ثقافة الجهاد والاستشهاد في مواجهة الترهيب والترغيب

عبدالرحمن محمد حميد الدين

من المعلوم أن خطَّ الجهادِ وطريقَ الشهادة كان فيه الكثيرُ من أنبياء الله وأوليائه، وهو الطريقُ الذي خطَّه [عظماءُ الإنسانية] بدمائهم وبتضحياتهم الجسيمة، وصنعوا واقعًا جديدًا. ونجد في طيات المضامين القرآنية الكثير من القصص والمواقف التي خلدها القرآن الكريم من حالات الصراع بين الحق والباطل، وبين الخير والشر منذ أن وُجِد الإنسان على هذه البسيطة؛ وكان مقتل هابيل على يد أخيه قابيل، أول ظاهرة صراع بين الخير والشر على وجه الأرض..

وتظل [الثقافة] التي يحملها طرفا الصراع هي الدافع الرئيسي للاختلاف بين البشر، ولكن يبقى فرق محوري بين طرفي الحق والباطل؛ وهو أن أهل الحق يؤمنون بقضيتهم وبمشروعهم وبما يحملونه من ثقافة، وهم دائمًا على استعداد وجهوزية للتضحية بأموالهم وأرواحهم في سبيل ما يؤمنون به.. أما أهل الباطل فتجدهم أكثر تشبثًا بالحياة وبحالة الدعة، وتراهم مستعدين لارتكاب أبشع الممارسات حتى يعززوا من رصيدهم [المادي] ومن بقائهم أطول وقت ممكن في سكرات ملذاتهم..

 

ثقافةُ الجهاد والاستشهاد ودورُها في تقويض الباطل:

وحديثنا الأهم هو حول ثقافة [الجهاد والاستشهاد] ودورها في تقويض الباطل وإحباط وسائل الترهيب والترغيب التي يستخدمها الأعداء للسيطرة على الشعوب والمجتمعات. وقبل أن نتطرق لتلك الوسائل والأساليب نعرّج على بعض الشواهد القرآنية والتأريخية التي سجلت أبرز حالات الصراع بين الحق والباطل والتي استخدم فيها الطواغيت وسائل التخويف والترهيب تارة، ووسائل الإغراء والترغيب تارة أخرى.

والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا ونذكر منها موقفًا عظيمًا سطَّره القرآن الكريم وهو موقف السحرة الذين جمعهم فرعون في الميعاد الذي وضعه لنبي الله موسى وأخيه هارون (عليهما السلام).. وخلاصة ذلك الموقف العظيم أن السحرة الذين كانوا ممن اتخذوا من فرعون [إلهاً] والذين تم حشرهم لمواجهة معجزات نبي الله موسى؛ وإغرائهم بأن يكونوا من المقربين في [البلاط الفرعوني]؛عندما شاهدوا تلك المعجزات الإلهية على يد موسى عليه السلام انبهروا وتفاجئوا وبالتالي أعلنوا إيمانهم بالله أمام فرعون وملئه، وبحضور الآلاف من الناس، غير آبهين بتلك الإغراءات والمناصب التي سيخسرونها، كما أنهم لم يأبهوا لأي قرار قد يتخذه الفرعون تجاههم؛ لذلك كان موقفهم واضحًا وحاسمًا عندما تهددهم فرعون بتقطيع أطرافهم وصلبهم، حيث أعلنوا موقفهم العظيم والمشهود والذي كرره القرآن الكريم ثلاث مرات؛ حيث قالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)}.. ما أعظمه من موقف..!! وما أشده من تخويف وترهيب..!! بل لم يكتفِ السحرةُ بإعلانهم الإيمان بالله؛ فقد أعلنوا أنهم لا يخشون العقاب الشديد الذي أعلنه بحقهم؛ لعلهم يتراجعوا ويحفظوا ماء وجه الفرعون؛ بل زادوا على إيمانهم بالله أن قالوا في وجه ذلك الطاغوت: {لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}..!!

هناك الكثير مما يجب أن نستلهمه من موقف أولئك الذين كانوا سحرة في بلاط الفرعون، ثم تحولوا إلى [قادة عظماء] في ساح المعركة النفسية والإعلامية بين نبي الله موسى وفرعون.. فكانوا هم أبطال ذلك المشهد العظيم..

