وقفة مع برنامج رجال الله.. معرفة الله – نعم الله – الدرس الرابع

 

الحلقة الثانية

المسيرة| عبد الرحمن محمد حميد الدين

إنّ غفلةَ الإنسان عن [مبدئية التأمل]؛ هي في حدّ ذاتها مشكلة، تضعه في خانة الجهل والشك، وتعرّضه للكثير من المنزلقات، وتجعله يعيش حياة التيه، وحياة اللا موقف، واللا رؤية.. لذلك نجد أنّ القرآن الكريم دعا الإنسانَ إلى الـتأمل والتدبر، ونَـبَــذَ الجمودَ الفكري، واعتبره مطيةً للجهل.

وسنعرضُ للقارئ الكريم بعضَ الآيات الكريمة التي حثَّت الإنسانَ على التأمل، والتفكر في صفحات هذا الكون، والسير في هذه الأرض؛ لغرض تعزيز الثقة بالله وأخذ العبرة والدروس:

  • يقول الله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}.
  • {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.
  • {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.
  • {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
  • {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
  • {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
  • {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
  • {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
  • {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
  • {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (*) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
  • {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

وغيرُها الكثيرُ من الآيات التي دعت وحثَّت على التفكر. ولذلك نجد أن القرآن أكَّدَ على أهمية التأمل والتفكر في النعم التي أودَعها اللهُ في هذا الإنسان، وفي هذا الكون من حوله، فضلاً عن الدعوة للتدبر في آيات القرآن الكريم، والدعوة للتفكر في مجالاتٍ أخرى، كالاعتبار مما حصل للأقوام المكذبة، وغير ذلك..

ومن هذا المنطلق، اعتبرَ الشهيدُ القائد (رضوان الله عليه) أنّ: ((موضوع المعرفة أن تكون كثيرَ التأمل لما حولك؛ لأنّ الأشياء كلها من حولك تعطي معرفة)). أما في موضوع نعم الله، فيقول السيد (رضوان الله عليه) في الدرس الثالث من دروس نعم الله: ((تذكر أنّ ما بين يديك من نعمة الله يساعدك على تكرير التأمل فيها لكونها ذات قيمة لديك، قيمة في واقع الحياة باعتبارها مما تمس الحاجة إليه في مختلف شؤون الحياة بالنسبة للناس جميعاً، مما لا تستقيم الحياة إلا بها فتزداد ثقتك بالله سبحانه تعالى وتعظم ثقتك به، ومتى ما عظمت ثقتك بالله انطلقت في كُلّ ما وجّهك إليه؛ لأنك واثقٌ بأنه رحيم، أنه يرعى، أنه حكيم، أنه قدير، فكيف لا أثق به؟)).

 

الكثيرُ لا يدرِكُ عظمةَ نعمة الهداية ولا يعترف إلا بالنعم المادية:

ولو جئنا لنتأمل في واقعنا، سنجد أن [النظرة المادية] هي التي تغلب على تفكيرنا، ووجداننا، وتجعلنا نرى كلَّ شيء من حولنا بمنظارٍ ماديٍّ بحت..! وهذه النظرة للأسف انعكست على الكثير من مبادئ ديننا، وجعلتنا نعيش الدين في شكلياته، ونغفل عن جوهره. حتى تلك النعم المادية، والتي يُفترض أن نشكر الله عليها شكرًا عمليًا؛ لم تحظَ بالشكر المطلوب، ولا بالتعاطي المحمود..

ومن القضايا المهمة التي يغفل الناسُ عنها، هي (نعمة الهداية)، التي تعتبر من أجلّ نعم الله على هذا الإنسان، والتي لا تُـلقي لها الأمةُ بالاً، مما جعلها لا تُدرك عظمة هذا الدين، ولا عظمة مبادئه، وبالتالي أصبحت أذلَّ الأمم، وأكثرها استضعافًا وقهرًا.. ومما قاله الشهيدُ القائد في ذلك:

