اليهود وراء كُلّ جريمة: نشر الرذائل في فرنسا

الحلقة الخامسة عشرة

فِي كتابِ “اليَهُوْد وَرَاءِ كُلِّ جريمة” للكاتب الكندي وليام كار، يُسلِّطُ المؤلفُ الضوءَ على الأمور التي لم تكن واضحةً من أساليب اليهود للسيطرة على العالم، مستخدمين كافة الوسائل القذرة والجرائم التي لم يكن يدرك الناسُ أن اليهود يقفون وراءَها للوصول إلى غايتهم بالسيطرة على العالم وثرواته، مؤكداً أنه ما سيكشفه في الكتاب سيصدم القراء؛ نظراً لعدم قدرة الكثير منهم على استيعاب خُبث اليهود من تلقاء أنفسهم.

في ترجمة الكاتب وفق موسوعة ويكيبيديا هو باحثٌ كندي وأستاذ جامعي اختص بالعلوم وبالآثار القديمة. وقد قضى فترة بفلسطين ودرس بالجامعة (العبرية) في القدس المحتلة وسبق له أن عرض القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها وأثبت (بطلان الحق التأريخي لدى اليهود) وبشكل علمي موثق وببراعة نرى من خلالها الصدق والتعلق بالحق والعدالة.

ونظراً لأهميّة محتوى الكتاب، تقومُ صحيفةُ المسيرة بنشره في سلسلة حلقات معتمدة على النسخة المترجمة والصادرة في عام 1982 عن دار الكتاب العربي في بيروت والذي تولى شرحه والتعليق عليه باللغة العربية الكاتب والمؤلف العراقي “خير الله الطلفاح”.

 

المرحلة الثانية ميرابو الدوق دورليان

بعد أن نجَحَ ميرابو في مهمته وتمكَّنَ من حَمْلِ الدُّوق دورليان على دمج الماسونية الوطنية الفرنسية التي كانت معروفةً باسم “الماسونية الزرقاء” بمحافل الشرق العظمى أو الماسونية النورانية، أخذ يدفع صديقَه للانزلاق في الرذيلة والمتعة الفاجرة حتى يهويَ إلى نفس الدرك الذي وصل إليه والذي قاده إلى النبذ الاجتماعي، وقد نجح ميرابو في هذه المهمة أيضاً، بحيث لم تمضِ أربعُ سنين حتى ناء كاهل الدوق دورليان بالديون الباهظة، بحيث لم يرَ مفراً من الاقتناع باللجوء إلى طريقٍ خطرة هي الاشتراك في عمليات التهريب والتجارة المحرمة حتى يسترد بعض خساراته.. على أن مغامراته كانت تبوءُ بالفشل ويفتضحُ أمرها بطريقة غامضة، ممَّا زاد موقفَه سُوءاً على سوء، وحمّله خسائرَ أبهظَ من الأولى.. وهكذا بلغت ديونُهُ في عام 1780 مبلغاً قدره (800,000) ليرة فرنسية، وهو مبلغ ضخم جداً بعُملة ذلك العصر، وحينئذ ظهر المرابون ثانيةً في أفقه وشرعوا يقدمون له النصائحَ المتعلقة بأعماله المالية ويمدونه بالمعونة النقدية..

حبك المرابون دسائسَهم حول الدوق دورليان بدهاء ومكر، واستخدموا مهارتهم للمناورة بخبث، حتى وصلت أوضاعه إلى درجة من السوء بحيث لم يجد معها بداً لرهن جميع أملاكه وأراضيه وحتى قصره المسمى (الباليه رويال)، وهو القصر الملكي المخصص له.. حيث رهنه عندهم ووقّع على عقد يأذن لدائنيه اليهود بإدارة كُلّ ما يخصه من أراضيَ وممتلكاتٍ حتى يؤمِّنَ مبلغاً يكفي لضمان ديونه ويُعطيه دخلاً يكفيه للعيش.

وقد قَبِلَ الدوق دورليان بتوقيع هذا العقد لغبائه المالي؛ ظاناً أنه يعقد بذلك صفقة مالية مربحة تؤمّن له قيام أشخاص ماهرين على إدارة ممتلكاته وتحويل عجزه المالي إلى فائض!، ولا ريب في أنه لم يشعر بالهُوَّة التي فغرت فاها تحت قدَمَيه وبأنه قد وقع في فخ شرير جعله روحاً وجسداً تحت رحمة عملاء الشيطان، على أنه لم يكن قادراً على تغيير مجرى الأمور حتى لو أدرك ذلك؛ لأنه كانت عندها فريسةٌ لا حولَ لها ولا طول وقعت في أيديهم مستسلمة.

