وقفة مع برنامج رجال الله.. دروس من وحي عاشوراء

عبد الرحمن محمد حميد الدين

كانت حادثةُ كربلاء إحدى تبعاتِ الانحراف الذي حدث بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وعلى آله)، ولم تكُ وليدة يومها، وإلا ما الذي جعل الحسين بن علي (عليه السلام) يُقتل باسم الإسلام، وباسم القرآن، وعلى أيدي من هم محسوبون على المسلمين، وبأمرٍ ممّن تم تنصيبه “خليفة” للمسلمين..؟!! وكان الكثيرُ ممن رأوا رسول الله، وسمعوا القرآن يتنزل على فمِ رسول الله، وصلوا وراء رسول الله، كانوا هم الشاهدُ على هذه الفاجعة الأليمة.. لذا كانت عواقبُ التفريط أكبر وأشدّ وأفظع..

فالذي جعل الأحداثَ تصل إلى ما وصلت إليه هو [التفريط]؛ التفريط في توجيهات رسول الله عندما نصَّبَ عليًّا (عليه السلام) خليفةً بعده، أفرزَ واقعًا سيئًا، وأفرز قادةً أسوأ.. والتفريط في توجيهات الإمام علي عندما كان يوعظ أصحابه، وينصح المنحرفين ممن فضَّلوا الاصطفاف في صفّ معاوية؛ هو ما أفرزَ واقعًا أمويًا، وأفرز حكامًا على شاكلة معاوية، ويزيد، وهشام بن عبد الملك..

 

فاجعة كربلاء لم تكن وليدة يومها:

يؤكد [الشهيدُ القائد] في محاضرة (دروس من وحي عاشوراء) على أنّ حادثة كربلاء بكل تفاصيلها، وتبعاتها، وتداعياتها لم تكُ وليدة يومها، ولا وليدة لحظتها، بل كانت إحدى نتائج [الانحرافات الأولى] يوم أنْ كان الكثيرُ ممن يسمع توجيهات رسول الله ولا يلقي لها بالًا، ولا يهتم.. وهذا يعطينا درسًا مهمًا في خطورة [اللامبالاة] تجاه بعض التوجيهات، أو تجاه بعض المؤشرات التي تنبئ عن واقع خطيرٍ.. وأيُّ واقعٍ سيء لا يمكن أن يكون إلا نتيجة لتفريط.. ومما قاله السيد (رضوان الله عليه): ((لا تنظر إلى فاجعة كربلاء أنها وليدة يومها.. من الذي حرك الجيوش لتواجه الحسين في كربلاء؟ من الذي أرسل ابن زياد إلى الكوفة ليغري زعماء العشائر بالأموال، ويرغّب ويرهب حتى يجيشهم، حتى يحولهم إلى جيش يتوجه لضرب الحسين بعد أن كانوا قد بايعوا الحسين، من هو؟ إنه يزيد. من الذي جعل يزيداً خليفة على رقاب المسلمين؟ إنه معاوية، من الذي جعل الأمة – تلك الأمة – تقبل مثل يزيد؟ من الذي جعل ليزيد سنداً قوياً وقاعدة قوية؟ إنه معاوية، من الذي ولى معاوية على الشام؟).

 

كربلاء بين العبرة والعاطفة:

إنّ الحديثَ عن (واقعة كربلاء) هو حديثٌ واسعٌ ومهمٌ جدًا، وأعتقد أنه لولا خروج الإمام الحسين بن علي وأصحابه في هذا اليوم المشهود لغابتْ الكثيرُ من مفاهيمُ الدين، ولأصبح قعودُ الحسين بن علي تقريرًا عمليًا يؤيد مقولة: “أطعِ الأمير وإنْ جلد ظهرك وأخذ مالك”.. لذلك فنحن بحاجة إلى معرفة (الأسباب) التي أودتْ إلى أن يخرُّ الإمام الحسينُ صريعًا، وعلى مرأى ومسمع من أمة مسلمة، وحديثة عهدٍ بالقرآن والرسول.. ولا يكفي – كما يقول [الشهيدُ القائد] – أن يكون حديثُنا عن هذه الواقعة الأليمة هو من زاوية عاطفية فحسب.. بل لا بد من دراسة الأسباب الأولية لهذه الواقعة؛ حتى لا نعيش أسبابها، ولا تتكرر فينا كربلاء ثانية، وثالثة، ورابعة.. ومما قاله في ذلك (رضوان الله عليه):

