ثقافة الجهاد والاستشهاد: مشروع حياة أبدية وهوية يمنية بامتياز (1-2)

تقرير / أمين النهمي

شعبٌ ترسّخ إيْمَــاناً، ووعياً، وممارسةً بثقافة الشِّهَـادَة والاستعداد العالي للتضحية، ثقافة البقاء التي تحمي الأُمَّــة وتعتزُّ بها وتصمُدُ.. ثقافة العطاء التي هي سر الصمود الأسطوري للشعب اليمني وانتصاراته في وجه هذا العدوان التي ترجمها الشعب على أرض الواقع فكسروا بإرادتهم وصمودهم عنجهيةَ وغرورَ المعتدين.

شعبٌ تعتَّقَ صموداً واستبسالاً وشموخاً على مدى أربعة أعوام متتالية في وجه تحالف الشر العدواني، يعيشُ هذه الأيام الذِّكْــرَى السنوية للشهيد، كما في الأعوام السابقة على واقع الشهادة في سبيل الله منهجا قرآنياً ومساراً إيْمَــانياً ثورياً يجسّده العطاءُ والبذلُ والتسابق نحو ساحات وميادين الاستشهاد دفاعاً عن العقيدة والوطن والإيْمَــان والشرف وقيم ثورته القُــرْآنية، شعب يحمل في وعيه الإيْمَــاني المجسد بواقع الفعل والممارسة ثقافة ومنهجية قوله سبحانه وتعالى (يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).

تأتي ذكرى الشهيد السنوية هذا العام بالتزامن مع الاستبسال والانتصارات التي يسطّرها اليمنيون بالفداء والتضحية والشهادة في سبيل الله لمواجهة عدوان همجي شارف على إنهاء عامه الرابع، قدمت خلالها الآلاف من الشُّـهَـدَاء الأبرار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وسط اعتزاز وافتخار من أهليهم وشعبهم، قلَّ نظيرُه في هذا العالم.

 

تجارةٌ إلهيةٌ رابحة

عطاءٌ قابله اللهُ بعطاء، وتجارةٌ رابحة ليست كباقي التجارات الموجودة على هذه الأرض، هذه التجارةُ أصحابُها رابحون في الدنيا والآخرة، وقد دعا الله في كتابه العزيز المؤمنين إلى هذه التجارة التي ستنجيهم في الحياة الدنيا والآخرة، فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

إنَّها دعوةٌ للجهاد بأسلوب يبيّن حقيقته، ويشير إلى نتيجته العظيمة، فهي معاملة تجاريّة من أروع المعاملات، طرفها الأوّل الله تعالى، وَالطرف الثاني هم المؤمنون بالله واليوم الآخر، الثمَّن: الجنّة الخالدة، الثمن، أنفس المؤمنين وأموالهم، ثمَّ يشير تعالى إلى نتيجة هذه المعاملة: “ذلك هو الفوز العظيم”، كما أكَّد القُــرْآنُ الكريمُ على فضل الشُّـهَـدَاء ومكانتهم وأجرهم ونورهم، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.

 

منهجُ حياة.. ووعي إيْمَــاني

يدرك اليمنيون اليومَ بإيْمَــانهم وبواقعهم الحي أن الجهادَ في سبيلِ اللهِ منهجٌ للحياة الأبدية الخالدة، ومسارٌ إلى الحياة الكريمة والعزيزة التي أرادها الله لعباده أن يعيشوها وأن يحيوها في الدنيا قبل الآخرة، كما يدركون أَيْضاً بأن الجهادَ في سبيل الله مسارٌ إيْمَــاني تفضل الله به برحمته على عباده؛ ليحظوا بالحياةِ الأرقى والأبدية في الآخرة؛ ولذلك استقبالُ اليمنيين لهذه المناسبة العظيمة، وإحياؤهم لها لهذا العام هو استقبالُ شعبٍ يحمل في وعيه الإيْمَــاني المجسّد بواقع الفعل والممارسة ثقافة ومنهجية قول الله تعالى (يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ).

شعبٌ يؤكّدُ بعطائه وبشهدائه وبمسارعته نحو ميادين الجهاد في سبيل الله بأن الشهادة في سبيل الله بحد ذاتها حياة فضلاً عن كون عشاقها هم من يصنعون لشعوبهم وأمتهم الحياة الكريمة ويعبدون بدمائهم طريق الحياة الكريمة العزيزة والقويمة لعباد الله المتحقّقة بهدى الله وبوعد الله تحت رعايته وبمقتضى رحمته وعدله وفضله الواسع في الدنيا والآخرة.

 

القائدُ والمشروعُ

منذ أن أعلن الشهيدُ القائدُ حسين بدرالدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- انطلاقةَ المشروع القُــرْآني، ورفع شعار الصرخة في جبل مرّان بمحافظة صعدة، حتى توالت المؤامرات وشُنت حروب وحشية وظالمة وغاشمة خدمة لأمريكا وإسرائيل، سقط فيها شهداءُ عظماءُ خلال هذه الحروب، بعد أن أحست أمريكا وإسرائيل بالخطر الذي سيواجههم من انتشار هذا المشروع.

لقد كانت وما زالت نعمةُ الله وفضلُه ورحمته كبيرةً وواسعة على اليمن وشعبه حينما حماه الله وحصّنه بانطلاقة المشروع القُــرْآني الثقافي التوعوي للشهيد القائد السيد/ حسين بدر الدين الحوثي -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ-، والذي ركز فيه على الاستهداء بالقُــرْآن الكريم. فأبصر به وسمع، ونطق به وتحَـرّك، مستنيراً بهداه وقدمه للشعب اليمني ولشعوب الأُمَّـة منهجاً ومساراً ومنطلقاً عملياً لتحصينها ولتحريكها بما يجعلُها قادرةً على مواجهة الخطر الكبير، والتحدي غير المسبوق والشامل عليها وعلى دينها وعلى وجودها، مبيناً للأُمَّـة عامةً وللشعب اليمني خَاصَّـةً أنه ليس هناك مخرجٌ للأُمَّـة إلا اللهُ وهداه القُــرْآني، فهو من يحصّن الأُمَّـة ويحركها في مواجهة تضليل بهذا المستوى؛ لذلك كان التحَـرّكُ والتآمرُ والحرب على المشروع وقيادته وأنصاره ومجتمعه حرباً كبيرة وشرسة وشاملة وعالمية، فكانت تلك الحروبُ والمؤامرات التي انتهت باستشهاد السيد حسين بدر الدين الحوثي.

استطاع الشهيدُ القائدُ بفضل الله أن يخلُقَ في نفوس الناس حالةً من الوعي، ومن العمل الجهادي وأن ينتشلَهم من واقع الركود إلى واقع الحركة المثمرة، واستطاع بفضل الثقافة القُــرْآنية التي تدعو إلى البذل والعطاء، أن يجعل المجتمع يخرج من حالة البخل والخوف إلى حالة التضحيات والإنفاق والعطاء والدليل الواقع الذي نعيشُه اليوم كشعب يمني في مواجهة العدوان السعوديّ الأمريكي فهذا الصمود الأسطوري وهذا الوعي والبصيرة التي يتمتع بها شعبنا لم تأتِ من فراغ بل جاءت نتيجةَ وعيه ونتيجة ثقافة قرآنية آمن الناس بها في قلوبهم وعملوا بها في واقعهم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com