قصيدة “طفل صعدة 2”

للشاعر الشهيد/ معاذ المتوكل*

*كتبها في السجن المركزي بصنعاء أثناء الحرب السادسة.

 

عسى الأيَّامُ تُبدي ما توارى

وتجلو من لياليها الخَبَايا

أعادتني لمأساتي فعادت

وعدتُّ أحلُّ أحجيةَ الخَفَايا

أحالتني بآلامي وَحيداً

فيا تباً لها تِلك الرَّزَايا

سأَحكي للورى ما قد جرى لي

مِراراً عَلَّها تُجدي الحكايا

سأروي قِصِّتي لك إن تسلني

أنا طفلُ المآسي والمَنَايا

أنا الطفلُ الذي سُفكت دماه

ومِن أحشائه بَدَت الحوايا

أنا الطفلُ الذي قتلوا أباه

وصارت أُمُّه بين الضحايا

قبيلَ رحيلِها نادت باسمي

وكنتُ أهيمُ في جَمْعِ الشظايا

وجدتُ مجسَّماً يُبدي بريقاً

وفي أعماقه يُخفي المنايا

وألعاباً كذلك حين حطَّت

بقُربي خلتها إحدى الهدايا

وأُمّي حينها لمَّا رأتني

رمت أغراضَها وسعت ورايا

فلما أسرعت نحوي خُطاها

على أقدامها تلك الحفايا

تفجّرُ بينها لغمٌ وبيني

وصاحت صيحةً تمحو الخطايا

هوت للأرض مغشياً عليها

وقد جرحت فأيقظها نِدايا

ولم تقوَ على مشيٍّ فراحت

بنزف جراحها تحبو خطايا

وكانت بالشظايا لا تُبالي

فليس بعينها شيءٌ سوايا

تحطّم قلبُها لما رأتني

طريحاً قد بدت مني الحَوَايا

لما قد حَلَّ بي تبكي بكاءاً

يُذيبُ الصخرَ من جَوْر الرزايا

تناظِرُني فرحت أزيلُ دمعاً

بعينَيها فلامست الثنايا

حتى حين ضمّتني إليها

همستُ بأذنها أغلى الوصايا

فيا أُماه.. لا تبكي عليً

فإنَّ اللهَ لا ينسى دُعايا

فيا أماه.. لا تخشي عليَّ

فقد غدت الشهادة من منايا

ألا.. فلتفرحي إني سعيدٌ

وكوني زينباً عند الرزايا

فخف بكاؤها وغدت تُداري

وتبدي قوةً لتنل رضايا

وقدَّتْ ثوبَها لتلم جرحي

برفقٍ علّها تبقي دِمايا

فقلت جراحُك.. قالت: بخير

وضمّتني لترويَ لي الحزايا

ذكرت بحين ذلك يومَ كانت

قُبَيْلَ النوم تحكي لي الحكايا

فرحت أغطُّ في نومٍ عميقٍ

وبين حنانها سالتْ دِمايا

فلما أن أفقت إذا بأمي

إلى الجنات قد سبقت خُطَايا

أخا الإسلام.. هلا ذُدت عني؟!

أتسعَدُ عندما يعلو بُكايا

أتسكُتُ عن جرائمهم وتلهو

وتجري راكضاً خلفَ الدنايا

أمَا تأسى على طفلٍ يتيمٍ

يجوبُ الليلَ في الدُّور الخوايا

وأرملة خشت برد الليالي

على أطفالها باتوا عرايا

أما لو كنتُ ابنك هل سترضى

لصدري أن تمزقَه الشظايا

أمَا تخشى من الجبّار يوماً

به حتماً ستُسأَلُ عن دمايا

طغاةُ الأرضِ حقاً ما تبقى

لديكم من رجولتِكم بقايا

وذاك الجار لم يرعَ جواري

نظامٌ بالردى يرعى الرعايا

أبالفسفور فضّلتم حواري

جلوساً فوق طاولت المنايا

أتهدم مسجدي وتهد داري

عليَّ أهكذا تحمي حمايا

ولم تقنعْ بتهجيري فتغدو

بحقدك قاصفاً في ملتجايا

أمد يدي وأنت تمُدُّ قيدا

وتغضبُ حين تفلته يدايا

وتحكمني بإعدام وسِنّي

صغيرٌ دون قانونِ القضايا

وترقُصُ فوقَ أشلائي وتعطي

لسفّاحي جزيلاتِ العطايا

قُتلت طفولتي فبأي ذنب

ولم تكتب على مثلي الخطايا

ذُبحت براءتي فبأي سوء

نويت ولست أدري من النوايا

ألا قد حان أن تجلى الليالي

ويكشف سرها تلك الخفايا

أجبتم أمرَ أمريكا لأنَّا

أجبنا اللهُ في زمن الخطايا

أجبتم أمرَ أمريكا وصرتم

كإسرائيلَ من كُلِّ الزوايا

وحالي حالُ غزّة لو رأتني

لخالت أنها رأت المرايا

ولكني بمأساتي سأحيا

على درب الكرامة من صِبايا

فيومُ الطف لن أنساه يوماً

سيبقى في خُفُوقي والحنايا

وأمّي أرضعتني العز حتى

تجود في عروقي والخلايا

وراح أبي فأورثني إباه

ومكتوباً به أغلى الوصايا

فيا ولدي الحبيب كفاك فخراً

بأن أباك قد رام العلايا

مع الرّحمن كن أوصيك صبراً

تحلى بالفضائل والسجايا

تحرّك من هُدَى القُـرْآن دوماً

وآل المصطفى خير البرايا

وجاهد في سبيل الله إني

لمنتظر لقائك في علايا

رميت بلعبتي وحملت فوقي

سلاح أبي وجهزت المطايا

إلى الرحمن قد وجهت وجهي

وبعتُ النفسَ من رَبِّ البرايا

حياة بالحنا لا خيرَ فيها

عليك يا دُنَا مني التحايا

فلستُ أخافُ أمريكا بتاتاً

ولا من جيشِ طلابِ الدنايا

وكيف أخاف والرحمن حسبي

ونهج حُسينٍ يجري في دمايا

وحربي للعدا ويلٌ وموتٌ

ومحرقة وساحٌ للمنايا

وجندي بصفك يا ابنَ طه

فأطلقني مع أولى السرايا

لأُسمع كُلَّ سفاح عنيد

هتافاً نحن عشاق المنايا

فمهلاً أيها الطاغي رويداً

أتانا النصرُ فارحل من رُبايا

فها هي ثورةُ الأوطان هاجت

تدورُ على عروشِكم الرحايا

وسوف ترى بأُمِّ العين حقاً

لواءَ النصر ترفُعُه يدايا..

 

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com