((نعمة الهداية التي هي تتلخص في كلمة: إخراج من الظلمات إلى النور، بكل ما تعنيه الظلمة في الجانب الأخلاقي، في الجانب المادي، في الجانب المعنوي، وبما تعنيه كلمة النور، النور في النفس، النور في القلب، النور في الحياة، النور في القيم، لكننا نحن البسطاء قد يكون الكثير منا لا يدرك أهمية وعظمة هذه النعمة، نعمة الهداية، لا نكاد نعترف بأن النعمة الحقيقية إلا هذه النعم التي نلمسها: أموال, ماديات الحياة هي هذه، ولكن حتى هذه التي نحن نتقلب فيها طيلة أعمارنا، كُلّ ما تتحرك فيه خلال الأربع والعشرين ساعة من النعم العظيمة هي من الله، ولكن حتى هذا على الرغم من أننا نلمسها وندرك حاجتنا الماسة إليها لا نكاد نتذكرها بأنها نعمة من الله، ولا نكاد نتذكر أنه يجب علينا أن نشكره عليها، وأن نستشعر عظم إحسانه إلينا بها، فنحبه ونتولاه، ونشكره ونعبِّد أنفسنا له، إن الإنسان لظلوم كفار)).

 

الناسُ بحاجةٍ إلى نقلة حتى يستشعروا نعمة الهداية:

واعتبرَ الشهيدُ القائد أننا لا نزال بحاجة إلى [نقلة نوعية] حتى نستشعر وندرك نعمة الهداية، وأنّ القرآن الكريم عندما ذكَّرَ بنعمة الهداية، ونعمة إرسال الرسل، وإنزال الكتب، كانت دعوةً موجهةً إلى أصحابها؛ كونهم يدركون قيمتها العظيمة، ويستشعرون أن ما بين أيديهم هو من الله..

ولو تأملنا في واقع أمتنا اليوم لأدركنا أنّ هذه النقلة وفي هذه المرحلة الخطيرة التي تمرّ بها الأمة الإسلامية، هي أحوج ما تكون إليها أكثر من أيّ وقتٍ مضى؛ لأنّ حلَّ جميع المعضلات والتحديات التي تواجهها أمتنا على كافة الصعد الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية، والسياسية، تكمن في المنهجية التي أودعها اللهُ في كتابه الكريم.. ومما قاله في ذلك (رضوان الله عليه):

((لهذا تجد الحديث في القرآن الكريم عن النعم المادية واسع جداً، والحديث عن النعم المعنوية، نعمة الهداية، نعمة إنزال الكتاب، نعمة الرسول، تجدها قليلاً، لكنها تتوجه إلى أصحابها كما يقول لأنبيائه هنا: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(الأعراف: من الآية144) يقول لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) ويقول لموسى؛ لأننا نحن البسطاء لا نزال نحتاج إلى نقلة، أن نستشعر أن ما بين أيدينا هو من الله، ونعترف بأنه نعمة، ثم يتوفر لنا ما يعطيه هذا التذكر من المعاني العظيمة، ولو بعض منها فيكون من حصل منا على هذا الشيء يعتبر أنه قد حصل على مكسب كبير، أنه قد تذكر نعم الله عليه أو جانباً منها وعرف بعضاً من الفوائد المعنوية التي تتركها في نفسه.

فمتى يصل الإنسان؟ متى يصل الإنسان؟؟ وبأية وسيلة يمكن أن يصل إلى أن يفهم القيمة العظيمة لنعمة الهداية؟)).

 

المتحدِّثون باسم الدين لم يقدموه متكاملاً:

ولذلك نجد أنّ الغفلة عن [نعمة الهداية] هي إحدى الكبوات التي خلَّفها المتحدثون باسم الدين، عندما حصروا الدينَ في عبادات أربع، وكان جُلُّ اهتمامهم وإبداعهم هو في هذا الجانب فقط..! وهذا من أحد العوامل التي جعلت الأمة تعيش خارج السرب الحياتي، بل حتى أنّ عُـزلتها عن العالم لم تغفر لها؛ حتى جاءتها أساطيلُ أئمة الكفر والإرهاب العالمي [أمريكا وإسرائيل وأوروبا] لتغزوها في عقر دارها، ولتستعبدها، وتستهدفها في هويتها، ووجودها، وتمنعها من الحدّ الأدنى من مقومات الحياة على ظهر هذه البسيطة..

لذلك نجد أنّ الشهيد القائد يوجه اللومَ بالدرجة الأساسية إلى أولئك المتحدثين باسم الدين؛ لأنه كان عليهم أن يتأملوا، ويتدبروا في القرآن، حتى يعلموا أنّ الدين ليس شكلياتٍ أربع، بل الدين هو القرآن بكل ما تضمنه من قضايا، ومجالات.. ومما قاله (رضوان الله عليه):

((فعلاً أنا لا ألوم الناس، عوام الناس المساكين؛ لأن الدين لم يقدم لنا ديناً متكاملاً على أيدي الكثير من المتحدثين باسمه، يعرّفوننا جوانب معينة ويتركون الكثير مما نحن بحاجة إلى معرفته؛ لأن ثقافتهم تركزت على ما يتعلق بأحكام شرعية. إذاً فالعامي هذا قد نعرِّفه ما يتعلق بكيف يتوضأ، ويغتسل، ويصلي، ويزكي، ونوع من العبادات والمعاملات هذه، وهذا هو الدين!.

