لا يتحقق للإنسان أن تكونَ حياته لله إلا إذا عرف الله أولاً، وعبَّد نفسَه لله ثانياً

 

كان الشهيدُ القائدُ يستغلُّ كُلَّ وقته على مدار اليوم لتقديم هُدَى الله إلى المجتمع المحيط به، سواءً المواطنين أو طلاب العلم أو غيرهم، وفي عصر يوم الجمعة الموافق 26/7/2002م قام طلبة ومعلمو مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام) بالمجازين لزيارة السيد/ حسين بدر الدين الحوثي في منزله.

وبهذه المناسبة ألقى الشهيدُ القائدُ محاضرةً تحت عنوان (محياي ومماتي) تحدث بأن طلاب العلم يجب أن يفهموا لماذا نطلب العلم، مشيراً إلى أن الغاية المهمة التي يجب أن ينشدها الإنسان من كُلّ عمل صالح هي: أن يحظى برضى الله سبحانه وتعالى، أن يحصل على رضوان من الله سبحانه وتعالى، معتبراً أن هذه الغاية هي المطلب الكبير الذي يجب أن ينشده كُلّ مسلم لأن تحت هذا المطلب الخير كله في الدنيا وفي الآخرة، والحصول على رضوان الله في الدنيا بأن يرعاه الله سبحانه وتعالى، ويحوطه بعنايته يوفقه يدافع عنه يرشده يسير الخير للناس على يديه.

وأضاف: ومن يحظى برضوان الله سبحانه وتعالى يموت سعيداً، ويبعث سعيداً آمناً يوم القيامة، ويحاسب حساباً يسيراً، ويأمن في الوقت الذي يخاف فيه خوفاً شديداً معظمُ البشر، عندما يكون من أولياء الله، وأولياء الله هم من قال عنهم: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس: 62) فيدخل الجنة في رضوان الله ويحظى في ذلك المقام الرفيع والنعيم العظيم بالنعمة الكبرى التي هي رضوان الله، وهو المطلب المهم، ويشير الشهيد القائد أننا يمكن أن نحصل على رضوان الله من خلال عملنا، حينما نكون متأكدين أن العمل الذي نسير فيه وأن العلمَ الذي نطلبه هو فعلاً المنهج الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لعباده، كما أن طالب العلم يجب عليه أن يطلب العلم الذي رسمه الله كمنهج للإنسان، يتعبد لله سبحانه وتعالى ويسير في حياته وفقاً لهذا المنهج.

وفي ذات السياق يشير الشهيد القائد إلى مسألة مهمة وهي الربط بين رضوان الله وبين العمل الصالح، بين رضوان الله وبين الإيمان والعمل الصالح، بحيث أنه (لا يحصل الإنسان على رضوان الله بمجرد أنه قد تعلم)، مشيراً إلى من يتعلم ومن ثم يقصّر ويهمل ويقعد مما يجعله عرضة لسخط الله أكبر من حالته لو كان جاهلاً؛ كونه في هذه الحالة يقعد ويقصر ويهمل وقد علم، وجعل نفسه قدوة للآخرين وأصبح أمامهم معروفاً بالعلم ويحمل اسم أستاذ، أو اسم عالم.

ويوضح الشهيد القائد أن العمل لا بد منه، وإلا سيصبح علم الإنسان وبالاً عليه وعلى الدين وعلى الأمة أيضاً.

وبالجملة السابقة أراد الشهيد القائد أن يوصل رسالة للعلماء الذين أصبح عند الناس أو مجموعة منهم ينظرون إليه كقدوة ويقولون نحن بعد فلان، وعندما يطلب منهم التحرك في أي شيء يجعل البعض من قعود فلان عذراً له لعدم التحرك فيقول إذا كان فلان سيتحرك فنحنُ معه، إذا كان فلان قد رضي بهذا فنحن معه]، وأحياناً يقولون: [لو كان هذا صحيحاً لكان فلان عاملاً به، لو كان صحيحاً لما كان فلان قاعداً عنه]، كُلّ هذا يجعل من حامل العلم قدوة تلقائياً، فإما أن يكون قدوةً في الخير قدوة في العمل، وإلا فسيكون قدوة للآخرين في الإهمال والتقصير والقعود وهو في الواقع قد لا يفهم أنه هكذا، ينظر إليه الناس ويقتدون به، وهو يظن أنه ساكت الناس ساكتون، بحيث يفسر سكوت الناس أنه سكوتٌ تلقائي وأنهم مقصّرون وقد يلقون الله سبحانه وتعالى فيكتشف لهم حينئذ التقصير الذي كانوا عليه جميعاً.

