وقفة مع برنامج رجال الله.. دروسٌ من وحي عاشوراء

 

خاص:

إنّ كُلّ مشهدٍ من مشاهد ثورة الحسين بن علي، وكل فصلٍ من فصول معركة كربلاء مليءٌ بالدروس في الأخلاق والقيم، والإنسانية، والعظمة، والكرامة، وكل مشهد من تلك المشاهد مهما كان صغيراً تجده يزخم بالعِبَر، ويعطي المعنى الحقيقي للوجود، ويمنح الإنسان قيمته ولو كان ذلك مقابل سفك دمه وقطع رأسه.. هذه هي العظمة التي يفتقدها الكثيرُ، ولا يدرك عمقها إلا من ذاقَ حلاوتها وتجاوز مراحلها إلى الحدَّ الذي يجعله يقول: إني لا أرى الموتَ إلا سعادة..؛ لأنه وجد في هذا الطريق ما يستحق التضحية من أجله.. فالموت والشهادة في سبيل الله هي أسمى وأزكى من الحياة مع الظالمين..

فعاشوراء الحسين هي مدرسة لكل معاني القيم الإنسانية بدءً بالعرفان الإلهي، ووصولاً إلى الإحسان، وكما يُقال أنّ الضدَّ بالضدِّ يُعرف، فإنّ هذه الملحمة هي أحد الشواهد على خطورة الشرّ فيما لو استفحلَ وتمكَّن، وكما عبَّرَ الشهيدُ القائد السيد الحسين بن بدر الدين الحوثي عن هذه الملحمة الحسينية بقوله في محاضرة (دروس من وحي عاشوراء): ((إن الحديث عن كربلاء هو حديث عن الحق والباطل، حديث عن النور والظلام، حديث عن الشر والخير، حديث عن السمو في أمثلته العليا، وعن الانحطاط، إنه حديثٌ عن ما يمكن أن تعتبره خيراً، وما يمكن أن تعتبره شراً؛ ولذا يقول البعض: إن حادثة كربلاء، إن ثورة الحسين (عليه السلام) حدثٌ تستطيع أن تربطه بأي حدث في هذه الدنيا، تستطيع أن تستلهم منه العبر والدروس أمام أيٍّ من المتغيرات والأحداث في هذه الدنيا؛ لذا كان مدرسةً مليئة بالعبر، مليئةً بالدروس لمن يعتبرون، لمن يفقهون، لمن يعلمون)).

وسيدرك القارئ الكريم عظمة هذه الملحمة العاشورائية الحسينية، وقيمتها في هذا العصر [عصر دول الاستكبار العالمي] أمريكا وإسرائيل ومن يدور في فلكهما من أعراب الخليج كالنظامين السعوديّ والإماراتي، هذه المرحلة التي الأمة بأمسِّ الحاجة للاستلهام من الحسين.. ومن ثورة الحسين.. ومن إيمان الحسين.. ومن يقين الحسين.. ومن إباء الحسين.. ومن شجاعة الحسين ما يعطيها دفعة ومخزوناً هائلاً من الإيمان بالله والإيمان بالقضية العادلة التي تستحق التضحية بالمال والنفس والولد كشاهدٍ عمليٍ على صدق الإيمان.

إنّ المطلوب اليوم وخاصة من (النخب الثقافية) أن تحوّل عاشوراء في كُلّ يومٍ، وفي كُلّ عام إلى ساحةً من ساحات الدعوة إلى الإسلام، ومواجهة المستكبرين وعلى رأسهم محور الشر والإرهاب: أمريكا وإسرائيل والنظام السعوديّ والإماراتي.. والانتصار للمظلومين والمستضعفين في أرجاء المعمورة..

فالحسين (عليه السلام) انطلق من موقع الحسابات الدقيقة، ومن موقع العناوين الكبرى، وقال في كلمته: ألا ترون إلى الحقَّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمنُ في لقاء ربه، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً..، فنحن اليوم جزءٌ من واقع عالمي لا نستطيع أن ننفصل عنه، ولا يجوز لنا ذلك، وإذا انفصلنا عنه فهو لا ينفصل عنّا..

