَـاء هذه الذكرى رغم الظروف، إلا أنها دلالةٌ على عدم نسيان الدور الذي لعبه الشُّهَـدَاء في تحقيق الانتصار لهذا الشعب في طريق نصر الله القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، فهنيئاً للشهداء، وهنيئاً للشعب اليمني الذي تشرف كَثيراً بهؤلاء الأبطال.

 

منطلقاتٌ قرآنية

وتابع الأسودي بالقول: إن الشُّهَـدَاءَ تحَـرّكوا بالدرجة الأساس من منطلقات قرآنية، تحثنا على نصرة الله بإقامة العدل الاجتماعي؛ لأَنَّنا إذا لم نبنِ المجتمع بتلك المعايير، فستُفرض على هذا الشعب معايير الطاغوت، وهي بكل الأحوال معاييرُ شيطانية، وسنبوء بالتالي بخسارة الدنيا والآخرة لمخالفتنا أمر الله لنا القائل: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)، فالشعب اليمني يعتمد على معايير قرآنية لامتثال أمر الله مع ثقتنا بالله واعتمادنا عليه.

ونوّه الأسودي إلى أنه من الواجب على المجتمع أن يقدر هؤلاء الشُّهَـدَاء بكل ما يستطيع وينزلهم مقامتهم التي أقامها الله لهم في جنة الخلد، وعلى المجتمع أن يخلف هؤلاء الشُّهَـدَاء بالخير تجاه أسرهم ومن خلفهم، لكي يشعرهم أنهم في سرور عند ربهم، كما أن من خلفهم من الأسر، فإن الشعبَ اليمني لم ينسَهم كأقل واجب نعمله تجاههم.

 

صُنّاعُ حضارة

فيما يرى الدكتور/ فضل زيد -أستاذ البلاغة ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة إب-: إن الشُّهَـدَاءَ صُناعُ حضارة؛ لأَنَّ الحضارةَ لا تُقام إلا بالقيم العظيمة، وبُناة أمجاد؛ لأَنَّ المجد لا يُنال إلا بالتضحية الكبيرة، وهم مدرسةٌ إنْسَانيةٌ مشرقة، نستلهمُ منها القيمَ السامية، والمبادئَ العالية، فكم في سِيَرِ الشُّهَـدَاء العطرة من دروس وعِبَرٍ، هي كالمشاعل المضيئة في طريق السائرين.

 

أروعُ الأمثلة

ولفت زيد إلى أن الشُّهَـدَاءَ قدموا لنا أروعَ الأمثلة في أرقى المعاني الوطنية، فقد هبوا دون تردّد نحو ساحات البطولة، ملبِّين نداءَ وطنهم بكل رجولة، معبّرين عن حبهم لوطنهم بأرواحهم ودمائهم، مسارعين لنُصرة قيم الحق والوئام، وإرساء دعائم الاستقرار والسلام، رافضين غطرسة وهيمنة دول قرن الشيطان، فبهم يزدهر الوطن، وتفتخر الأسر.

وقال: لقد انطلق شهداؤنا الأَبْـــرَار من المنطلقات نفسها التي انطلق منها الإمام الحسين رضي الله عنه انطلاقاً يقوم على أساس رفض الظلم والقهر وحياة الذل والهوان والخنوع، انطلاقاً محباً للعدالة وإرساء السلام وتحقيقاً لعدالة الإسْلَام ومبادئه السمحة.

 

تحقيقُ العدالة

وتابع بالقول: لقد تعلمنا من الشُّهَـدَاء أروعَ القيم، أهمها التحلي بروح المسؤولية الاجتماعية، والتفاني في خدمة ديننا والدفاع عنه كما تعلمنا منهم التفاني في حب أبناء وطننا، والمقيمين على أرضه الطيبة، كما تعلّمنا من الشُّهَـدَاء ثمراتِ البيت الصالح، والتربية الصالحة، وقيمة الآباء والأمهات، الذين يصنعون للوطن رجالاً، ويقدمون له أبطالاً، فالتربية الصالحة شجرة مثمرة، وهؤلاء الشُّهَـدَاء تخرجوا في البيئات الصالحة، التي أمدتهم بحب الوطن والتضحية له، والتفاني من أجله.

 

فخرٌ واعتزاز

وختم بالقول: لله درّ آباء رفعوا رؤوسَهم بأبنائهم الأبطال، وأمهات سطّرن أروعَ الكلمات في احتساب فلذات الأكباد، واعتبروا الشهادةَ عرساً مليئاً بأهازيج الفخر والاعتزاز، وإن الأمم تُختبر وتُمتحن، ليظهرَ معدنُها الأصيل، وتزداد صلابةً وقوة، وثباتاً وهمةً، وإصراراً وعزماً، وهنيئاً للسيد القائد هذا الشعب العظيم الصامد في وجه قوى الكفر والإلحاد، والله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسْلَام.