لم نعرف كم أعطى الدين من اهتمام كبير بنا في كُلّ مجالات حياتنا، لم نعرف عظم هذا الدين باعتبار ما فيه، ما يتمثل فيه من رعاية إلهية عظيمة بنا، فنراه هنا لجانب من شؤون الحياة، والتي هي أكثر ما يشغلنا وتشغل أكثر مساحة من ذهنيتنا هناك في جانب آخر)).

 

الكثير لا يتحرك في سبيل الإسلام لأنه لم يعرف عظمة الدين:

إنّ الحالة الخطيرة التي تصنعها الغفلةُ عن تذكر واستشعار أهمية نعمة الهداية، هي: عدم التفاعل مع قضايا الدين الكبرى، وعلى رأسها [إعلاء كلمة الله] ومواجهة أمريكا وإسرائيل.. وهذا هو الواقع الذي نجده ماثلاً أمامنا اليوم؛ حيث نجد أنّ الكثير من الناس لم يتفاعل التفاعل المطلوب في مواجهة [العدوان الصهيو أمريكي السعودي]..! وذلك لأنهم لم يدركوا عظمة هذا الدين، ولم يدركوا الفضل الكبير فيما لو تحرك كُلٌّ من موقعه، وسخّرَ قدراته، ونعمَ الله عليه في مواجهة هذا العدوان، لتكون كلمةُ الله هي العليا.. ومما قاله السيد حسين بدر الدين الحوثي في ذلك:

((لهذا تجد الناس عندما تذكرهم بأن الإسلام نعمة عظيمة يجب علينا أن نشكرها، سيجامل، يقول: [الحمد لله فعلاً نعمة عظيمة، نعمة عظيمة، الإسلام نعمة عظيمة]، ولكن تعال تعاون في سبيل الإسلام، يقول: [والله ما معي إلا قليل فلوس محتاج كذا وأعمل كذا.. الخ]، هو لا يتعاون في شيء وإن كان لديه أموال كثيرة, الإسلام هذا هو بحاجتك أن تتحرك في سبيله فتدافع عنه وأن تعمل على إعلاء كلمته، لا يتفاعل كثيراً، لماذا؟؛ لأننا لم نعرف بعد عظمة الإسلام)).

 

من يعرف عظمة هذا الدين سيبذل نفسه وماله:

ويؤكد الشهيدُ القائد على أنّ من يعرف الله حق معرفته، ومن يعرف الرسول محمدًا (صلى الله عليه وعلى آله)، ومن يعرف القرآن الكريم، سيرى أنّ بذل ماله وروحه قليلٌ جداً تجاه تلك المعاني العظيمة، التي ضحى من أجلها.. بمعنى أنّ إدراك واستشعار نعمة الهداية هو مما يصنع هذه الروحية العظيمة، التي تحقق المجد والسؤدد لهذه الأمة على كافة المستويات.. ومما قاله (رضوان الله عليه):

((هذا فيما أعتقد هو عامل من عوامل قلة تفاعلنا مع الإسلام، مع القرآن الكريم، مع الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، حتى أصبحت القضية بلغت درجة أنه قد لا يكون إلا في النادر، في النادر من يغضب فينا لله إذا عُصي، من يحب في الله، من يبغض في الله، من يوالي في الله، من يعادي في الله، وهكـذا لاحـظ كلمة بعيدة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}(التوبة: من الآية111) من منا الذي سيبيع نفسه وماله؟، نحن نراها بعيدة هناك، من هو هذا المجنون الذي سيبيع نفسه وماله!.

لكن لا، من يعرف الله سبحانه وتعالى، من يعرف الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله), من يعرف القرآن الكريم، من يعرف هذا الدين، عظمة هذا الدين، سيرى بأنه قليل أن يقدم في سبيله أن يبذل نفسه وماله، ومن لا يعرف إلا مجرد عناوين، لا يقدم حتى ولا القليل من ماله، ولا الجهد البسيط من أعماله، لا يبذل شيئاً من هذا)).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com