بعثتِ القوى الخفيةُ يهودياً من أصلٍ أسباني للإشراف على أملاك الدوق دورليان وعلى قصر (الباليه رويال)، ولم يكن هذا المشرف سوى (كودير لوس دي لالكو)، الذي كان في ذروة شهرته آنئذ ككاتب قصة (العلاقات الخطرة) وغيرها من القصص الجنسية الفاضحة.. كما اشتهر بدفاعه الصريح عن الإباحية والفسق العلني، ولا يعنينا في هذا الكتاب كودير لوس دي لالكو، بل إن نصفَ ما فعله: فقد حول قصر الباليه رويال الملكي الذي عهد به إليه، حوله إلى أضخم وأشهر دار للتهتك والفجور عرفها العالم بأسره في ذلك الحين.

وهكذا جعل من قصر ملكي مقراً لكل أنواع المباذل الوضيعة والمتعة الإباحية المجردة عن كُلّ مشاعر الخجل والعار، وأصبح مرتادوه ومرتاداته الجُدُد يحضرون فيه أنواع المشاهد الجنسية الخالية من أي شعور بالحياء الطبيعي، واكتظ بأنواع متعددة من الصور والكتب العارية الوقحة التي لا يمكن وصفها، ولم يكتفِ بذلك بل وضع كُلّ التسهيلات الممكنة أمام الرجال والنساء الذين يرغبون في ممارسة أي نوع شاءوا من أنواع الإباحية والمجون..!

وهكذا أصبح الباليه رويال (القصر الملكي) المخصص لابن عم الملك المركز الذي تنبعُ منه كافة الأقاصيص والتفاصيل في الحملة المنظمة لتحطيم المعتقدات الدينية والأخلاقية العامة في فرنسا.

لم يكن كودير لوس لالكو وحيداً في مهمته، بل كان له شريكٌ يفوقه شهرةً عُرِفَ باسم كاليسترو، وكان يهودياً قَدِمَ في الأصل من مدينة «بارما» الإيطالية، واسمه الأصلي (جوزيف بالسمو).

وقد حول هذا اليهودي منازل الدوق دورليان التي لا يطالها القانون إلى مركز للطباعة أخذ يصدر منه المنشورات التي تحرض على الثورة وتنشر الفضائح بصورة مثيرة ومستمرة، كما قام بتنظيم خلايا من المحرضين المدربين اختصوا بإقامة الاجتماعات والحفلات المسرحية والأدبية والخطابية والمناقشات العامة والموجهة ضمن نطاق حركة عامة تكلفت بإثارة الهيجان وإلهاب مشاعر الجماهير.

وقام كاليسترو أيضاً بتنظيم شبكة من الجواسيس والعيون الذين بثهم في كُلّ مكان لكي يتشمموا رائحة الفضائح فيقوموا بدورهم بإبلاغها إلى القوى الخفية الموجهة؛ لكي تتولى تنظيم وتخطيط عمليات التشهير المنهجية التي تستهدفُ القضاءَ على سُمعة ضحاياها أو تحكم عليهم بالموت الاجتماعي.. هذا وإن الرجال والنساء الذين يقعون في شباك (دي لالكو) وبالسامو كانوا لا يلبثون أن يصبحوا فريسةً للابتزاز والتهديد بالفضائح والتشهير ويضيق عليهم الخناقَ حتى ينتهيَ الأمرُ بهم فيصبحوا أدواتٍ طيعةً لتنفيذ ما يؤمَرون به.

وهكذا تحوّلت ممتلكات الدوق دورليان إلى مركز لتدريب الثورة والثوار وتغلغلت الخلايا في الاجتماعات والمنتديات الثقافية والمسارع والمعارض الفنية والنوادي الرياضية، فلم تلبث أن قلبتها جميعا تحت هذه الأقنعة الظاهرية إلى قاعات للمقامرة ومنازل للدعارة ومواخير لتعاطي الخمور والمخدرات.. وتشعبت مقرات الرذيلة هذه حتى عمت كُلّ مكان وازدهرت..!!

