استحباب صوم يوم الشك

 

عبدالرحمن شمس الدين

===مقدمة تميز==

كَثُرَ اللغطُ والحديثُ عن صيام يوم الشك، وتبرع العمراني بفتواه العجيبة الغريبة والتي قسم فيها الزيديةَ إلى أقسامٍ ليس لها أساس، وتبرع من كيسه ببعض المعلومات الملفقة ليدعم بها رأيه أَوْ رأي حزبه، كما كثر المعترضون والمفتون من علماء الفيسبوك والوتس آب الذين ليس لهم باعٌ في الأمور الشرعية ولا في الفقه ولا في الفتوى.

فما حقيقة صيام يوم الشك؟ وما حقيقة الآراء والأقوال فيه؟

هنا مبحثٌ للعلامة المجتهد المفتي عبدالرحمن شمس الدين، ننقله للقراء الكرام من أجل الفائدة والمعرفة.

***

عند أئمتنا عليهم السلام أنه يستحبُّ صوم يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذَا لم تثبت رؤية الهلال في ليلته لأجل الغيم.

فإن كانت السماء مصحية ولم يرَ الهلال فإنه يتيقن أنه من شعبان فلا يكون اليوم يوم شك.

ويستحبُّ صوم يوم الشك بالشرط وجوباً وهو أن ينوي الشخص في صومه أنه من رمضان إن كان اليوم من شهر رمضان وإلا فهو تطوع، فإن نوى على القطع أثم وأجزأه إذَا بان منه.

وإن نوى صيامه إن كان من رمضان، ولم يزد، فإن بان من شعبان وقع نفلاً، فإن نوى أن صومه من رمضان إن كان اليوم منه أَوْ تطوع لم يجزه لأجل التخيير، ولا يكون نفلاً لبطلان النية بالتخيير، يعني إذَا استمر على النية لا إذَا حول نيته في بقية النهار فتجزيه عما نواه.

قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم عَلَيْه السَّلام [الأحكام للإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع)، (ت298هـ)]:

الذي رأينا عليه أشياخنا، ومن سمعنا عنه من أسلافنا أنهم كانوا يصومون يوم الشك وفي ذلك ما حدثني أبي عن أبيه عن علي أمير المؤمنين رحمة الله عليه أنه قال: لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان.

وينبغي لمن صام يوم الشك أن ينوي إن كان هذا اليوم من شهر رمضان فصيامي من رمضان وإن كان من شعبان فهو تطوع، فإنه إذَا فعل ذلك وكان ذلك اليوم من شهر رمضان فقد أدى صومه بما أعتقد من نيته وإن لم يكن من رمضان كتب له من تطوعه.

ولا ينبغي لأحد يفهم أن يفطره، لأنه إن كان من شهر رمضان لم يستخلفه ولم يلحق يوماً مثله ويوم من شهر رمضان أهل أن يحتاط له ويطلب بكل سبب صومه، وإن كان يوماً من شعبان لم يرزأه صيام يوم وكان له تطوعا وأجرا، فأما ما يزخرفه كثير من الناس في ترك صيامه فذلك ما لا يصح ولا يجوز القول به لبعده من الاحتياط والصواب، وقربه من التفريط في الصوم والارتياب، بل الصحيح في ذلك ما لا يشك فيه من أنصف من أن صوم يوم الشك والاحتياط فيه أفضل وأقرب إلى الله وأسلم. انتهى

* قال الإمام أحمد بن عيسى بن زيد عَلَيْه السَّلام [جامع عُلوم آل محمّد (الجامع الكَافي في فقه الزيدية)، للشّريف أبي عَبدالله محمد بن علي البطحاني الحَسني (367 – 445هـ)]:

عن القاسم بن إبراهيم في صوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان، قال: لابأس أن تصومه، وقد قال علي بن أبي طالب عَلَيْه السَّلام فيما ذكر عنه: (لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان).

* قال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن الهاروني [التجريد في فقه الزيدية، الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفي سنة 411 هجرية)]:

ومن المعتمد في هذا الباب ما اشتهر، عن أمير المؤمنين عَلَيْه السَّلام من قوله: (لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان). على أن المسألة إجماع أهل البيت عَلَيْهم السَّلام ومشهور عن علي عَلَيْه السَّلام، وما كان من المسائل هذه سبيله لم نستجز خلافه. انتهى

* وقال القاضي زيد بن محمد الكلاري رحمه الله في الشرح (شرح التحرير):

وصوم يوم الشك أولى من الإفطار، وما روي من النهي في ذلك لا يلزمنا إذ لا خلاف في استحباب صومه على الجملة، وإنما الخلاف في صومه على وجه دون وجه لأن أبا حنيفة يستحبه إذَا كان بنية شعبان، والشافعي يستحبه إذَا كان الشهر كله، أَوْ صادف يوماً كان يصومه، فإذا كان هذا هكذا فكل يحتاج إلى تأويل فنحن نقول: هو نهي عن صومه بنية الفرض فإن صومه عندنا على هذا الوجه غير جائز.