وفي ذات السياق يؤكد الشهيد القائد أن العملَ هو محط رضوان الله سبحانه وتعالى، وارتبط به وعلى وفقه الجزاء في الآخرة، والجزاء أيضا في الدنيا قبل الآخرة. فإذا كنا نريد من طلب العلم هو: أن نحظى برضوان الله سبحانه وتعالى، فمعنى ذلك أن نتجه أولاً إلى معرفة الله بشكل كافٍ، نتعرف على الله بشكل كافي.

ويؤكد الشهيد القائد أن معرفتنا بالله سبحانه وتعالى قاصرة جداً، معرفتنا بالله سبحانه وتعالى قليلة جداً بل وفي كثير من الحالات أو في كثير من الأشياء مغلوطة أيضا ليس فقط مجرد جهل بل معرفة مغلوطة، نتعرف على الله ثم نتعرف على أنفسنا أيضاً في ما هي علاقتنا بالله سبحانه وتعالى نرسخ في أنفسنا الشعور بأننا عبيد لله، نعبِّد أنفسنا لله، وأن يعبِّد الإنسان نفسه لله معناه في الأخير أن يسلِّم نفسه لله، فيكون مسلِّما لله ينطلق في كُلّ عمل يرضي الله باعتباره عبداً لله همُّه أن يحصل على رضوان الله، ويتعامل مع الله سبحانه وتعالى باعتباره هو ملكه وإلهه وسيده ومولاه.

وأضاف الشهيد القائد أنه في هذه الحالة يكون الإنسان أقربَ ما يكون إلى الإخلاص، وفي هذه الحالة يكون الإنسانُ قد رسم لنفسه طريقاً يسير عليه هو نفسه الذي أمر الله به رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما قال له: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:163:162).

ويرى الشهيد القائد السيد حسين الحوثي أن الإنسان عندما يرسم لنفسه طريقاً يسير عليه وفقاً لما أمر الله به رسوله صلوات الله عليه وآله فهو يكون قد وصل إلى الغاية والشعور الذي يجب أن يسود على نفس كُلّ واحد منا، ويسيطر على نفس كُلّ واحد منا. {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} عبادتي بكلها {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} حياتي هي {لِلَّهِ} كما أن صلاتي لله، ونسكي: عباداتي كلها لله، كذلك حياتي هي لله ومماتي أيضاً هو لله.

ويوضِّحُ السيد حسين الحوثي أن معنى أن حياتي لله: أنني نذرت حياتي لله في سبيله في طاعته، ومماتي أيضاً لله، كيف يمكن أن يكون موت الإنسان لله؟ من الذي يستشعرَ أن بالإمكان أن يكون الموت عبادة؟ وأن يكون الموت عبادة عظيمة لله سبحانه وتعالى يجب أن تكون أيضاً خالصة كما قال: {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} (الأنعام: من الآية 163).

وفيما يتعلق بالموت وكيف يفترض بنا أن ننظر إليه تحدث الشهيد القائد قائلاً: كنا ننظر للموت كنهاية بينما هنا الله سبحانه وتعالى الله سبحانه وتعالى يقول لرسوله: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سأنذر موتي لله، فحياتي كلها لله، فسأحيى لله، وسأموت لله {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} لاحظوا هذه: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: من الآية 163) فكل المسلمين الذين يقتدون برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لا بد أن يحملوا هذا الشعور، لا بد أن تكون عبادتهم لله على هذا النحو: فتكون حياتهم لله، ويكون موتهم أيضاً لله.