 

غيماتٌ تفنى

وترى سعاد الشامي -أستاذة الثقافة الوطنية بجامعة العلوم والتكنولوجيا-، أن الشُّهَـدَاءَ هم الغيمات التي تفنى لتعطينا الحياة ونحن نحيي هذه المناسبة تعظيماً وتقديساً لأسمى عطاء وأشرف تضحية قد يجود بها الإنْسَان على مدار الحياة البشرية.

 

رصيدٌ أخلاقي

ونوّهت الشامي إلى أن الشَّهِيْـدَ انطلق من استشعاره للمسؤولية الإيْمَانية والجهادية والوطنية في إقامة القسط ونصرة دين الله والدفاع عن الوطن وأيضا بما يمتلكه من الرصيد الأخلاقي في ترسيخ مبادئ العدالة الإنْسَانية ونصرة المستضعفين.

 

قداسةٌ مجتمعية

وختمت الشامي بالقول: الشَّهِيْـدُ يبذُلُ دمَه وروحَه لينعمَ كُلّ الناس بخير وسلام، ويترك أهله وأسرته، ومن أولويات الوفاء لدم الشُّهَـدَاء هو الاهتمامُ بأسرهم وتفقدهم سوى من الناحية المادية أَو المعنوية، والوقوف إلى جانبهم في كُلّ ظروفهم، وأن تكونَ لهم قداسةٌ مجتمعية تنبثق من قداسة الشَّهِيْـد.. فسلامُ الله على كُلّ الشُّهَـدَاء، ولهم العهد منا بالمضي على دربهم والوفاء لدمهم ما زال فينا عروقٌ ينبض بالحياة.

 

منحةٌ إلهية

ويؤكّدُ الأستاذ العلامة فؤاد الراشدي –موجِّهُ اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم، بالقول: الشهادةُ سِرُّ انتصار المحقين، فهي المعادلةُ التي لا يستطيع العدوّ حلَّها أَو تفكيكَ رموزها، وهي منحةٌ إلهية وهبةٌ ربانية وهبها اللهُ لصفوة صفوة أوليائه، حيث أكرم بها سيدَ شباب أهل الجنة بها فصار سيداً للشهداء ولجميع أهل الجنة، وما ذاك إلا لأَنَّ كربلاء كانت عبقَ الشهادة لاسترجاع ميراث الأنبياء وناموس هذه الأرض وكرامة الإنْسَان التي سلبها قابيل والنمرود وفرعون والمستكبرون والمترفون وأتباع الشهوات على مر العصور حتى يومنا هذا.

وأضاف الراشدي: عندما نحيي ذكرى الشُّهَـدَاء نحييها عملاً لا قولاً، وشلال الدماء الزكية يفور في جنبات بلادنا في كُلّ جبهة وفي كُلّ سهل وتلة ووادٍ وجبل وفي كُلّ محاور المقاومة والمواجهة في عالمنا الإسْلَامي والذي لن يتوقفَ إلا يوم اجتثاث غدة الشر السرطانية وهزيمة الشيطان الأكبر فرعون العصر.

 

دليلُ طهارة

وتابع: ما نراه اليوم من نصرٍ وبقاءٍ للمجاهدين بعد أربع سنوات من الإجرام السعودي الصهيوأمريكي هو دليل على طهارة وعظمة ذلك الدم الذي سقى شجرةَ الحق وفي مقدمة ذلك دم السيد حسين رضوان الله تعالى عليه وتلك الكوكبة التي كانت حوله التي نهضت يومَ أن قعد الكثيرون وتقدمت يومَ أن تقهقر الآخرون… أولئك العظماءُ انطلقوا تلبيةً لنداء الحق الذي اشترى منهم التي هو مالكها -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ونقدهم الحياة الأبدية بالقرب منه وعنده نقداً عاجلاً في جنة عرضها السنوات والأرض، جذبهم العشقُ الإلهي فلم يستطيعوا المكوثَ بين الناس، إذ أن جمالَ حبيبهم أنساهم كُلَّ المغريات التي يضُجُّ ويعج الكونُ بها من حولهم.

 

شهداؤنا عظماؤنا

وختم الراشدي بالقول: واجبٌ على المجتمع أن يحفظَ تركةَ أولئك العظماء إذ أنهم بذلوا أغلى ما يملكون وعلينا أن نرعى ونهتم بأغلى ما تركوا فأثرُهم بيننا في أسرهم لنشعرَهم بأن دمَ شهيدهم جعلهم أعزاءً وكرماءً ومحلَّ اهتمام وحب الجميع وأن ما يقوم به المجتمعُ نحوهم ليس مِنَّةً بل هو أقل ما يمكن تقديمُه ولو بلغ ما بلغ فليس هناك أغلى وأعظم من الشَّهِيْـد فشهداؤنا هم عظماؤنا الذين يجب أن ندركَ أن أجلَّ شيء نهتم به لنحفظ دماء هو الاهتمامُ والولاء لقائد هذه الانتصارات وقائد أولئك المجاهدين والشُّهَـدَاء قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي؛ كي فباستمرار الوفاء يدوم العطاء.

