البشير يدفع الجيش السوداني إلى جحيم اليمن وسخط شعبي يطالبه بالانسحاب: أعيدوا جنودنا من مقبرة الغزاة

 

المسيرة: إبراهيم السراجي

تقولُ تقاريرُ صحفيةٌ غربية: إن حصيلةَ قتلى مرتزِقة الجيش السوداني في اليمن خلال ثلاثة أعوام هي الأكبرُ من بين القوات الأجنبية التابعة للعدوان، فيما كانت الأنباءُ من الجبهات ومشاهد الإعلام الحربي تتوالى وتنقل الجحيم الذي يعيشه مرتزقة النظام السوداني في اليمن ضمن المعارك الاعتيادية التي سقط فيها آلاف المرتزقة المحليين والأجانب، أي أن سقوط أعداد كبيرة من المرتزقة السودانيين في الفترات الماضية كان نتيجة أنهم مدفوعو الثمن، وكذلك يتم الدفع بهم في الصفوف الأولى نحو المحرقة، لكن الجحيم الذي احترق فيه مرتزِقة الجيش السوداني خلال أقل من أسبوعين كانت نيرانه كثيفة وأعداده أكثر أيضاً دفعت قطاعاً واسعاً من النشطاء والسياسيين السودانيين ليدعوا إلى سحب جنودهم من اليمن، فما الذي اختلف؟.

 

  • اغتصاب فتاة الخوخة: تأريخٌ على المحك

نهارَ يوم الخميس الموافق 29 مارس الماضي صُدم الشارعُ اليمني بعد نبأ تعرض فتاة يمنية في الخوخة للاغتصاب من قبل مرتزق سوداني، وهي الواقعة التي أَكَّـدتها الضحيةُ نفسُها وروت تفاصيلَ التحقيق معها في معسكر أبو موسى الأشعري من قبل المرتزقة وضابط إماراتي الذين ساءهم شجاعتها بإفصاحها عن تعرضها للاغتصاب فأجبروها – كما تروي الضحية – على التوقيع على محضر تمت صياغته من قبل الاحتلال يظهر القضية بأنها تعرضت للضرب وليس للاغتصاب، لكنها وبعد أن أفلتت من قبضة المحقّقين أطلقت صرختها للشعب اليمني بأنها تعرضت للاغتصاب وأُجبرت على تبرئة الغاصب المحتل!

الغضبُ الذي سيطر على الشارع اليمني لم يكن كافياً، خصوصاً مع وجود قيادات ووزراء مرتزقة برّروا للجريمة بشكل مهين رغم إقرارهم بحدوثها، وبالتالي كان تأريخ اليمن على المحك، فليس من عادة اليمنيين أن يكتفوا بالغضب أَوْ يجدوا من يبرر لاغتصاب أعراضهم، فكان الميدان هو السبيل الوحيد للتأكيد على أن اليمنَ يحافظ على عروبته وتأريخه ونخوة قبائله.

في الأيامِ التالي للجريمة، أعلنت وزارة الدفاع أنها استقبلت طلبات تجنيد بأعداد غير مسبوقة، خصوصاً من أبناء الساحل الغربي الأقرب جغرافياً إلى منطقة الفتاة التي تعرضت للاغتصاب، فيما كانت الجبهاتُ تشتعل وأبطال الجيش واللجان يشعلون الأرض تحت أقدام الغزاة.

ويقول مصدر عسكري لصحيفة المسيرة: إن عملياتِ الجيش واللجان لتحرير الأرض مستمرة ولم يكن هناك تقاعس، مضيفاً أنه في الوقت ذاته كان الغضب من جريمة اغتصاب فتاة يمنية محركاً إضافياً أنتج واقعاً عسكرياً ملموساً من خلال تصعيد ومضاعفة الجهد العسكري للثأر للفتاة الضحية فنال مرتزقة الجيش السوداني النصيب الأوفر من الضربات في وقت قياسي.

