مأساة إنسانية لأُسرة حوّل العدوان منزلَها إلى ركام في الحديدة لتصبح بلا مأوى في صنعاء

المسيرة| عباس القاعدي

لم تكُنْ أُسْرَةُ المواطن قاسم محمد مهدي زيد تعرِفُ أنها على موعد مع الموت عندما كانت تسكُنُ في مديرية الجعفرية بمحافظة ريمة، ثم انتقلت إلى محافظة الحديدة؛ للبحث عن لقمة العيش كواحدة من الأسر الفقيرة التي تبحث عن رزقها كُــلّ يوم جديد بإصرار وعزيمة، فبعد سنوات من الكد والشقاء والعناء حصلت على منزل شعبي في الحديدة تم شراؤه لغرض السكن فيه ولكنها لم تكمل العام الواحد بداخل هذا المنزل المتواضع، لتأتيَ طائرات العدوان والإجرام؛ كي تقصفه وتقتل الفرحة بداخلهم، ولحُسن حظهم أن أفراد الأُسرة لم يكونوا داخلَه فقد غادروه كعادتهم في الصباح لطلب الرزق.

حيث استهدفت في صباح يوم الأربعاء 25/10 /2018 م طائراتُ العدوان السعوديّ الأمريكي منزلَ الأُسرة الشعبي المتواضع بصاروخ حوّله إلى ركام أمام أعيُنهم بعد خروجهم منه بلحظات وفي تلك الأثناء وبينما أدخنة الحريق تتصاعد ممزوجة بغبار أتربة البيت المستهدف، عاد فيصل محمد مهدي زيد إلى البيت الذي أصبح ركاما لإخراج حاجاته الخاصة ولكنه لم يتمالك نفسه وخرَّ مغشياً عليه من هول الصدمة، متحملاً عبئاً جديداً وهماً آخر وحملاً ثقيلاً على أُسرة فقيرة، راسماً قصةً إنْسَانية يجسدُها صبر ومعانة أمه وأخيه قاسم محمد مهدي زيد الأخ الأكبر في الأُسرة.

 

نازحون في صنعاء بلا مأوى

وفي زيارة ميدانية قامت بها صحيفة “المسيرة” أمس السبت لتفقد أوضاع الأُسرة المنكوبة النازحة التي باتت تسكُنُ بأحد الدكاكين في منقطة نقم مديرية آزال بالعاصمة صنعاء، التقى مراسلُ الصحيفة بالأخ الأكبر في الأُسرة وهو قاسم محمد مهدي زيد الذي قال بأنه “قرر السفر إلى الحديدة ومغادرة قريته الجعفرية بريمة للبحث عن لقمة العيش”، حيث قام في البداية باستئجار منزل لأسرته وكان يعمل هناك حمّالاً للدقيق والقمح من القاطرات وفي أعمال البناء كي يوفر الأكل لأسرته الأيتام؛ كونه المسئول الأول عنهم وهو متكفل بأمه وأخيه.

وأضاف قاسم زيد: “وبعد الشقاء والتعب بعتُ مزرعتي في البلاد وهي الوحيدة التي أملكها، وقمتُ بشراء بيت شعبي في شارع جمال بالحديدة، حيث كان عمر فرحتي بالبيت قصيراً ربما سنة ولم أعرف أن العدوان سيأخذ هذه الفرحة مني في صباح يوم الأربعاء 25/10 /2018 م، ذلك اليوم خرجت بالصدفة مع أُمِّي وأخي للذهاب إلى صديق لي والعمل معه وَلم نفارق البيت سواء خمسة كيلو وفجأةً سمعنا طائرات العدوان تحلّق فوقنا، وبين تحليق الطيارة وخوفنا على البيت رأينا البيت تحوّل إلى ركام”.