((فنحن – أيها الإخوة – عندما نتحدث عن كربلاء لا نتحدث عنها فقط من الجانب العاطفي، الجانب العاطفي مثير لكن قد يجعل القضية تتجمد في عصرها، ويجعلنا نحن لا نستطيع أن نستلهم منها الدروس والعبر، ولذا حاولنا أن يكون إحياؤنا لهذه الذكرى هو فعلاً حديث عن ما حدث فيها من مآسي كشفت عن وحشية أولئك الظالمين، وخشونة طباعهم, وخبث أنفسهم.

ونعرف أيضاً الأسباب التي أدت لمثل تلك؛ لأنها أسبابٌ الناس يعيشونها في كل عصر، نحن نعيش – فيما أعتقد – الأمة المسلمة هي تعيش الحالة, الحالة نفسها، الأسباب نفسها التي هيأت الظروف لأن يسقط بين أيديها مثل علي والحسن والحسين وزيد ومحمد بن عبد الله النفس الزكية وغيرهم من عظماء أهل البيت، الحالة نفسها واحدة. سنظل دائماً نئنّ ونتوجّع من الأحداث ولا نهتدي لحل, ولا نعرف من الذي وراء ذلك، إذا لم نعد إلى دراسة أسباب الأشياء من أولها, نعود إلى دراسة الأسباب الأولى للأحداث حتى نعرف ما إذا كان هناك في واقعنا شيء من هذه الأسباب متوفر, شيء من هذه الحالة التي أدت إلى تلك النتائج السيئة تعيش عليها الأمة، فإذا ما وجدنا أنفسنا نعيش نفس الشعور، نعيش نفس الحالة فاعرف بأنك إنما ستكون مثل أهل العراق، مثل أهل الشام الذين ظلوا دائماً يتوجعون، مثل هذه الأمة من أولها إلى حاضرها, تتوجع من الأحداث، تتوجع من الكوارث، وتئن وتصرخ ولا ترى مخرجاً, ولا تعرف حلاً)).

 

خطورة أن يُساق المحسوبون على الحق إلى صفِّ الباطل:

ونجد اليوم في واقعنا أن الكثيرَ يعتبر أنه غير معنيٍّ بهذه الحادثة؛ لأنه يرى نفسه من الموالين لأهل بيت النبي، ومن المتبرئين من قتلة الحسين بن علي، ومن المتبرئين ممن خذلوا الإمام عليًا وقتلوه، فهو يرى نفسه قد تجاوز استلهام الدرس..!!.

وهذا الواقع المغلوط ينطبق على الكثير من أبناء هذه الأمة في مختلف دول العالم الإسلامي.. والغريب أن هؤلاء لا يتأملون أن معظم قتلة الإمام الحسين كانوا ممن كاتبوه، وبايعوه، وطلبوا مجيئه.. بل إنّ الذي أجهز على الإمام الحسين في آخر اللحظات وقبيل عروج روحه إلى الحياة الأبدية، كان [شَبَث بن رِبْعي] وهو أحد زعماء قبائل الكوفة الذي كاتَبَ الإمامَ الحسينَ بكتابٍ مُذيل باسمه وخاتمه..!!.

ولكن أولئك عندما فرّطوا في توجيهات الإمام علي يوم كان بينهم في الكوفة، ولم يسمعوا لنصحه ومواعظه، هو ما جعلهم يُساقون إلى الباطل ويقاتلوا في صفّه وميدانه.. ذلك التفريط هو الذي جعل المحسوبين على جانب الحق من أهل العراق والكوفة هم من يُجهزون على الإمام الحسين قبل أهل الشام المحسوبين على معاوية وبني أمية..!!.