 

السلاحُ الذي يستخدمه الأعداءُ لاستعباد الناس والهيمنة عليهم:

ومن خلال المواقف التي سطرها القرآن الكريم، ومن خلال ما نقله التأريخ؛ نصل إلى أن طواغيت الأرض وأعداء الإنسانية دائمًا ما تكون أساليبهم في السيطرة والتحكم بالشعوب سلاحًا ذي حدين؛ إما سلاح التخويف والترهيب، أو سلاح الإغراءات والترغيب.. وهو نفس السلاح الذي عُرِضّ على السحرة.. وعلى غيرهم من الناس على مرّ التأريخ.. وقد أشار السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) إلى هذا الجانب في خطابه بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد لعام 1432هـ ومما قاله في ذلك: ((الأعداء في هذا العصر يستخدمون سلاحين من خلالهما يهيمنون على المجتمع، يتغلبون على الناس، يستعبدون عباد الله: السلاح الأول: هو سلاح الخوف، التخويف والرهبة، فهم يعملون على إثارة الخوف في نفوس الناس بكل الوسائل، بكل الأساليب ليتهيأ لهم من خلال ذلك السيطرة على الناس، والتحكم بهم في توجههم، وفرض ما يريدون عليهم، وباختصار: ليتهيأ لهم استعبادهم من دون الله والتحكم في كل شؤونهم. والسلاح الآخر: هو سلاح الترغيب، وإثارة الأطماع، وشراء المواقف، وشراء الذمم. والسلاح الأول وهو سلاح التخويف والترهيب هو السلاح الأعم الذي يستخدمونه على نحو واسع..)).

وما أكثر الشواهد والأمثلة التي تدل على كيد الطغاة والمستكبرين في بذل جُلّ طاقتهم في محاربة الحق وسيادة الباطل؛ فاليوم ها هو [العدوان الأمريكي السعودي] يعيد إنتاج طواغيت على شاكلة [فرعون والنمرود ويزيد].. ويمارس نفس الأساليب الشيطانية في تخويف الناس والمجتمع من اتِّباع الحق، والحثّ على السير خلف مشروع الباطل.. فدول تحالف العدوان وعلى رأسها أمريكا والسعودية والإمارات تستخدم أسلوب التخويف والترهيب بوسائل وإمكانات ضخمة وهائلة لم تكن متهيئة لفرعون أو النمرود أو حتى ليزيد.. فالقصف بالطيران السعودي الأمريكي والجرائم اليومية بحق نساء وأطفال اليمن، والحصار الاقتصادي هي أبشع وأفظع وسيلة استخدمتها قوى الشر في تأريخ البشرية..

وقد يُقدَّم التخويف على شكل [نصائح] وعناوين جذابة كالحرية، أو الاستقلال أو [إعادة الأمل] أو غير ذلك من العناوين الزائفة التي تختبئ خلفها وحوشٌ مفترسة..

ومما قاله السيد حسين بدر الدين الحوثي في هذا السياق في الدرس الثاني من دروس المائدة: ((الكلام لا يخلو عن: إما أن يكون تخويفاً, أو يُقدم بأسلوب نصح من جانب الذين يواجهون أي عمل مهما كان عظيماً، فليكن لديك قاعدة ثابتة عندما يخوفونك هي أن الله هو الذي يجب أن تخافه)).

 

نبي الله إبراهيم انطلق في دعوة قومه من مقاييس المقارنة ومن قواعد ثابتة:

ويستشهد السيد حسين بدر الدين الحوثي في هذا السياق أيضًا بموقف نبي الله إبراهيم عليه السلام؛ عندما كان يدعوهم إلى عبادة الله وحده ونبذ الأصنام؛ فكان قومه يستخدمون في مواجهته التخويف تحت عناوين مختلفة. ومما قاله الشهيد القائد في ذلك: ((لاحظوا نبي الله إبراهيم كيف كان إنساناً واعياً على درجة عالية من الوعي، انطلق من مقاييس المقارنة، من قواعد ثابتة لديه، يخوفونه بهذا ويخوفونه بهذا، وكل تخويف يبدو تخويفاً بشيء لا يشكل خطورة مع المقارنة بما يجب أن نخافه من قِبَل الله سبحانه وتعالى {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}؟ أنت تريد أن تخوفني من أجل أن تدفع بي إلى جانب الأمن، أليس كذلك؟. وأنا أخوفك بالله أريد أن أدفعك إلى جانب الأمن {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ}؟ أي الفريقين يصح أن يقال: هو الآمن؟ من يكون في واقعه آمناً من عذاب الله وسخطه أو من يحاول أن يأمن من عذاب الناس وسخطهم، ويوقع نفسه في عذاب الله وسخطه، هل هو أَمِنَ؟ لم يأمن… فالآمن هو من يأمن من عذاب الله وسخطه، وكل شر وكل عذاب، وكل أمر مخوف هو دون جهنم لا قيمة له)).

 

ثقافة الجهاد والاستشهاد المعادلة الصعبة:

إذاً ما الذي جعل [السحرة] الذين آمنوا على يد نبي الله موسى يصمدون ويتجاوزون إغراءات الفرعون وتخويفه؟!! وما الذي جعل [نبي الله إبراهيم] يواجه ترهيب النمرود ولا يخشى تلك النار التي أضرمها قومه؟!! وما الذي جعل [الجيش واللجان الشعبية] ومن خلفهم [أبناء الشعب اليمني] يصمدون لما يقارب الثلاثة أعوام رغم الإرهاب والتخويف والقتل والحصار الذي تمارسه السعودية والإمارات ومن خلفها أمريكا وإسرائيل..؟!!

إنها ثقافة [الجهاد والاستشهاد].. إنها ثقافة القرآن الكريم.. وثقافة الناموس الإلهي التي أبرزت [المعادلة الصعبة] في الزمن الصعب.. وفي وجه طواغيت الأرض.. وقد اعتبر السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1432هـ: ((أن بإمكان مجتمعاتنا الإسلامية ومن خلال التثقف بثقافة القرآن الكريم، ومن خلال التربية الإيمانية، بإمكانها أن تصبح أمة لا تخاف إلا الله، أمة تعتبر القتل في سبيل الله شهادة، وتعتبر الشهادة كرامة، وتعتبر الشهادة في سبيل الله عزةً وخيرًا وفضلاً وشرفًا كبيراً، هذا هو ما يخشاه الأعداء، ولهذا يغيّبون عن أمتنا الإسلامية – سواءً في وسائل الإعلام أو عبر المدارس أو عبر الجامعات أو عبر الخطاب الديني في المساجد وغيرها – يُغيّبون هذا الجانب بشكل كبير؛ لأنهم لا يريدون لأمتنا أن تكون على هذا النحو: أمة تحطم قيود هذه المؤامرة؛ قيود حالة الخوف، تكسر أغلال الخوف الذي يكبلها ويجعلها مستسلمة وخانعة وخاضعة..)).

ويؤكد السيد القائد (يحفظه الله) على أهمية أن تكون ثقافة الجهاد والاستشهاد حاضرة دومًا؛ حتى تشكل حصانة في مواجهة قوى الكفر والنفاق.. وخاصة في هذا العصر الذي هيمنت فيه دول الاستكبار العالمي أمريكا وإسرائيل ومن دار في فلكها من أعراب السعودية والإمارات.. ومما قاله ضمن هذا السياق أيضاً: ((يجب أن نُذكِّر أنفسنا، نُذكِّر أمتنا من حولنا بأهمية هذه الثقافة، بحاجة أمتنا في هذا العصر إلى هذه الثقافة؛ ثقافة الجهاد والاستشهاد، وأن تكون النظرة إلى الشهادة في سبيل الله هي النظرة الحقيقية، النظرة التي قدمها القرآن الكريم، وبذلك لا يبقى هناك شيءٌ يخيف الأمة، لا يبقى هناك بيد العدو وسيلة للهيمنة على المجتمع، للهيمنة على الناس، لإذلال الناس؛ لأنه فقد وسيلة من أهم وسائل السيطرة والتحكم وهي: سلاح التخويف..)).

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com