الشعب اليمني والأمّتان العربية والإسلامية تودّع صباح اليوم السيد العلامة المؤيد بالعاصمة صنعاء: العالم الرباني حمود بن عباس المؤيد.. 103 أعوام في نشر العلم والدفاع عن الحق

 

المسيرة / صنعاء

يودِّعُ الشعبُ اليمني، صباحَ اليوم الثلاثاء، فقيدَ اليمن الكبير والأمتين العربية والإسْلَامية، السيد العلامة حمود بن عباس المؤيد، والذي انتقل إلى جوار ربه فجر أمس الاثنين، بعد مرض عُضَال الم به، عن عمر ناهز الـ 103 سنوات قضى معظمه في خدمة الوطن في مجال العلم والوعظ والإرشاد والتدريس وعمارة المساجد.

حيث يشيّع اليمنيون جثمانَه الطاهرَ بعد الصلاة عليه صباح اليوم في جامع الشوكاني بصنعاء.

وكان السيد العلامة حمود بن عباس المؤيد قد أفنى حياته بالأعمال الصالحة التي تجلت في مؤلفاته المختلفة وأبرزها الشعاع المضيء وكذا النور الأسنى في أحاديث الشفاء وغيرها الكثير من المؤلفات، وفي الإفتاء وملازمة تدريس الفقه والشريعة الإسْلَامية مع طلابه حتى وفاته.

كما كان الفقيد المؤيد من أساطين العلم وَأوتاد التقى وَالزهد، معروفاً بالخير وَداعياً إليه وَمصلحاً ربّانياً مدافعاً عن الحق وناصراً للمظلوم.

ووُلد السيد العلامة المؤيد رحمه الله عام 1336ه‍ في قرية العتمة ناحية غربان من بلاد ظليمة في حاشد؛ لأن أباه كان عاملاً ببلاد ظليمة ولم يلبث رحمه الله فيها إلا قليلاً.

واسمه.. حمود بن عباس بن عبد الله بن عباس بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن الحسن بن الإمام المؤيد بالله محمد بن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد رضوان الله عليهم أجمعين.

تحدث عنه الكثيرُ من العلماء أبرزهم السيد العلامة علي بن محمد الشرفي رحمه الله الذي تحدث عنه بشكل مطول منه قوله إن “السيد السند، والمرشد المعتمد، الداعي بالعلم والموعظة الحسنة إلى الواحد الأحد، الذي أفنى شرخ شبابه وريعان قوته في العلم وطلبه والعبادة والعمل الصالح…”، إلى أن قال فيه: “كينعي زمانه، وابن أدهم أقرانه، ويوسف إخوته وإخوانه، وزين العابدين في عصره وأوطانه…”.

كما قال عنه مفتي الجمهورية السابق السيد العلامة أحمد بن محمد زبارة رحمه الله: “إن العلامة حمود بن عباس المؤيد أمضى حياته في الدرس والتدريس والوعظ والإرشاد والإفتاء والإصلاح بين الناس وفصل خصوماتهم بالحق بدون أي غرضٍ أَوْ أجرة، وإنما أعماله كلها خالصةٌ لوجه الله فلذا وثق به المؤمنون وانتفعوا به”.

أما السيد المولى العلامة محمد بن محمد المنصور -رحمه الله فقال بأن العلامة حمود بن عباس المؤيد هو الأستاذ لما أعلم من فقهه وتقواه وجودة فهمِه، وحُسنِ استنباطه واشتغاله بالطلب من مستهلّ حياته…”.

وكان -رحمه الله – في نشاط مستمر وجدٍ واجتهاد منقطع النّظير تدريساً وتحقيقاً وتصنيفاً للعلوم الشرعية، وصياماً لأيام البيض شهرياً وغيرها من الأيام الفضيلة من سنة 1352ه‍ تقريباً، وخطيباً للجمعة من ذلك التأريخ حيث يُعَد مسجده الذي يخطب فيه الجامع الثاني بعد الجامع الكبير بصنعاء.

عرفه الكثير بتفرغه في التدريس من بعد صلاة الفجر في مسجده المعروف “بالنهرين” لشرح العديد من كتب الفقه كالكشاف، وشرح التجريد، والاعتصام للإمام القاسم، والأحكام، وشرح الأزهار، وشرح نهج البلاغة، والفرائض والبلاغة وغيرها من العلوم الشرعية والفقهية منذ أكثر من سبعين عاماً.

