قراءة في درس (الهوية الإيْمَانية) للسيد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- (1-5)

في هذا الدرس قدّم الشهيدُ القائدُ السيد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-، في محاضرة (الهُوية الإيْمَانية) التي ألقاها في بتأريخ: 31/1/2002م، إضاءات على بعض الآيات القرآنية في سياق عملي واضح، ابتعد عن التنظير والتفسير، وقدم التطبيق العملي، في صورة جسّدت الهُويةَ الإيْمَانيةَ فعلاً في واقع المؤمنين، وجعلتهم يمتلكون المقاييس الصحيحية التي يحاكمون إليها الواقعَ الإيْمَاني لهم ولمجتمعهم، وهو الأمرُ الذي يؤهّلُهم لإصلاح الاختلالات الإيْمَانية، ويجعلهم أهلاً لرضا الرحمن عليهم، وأهلاً لعونه ومَدَدِه الغيبي.

انطلق الشهيدُ القائدُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- في تحديد الهُوية الإيْمَانية من قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة:285-286) صدق الله العظيم.

وقد جعل الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- من الآية السابقة محدّداً لهُوية إيْمَانية جامعة، وحلّق في سماء الإيْمَان الرحب، فلم يقصر الهُوية على شخص، ولا على جيل، ولا على أمة، بل جعلها هُوية المسيرة الإلهية ومن ثم هُوية كُـلّ من يسير فيها، يقول -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-: [هي البطاقة الكاملة العناوين لأنبياء الله ورسله، والسائرين على طريقه من المؤمنين بهم، هي تقرير للمؤمنين أنه هكذا يجب أن يكون إيْمَانهم، هي تعريف بالمسيرة الإلهية لأنبياء الله ورسله والصالحين من عباده جيلًا بعد جيل]، ومن هنا بات كُـلّ فرد يشعر بأنه معني شخصياً بهذا الطرح، ويشعر بالانتماء إلى إخوته في هذه المسيرة الإلهية في كُـلّ مكان، وأكثر من ذلك أنه قد تعزّز لديه الانتماء للأنبياء جَميعاً، ولنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وللأئمة الهادين من بعده، إذ كان الجامع المشترك حاضراً بقوة من خلال هذه الهوية المشتركة الجامعة.

بهذا يكونُ الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- قد حقّق بهذه اللفتة أمراَ بالغ الأهمية، توقف عنده الكثير من الدعاة والمصلحين، وهو لم يبذل كثير جهد، إنما علمنا كيف نفهم النص القرآني في سياق عملي واع مثمر، ولذلك استطاع أن يصل بنا إلى أن الإيْمَان الكامل يصل بصاحبه في نهاية الطريق إلى المواجهة مع أعداء الله، وهذا ما جاء في النص القرآني السابق، وهذه هي الترجمة الواقعية للإيْمَان الصادق، وليس للإيْمَان الأجوف، ومع أن الكثير من العلماء السابقين أكدوا على أهمية انتقال الإيْمَان من مرحلة التصديق بالقلب والإقرار باللسان إلى أن يتحقق في الواقع العملي؛ إلا أنهم لم يتحركوا في تعريف الإيْمَان بالطريقة التي جاء بها النص القرآني، هو ما فعله الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-، والذي أسس من خلال هذا المدخل لمقياس قرآني فاحص لسلامة الهوية الإيْمَانية بالنسبة للفرد أَوْ للمجتمع.

وفي سياق التأكيد على أهمية الموضوع يربط الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- علاقتنا بالرسول في الدنيا والآخرة بهذه القضية، ويسقطها أيضا في علاقة هذه الأمة بالأمم الأخرى، حين يقول: [أولم يقل الله له: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (الأنعام: 159) لست منهم في شيء، لا تلتقي مع محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) لا تلتقي الأمة مع رسولها (صلوات الله عليه وعلى آله) إلا في طريق إيْمَانية واحدة هي: هذه الطريق التي بدأ الخطوة عليها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)]

يبدأ الشهيدُ القائدُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- حديثَه بعد هذه المقدمة بالإشارة إلى مجالات الإيْمَان التي اشتملت عليها هذه البطاقة المحدّدة للهوية الإيْمَانية، وهي: الإيْمَان بالله، والإيْمَان بالملائكة، والإيْمَان بالكتب السماوية، والإيْمَان بالرسل، ويركز الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- على قضية التجسيد العملي للإيْمَان، ولمصاديق ذلك الإيْمَان بالحركة النشطة، والاستقامة والثبات والإخلاص لله.