كانت الخلايا تستجلب زعماء الثورة المقبلين إلى هذا العالم المشبوه وهناك تلقي بهم في أحضان المغريات والفساد حتى ميت ضمائرهم وتحولهم إلى كائنات بهيمية إباحية وكانت هذه العمليات تسير وتوجه من قبل المراكز المستقرة في ممتلكات الدوق دورليان كما ذكرنا، ولا سيما في قصر الباليه رويال، وهو القصر الملكي.. بحيث أصبحت هذه الممتلكات معامل حقيقية تصنع من هؤلاء الأشخاص أدوات وقطع اللعب التي تستخدمها القوى الخفية في لعبة الشطرنج التي جعلت مسرحها فرنسا بأسرها. ويقول المؤرخ البريطاني سكودر عن قصر الباليه رويال في كتابه (أمير الدم): لقد سبب هذا القصر وحده لرجال الشرطة في فرنسا مزيدا من المتاعب عن بقية باريس بأكملها.

أمّا بالنسبة لجماهير الشعب الفرنسي فإن هذا القصرَ الذي تفوحُ منه روائحُ الفضيحة لم يكن سوى المقرِّ الرسمي للدوق دورليان ابن عم ملك فرنسا..؛ لأن الجميعَ كانوا يجهلون باستثناء حَفنة من الرجال والنساء أن القصرَ واقعٌ تحت سيطرة المرابين الذين خصّصوه عمدةً لهذا الاستعمال المريب؛ تمهيداً للضربة القادمة المسجلة في سجل انتقامهم من الإنسانية.

لم تكن الحكومةُ الملكيةُ في فرنسا جاهلةً بما يجري.. فقد تلقت التحذير الكافي منذ البداية، وقد ذكرنا سابقاً كيف عثرت الحكومةُ البافارية على الوثائق بعدَ مقتل رسول المؤامرة، وكيف هاجمت مقر النورانيين إثر ذلك، حيث عثرت على وثائق إضافية تبيّنت منها مدى عمق المؤامرة وتشعباتها وتفرعاتها في كُلّ أوروبا، فوجدت بافاريا أن من واجبها تنبيه الدول المعنية وهكذا أبلغت تلك المعلومات إلى حكومة فرنسا وإنكلترا وبولونيا والدول الجرمانية والنمسا وروسيا، ولكن ما حدث هو أن هذه الدول لم تتخذ الإجراءات الحاسمة التدارُكَ الخطرَ كما كان منتظرةً، بل نظرت إلى الموضوع بعين الإهمال، ومن الواضح أن السببَ في ذلك يعود إلى نفوذ القوى الخفية الذي كان يفوق ببعض تلك الدول نفوذ حكوماتها ذاتها.

إنَّ للقوى المتآمرة حليفاً آخرَ في قلب الشعوب البريئة، ونعني به الشخصَ العادي الذي يؤمن بالله وينعم بالخير والأمن، فمثل هذا الشخص رجلاً أكان أو امرأة.. لا يستطيع الاقتناعَ بأن هناك مخطّطاً للشرِ والحقدِ والانتقامِ رسمتهُ وتنفذهُ مخلوقات بشرية شبيهة به، كما يصعُبُ على المؤمنين الذين يتردّدون على بيت الله للممارسة الشعائر الدينية والصلاة فتطمئن ضمائرهم الدين ينادي بالخير والبركة الالهية، يصعب عليهم أن يتصوروا وجودَ دين آخر شرير هو دين النورانيين الذين شوّهوا ومسخوا وقلبوا كُلّ شيء إلى طقوس وثنية تقومُ على غرس بذور الشر والبغضاء في قلوب الناس وضمائرهم، وتحويل أتباعهم إلى أدوات طيعة لتنفيذ مآرب كهنة الشر هؤلاء.

وسوف ترسُمُ لنا الصفحاتُ القادمةُ الصورةَ الصادِقةَ لأحداث الثورة الفرنسية.. هذه الأحداثُ التي تبيِّنُ بجلاءٍ كيف أخفق التحذيرُ تلو التحذير في إيقاظ ضمائرِ الناسِ من غفوتِهم الساذجةِ وتنبيهِ الأفرادِ إلى خطرِ المؤامرةِ العالمية.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com