معتبراً أنه لا يتحقق للإنسان أن تكون حياته لله إلا إذا عرف الله أولاً، وعبَّد نفسه لله ثانياً، حينها سيرى أن هناك ما يشده إلى أن تكون حياته كلها لله، سيرى بأنه فخر له: أن ينذر حياته كلها لله، سيرى نفسه ينطلق في هذا الميدان برغبة وارتياح أن ينذر حياته لله فتكون حركته في الحياة، تقلباته في الحياة مسيرته في الحياة كلها من أجل الله وعلى هدي الله وإلى ما يحقق رضاء الله سبحانه وتعالى.

ويعتبر الشهيد القائد أننا نجهل كثيراً مسألة: أن ينذر الإنسان موته لله وأنه مطلوب منه كمسلم يقتدي بأول المسلمين الذي أمر بهذا وهو رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن تكون حياته لله ومماته لله الآية ، لا تعني أن الله هو مالك حياتي، والله هو مالك موتي كما قد يفسرها البعض!، مشيراً إلى أن الآية وردت في سياق الحديث عن العبادة جاء قبلها: صلاتي ونسكي {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} لو كانت المسألة هي حديث عن أن حياتنا هي بيد الله، وأن موتنا هو بيد الله كيف يمكن أن يقول: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} أنا أمرت أن تكون حياتي لله، لا يصح أن يقال: أمرت أن تكون حياتي بيد الله؛ لأن هذه قضية لا تحتاج إلى أمر هي بيد الله حتما من دون أمر.

أمرت أن يكون مماتي لله أن يكون موت الإنسان لله هو عندما يجند نفسه لله سبحانه وتعالى، عندما يطلب الشهادة في سبيل الله، عندما يستعد للشهادة في سبيل الله، عندما يكون موطنا لنفسه أن يموت في سبيل الله.

وقال: لا أتصور أن هناك معنىً آخر يمكن أن يحقق للإنسان أن يكون موته لله إلا على هذا النحو وليس فقط أن يكون مستعدا، بل يسعى لأن يكون موته في سبيل الله، بأن يحظى بالشهادة في سبيل الله، وهذه هي صفة القرآن الكريم جعلها من الصفات اللازمة للمؤمنين أن لديهم هذا الشعور هو الشعور نفسه الذي نتهرب منه، هو الشعور نفسه الذي قد ينصحنا حتى بعض المتدينين به [بطِّل ما لك حاجة إمش على شغلك وعملك… ] إلى آخره، بينما القرآن الكريم الله سبحانه وتعالى يصفُ عبادَه المؤمنين بأنهم هم من يعرضون أنفسهم للبيع من الله عندما قال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة: من الآية 111) {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} (البقرة: من الآية 207) وهذه الآية: {إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أليس هذا يعني: أن المؤمنين هم دائماً يحملون هذا الشعور، هو: أنهم ينذرون حياتهم لله وأن يموتوا في سبيله.

وفي هذا السياق يؤكد الشهيد القائد أنه لا يمكن للمؤمنين أن يعلوَ كلمة الله، ولا أن يكونوا أنصاراً لله، ولا أن يكونوا بشكل أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ما لم يكن لديها هذا الشعور هو: أنهم نذروا حياتهم وموتهم لله، هو أنهم يريدون أن يموتوا في سبيل الله.

مشيراً إلى أن من رحمة الله سبحانه وتعالى الواسعة بعباده – وهو يفتح أمامهم المجالات الواسعة والمتعددة لما يحصلون من ورائه على رضوانه وعلى ما وعد به أولياءه – فتح أمام الإنسان إمكانية أن يستثمر حتى موته الذي هو حتمية لا بد منها، قضية لا بد منها لكل إنسان سواء كان براً أو فاجراً كبيراً أو صغيراً لا بد أن يموت، فإن الله لرحمته بعباده فتح أمام الإنسان هذا الباب العظيم هو: إمكانية أن يستثمر موته على أعلى وأرقى درجة، أعلى وأرقى درجة.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com