عن الحرب الشيطانية وهُويتنا الإيْمَانية

هاشم أحمد شرف الدين

تبدو الصورةُ ضبابيةً لدى الكثير حيال مفهوم الحرب الناعمة التي لفت الانتباه إليها – غير مرة مؤخراً – قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله، وبالرغم مما اشتملت عليه كلمته بمناسبة جمعة رجب من مضامين كثيرة بهذا الصدد..

ولأهمية الأمر وخطورة هذه الحرب أعودُ للتذكير بأهم ما ورد في تلك الكلمة باختصار:

مصطلحُ الحرب الناعمة مصطلح أمريكي غربي استخدمه الأمريكانُ واليهود، ويتضمنُ مشاريعَ عمل واسعة، ويجري الأعداء أبحاثاً ودراساتٍ ومشاريع عمل كبرى لهذا النوع من الحرب الخطيرة جدا، التي تستهدف الإنسان بكل أشكال الاستهداف، لتدمير إيْمَانه ولنزع روح الإحساس بالمسؤولية لديه؛ ولهذا فهي أخطر أشكال الاستهداف، أخطر بكثير من الحرب الصلبة التي هي الحرب العسكرية، لأنها تفسد النفوس، وتقضي على القيم، وتدمر الأخلاق، وتضرب الناس في إيْمَانهم، وهي كارثة ومسألة خطيرة جدا، ففيها امتهان للناس في كرامتهم، وفيها استعباد لهم، واحتقار.

ولهذا المستوى من الخطورة فقد أسماها السيدُ القائدُ “الحربَ الشيطانية”، مؤكداً أن هذه التسميةَ تنطبق على هذه الحرب بكل ما تعنيه الكلمة.

كما أن للحرب الناعمة أبعاداً اجتماعيةً وثقافية وسياسية واقتصادية؛ ولأجل ذلك فهي تهدفُ إلى الاستحواذِ علينا في الفكر، والتوجه، والمفاهيم، والسلوكيات، والتحكم بشكل كامل بنا سياسياً واقتصادياً وثقافياً، بمعنى السيطرة المباشرة على الإنسان والتحكم به، بعد أن يتم تجريدُه من هُويته وتفريغه من محتواه المبدئي الأخلاقي القيمي..

وبالإضافة إلى ما ينتجُ عن ذلك من انقيادٍ سياسي يقود إلى التلاعب بمصير دول وشعوب وإسقاط حكومات وأنظمة، فإن هناك بُعداً اقتصادياً لهذه الحرب، ينطوي على أطماع استعمارية هائلة جداً، وأطماع المستكبرين والطغاة والمتسلطين الذين يريدون الاستحواذ على كُلّ شيء.

ومتى ما سيطر العدوُّ على الفرد والمجتمع بشكل تام فهو يستفيد من كُلّ شيءٍ: الأرض، الثروة، المقدرات، بل يستغل حتى الفرد والشعب في تحقيق مصالحه.

وعن أَهَـمّ ما تستهدفُه الحربُ الشيطانيةُ على الشعب اليمني أكّد السيدُ القائد أن هُناك استهدافاً كبيراً وممنهجاً لـ “هُوية” المجتمع اليمني، وأن هذه الهُويةَ المستهَدفةَ هي “الهُوية الإيْمَانية”، المعبَّر عنها بما تحدث عنه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وروي عنه حين قال: (الإيْمَان يمان).

كما أكّد السيدُ القائدُ قيمةَ الهُوية الإيْمَانية للمجتمع اليمني بما فيها من أفكار وثقافات وسلوكيات، حيث أنها تمثّل أَهَـمّ وأعظم ما يمكن أن يتماسك به المجتمع، ويحافظ به على وجوده، وأنها تمثل أَهَـمَّ عامل قوة بالنسبة له، وأهم ضمانة لفلاحه ونجاحه وصلاحه وعزته وكرامته ومنعته، كما أنها أعظمُ ما يمكن أن يعتمد عليه ويستند إليه في مواجهة كُلّ التحديات، وكُلّ الأخطار، مهما كانت، ومنها العدوان الأمريكي السعودي وحلفائه على بلادنا.

وبيّن السيدُ القائدُ أن أعداءَنا في الحرب الناعمة هم كُلُّ مَن لهم خصومةٌ مع هُويتنا الإيْمَانية، إما لأسباب استعمارية أَو فكرية أَوْ عقائدية أَوْ سياسية، من يدمرون إيْمَان الناس، من يسعون إلى نزع روح المسؤولية والإحساس بالمسؤولية لديهم..

وأوضح أن شياطينَ الإنس والجن يشتغلون على الحرب الناعمة الشيطانية تحت قيادة الشيطان، وأن اليهودَ هم أدواتُ هذه الحرب، ومعهم عملاؤهم الوكلاء المحليون أشخاص طبيعيون (منافقون)، أَوْ أشخاص اعتباريون (منظمات)، وكذلك التكفيريون الذين يعتبرون أن الإسلام لم يصل إلى اليمن إلا مع مجيئ الفكر التكفيري إلى اليمن.

ثم أشار السيدُ القائدُ إلى بعضِ العناوين التي تتحرّك عليها الحربُ الشيطانية، كالعناوين الدينية والثقافية والحرب النفسية، وعناوين أُخرى من قبيل الانفتاح والتحضر، وتبرير الجمود والتقاعس، مبينا مخاطر تحرك الأعداء تحت كُلّ عنوان..

وفي الجانب الاجتماعي الأخلاقي، لفت السيد القائد إلى بعض الوسائل التي يستخدمها العدو، ومنها: استخدام الهواتف بهدف الوصول للفساد أَوْ ما يسبب الفساد، والاختلاط، والانترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، وتبرج بعض النساء، وصناعة الرأي العام..

يطولُ الحديثُ حول هذه الحرب، ولا يتسعُ المقامُ لاستعراض كافة المضامين المهمة التي وردت في كلمة السيد القائد؛ لذا سأختم بهذه النقطة الأخيرة التي أوضح فيها حفظه الله أن العدوَّ قد استطاع سابقاً التأثيرَ على هُويتنا الإيْمَانية، وأنه يتجهُ لاستهدافنا في ما بقي منها، وما قابل ذلك من تأكيد السيد القائد على أنه يمكن معالجة الأمر، من خلال تحرك جنود هذا الميدان في واجبهم وفي مسؤوليتهم، العلماء، المثقفين، المتنورين، الواعين، الأكاديميين، في المدارس في الجماعات، الناشطين الإعلاميين، وجميع جنود هذا الميدان، لمواجهة الحرب الشيطانية بكل جدية.

لأن التقصيرَ في مواجَهة الحرب الناعمة هو تفريطٌ في هُويتنا الإيْمَانية، بما يعني أننا سنبتعد عنها، أَوْ سنبحث عن بديل يقدمه الآخرون لنا، وهو بديل لا ينسجم بأيِّ حال من الأحوال مع هذه الهُوية الإيْمَانية بما تشمله من قيم ومبادئ وأخلاق، وهذا يعني أننا سنخسَرُ ونضعفُ ويتلاشى كياننا كأُمَّةٍ، ونكون قد مَكَّنّا أعداءنا من السيطرة التامة علينا واستعبادنا واستغلالنا.

لذا فإن الهدفَ المتوخَّى من جهود مواجهة الحرب الناعمة يجبُ أن يكونَ مساعدةَ المجتمع على اكتساب الحصانة الإيْمَانية في مواجهة الحرب الشيطانية..

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com