ولذلك يُحذر [الشهيدُ القائد] من خطورة عواقب التفريط، وخاصة في اللحظات والظروف التي يجدُ فيها الإنسانُ المسلم في حياته من يُذكّره بمسؤوليته، ويقيم عليه الحجة، ثم لا يهتم ولا يلقي لذلك بالًا، أو أنه غير مستشعرٍ لأيّ مسؤولية، ولا يعتبر نفسه معنيًا بالمطلق.. هذا الشعور السلبي [مؤشرٌ خطير] على أنّ هذا الإنسان سيرى نفسه في يومٍ من الأيام يقف في وجه الحق، ويُساق إلى مواقف الباطل..

ومما قاله السيد (رضوان الله عليه): ((وحتى نعرف، وحتى يعرف كل واحد منا أنه يعيش نفسية الشخص الذي أغمض عينيه يوم صعدَ أبو بكر على كرسي الخلافة، وأنك تعيش نفسية ذلك العراقي الذي كان يسمع علياً يتحدث بمسجد الكوفة، وتحمل نفسية ذلك العراقي يوم خرج الحسين متجهاً إلى الكوفة، ويوم دخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، حتى تعرف أنك لا تختلف عن أولئك، إذا ما وجدت نفسك أمام أي قضية, أمام أي حدث، تجد هناك من يذكرك بمسؤوليتك، ويذكرك بخطورة عواقب تلك الأحداث يذكرك بعقوبة تفريطك ثم لا تهتم، فإنك من قد تجد نفسك في يوم من الأيام ليس فقط ضحية لتفريطك، بل تجد نفسك في موقف أسوأ من ذلك الموقف، تجد نفسك في صف الباطل تقف في وجه الحق، تساق إلى مواقف الباطل.

وهذا لم يكن فقط ما حصل للعراقيين وحدهم في التأريخ، لقد حصل للكثير من البشر على امتداد التأريخ, تأريخ هذه الأمة، كم من الأشخاص ممن هم يُحسبون على جانب الحق، ممن سمعوا توجيهات الحق, وسمعوا صوت الحق ودعوا إلى الحق ففرطوا فرأوا أنفسهم يساقون إلى ميادين نصر الباطل!)).

 

من يعشقون السلطة سيبيعون الأمة والدين لأجلها:

يتحدث الشهيدُ القائد في هذه المحاضرة عن بعض أهم [نقاط الضعف] التي تصنع واقعًا سيئًا، وتصنع طغاةً على شاكلة معاوية، ويزيد، وأنظمةً على شاكلة أمريكا، وإسرائيل، والنظامين السعودي والإماراتي.. من نقاط الضعف هذه [عشق السلطة].. فالشغف بالسلطة كان أحد أهم الأسباب التي كان [معاوية] يستقطب بها الكثيرَ من أشراف القبائل ومن أوائل الذين أسلموا..!! وهي حالة نفسية خطيرة يجب أن يحذر الإنسانُ منها، وخاصة عندما يتسع ذلك الشغفُ ليجعل صاحبه أمام الإغراءات الكبيرة يسقط في الهاوية؛ ويبيع دينه، وشعبه، ومبادئه..!! وهذه الحالة نجدها ماثلة أمامنا في من يحسبون أنفسهم من [دعاة الدين] من حزب الإصلاح والتكفيريين، الذين يقاتلون اليوم في صفَ [العدوان الأمريكي السعودي] طمعًا في السلطة.. ومما قاله السيد (رضوان الله عليه):

((الإمام علي يعرف أن من يعشق السلطة، أن من يعشق المنصب هو نفسه من يمكن أن يبقي مثل معاوية على الشام، هو نفسه من يمكن أن يبيع دين الأمة، أن يبيع الدين الإسلامي، هو نفسه من يمكن أن يبيع الأمة بأكملها مقابل أن تسلم له ولايته، وأن يسلم له كرسيه ومنصبه. وهل عانت الأمة من ذلك اليوم إلى الآن إلا من هذه النوعية من الحاكمين! هذه النوعية التي نراها ماثلة أمامنا على طول وعرض البلاد الإسلامية..)).