 

  • الغضبُ يفتحُ أبوابَ الجحيم على الغزاة

إلى أمس الأول عندما قُتل أكثر من 30 مرتزقاً سودانياً في الساحل الغربي، لم يكن قد مر على جريمة اغتصاب فتاة الخوخة سوى 12 يوماً، لكن مرتزقة الجيش السوداني كانوا قد تعرضوا لأكبر المجازر منذ انضمامهم إلى مرتزقة العدوان في اليمن.

في الخامس من أبريل الجاري -أي بعد ثمانية أيام فقط من جريمة اغتصاب فتاة الخوخة- كان مرتزقة الجيش السوداني على موعد مع محرقة كبرى في صحراء ميدي على أيدي أبطال الجيش واللجان الشعبية الذين أوقعوا 94 قتيلاً من المرتزقة، معظمهم سودانيون، وبينهم عدة ضباط.

قيادةُ الجيش السوداني نعت مقتلَ عدد من ضباطها المرتزقة في اليمن، متجاهلة قتلاها من الجنود، لكنها لم تجد وصفاً لما حدث لهم في اليمن سوى أن قالت إنه “يومٌ حزينٌ مصبوغ بالأسود”، وكشفت أن من بين القتلى الذين لقوا مصارعهم كُلٌّ من العقيد الركن عبدالباقي (الدفعة 43)- المقدم إبراهيم دفع الله ألتي (الدفعة 45)- الملازم أول سالم عبيد (الدفعة 55).

ورغم التعتيم الذي يفرضه العدوان وضمنهم النظام السعودي على خسائرهم في اليمن، إلا أن محرقة ميدي وحجمها اخترق جدار التعتيم، فوصفت وكالة الأنباء الفرنسية ما حدث لمرتزقة الجيش السوداني بأنها أكبر مقتلة منذ ثلاثة أعوام، فيما نشرت قناةُ البي بي سي البريطانية خبراً يفيد بمقتل عشرات الجنود السودانيين في اليمن على أيدي من وصفتهم “الحوثيين” في صحراء ميدي.

تناوُلُ المحرقة التي تعرض لها المرتزقة السودانيون اتّسع وورد في معظم الوكالات الدولية والصحف الغربية والعربية التي ركزت بشكل كبير على أن مرتزقة الجيش السوداني تعرضوا لأكبر ضربة في اليمن، كما لفتت تلك الوكالات والصحف إلى وجود علاقة بين تنامي خسائر مرتزقة الجيش السوداني والغضب الشعبي في اليمن من تعرض فتاة يمنية للاغتصاب.

توالت الضربات اليمنية على مدى أيام ما بعد الجريمة، فباتت معظم الأخبار القادمة من الجبهات تتحدث عن ضربات ميدانية وصاروخية تستهدفُ مرتزقة الجيش السوداني الذين تعرضوا خلال أقل من أسبوعين لأكثر من 8 عمليات هجومية في الساحل الغربي أوقعت العشرات من القتلى والجرحى في صفوفهم، فيما طارد صاروخ قاهر الباليستي تجمعاتهم في الموسم بجيزان ليحيلها إلى محرقة أُخْــرَى.

 

  • تقارير: انتحار الجيش السوداني

على وَقْـــعِ انتشارِ المشاهِدِ والصور التي تُظهِرُ جثثَ مرتزِقة الجيش السوداني في موقعة ميدي، نُشرت العديدُ من التقارير التحليلية التي تحدثت عن حقيقة وخطورة وأهداف الزج بالجيش السوداني في اليمن وتضمّنت دعواتٍ لإنهاء هذا الخطأ التأريخي.

صحيفة رأي اليوم الصادرة من لندن تناولت ذلك الواقع في افتتاحيتها قبل أيام وقالت: إن “القوات السودانية في اليمن تحتل هذه الأيام العناوين الرئيسية، لكن للأسباب الخَطأ، وبِما قد يَنعكِس سَلبًا على سُمعَة البِلاد، ويُشَكِّل إحراجًا للسُّلطات السُّودانيّة التي اتّخذت القَرار بإرسالِها إلى اليمن، وقَتل اليمنيين المُحاصَرين المُجوَّعين”.