ومن هنا يتساءل -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- عن حقيقة الإيْمَان بالله، وهل هي مجرد التصديق فقط، ويصل إلى حقيقة الإيْمَان المرتبطة بالتجلي في الواقع العملي، حيث يقول: [لا بد أن يكون إيْمَانًا واعيًا، إيْمَانًا عمليًا، إيْمَانًا يبعث على التطبيق، إيْمَانًا يعزز الثقة في نفوسنا بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فيما وعد به أولياءَه في الدنيا والآخرة، هو من قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في كثير من آيات كتابه الكريم أنه سيكون مع أوليائه المؤمنين، سيكون مع عباده الصالحين، سيكون مع عباده الصابرين، هو من طمأنهم على أنه سيكون معهم، فأي عذر لهم في أن يقعدوا عما أراد منهم أن يتحركوا فيه، عما أراد منهم أن يعملوا به، عما أوجب عليهم أن يدعو إليه].

ومثل ذلك يقال في الإيْمَان بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلا بد أن يكون لهذا الإيْمَان محاكاة في الواقع لواقع الرسول الكريم، الذي لم يكن يكتفي بأن يبلغ الآخرين، ويرشدهم، ويعظهم، وهو قابع في زاوية من زوايا مسجده المقدس، يدعو على أولئك الأعداء المحاربين لله، بل كان صلوات الله عليه وآله في مقدمة صفوف المجاهدين في كُـلّ ميدان.

ويصل الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- إلى الحديث عن الإيْمَان بالملائكة، ويربطه بالواقع العملي للمؤمن وللمجتمع، وذلك من خلال معرفة الدور الذي يقوم به الملائكة في الوقع العملي، لا سيما في ميدان مواجهة الأعداء، وبالرغم من الأدوار الكثيرة للملائكة إلا الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- لم يشد اهتمامنا إلى غير الأثر المباشر للإيْمَان بالملائكة في واقع المواجهة مع العدو، وهذا ما ينسجم مع النص القرآني المحدّد للهوية الإيْمَاني، الذي كان في خاتمته الحديث عن المواجهة مع عدو الأمة {وانصرنا على القوم الكافرين}، يقول -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- في هذا السياق: [الإيْمَان بالملائكة باعتبارهم جندًا من جند الله، الإيْمَان بالملائكة متى ما كنت في طريق تصبح فيها جديرًا بأن تحظى بوقوف الملائكة معك فإنك قد ترى في ميادين المواجهة آلافًا من الملائكة، من جند الله ينطلقون وبكل إخلاص، وبكل نصيحة، وبما يملكـون من خبـرة عالية لتثبيت قلـوب المؤمنين متى مـا توجّه الأمر الإلهي إليهم {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ} (الأنفال: من الآية 12)].

وهنا يؤكدُ الشهيدُ القائدُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- على قضية مهمة جعلتنا نغفل عن هذا التفاصيل المهمة، وهي أنه لا يمكن إدراك هذا البعد للإيْمَان بالملائكة إلا من خلال التحرك في والميدان الجهادي؛ ولأن معظم أفراد الأمة قعدوا ولم يتحركوا في هذا الميدان المهم لم يشعروا بقيمة هذا المجال في واقعهم العملي؛ لأنه لا يأتي الأمر من الله للملائكة بالتثبيت إلا في ميدان المواجهة، وبعد أن يرى اللهُ من المؤمنين صدقهم وصبرهم؛ ولذا على الجماعة المؤمنة أن تجسّد معاني إيْمَانها بالله في واقعها الجهادي حتى تلمس ثمرة إيْمَانها بالملائكة، وهذا ما خفي –ربما – على كثير من المصلحين والدعاة في واقعنا المعاصر وتراثنا التليد، يقول -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-: [فإيْمَاننا بالملائكة هو إيْمَاننا بجند من جنود الله، متى ما تصدر أمر إلهي نحوهم: انطلقوا لتثبيت نفوس المؤمنين، فهم من سينطلقون بكل جدّ، وبكل إخلاص وبكل نصح، ينطلقون ولديهم خبرة، ولديهم معرفة فيكون لهم تأثيرهم الكبير في تثبيت نفوس المؤمنين، أَوْ في أي عمل يأمرهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يقوموا به. إذًا لا بد من إيْمَاننا بملائكة الله].

وللموضوع بقية..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com