ويقول أيضًا: ((عندما نسمع – أيها الإخوة – زعماء العرب, زعماء المسلمين كلهم يسرعون إلى الموافقة على أن تكون أمريكا حليفة، على أن تكون أمريكا هي من يتزعم الحلف لمحاربة ما يسمى بالإرهاب، وعندما نراهم جميعاً يعلنون وقوفهم مع أمريكا في مكافحة ما يسمونه بالإرهاب؛ لأنهم جميعاً يعشقون السلطة؛ لأنهم جميعاً يحرصون على البقاء في مناصبهم مهما كان الثمن، لكنهم لا يمكن أن يصرحوا بهذا، هم يقولون: من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار، من أجل الحفاظ على مصلحة الوطن! أو يقولون: خوفاً من العصا الغليظة, العبارة الجديدة التي سمعناها من البعض: الخوف من العصا الغليظة! وأي عصا أغلظ من عصا الله، من جهنم, ومن الخزي في الدنيا؟ هل هناك أغلظ من هذه العصا؟)).

 

تفريطُ اليوم يهيئ الساحة لتحكمها أمريكا:

ومما نستلهمه اليوم من حادثة كربلاء أنّنا نعيش نفس الواقع الذي يجعلنا في حُكم من شهروا سيوفهم في وجه الحسين بن علي، ويجعلنا في حُكم من خذلوا الإمامَ عليًا، وفي حُكم من قتلوا الإمامَ عليًا.. ألسنا نعيش اليوم في [العصر الأمريكي] الذي يفرض على كل فردٍ في العالم الإسلامي أن يكون بين خيارين: إمّا أن يكون جنديًا لله، أو سيكون جنديًا لأمريكا؟!!

فقد يكون المسلمُ اليوم جنديًا ميدانيًا لأمريكا، كما هو حالُ النظامين السعودي والإماراتي، وحزب الإصلاح، وداعش والقاعدة.. وقد يكون المسلمُ أو المجتمعُ المسلم جنودًا لأمريكا وإسرائيل بتفريطهم، وسكوتهم، وحيادهم.. كما هو حال الكثير من المكونات والشعوب العربية والإسلامية، والتي لم يسلم لها اقتصادُها، ولا أمنها، ولا حتى وجودها..

ويؤكد [الشهيدُ القائد] أنّنا – بتفريطنا اليوم – قد نكون ممن يهيئون الساحة ليحكمها بوش أو ترامب أو نتنياهو.. كما هيأها المسلمون الأوائل ليحكمها معاويةُ ويزيدُ وأمثالهم من الطغاة..

ومما قاله السيد (رضوان الله عليه) في ذلك: ((وإذا كان أولئك لتفريطهم هيئوا الساحة لأن يتولى يزيد فأنت هنا لتفريطك ستهيئ الساحة لأن يحكمها [بوش]، ولتحكمها إسرائيل، فيحكمها اليهود، أوليس اليهود أسوأ من يزيد؟ إن من يهيئ الساحة لتحكمها أمريكا، من يهيئ الساحة لتحكمها إسرائيل، من يهيئ الساحة لتحكمها ثقافة الملعونين من اليهود والنصارى بدل ثقافة القرآن هم أسوأ ممن شهروا سيوفهم في وجه الحسين.

لأنها كلها حالة عربية واحدة، كلنا نحن العرب حالة مترسخة لدينا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} ((حَذْوَ بني إسرائيل)) هم قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(البقرة: من الآية55) لن نؤمن لك يا علي عندما تقول: ((والله إني لأخشى أن يُدَال هؤلاء القوم منكم؛ لاجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)) لن نؤمن لك حتى نرى معاوية جهرة فوق منبرنا فنعلم أنه فعلاً أنه قد أُدِيْلَ منا.

لن نؤمن لك يا حسين، لن نؤمن لك يا علي إلا بعد أن نرى يزيد فوق منبرنا، لن نؤمن لك إلا بعد أن نرى سيف يزيد مشهوراً على رقابنا، لن نؤمن لك حتى نرى أمريكا ونرى الأمريكي يوجه بندقيته إلى صدورنا، لن نؤمن لك حتى نرى نساءنا يخرجن متبرجات كالأوربيات في شوارعنا، لن نؤمن لك حتى نرى القرآن تُمَزَّق صفحاته في مساجدنا, لن نؤمن.. لن نؤمن.. هي الحالة العربية التي ضربت العرب، وضربت القرآن، وضربت الدين, نحن نعيشها [لن نؤمن لك حتى نرى…])).

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com