كما ذهب الحنابلة إلى وجوب صيام يوم الشك ولكن قيدوه بشرطين:-

الأول: أن يكون هناك قترٌ من غبار وغيره.

الثاني: أن تكون السماء غائمة، وهو المذهب المرجح عند المتأخرين، قالوا: يجب صومه احتياطاً بنية أنه من رمضان، إن كشف أنه من رمضان أجزأ عن رمضان، وإن كشف بأنه ليس من رمضان حينئذ له ثوابه فيما تعلق به من حكم، ولا يحسب من الشهر، ويؤكد هذه الرواية أبو بكر الأثرم قال: سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول: إذَا كان في السماء سحاب أَوْ علة أصبحُ صائماً، فإن لم يكن في السماء علة أصبحُ مفطراً.

ثم قال: كان ابن عمر إذَا رأى في السماء سحاباً أصبح صائماً، قلت لأبي عبدالله: فيعتد به، قال: كان ابن عمر يعتد به.

ورجح ابن تيمية الاستحباب واستدل بحديث لأم سلمة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ كان يصوم شعبان ويصله برمضان.

قال ابن تيمية في مجموع (فتاواه 22/289): وأما صوم يوم الغيم إذَا حال دون منظر الهلال غيم أَوْ قترٌ ليلة الثلاثين من شعبان فكان في الصحابة من يصومه احتياطاً، وكان منهم من يفطر، ولم نعلم أحداً منهم أوجب صومه بل الذين صامون إنما صاموه على طريق التحري والاحتياط، والآثار المنقولة عنهم صريحة في ذلك كما نقل عن عمر وعلي ومعاوية وعبدالله بن عمر وعائشة وغيرهم.

وفي (التحقيق) لابن الجوزي: مذهب علي وعائشة أنه يجب صوم يوم الثلاثين من شعبان إذَا حال دون غيم أَوْ نحوه.

واستحب صوم يوم الشك علي بن أبي طالب كما روي عنه (لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان).

وعائشة كما قال ابن حزم في (المحلى) كما روينا عن عائشة أنها قالت: (لأن أصوم.. الخ) وروى لها سعيد بن منصور كذا قال ابن القيم في (زاد المعاد).

وعمر بن الخطاب، فقد روى مكحول أن عمر بن الخطاب كان يصوم ويقول: (ليس هذا بالتقدم ولكنه التحري) ذكره ابن القيم في (زاد المعاد).

وابن عمر روى له عَبدالرزاق من طريق أيوب عن ابن عمر أنه إذَا كان سحاب أصبح صائماً وإذا لم يكن سحاب أصبح مفطراً.

وأنس بن مالك ذكره ابن القيم في (زاد المعاد) وحكى عنه ابن قدامة في (المغني).

وأسماء بنت أبي بكر روى البيهقي من طريق فاطمة بنت المنذر عن أسماء أنها كانت تصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان، وذكر ذلك ابن حزم في (المحلى) وابن قدامة في (المغني) ذكر ذلك ابن القيم في (زاد المعاد) 2/43.

وأبو هريرة روى له البيهقي من طريق أبي مريم عن أبي هريرة قال: «لأن أصوم الذي يشك فيه من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان» السنن الكبرى، ج6.

حتى معاوية وعمرو ابن العاص كانا يقولان: (لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان)، ذكر ذلك ابن القيم في (زاد المعاد) والشوكاني في (نيل الأوطار).

وقال بذلك جماعة من التابعين منهم: مجاهد، حكى عنه ابن قدامة في (المغني) والشوكاني في (النيل) وابن الجوزي في (التحقيق).

وطاووس [ذكر ذلك عبدالرزاق في المصنف، وابن قدامة في المغني، والشوكاني في نيل الأوطار، وابن عبدالبر في الاستذكار، والتمهيد]، وسالم بن عبدالله [حكى عنه الشوكاني في نيل الأوطار]، وميمون [حكى عنه ابن قدامة في المغني، وكذا في نيل الأوطار، والتحقيق لابن الجوزي] بن مهران، ومطرف بن الشخير[ابن قدامة في المغني، ونيل الأوطار، والتحقيق لابن الجوزي]، وبكر بن عبدالله المزني [ابن قدامة في المغني، ونيل الأوطار، والتحقيق لابن الجوزي]، وأبو عثمان النهدي[ابن أبي شيبة في المصنف، والمغني، ونيل الأوطار]، والحسن البصري [حكى عنه ابن حزم في المحلى]، والقاسم بن محمد [ابن حزم في المحلى]، وابن أبي مريم [حكى عنه ابن قدامة في المغني].

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com