وقفة مع برنامج رجال الله.. معرفة الله – نعم الله الدرس الخامس 1 – 5

 

عبد الرحمن حميد الدين

إنّ هذا الكونَ الواسعَ بكُلِّ ما يحتويه من مظاهرَ ونِعَمٍ ومسخراتٍ واسعةٍ، والتي لا يسعنا حصرها، هي جديرة بالتأمل والتدبر حتى يعلم الإنسان حجم الرحمة الإلهية المهداة لهذا الإنسان، لتكون عونًا له في مهمته المناطة به، والتي على رأسها العبودية لله، ونبذ عبودية الشيطان، والتوجه لتقديم الشهادة على عظمة الله..

ونجدُ أن القرآنَ مليءٌ بتلك الآيات العظيمة والكريمة التي تتحدث عن نعم الله الظاهرة والباطنة، بشكلٍ كبير وبتفصيلٍ عجيب، يستدعي التأملَ والتدبر في هذه الآيات الكثيرة، ومعرفة الحكمة من عرض هذه النعم العظيمة في القرآن الكريم بذلك التفصيل الواسع.

 

تعاطي الأُمَّــة مع الآيات القرآنية التي تتحدث عن نعم الله:

للأسف أن الكثيرَ من العلماء والمفسّرين في كافة المذاهب الإسلامية لم يتعاطوا مع الآيات التي تتحدث عن نعم الله، تعاطيًا إيجابيًّا، بل إنّ تعاطيَهم مع القرآن الكريم نفسِه، كان تعاطيًا ناقصًا ومغلوطًا، وقد اقتصر هذا التعاطي على [ستمائة آية] من القرآن الكريم فقط، والتي تتمثل في آيات الأحكام فحسب، أما بقية الآيات والسور والتي تتناول جوانب أخرى ومهمة جدًا من الدين، كالجهاد في سبيل الله، والإنفاق، ومواجهة أعداء الله، وإعلاء كلمة الله، ونعم الله، وهديه، وغير ذلك من قصص الأنبياء، والأقوام السابقة، أصبح التعاطي مع هذه الآيات الكثيرة هو تعاطٍ يقتصر على التلاوة فحسب..!.

لذلك نجد أن الشهيدَ القائدَ السيد حسين بدر الدين الحوثي والذي تصادف هذا الشهر العظيم ذكرى استشهاده، كان له (رضوان الله عليه) رؤيةٌ منبثقةٌ من روح القرآن الكريم، جعلته يعتبر أن هذه الآيات والتي تتحدث عن نعم الله، هي مهمة جدًا في ترسيخ معرفة الله، وتعزيز الثقة به، وأنّه يجب استشعار أنّ هذه النعم، وكل ما يتقلب فيه الناسُ من سوابغها، أنها من الله وحده، وليست نتاجًا لجهد الإنسان، أو لقدرته على استخراجها واستغلالها، واعتبرَ أنَّ استحضار هذه النعم الواسعة، وتقييمها، مهم جدًا في تعزيز العلاقة بالله..

ومما قاله (رضوان الله عليه) في هذه المسألة: ((فنحن عندما نتحدَّثُ عن معرفة الله سبحانه وتعالى نتناول أشياءَ كثيرةً من خلال القرآن الكريم، مما قد يرى البعض بأنها تدل على جهلٍ أن نتناولها ونحن في إطار الحديث عن معرفة الله, من أجل أن نعرف كيف نتولاه فنكون من أوليائه بتوفيقه.

الحديثُ عن نِعَمِ الله سبحانه وتعالى مهم جداً، في القرآن الكريم آيات كثيرة تناولت كرم الله سبحانه وتعالى، وإحسانه العظيم إلى عباده في ما أسبغ عليهم من النعم الظاهرة والباطنة.. وتأتي لأكثر من هدف أو لأكثر من غاية، فدلائل على قدرته سبحانه وتعالى، على حكمته، على رعايته، على حسن تدبيره, على عظم إحسانه إلى عباده ليحبوه ليعظموه ليجلّوه، ليخلق في نفوسهم ذلك الأثر الذي تجد في نفسك أمام أي نعمة تسدى إليك من الآخرين.

هذه المشاعر مهمة جداً، عندما نستشعر عظم إحسان الله إلينا، عظم إنعامه علينا بنعم كثيرة جداً.. نعمة الهداية، نعم مادية كثيرة، نعمة كبيرة فيما أعطانا من هذه الكيفية التي قال بأنها أحسن تقويم {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}(التين:4).

تلك المشاعر التي تتركها هذه، نظرتك إليها، نظرتك إلى من أسداها إليك، تلك المشاعر مهمة جداً في ربطك بالله، في ثقتك بالله، في انطلاقك في طاعته، في ابتعادك عن معصيته، في خوفك منه، في إجلالك له، في حيائك منه، في حرصك على رضاه)).

 

علماء الكلام لم يعرضوا نعم الله كأسلوب من أساليب معرفة الله:

ومن خلال محاضرات ودروس السيد حسين بدر الدين الحوثي ندرك أن انتقاده (رضوان الله عليه) لقواعد واستدلالات علم الكلام، لم يأتِ من فراغ، أو انتقاد لمجرد النقد؛ بل لأنّ هذا العلم بقواعده واستدلالاته لم يعتمد على آيات القرآن الكريم في أسلوبه وعرضه لمعرفة الله، بل اعتمد على قواعد بعض فلاسفة اليونان، والمعتزلة، وغيرهم من الذين سلكوا نفس المسلك في الاستدلال على معرفة الله، ولو عن حسن نية. وهذه القواعد أو تلك الاستدلالات لا تصنع معرفة بالله متكاملة، بل في كثيرٍ منها ما يصنع معرفة مغلوطة بالله سبحانه وتعالى، وعلى سبيل المثال: لو استعرضنا جميع كتب علم الكلام لما وجدنا فيها ما يقدم [نِعَم الله، أو رحمته، أو كماله، أو وعده ووعيده] كأسلوب من أساليب معرفة الله، وهذه طامّة كبرى بالفعل، وتشكل خطورة على نفسية الإنسان. ومما قاله الشهيدُ القائد في هذا السياق: ((لم يعرض المتكلمون مسألة النعم الكثيرة التي أسبغها الله على عباده كأسلوب من أساليب معرفته سبحانه وتعالى. لم يقدموا الحديث عن شدة بطشه، وعن سعة رحمته فيما يعِدُ به أولياءه، لم تقدم كأسلوب من أساليب المعرفة, نوقشت هناك لوحدها وبمفردها عن واقع الإنسان..)).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com