وأوضحت الصحيفة أن تلك الأسباب تعود لحدثين رئيسين أولاً واقعة اغتصاب فتاة يمنية في الخوخة التي قالت إنها أحدثت حالة غضب عارمة في اليمن، وثانياً “تأكيد وكالات أنباء عالميّة من بينها وكالة الصِّحافة الفَرنسيّة مَقتل عَشرات من الجُنود السُّودانيين”.

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك جدلاً في السودان حول تواجد قواتهم في اليمن، مضيفاً أن “نِسبة المُعارِضين الذين رَفضوا هذهِ المُشاركة؛ لأنّها تُسِيء للجَيش السُّوداني وتَوَرُّطِه في حُروبٍ ضِد أشقّاء من أجل المُساعَدات الماليّة، كانت هِي الأكبر؛ لأن المُبرِّرات التي تُقَدِّمها الحُكومة لم تَكُن مُقنِعة أوّلاً، ولِتَزايُد أعداد القَتلى في صُفوف هذهِ القُوّات، وبُلوغِها أكثر من 1000 جُندي، حَسب بعض التَّقديرات غير الرَّسميّة”.

من جانبها تناولت “صحيفة وطن” وضع القوات السودانية في اليمن وقالت إن “الإمارات لم تكتفِ بتوريط الجيش السوداني في حرب اليمن، بل تخطّى جبروتها الحدودَ وصاروا يضحّون بالجنود السودانيين كـ(النعاج) بوضعهم في خطوط المواجهة الأولى والمباشرة مع الحوثيين، ما أَسْفَـر عن خسائر فادحة بصفوف القوات السودانية هناك”.

أمّا النظام السوداني ورغم توثيق المجزرة التي لحقت بجنوده في اليمن، فانشغل على مستوى الإعلام الرسمي في نقل عبارات الشكر على لسان مسؤولين سودانيين للإمارات عَلى قيامها بوضع وديعة بقيمة 1.5 مليار دولار في البنك المركزي السوداني، فبدا الأمر وكأن النظام السوداني يقول إنه استلم ثمن جنوده.

 

  • سودانيون: أعيدوا الجيش من اليمن

منذ موافقة النظام السوداني على إرسال مرتزقته إلى اليمن، لم تتوقف الدعوات الشعبية والسياسية لإنهاء المشاركة السودانية في العدوان على اليمن، وكانت هذه الدعوات تشهد تصاعداً نسبياً كلما انتشرت صورٌ لقتلى مرتزقة الجيش السوداني، لكن هذه الدعوات تحولت إلى حملة واسعة هي الأولى من نوعها عقب المحرقة التي تعرض لها مرتزقة الجيش السوداني وتورطهم في جريمة أَخْـلَاقية في اليمن.

مواقعُ التواصل الاجتماعي التي أَصْبَحت المنصة الأولى للنشاط الحقوقي والسياسي، شهدت حملة هي الأكبر من نوعها أطلقها سياسيون ونشطاء سودانيين عبر وسمي “أعيدوا الجيش من اليمن” وحملة “سحب الجيش السوداني من اليمن”.

وضمن الحملة أشار الدكتور تاج السر عثمان إلى أن المطالب الشعبية بسحب الجيش السوداني في اليمن تتزايد يوماً بعد يوم، موضحاً أن ذلك يأتي بعد انكشاف زيف شعار محاربة إيران وتلاشي ذريعة دعم الشرعية “التي تمنع الإمارات رئيسها وحكومتها من العودة إلى عدن”.

أمّا الناشط السوداني ناجي إمام فدعا لسحب الجيش السوداني من اليمن؛ لأنَّ السعودية لا تستحق أن تُسفَكَ دماء السودانيين لأجلها، وأضاف “ما لنا واهل اليمن حتى نلغ في دمائهم، نحن من يُقتل وغيرنا يغنم.. أعيدوا أبناءنا للوطن واتركوا اليمن لأهلها”.