 

كرامةٌ إلهية

بدوره، الدكتور رياض عبدالملك حسان -أستاذ الكيمياء بكلية العلوم التطبيقية جامعة إب-، تحدث بالقول: الشُّهَـدَاءُ لم تكن الشهادة منهم لطلب شيء دنيوي، فلا حاجةَ لهم إلا ابتغاء رضاء الله وليس ارضاء البشر، فحينما نستشعر ما قدموا من تضحيات عظيمة كأني بالشَّهِيْـد يقول: (ليت قومنا يعلمون بما وهبنا ربنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- حباً لقومهم في الخير الذي نالوه لينال قومهم) هكذا هم عظماء يحبون الخير كانوا في الحياة أَو بعدها.

وأشار حسان: إلى أن أهم المنطلقات التي تحَـرّك منها الشُّهَـدَاء أنهم عرفوا اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- حقَّ المعرفة ومن منطلق هذه المعرفة كانت الثقةُ بالله مطلقة في انطلاقهم وثباتهم لنيل إحدى الحسنين إما النصر أَو الشهادة، وكذلك طلبهم الشهادة؛ لأَنَّها كرامة من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والشهادة لا ينالها إلا من أخلص لله وعرف هدية هو سار عليه..

 

الدلالاتُ

وقال: يتطلب في هذه الذكرى أن نستذكرَ الأحبة من ضحوا بأرواحهم لنبقى في أمان، وأن يعرفَ المجتمع أن مقام الشُّهَـدَاء رفيع في قلوبنا وَحياتنا ونحن البشر فكيف مقام الشُّهَـدَاء عند ربنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهو القائل: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

 

الواجبُ كبير

وتطرق حسان إلى أن الواجبَ كبيرٌ من المجتمع كزيارة أسر الشُّهَـدَاء، وتفقد أحوالهم المعيشية وَرفع روحهم المعنوية بما قدم ذويهم من دور لحفظ امن المجتمع، كذلك تبني المجتمع في إخراج مشاريع بسيطة يستطيع أن تشارك بها أسر الشُّهَـدَاء مثل بيع منتجات منزلية ليتم إعالتهم وغيرها من الافكار التي تبث روح التآخي والمحبة لهم.

 

دربُ الشرف

وأوضح سام يحيى الهمداني -أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة ذمار-، بالقول: إن إحْيَـاءَ مناسبة الذكرى السنوية للشهيد هو إحْيَـاءٌ للشرف والتضحية إحْيَـاءٌ للعزة والكرامة والرفعة، فالشهادة كرامةٌ وفضلٌ من الله يؤتيه لمن يصطفي من عباده (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) فكلما أحيينا هذه الذكرى نحن نحيي درب الشرف والنضال، ونشعل قنديلاً ينير درب أجيالنا القادمة، فالشُّهَـدَاء جعلوا من أجسادهم جسراً لنعبر نحن إلى الحرية فهم رمز الشرف والتضحية ومنهم نستلهم معاني الشجاعة والبذل والعطاء في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي.

 

وعيٌ وبصيرة

وقال: انطلق الشُّهَـدَاء من وعي وبصيرة مدركين فضل الجهاد والشهادة في سبيل الله، انطلقوا كي لا يكونوا من المتثاقلين إلى الأرض عن داعي الجهاد والنفير، انطلقوا؛ دفاعاً عن الدين والأرض والعرض كي تكون كلمة الله هي العليا ويؤمنون بأن طريق الجهاد يقودهم إلى الجنة ويعلمون بأن أشرف الموت هو موت الشُّهَـدَاء.

 

مسؤوليةٌ كاملة

ودعا الهمداني إلى أن نجعل من أولئك الشُّهَـدَاء العظماء القدوة في تربية أجيالنا على درب العزة والكرامة، والأمة التي تنسى عظمائها لا تستحقهم، فيجب أن نتحدثَ عن أخلاقهم وصفاتهم ووصاياهم وشجاعتهم في مواجهة جحافل الغزو والعدوان، كما يجبُ علينا أن نكونَ عند المسؤولية الكاملة تجاه أسر الشُّهَـدَاء الذين كانوا رمزَ الإيثار والتضحية والفداء فنشملهم بالرعاية والاهتمام وننسيهم فراق الأحبّة ونغرس في نفوسهم الفخر، فالشَّهِيْـد هو فخر لأسرته ولوطنه ولكل مَن يعرفه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com