 

غارة مسمومة

وأوضح النازح قاسم زيد بأنه عندما شاهد البيت يهوي إلى الأرض؛ نتيجة استهداف العدوان السعوديّ الأمريكي وَالذي أصبح ركاما سارع شقيقه فيصل إلى البيت لإخراج بعض الأدوات الخاصة ولكنه لم يستطع؛ بسببِ تلك الأتربة المتصاعدة وَالممزوج بالمواد الغازية وَالكيمائية الناتجة عن الصواريخ والقنابل التي دمرت البيت والتي على إثرها أغمي عليه مباشرة، مبيناً أنه أسعَفَ شقيقَه إلى مستشفى الثورة بالحديدة وأخبروه بأن لدى شقيقَه تسمماتٍ وعنده تورمات في المخ والدماغ وتم توجيهُه إلى مستشفى الثورة بصنعاء في الوقت الذي لا تملك الأُسرة مبلغَ المواصلات إلى صنعاء، مبيناً أن الطبيبَ المعالج تبرّع لهم بعشرة آلاف، وخرجوا من الحديدة نازحين لا يمتلكون مأوىً.

 

تعاونٌ متفاوتٌ لأهل الخير لا يلبي الحاجة

ويضيف المواطن النازحُ من تهامة في سرده لقصته الإنْسَانية: “وصلنا صنعاء وما نملك أي حاجة أخي مريض ومعي أُمِّي ذهبت إلى المستشفى وتم تحويله إلى العناية المركزية للمخ والأعصاب، وجلست أُمِّي عنده وأنا خرجت أبحث عن مأوىً لأمي، وبعد ثلاثة أيام حصلت دكان الذي أسكن فيه الآن مع أُمِّي في حارة الريان بنقم في بيت مجيب العباسي الذي وقف معنا وسكنت هناك، ولم أعرف أن الله قد هيّأ لي بأخ لا أعرفه الذي حضننا حضن الأب لولده، إنه الإعلامي محمد الداهية الذي ساعدنا في العلاج حق أخي، ودعا أهل الحارة لمساعدتنا، الآن أخي في العناية المركزية له أَكْثَــــر من 27 يوماً وعلاجاته تكلف مبالغَ مالية كبيرة؛ لذلك أطلب من الحكومة والمسؤولين وكل الجهات الخاصة والتجار وفاعلي الخير، أن يساعدونا في علاج أخي فيصل الذي في غيبوبة تامة بين الحياة والموت”.

ولفت إلى أن المستشفى أمس يطلب منهم حقَّ الرقود مائتي ألف ريال، متبعاً “قالوا إمّا أن نسلمها أَوْ أن يأتوا بالجنود لإيداعي في السجن دون حق العلاج، وأنا حالتي حالة نازح من العدوان أخذ بيتي وأخي وحالي ومالي”.

وأضاف “ذهبت إلى عند مدير مستشفى الثورة بصنعاء وحولني إلى اللجنة والتي بدورها رفضت التعاونَ معنا ولم يتجاوب معنا سواء الدكتور عبدالله الحداء -مسؤول اللجنة المعنية بالتخفيض والإعفاء- الذي قال لي يخفّض لنا ألفي ريال فقط”.

 

العدوان يحوّل الحياةَ إلى جحيم

وبصوت يملأه الأسى والحزن، توضح رزقية محمد عبدالوهاب -أم الأولاد-، بأنهم كانوا أغنياء وأصبحوا فقراءَ بلا مأوى ودواء ومأكل ومشرب، وبحرقة الأم كانت دموعُها تسبق كلماتها وملامح وجهها تعبر عن كُــلّ ما في قلبها المتفطر على ابنها المريض، وذكرت:” كنا ساكنين في الحديدة معنا بيت ومرتاحين وعايشين في أمان واطمئنان وفي صباح يوم الأربعاء خرجت مع أولادي من البيت وفي تلك اللحظات وبعد الخروج رأيت بيتي مدمراً نهائياً بعد قصفه من قبل طيران العدوان، وقد خسرنا البيت وَكُــلّ ما فيه، وخسرتُ ابني فيصل الذي تأثر على البيت وأصبح ركاماً أمام أعيُننا في غضون لحظات، وأصبحنا لا نملك شيئاً، وقد خرجنا من الحديدة بملابسنا فقط نازحين إلى صنعاء التي وصلنا فيها لا ندري أين نستقر وإذَا استقرينا ماذا نأكل ومن يساعدنا في علاج فيصل”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com