من جانبه، يقول الناشط السوداني محمد عثمان في تغريدة بموقع تويتر: إن “الجيش السوداني لا يحارب إلّا دفاعاً عن أرضه وشعبه، فلماذا نشارك في حرب يُقتل فيها الأبرياء في اليمن بكل خسة ونذالة ؟!”، وأضاف متسائلاً “كيف نحارب دفاعاً عن قوم يقتلون مسلمين إخوة لنا؟، هذا عار تخيل أن نحارب بجانب الإمارات ومرتزقتها أي عار بعد ذلك؟”.

الناشطة السودانية مواهب مصطفى كتبت تغريدة انتقدت تدخل جيش بلادها في اليمن وتجاهله تحرير أراضٍ سودانية تتهم مصر باحتلال. وقالت الناشطة “يقال إن الجيش السوداني في اليمن لدعم الشرعية أَوَليست حلايب أولى بفرض شرعيتنا فيها؟”.

من جانبه قال الناشط السوداني، أيام الضياء، في تغريدة بموقع تويتر “أعيدوا جيشنا السودانى، اليمن أهل الحكمة كما أخبرنا نبينا الكريم (ص)، يعرفون كيف يديرون حالهم وأحوالهم. أما التحالف فقد فشل؛ لأنَّ الأجندة بعيدة عن الهدف ويعملون لمصالحهم الخَاصَّــة. لذلك يجب إعادة الجيش بأسرع وقت”.

ونشر الناشط السوداني، إبراهيم يحيى، صورة لقتلى مرتزقة الجيش السوداني في اليمن وعلّق عليها بالقول “أنا مواطن سوداني بكامل قواي العقلية أطالب السيد عمر البشير ووزير الدفاع بسحب الجيش السوداني فوراً من مهازل آل سعود باليمن”.

أمّا الصحفي السوداني أمين عبدالله، إلى جانب دعوته لسحب جيش بلاده من اليمن، فقد كشف أنه – حسب مصادر وصفها بالموثوقة – لم تكتمل الإحصائية حتى اللحظة لكن ما تم إحصاؤه من القتلى يفوق 120 ما بين ضابط وجندي، مضيفاً أن تلك الضربة “تعتبر الخسارة الأكبر والأعظم منذ مشاركة الجيش في الحرب على اليمن”.

وأَكَّـد أن اليمنَ لن يخضعَ للتحالف، والسعوديون يعلمون بهذا؛ ولذلك لا يرسلون أبناءهم إلى اليمن الذي عُرف بأنه مقبرة الغزاة والذي التهم 80 ألف جندي عثماني و20 ألف جندي مصري وغيرهم آلاف الغزاة على مَرّ التأريخ.

وأضاف أن مقبرة الغزاة في اليمن ما تزال أبوابها مفتوحة فيما البشير يدفع بالمزيد مقابل المال.

ناشطٌ سوداني آخر يُدعى محمد القواس تطرق إلى أن تحالف العدوان يضع مرتزقة الجيش السوداني في مقدمة الصفوف ليلقوا مصارعهم، وقال “هل مات في اليمن غير الجيش السوداني؟ أين بقية جيوش التحالف؟ ماذا يستفيد الجيش السوداني من حرب اليمن؟”، وأضاف أن الأفضل للجنود السودانيين أن يموتوا في أرضهم ويقوموا بتحرير حلايب بدلاً عن أن يموتوا في اليمن دون أن يعرفوا لماذا يحاربون”.

ومن ضمن تفاعل النشطاء السودانيين مع حملة الدعوة لسحب الجيش السوداني في اليمن، قال الناشط السوداني محمد محجوب “دخول قواتنا لليمن عار سيظل يطاردنا للابد؛ لأنَّها حرب يُقتل فيها أطفال وشياب ونساء وتُرتكب فيها مجازر”، وأضاف أن “ما يحصل الآن في اليمن ليس من طبع وأَخْـلَاق السودانيين.. إنه شيءٌ مؤلمٌ ومخزٍ؛ ولذلك لا بد من سحب الجيش السوداني من اليمن”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com