عاشوراء نَتَاجٌ طبيعي لانحراف حدَثَ في المسيرة الثقافية لهذه الأمة:

ويتحدث الشهيدُ القائدُ عن حجم الانحراف الكبير الذي طرأ على هذه الأمة والذي جعلها لا تبالي بقتل رجل بحجم الإمام الحسين بن رسول الله..!! هذا الانحراف في القيم والأخلاق لم يكن انحرافًا عن الدين فحسب؛ بل كان انحرافًا أيضًا عن بعض القيم السائدة في المجتمع الجاهلي، والتي لم يحصل فيها حادثة بحجم كربلاء، ولم يحصل أن قامت الجاهلية بقتل رجل بعظمة ومكانة الحسين بن علي..!! حيث يقول السيد في ذلك: ((لم نسمع في تأريخ الجاهلية بحادثة كهذه!. ما الذي جعل الساحة الإسلامية مسرحاً لمثل هذه المآسي؟ لمثل هذه الأحداث المفجعة؟ ما الذي جعل من يسمون أنفسهم مسلمين، ويحسبون على الإسلام هم من ينفِّذون مثل هذه الكارثة!؟ مثل تلك العملية المرعبة المفجعة!. وضد من؟ ضد من؟! هل ضد شخص ظل طيلة عمره كافراً يعبد الأصنام، ويصد عن الدين؟ هل ضد رجل عاش حياته نفاقاً ومكراً وخداعاً وظلماً وجبروتاً؟ كان هذا هو المفترض لأمة كهذه، أن يكون لها موقف كهذا أمام أشخاص على هذا النحو: كفر وشرك وطغيان وجبروت وظلم ونفاق.

لكنَّا نرى أن تلك الحادثة التي وقعت في الساحة الإسلامية، وعلى يد أبناء الإسلام، بل وتحت غطاء الإسلام وعناوين إسلامية، وخلافة تسمي نفسها خلافة إسلامية، نرى أن ذلك الذي كان الضحية هو من؟ واحد من سادة شباب أهل الجنة (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة). هو ابن سيد النبيين، هو ابن القرآن، هو ابن سيد الوصيين، وسيد العرب، على بن أبي طالب، هو ابن سيدة النساء فاطمة الزهراء، هو ابن سيد الشهداء حمزة. ما الذي جعل الأمور تصل إلى أن يصبح الضحية في الساحة الإسلامية وتحت عنوان خلافة إسلامية وعلى يد أبناء هذه الأمة الإسلامية، أن يكون الضحية هو هذا الرجل العظيم؟)).

 

ويقول أيضًا (رضوان الله عليه): ((حادثة كربلاء فاجعة كربلاء هل كانت وليدة يومها؟ هل كانت مجرد صدفة؟ هل كانت فلتة؟ أم أنها كانت هي نتاج طبيعي لانحراف حدث في مسيرة هذه الأمة، انحراف في ثقافة هذه الأمة، انحراف في تقديم الدين الإسلامي لهذه الأمة من اليوم الأول الذي فارق فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هذه الأمة للقاء ربه)).

 

إذا لم نعتبر من الأحداث فإن التأريخ سيعيد نفسه:

ويحذر (الشهيدُ القائد) من عواقب التفريط في هذه المرحلة؛ وخاصة من يتكرر عليهم هديُ القرآن، وهديُ علي عليه السلام؛ فالجميع عرضة للوقوع فيما وقع فيه قتلةُ الحسين بن علي، والجميع عرضة للوقوع فيما وقع فيه قتلةُ الإمام علي..

فإذا لم يستشعر الجميعُ مسؤوليتهم، ويتحركون في مواجهة الباطل، سيُساقون جنودًا لأمريكا وإسرائيل.. وهذا ما نراه اليوم؛ حيث نجد أن معظم الجنود الذين يقاتلون في صفِّ [العدوان الأمريكي السعوديّ] هم من المحسوبين على الإخوان المسلمين، من (حزب الإصلاح) وأمثالهم من التكفيريين..!! فعندما خذلوا الحقَّ، ولم ينطلقوا في مواجهة باطل أمريكا في المنطقة، نراهم اليوم يُساقون جنودًا لأمريكا في اليمن، والعراق، وسوريا، وليبيا.. ومما قاله السيد (رضوان الله عليه): ((نحن – أعتقد – إذا لم ننطلق في مواجهة الباطل، في هذا الزمن فإننا من سنرى أنفسنا نساق جنوداً لأمريكا في ميادين الباطل في مواجهة الحق)).

 

ويقول أيضًا: ((إذا كنا فقط إنما نلوم الآخرين، ولا نعرف على ماذا نلومهم، أنت تلومهم؛ لأنهم قتلوا الحسين، أليس كذلك؟ فعلاً يُلامون على أنهم قتلوا الحسين، لكن ما الذي جرّهم إلى أن يقتلوا الحسين؟. أنت تعيش النفسية، تعيش الحالة التي جرتهم إلى أن يخرجوا ليواجهوا الحسين، فَلُمْ أنت نفسك، ولمُهم أنت على تفريطهم يوم كانوا يسمعون علياً، واحذر أنت أن تكون ممن يفرط وهو يتكرر عليك هديُ علي، وهديُ القرآن الكريم الذي هو فوق كُلّ هدي)).

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com