الولايات المتحدة تغامر وتقامر بمصير العالم!

عصام مخول*

إنَّ تفحُّصَ الممارسات السياسية والعدوانية الأمريكية على مدى ما يقارب ثلاثةَ عقود يفضح الطابع الامبريالي لمشاريع الولايات المتحدة، ويشي بحقيقة الذرائع الأمنية ومحاربة الإرهاب التي استعملتها الولايات المتحدة، وحقيقة الحرب ضد القاعدة وإعلان التخلص من بن لادن عندما انتهى دوره في خدمة العدوانية الأمريكية وتبريرها، والحرب ضد “الترسانة النووية العراقية” غير الموجودة، وما رافقها من “عملية تجريف حضاري” كما وصفها الباحث سليم نزال في كتابه “حصاد مُرّ”، وشيطنة إيران وسوريا، والدور المشبوه لـ “التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في محاربة داعش” وفي إنشاء داعش وغيرها من منظمات الإرهاب (باعتراف وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون).. ويتكشف أن هذه التهويمات ما هي إلا تبريرات لسياسات إرهابية تمارسها الامبريالية الأمريكية بحق الشعوب ومن أجل إخضاع الدول وابتزازها في أشبه ما يكون بممارسة البروتيكشين الدولي.. والولايات المتحدة التي وضعت هدف محاربة “الإرهاب الإسْلَامي” كهدف استراتيجي يشكل عنواناً للعصر، كانت الأقوى حضوراً في إنتاج هذا الإرهاب من “القاعدة” إلى “داعش” واستعماله في خدمة مشاريع الهيمنة الأمريكية وما تزال تستعمله اليوم أيضاً في سوريا والعراق لتبرير وجودها العسكري العدواني وقواعدها العسكرية لمنع القضاء على الإرهاب بشكل يحرر الشعوب منه.

والولايات المتحدة عندما تعلن حقَّها في التصدي لأية محاولة تعيق مُخَطّطاتها الاقتصادية ولأية قوة ترفض الخضوع لآليات هيمنتها الاقتصادية أَوْ السياسية، أَوْ تحد من عمق تأثيرها في عالم القطب العالمي الأوحد فإنها تعني ما تقول.

فقد ربطت الاستراتيجية الأمريكية بين سطوتها العسكرية وجبروتها الاقتصادية، ووظفت الأولى في خدمة الأخيرة.. فكيف ينعكس ذلك في عالم السياسة والاستراتيجيا ومشروع “نشر الديمقراطية” في عالم القطب الأمريكي الواحد؟.

 

الدولة العظمى والعِملَة العظمى: أَوْ موقع الدولار في التجارة العالمية!

في الحرب العالمية الثانية بعد أن لاح في الأفق انتصار الحلفاء اجتمعت في تموز 1944 في مدينة بريتون وودز الأمريكية بمبادرة من الحكومة الأمريكية، 44 دولة للاتّفاق على نظام نقدي دولي جديد يوفر حرية التجارة ويمد الدول الأعضاء بالسيولة الكافية. وبرزت في المؤتمر هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد توصل المؤتمر إلى وضع اتّفاقيات تم بموجبها إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير (إعادة الإعمار!!) ورفض الاتحاد السوفييتي المشاركة في هذه المؤسسات في ظل الهيمنة الأمريكية الواضحة عليها.

ويمكن القول إن “نظام ثبات أسعار صرف العملات الأجنبية كما وصفه أكرم الحوراني، كان حجر الزاوية في مؤتمر بريتون وودز، إذ يقوم هذا النظام النقدي الجديد على أساس “قاعدة الصرف بالدولار الذهبي” وعلى أساس “مقياس التبادل الذهبي”، وبذلك تحول الدولار الأمريكي من عملة محلية إلى عملة احتياط دولية، بمعنى أن احتياط الدول بات يعتمد الذهب أَوْ الدولار في المعاملات التجارية الدولية، إلى أن أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون في العام 1971 أن الولايات المتحدة تُلغي قابليةَ تبديل الدولار إلى ذهب، وأن الولايات المتحدة تعتمدُ الدولارَ وحدَه كمقياس للتبادل التجاري، فارضةً بذلك هيمنتها على الاقتصاد العالمي من خلال هيمنة عملتها المحلية على النظام النقدي الدولي..

بمعنى أن كُلّ تجارة بين دولتين يفترض أن تكون بالدولار.. مما جعل الولايات المتحدة قادرة على طبع أية كمية من الدولارات؛ لأن البنوك في العالم كانت بحاجة إلى دولارات. وبناء على الأهداف الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة كما جئنا عليها في هذا التحليل، فقد تصدت الولايات المتحدة لكل من سيحاول الانسحاب من استعمال الدولار واعتبرت ذلك رافعة لعدوانيتها بغض النظر عن المبررات التي افتعلتها لحروبها.

ومن المثير أن نشيرَ أن أول من تحدى ذلك وقرّر الانسحابَ من النظام النقدي المعتمد على الدولار وأن يجري تجارتَه باليورو.. كان الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. وبعده أعلن القذافي أنه يريدُ إدارةَ التجارة بالاعتماد على الذهب! وبادر إلى تأسيس بنك مركزي أفريقي على هذا الأساس. وبعد ذلك أعلنت إيران أنها لن تبيع النفط بالدولار.. فانطلق المشروع الأمريكي لـ “نشر الديمقراطية” في الشرق الأوسط، ومنذ ذلك الوقت وضعت إيران أيضاً، على المشرحة وتجري شيطنتها بشتى الوسائل، وفي الدرك الأسفل من هذه الشيطنة ما تقوم به المؤسسة الإسرائيلية ورئيسها نتنياهو والإدارة الأمريكية ورئيسها الحالي ترامب.

*كاتب فلسطيني

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com