وما أن يتم ذلك الدرس حتى ينتقل رحمه الله إلى منزله -تالياً لسورة يس وغيرها في طريقه- لتناول لقيمات فطوره، ثم لا تراه بعد ذلك إلا تالياً للقرآن أَوْ محققاً لمسألة، أَوْ مستنبطاً لبعض الأحكام، أَوْ مواسياً لطلبة العلم والفقراء والمحتاجين، ولا يخفى على أحدٍ يعرفه ما يقوم به من إفتاء للمتوافدين من مختلف أنحاء البلاد اليمنية رادّاً ومجيباً على فتاويهم في جميع الأوقات حتى في طريقه إلى المسجد أَوْ عند عودته منه، وهكذا لا تجده في نهاره إلا مدرساً أَوْ واعظاً، أَوْ مفتياً، أَوْ راكعاً، أَوْ تالياً للقرآن، أَوْ ذاكراً لله عزّ وجلّ.

وأما ليله: فقد كفانا الله وصفَه ووصفَ أمثاله بقوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ…}.

وكان الكثير ينظر إليه بأنه رحمه الله سلسلة من العترة النبوية الطاهرة الزكية الذين وهبوا حياتهم خدمة للناس ولشرح الدين الإسْلَامي.

ومما ينبغي الإشارة إليه ما قام من أعمالٍ خيريةٍ عامةٍ من أوقافٍ ومحاسنَ ومساجدَ لمسَ نفعها وبركتها الناسُ من مختلف أنحاء البلاد اليمنية، فأماكن كثيرة بنى فيها إما مسجداً أَوْ مدرسةً لتعليم القرآن العظيم، والعلوم الشرعية، أَوْ منهلاً أَوْ بركة ماءٍ وذلك إما إسهاماً منه أَوْ مشاركاً، وإما دالاَ عليه ومرغباً ومحفزاً، وشعابُ اليمن وأوديتها تشهد له بما قد صنع فيها من محاسن وأوقاف يستفيد منها الإنسان والحيوان والطير والنبات من دون حُبٍّ منه للشهرة أَوْ الإعلان أَوْ قصّ شريطٍ إيذاناً بالافتتاح أَوْ غير ذلك من أعمال أهل الدنيا، فكان ممن قال الله تعالى فيهم: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، وكان يقول إذا دخل قرية أَوْ رأى جبلاً أَوْ وادياً: استودعتُ هذه البقاع شهادة ألاَّ إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله.

وناهيك عن عظيم سجاياه وكريم أَخْـلَاقة ولين جانبه حتى أن الطفل والشابّ والشيخَ والمرأة كلّهم يأنس ويثق به، ويعتقد ويلتمس الدعاء منه، فهو ينادم الطفل ويلاطفه حتى يرى المشاهد الأطفالَ حوله حِلَقاً حِلقاً، لا يقصر في تعليمهم وتحفيظهم للأحاديث النبوية الصغيرة اللفظ، السهلة الحفظ، والكلمات العلوية والأبيات الشعرية التي فيها الحِكم العليّة.. يوقر الكبير ويجلّه حتى لا يريد مفارقته والاستئناس به.

وكان رحمه الله كثير الورع محتاط في جميع أموره وفي فتواه خآصّةً متأنٍ في الأمور متبصرٌ فيها، ذو نظرٍ ثاقب، عظيم الزهد.. كما أنه رحمه الله لم يقتصر على دراسة كتب أهل البيت (ع) وعلومهم بل تعدّاها إلى قراءة كتب العامة في مختلف الفنون، ومن أراد استقصاء ذلك فليرجع إلى كتابه (الإجازات).

 

تلامذته:

لا يستطيع شخص حصر تلامذةِ العلامة المؤيد رحمه الله لكثرتهم ولا يزال كما اسلفنا في تدريس مستمرٍ ويحضر حلقاته -بجامعه المعروف- الكثير من طلاب العلم، والذين قد بلغ بعضُهم درجةً عظيمةً من العلم والفضل، ولمسَ الناسُ النفع منهم، والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً، {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com